بدر حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 777 - 2004 / 3 / 18 - 10:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس المبكي تقديم الإدارة الأمريكية لمشروع الشرق الأوسط الكبير , بل المضحك هو معالجة العرب لهذه البكائية . فمن المؤسف وصول العرب إلى حالة عالية من التهريج , الذي تستحيل معه لأي محلل الكتابة برصانة وموضوعية . لقد اتخذت إسرائيل قرارها بسحق الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وقراه , فاكتظت وسائل الإعلام العربية الرسمية بالمستنكرين . فلم يبق حاكم لم يخبط قدميه على الخشبة , فتتطاير الغبار المتراكم من عصر الانحطاط العربي . ورغم أن ما يجري على الساحة العربية , يمثل قمة التراجيديا , نرى الإنسان العربي يكاد ينفجر من شدة الضحك . من الأفضل للحكام أن يلوذوا بالصمت , لأن الصراخ والاستنكار يجعلهم يبدون أكثر عجزا وتخلفا . فلا المتغيرات الدولية هزتهم ولا التوازن الدولي الجديد أنعشهم أو حرضهم على الإصلاح . وعلى رأي أحد الكتاب الظرفاء : بأي أفران سوف يتم تركيب هذا الفخار المكسور في أيدينا منذ نصف قرن . يقول المثل : من ليس عنده كبير .. فليشتر كبيرا . ونحن يجب علينا أن نشتري أمريكا ونسلم لها أمرنا , ومصيرنا , ونستريح . لقد سقط جدار برلين وأنهار الاتحاد السوفييتي ومنظومته . وهذا ما أسميته شخصيا في حينها – بالعجيبة الثامنة في العالم . ومع ذلك يبدو من المستحيلات تقويض الجدران بين الأنظمة العربية وشعوبها .فمن يردم الهوة , التي تزداد اتساعا بين " القائد " و " التابع " . ومن يجعل الديمقراطية واقعا حيا للناس ويقنع الحكام العرب " العاجزين " بضرورتها وحتميتها . فلم يعد بامكانهم ممارسة سلطاتهم على أجيالنا بالأحكام العرفية . وربما لا يعلموا أن غاليلو ظل يهمس " أن الشمس ثابتة " وبقيت الكنيسة تصرخ " أن الشمس تدور " حول الأرض , وفي النهاية انتصر الهمس على الصراخ بقوة العلم والثقافة والبحث المستمر . لقد آن الأوان لنبعث ثقافة الديمقراطية ونشارك في تشيدها , بدل أن تفرض علينا قسرا . إن الذي يثير الاستهجان – هو لماذا يتصرف الحكام العرب وأنصارهم وكأنهم ورثة الأوطان , وعليهم تقع مهمة الحضارة والتطور والتطوير . ولماذا يعامل هؤلاء الحكام شعوبهم وكأنهم مجرمون , مطلوب إقصاؤهم عن الحياة العامة وعن المشاركة السياسية , وبناء مجتمع العدالة والمساواة . ومتى ستفهم قلاع التسلط , أن التقدم والتطور والحداثة , مرهون بالعودة إلى الشعوب وإطلاق سراحها من الأسر .
فعندما كنا شبابا كنا نردد " من المحيط الهادر .. إلى الخليج الثائر " . واليوم بعد أن تقدمنا في العمر , نعيد ترديد الشعار بواقعية فنقول :
" من المحيط الساهي .. إلى الخليج الواهي " توزعت أنظمة النفط والقحط بين الاستبداد والاستعباد .
منذ عهد هتلر , كان هناك طبيب نفساني اسمه " شتراخت " وشتراخت لمن لا يعرفه , هو أول من تحدث عن العقم , ولكن أي
عقم .. انه العقم الفكري . والعالم العربي حوله حكامه إلى وضع كهذا , أو بالأصح حولوه حتى أصبح هكذا , تحدث فيه أمور هنا وهناك
لكن ردود الفعل تتسع وتتسع لتموت في النهاية , وكأنك تضرب في ماء , أو تصرخ في واد سحيق , والسبب هو الضياع , واليأس
والعقم الفكري .وفي النهاية كل الأيديولوجيات في العالم العربي سقطت , وكل الشعارات ألتبس معناها , وكل " الآلهة " الحاكمة
فقدت مصداقيتها , وكل الأنبياء أضاعوا رسالتهم , حتى تحول كل شيء على أيدي الحكام إلى انقلاب وثورة من دون أي وزن ,
ومن دون زمان ومكان .
لقد حولت الأنظمة العربية الشمولية الاستبدادية كل شيء إلى ضده أو نقيضه . فالاشتراكيون ........أصبحوا أسوأ الرأسماليين ,
والوحدويون أسوأ الانفصاليين , والقوميون أسوأ العرب , والثوريون أسوأ المستسلمين , والإسلاميون أسوأ المسلمين . وأبشع
أنواع اليأس عندما يصبح المستقبل شيئا من الماضي , عندئذ يقف التطور ويزدهر التخلف والجهل .
