|
رسالة.. إلى من لا يهمهم الأمر
عبد الإله بوحمالة
الحوار المتمدن-العدد: 2533 - 2009 / 1 / 21 - 00:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عمتم صباحا أيها.. "الشرفاء"(!).. كيف حالكم؟.. وكيف حال الضمير معكم هذا الصباح؟.. هل هو مرتاح ونائم تمام التمام؟.. الحمد لله.. اللهم أدمها نعمة واحفظها يا رب من الزوال.. اسمحوا لي أولا إن أرفع الكلفة بيننا في هذه التحية الصباحية ونتكلم بود وصراحة، ولا تؤاخذوني، إن ناديتكم بالاسم الحركي فقط وبلا ألقاب فللضرورة أحكام.. هه.. كيف حال البقرة الحلوب معكم هذه الأيام؟.. ألازالت تدر حليبا.. ألا زالت حنونة ورحيمة وتعطي بلا حساب؟.. أم أن تهافت الحلابين وكثرة الحلب نشفت الضرع وأصابته بالشح والجفاف؟.. وكيف حالكم أنتم معها؟.. ألا زلتم تحلبونها بتلك الطرق القديمة، أم ظهرت في الحلب طرق حديثة وعصرية مسايرة للتطور؟. وما أخبار الأعمال والمشاريع والصفقات والبورصات؟ هل لازالت مؤشراتها في تصاعد وازدهار مستمر؟.. أم قل حجم المعاملات فيها وتضاءل مردودها وبدأ يصيبها الكساد والبوار؟.. وأرصدتكم تلك "الحلال الزلال"، التي تعبتم في خطفها وتهريبها تحت جنح الظلام لتكتنزونها عند "الأشقاء الأمناء" في سويسرا؟.. هل مازالت تضيف أصفارها الجميلة الصغيرة إلى مؤخرة أرقامها على رأس كل سنة؟.. أم أن الأزمة الاقتصادية العالمية اللعينة باتت تتربص بحصاد السنين وتتهدده بالخسارة والنقصان؟.. كم يا ترى من الأطيان والفدادين والعمارات يكون، بالتقريب، قد انضاف إلى أملاككم وإنجازاتكم العظيمة الأخرى التي تخدمون بها الشعب في هذا الوطن العزيز؟.. هل ترك أسلافكم بعضا مما يمكن الاستحواذ عليه بجرة قلم؟.. أم تراهم شطبوها تشطيبا. وجباة الضرائب ثقيلو الظل أولئك، هل لازالت أعينهم مطرفة عنكم وعن ملاييركم تطريفا إلى قروش المكدودين والمسحوقين الذين اعوجت ظهورهم بالديون وأضناهم غلاء الأسعار؟.. أم تراهم باتوا يراودونكم بين الفينة والأخرى عن حساب الربح ويساومونكم عن صمتهم المتواطئ. وماذا عن تلك الأشياء التي تسمى ميزانيات وأغلفة مالية ومساعدات دولية؟.. هل لا تزال تجود بسخاء بخيرها الوفير كما في الماضي أم أن كثرة الأيادي المتسللة جعلتها قاعا صفصفا جدباء وتفرقت دراهمها بين القبائل؟.. هل لا زال بالفعل اختلاسها يحتاج إلى تلك العتمة وذلك الحذر الشديد الذي كان؟.. أم أن الغفلة العامة واللامبالاة السائدة سهلت الأمر أكثر وبات في مقدور أي هاو مبتدئ القيام بهذه الرياضة "الخفيفة" جهارا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد؟ ما أخبار أعدائكم وحسادكم من الحاقدين المغرضين؟.. ألا زال هناك من تدفعه "صلافة" أفكاره السياسية والإيديولوجية القديمة للتشكيك والتساؤل عن مصدر ثروتكم "المباركة"؟.. أم أن الجميع تاب، بحمد الله، وأناب ورجع عن غيه وضلاله إلى الرشد والحكمة؟.. هل لازال هناك يا ترى مثاليون بهاليل يطرحون تلك الأسئلة الغبية مثل "من أين لك هذا"... أو "من أين سرقت كل هذا؟".. أم أن هذا الصنف من البشر "المتخلف" انقرض من على سطح البسيطة منذ زمن بعيد. ثم أخبروني بربكم، وأستحلفكم بالله تَصْدُقُوني الخبر.. هل تمشون هذه الأيام على الأرض؟.. هل تتجولون مشيا على الأقدام في الشوارع والدروب؟.. هل حدث في الأيام الأخيرة أن خالطتم العامة في الأسواق؟.. أم أن تنقلاتكم ورحلاتكم المكوكية الميمونة كلها تجري بين الماء والسماء؟ وإن كنتم تتجولون ولو قليلا.. قليلا، على سبيل الرياضة، ألم يحدث أن لاحظتم بالصدفة مثلا أن الأغلبية الساحقة من عموم الناس باتت تمشي هذه الأيام مهزومة مقوسة الظهر برؤوس مطأطأة أثقلها الهم والغم؟.. ألم يثر فضول المعرفة فيكم حرقة السؤال عن السبب الكامن وراء كل هذا البؤس والشقاء؟.. ألم تلاحظوا أن نظرات هؤلاء الناس خبت وانطفأت وأن أبصارهم انكفأت إلى الدواخل حزنا ويأسا وقنوطا؟.. ألم يثر انتباهكم أن بعضهم صار يحدث نفسه في الشارع بصوت مسموع ويلتفت ويلوح بيديه في الفراغ؟.. ألم تصادفوا من على ظهر يخوتكم وبواخركم السياحية الخاصة ذات رحلة حمراء أجسادا بشرية بسمرة أجسادكم تتقاذفها أمواج البحار العالية ويتناهشها الحوت الضاري؟.. وهل أطمع أن تُصَدِّقوني لو قلت لكم أن تلك الأجساد اضطرت للهروب الكبير من وطن أفرغتموه أنتم من كل رحمة وتراحم واحتكرتم فيه السلطة ومن خلالها الثروة ومن خلالهما معا قيمة الإحساس العادي بالمواطنة والكرامة وحب الحياة. هل حدث أن لاح لكم في يوم من الأيام شريط من كتل قصديرية من بعيد في ضواحي المدينة؟.. هل تعرفون أن تلك الكتل والغيتوهات يسكنها أناس أحياء يتنفسون ولهم حقوق وحاجيات يحاولون انتزاعها كل يوم بالأظافر؟.. هل يخطر ببالكم مثلا أن مساحة آخر مرحاض من مراحيضكم الباذخة المكيفة قد تكون أكبر من المساحة التي تعيش فيها أسر كاملة من مثل هؤلاء الناس؟.. وهل تتصورون على سبيل المثال أن ثمن سيجار كوبي واحد مما تحرقونه في جلسة صباحية واحدة وأنتم تطالعون الجريدة الأجنبية جدا، أو ثمن كأس صغيرة من نبيذكم الفاخر يمكن أن يعيل لأسابيع أسرة بأكملها لا تعرف في قوتها شيئا آخر غير الخبز والشاي؟.. ألا يخزيكم ويوخز ضميركم، مثلا.. مثلا، أن يتمدد كلب حرمكم المصون وقطة كريمتكم المدللة ويناما قريري العين قرب المدفأة كل ليلة بعد حمامهما الدافئ، فيما يفقد أطفال بؤساء أرواحهم بسبب البرد والصقيع هذه الأيام؟. وأخيرا دعوني أختم رسالتي هاته لأتوجه إليكم بسؤال بريء.. هل فعلا تستطيعون أن تناموا بالليل بعمق مرتاحي البال والضمير؟.. هل فعلا تنامون وتحلمون باطمئنان؟.. ألا تحسون بالأرق ألا تتذوقون طعم المرارة ورائحة العرق في اللقمة المسروقة التي تأكلون؟.. ألا تفكرون بينكم وبين أنفسكم ليلا في حتمية النهاية والفناء؟.. أليست لديكم قناعة مثلما لدينا بأن هادم اللذات قادم مهما تأخر، وبأن الرحيل حاصل مهما تأجل، وأن المآل النهائي للجميع، أغنياء وفقراء لصوص وشرفاء، هو قبر ضيق مظلم وعيون في التراب وتراب في العيون ورأسمال حقير.. حقير جدا لا يتجاوز خرقة كفن أبيض؟.. أجيبوني لو سمحتم.. وإن لم يسعفكم الوقت أجيبوني على هذا السؤال الأخير فقط.. لا بل أجيبوا أنفسكم.. ربما يكون ذلك أفضل.. وصباحكم ككل يوم...
#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لَوْلاَ التَّشهُّدُ لكَانَتْ لاؤُهُمْ نَعَمُ
-
صبْراً آلَ غزَّةَ.. فأُمُّ الجُبْنِ فِينَا مَا وَلَدَتْ غيْر
...
-
إلا الأمن..(!)
-
الأحزاب المغربية.. تراجيديا السقوط نحو قمة الحكومة
-
انتخابات 2009 للجواب على رسالة الناخب الغاضب
-
الهيبهوب ظاهرة صوتية.. لا غير
-
أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)
-
أبا الخيزران.. هاهم يطرقون الجدران فعلا (!)
-
جرح العنوسة.. الطوق والأسئلة
-
اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا
-
القضية تهمنا أيضا
-
الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار
-
موسم الهجرة نحو الوسط
-
في الحاجة إلى معارضة حزبية قوية
-
ملاحظات على هامش انتخابات سبتمبر
-
البذور المنتقاة لديمقراطية بوش
-
الانتخابات والأمية بالمغرب: -إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب-(
...
-
التعليم في المغرب: صانع السم لا يذوقه
-
تعديل الدستور: نحو حكومات تحكم وتحاسَب
-
السباق نحو تدبير الأزمة
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|