إن هذه النمطية من الأنظمة القمعية والمستبدة هي التي حولت مجتمعاتنا العربية إلى مجتمعات بليدة , بلهاء , لا مهمة أمامها إلا
تجديد زراعة بذور الخوف والكبت . إنها مرحلة خطيرة تمر بها الأمة العربية . لكن الأسرار الكبيرة لم تعد داخل قصور الأنظمة
والحكومات , بل في نهاية صبر الشعوب الآتية لا محالة .
وإذا توقفنا لبرهة أمام محنة هذه الأمة , نرى وفي كل مكان من أرض العرب , لا السلطة سلطة , ولا المجتمع مجتمع , ولا الأحزاب أحزاب
بل أننا أمام صفقة تبادلية بين السيئ والأسوأ .
واليوم ونحن نسأل أنفسنا , كيف بامكاننا أن ننجو الذين نبحث عن خلاص ما وسط هذه التناقضات المعقدة , التي تدفعنا إلى الصفر أو ما دونه .
نتلفت حولنا فلا نرى غير أوطان تترنح من شدة اليأس والفقر والجهل ومن قوة الصدمة , أوطان افتقدت أحلامها , لا تملك بداية أو
نهاية . بلاد تحكمها أنظمة تعيش على عبادة لذة السلطة والمال , وقهر الشعوب , وأنقاض الأوطان . بلاد اندفع فيها الحكام وأعوانهم
وأقربائهم وأقرباء أقربائهم إلى ابتلاع كل شيء , وانفتحت أبواب الثراء غير المشروع أمامهم , في حين تحارب حكوماتنا استيراد
الأفكار الديمقراطية الحقيقية . وكأن " الديمقراطية الشعبية " والأنظمة البوليسية , والأحزاب الصورية , والنقابات الشكلية هي صناعة
محلية . هذا بالإضافة إلى أدوات ووسائل تعذيب المواطنين وزجهم بالسجون دون محاكمة , أو وفقا لأحكام مسبقة الصنع .
والعجيب أن الحكام العرب وحتى الأمس القريب يقولون ما يرضي الآخرين , لا ما يرضي شعوبهم . إذ لا يزال الشعار السائد بين
صفوفهم " اشهدوا لي عند الأمير " ... أمريكا . فهل أصبنا بلعنة الدهر حتى أننا في أكثر من خمسين عاما لم ننجح في بناء نظام حكم
يقوم على العدل والديمقراطية وتكافؤ الفرص , حتى يئست الشعوب من إمكانية الإصلاح والتقدم , فهجروا السياسة وابتعدوا عنها
يأسا ومرارة وألما . إذ أن أحسن حسنات حكامنا سيئة , وأصغر سيئاتها كبيرة . وبذلك انقطع كل حوار منذ زمان بين الحاكم والمحكوم.
فاضمحلت قيم المساءلة والمحاسبة , التي هي جوهر المفهوم الحديث للديمقراطية . ولهذه الأسباب تتلاشى كل مقاومة للضغوطات
الخارجية , التي تهب من كل اتجاه .
إن تمسك حكامنا في مواقفهم دون أية اعتبارات لمصلحة الشعوب والأوطان , أصابهم بتضخم الذات وفقدان القدرة على العطاء
والتغيير . ولأنهم يعرفون تركيبتنا النفسية , ويعلمون أن الحلم من طباعنا , نراهم يستخدمون أحسن وسيلة لقتل طموحات التغيير
عندنا بالانتظار . علينا أن ننتظر التغيير , ونستمر في الانتظار , ونواصل الانتظار , لأن أنظمتنا تريد بقاؤنا في هذه الحالة دائما
وأبدا , حتى نصبح كسمك البرك , نعتاد على الحياة في الماء الراكد .
لقد تداخلت في أذهاننا المعاني وتناقضت , واختلفت المفاهيم وضاعت . وهناك أشياء كثيرة في حياتنا تحتاج إلى تحديد في المعاني
وتدقيق في الأبعاد والمرامي , لأننا حتى الآن نتحدث وأنظمتنا بلغة متشابهة الألفاظ , لكنها متناقضة الدلالات والمفاهيم والمعاني.
قبل أيام انتهى اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة برفض مشروع ," الشرق الأوسط الكبير " هكذا بكل بساطة . وما دامت
المبادرة الأمريكية لا تعجبهم , فما هو البديل ؟ هل نبقى على هذه الحال ؟ كان الله في عون الجامعة العربية . فحالها كحال أنظمتها
كذب على الذات إلى درجة أصبحنا نترحم على الجامعة يوم تشكلت في ظل الاحتلال البريطاني فكانت أفضل حالا بكثير مما هي
اليوم , بالرغم من أنها شكلت حينئذ من 7 دول لا غير وهي : مملكة آل سعود , ومملكة عبد الله بن الحسين , ومملكة يحي حميد
الدين , ومملكة مصر الخديوية , ومملكة العراق الهاشمية , وجمهورية بشارة الخوري ورياض الصلح اللبنانية , وجمهورية
شكري القوتلي والكتلة الوطنية السورية . وبالرغم من ظروف الاستعمار , كانت هذه الجامعة أفضل بكثير من دول الثورات القومية
والحركات الانقلابية التي تشكل الجامعة حاليا , التي تغيرت صفاتها ومواصفاتها , بحيث أصبحت جامعة للأنظمة العسكرية والبوليسية
فتمزقت الجامعة بفعل الفساد والإفساد , الذي بلغ مستويات خيالية وصلت إلى مستوى الخيانة العظمى . لأن مفهوم الخيانة لا يقتصر
على تقديم تقارير استخباراتية إلى العدو , بل كل ممارسات الأنظمة العربية من فساد واستبداد وقتل المواطنين في السجون وتعذيبهم
واعتقالهم لعقود بموجب الأحكام العرفية هي في مرتبة الخيانة .
والآن وبعد احتلال العراق استفاقت دول الجامعة على الخطر الآتي من المبادرة الأمريكية , فكأنها كانت بحاجة إلى غزو العراق لتستفيق
من غفوتها , وكأن حالة الشعب الفلسطيني والابادة الجماعية التي يتعرض لها بشكل لم تعرفه البشرية من قبل غير كافية لإثارة نخوتهم . فأي عار
هذا الصمت أو الصراخ الفارغ .
لهذه الأسباب لم نستغرب دفاع الأنظمة العربية الاستبدادية عن نظام صدام حسين بحجة الدفاع عن الشعب العراقي , وكأن " الرئيس القائد
حفظه الله " ترك شعبا اسمه الشعب العراقي , إلى درجة أن الأمين العام للجامعة قال بعد سقوط " القائد " : " لم نكن على علم بالمقابر
الجماعية لصدام حسين " . أليس هذا الكلام مصيبة في حد ذاته ؟.
ومع أننا تربينا على كره السياسة الأمريكية دون شرح الأسباب وراثيا . وكنا ونحن طلابا في الجامعة نتنقل للتظاهر ضدها بين أثينا
وباريس , وبرلين , وفينا , ومدريد وغيرها . فإننا لا نستطيع أن نقارن الوضع الحالي في العراق بالوضع الصدامي " الراحل " .
فهذا القومجي الكبير قتل وشوه في حربه ضد شعب العراق وضد الكويت وإيران أكثر من ثلاثة ملايين إنسان , وشرد أكثر من أربعة
ملايين أخرى في كافة أرجاء المعمورة . فلو قتلت القوات الأمريكية والحليفة 3.... مواطن في العام , فهذا يعني أنها بحاجة إلى
مئة عام متواصلة لتصل إلى مستوى النظام السابق . وإذا شردت مثلهم سنويا فهذا معناه أنها تحتاج مئة وخمسة وعشرون عاما أخرى
للقيام بذلك .
لقد وصلت حالة الشعوب العربية إلى درجة من اليأس والإحباط , بلغ حد عدم التأثر بأية حالة حتى ولو كان احتلالا أجنبيا , فأي وضع
مهما كان لا يمكن أن يكون أسوأ من الحالة الراهنة .
حتى إسرائيل التي تعتبر دولة فاشية بكل المقاييس مع العرب عامة والفلسطينيين خاصة تعامل مواطنيها بشكل حضاري , ولو كانوا
عربا من الدرجة الثانية في المجتمع الإسرائيلي . إذ لا يستطيع شارون ولا أجهزته الاستخبارتية ولا جيشه , اعتقال مواطن من
عرب 1948 أو تعذيبه أو قتله تحت التعذيب , أو وضعه في السجن عرفيا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا كما تفعل الأنظمة
العربية بمواطنيها . وهناك حادثة شهيرة , حدثت مع د . عزمي بشارة عضو الكنيسة الإسرائيلي , فرفعت عنه الحصانة البرلمانية
بسبب زيارة قام بها إلى سورية , وهي دولة معادية بالمقياس الإسرائيلي يحاسب عليها القانون , وأحيل إلى المحكمة , لكنه بقي عضوا
في الكنيسة ولو بدون حصانة يشتم شارون وحكومته يوميا على الفضائيات العربية والدولية , كما وصف حزب العمل بسبب مشاركته
في ائتلاف مع شارون بالحزب العاهر . ثم قامت اللجنة الانتخابية بحرمانه من حق الترشيح ثانية إلى الانتخابات البرلمانية . لكن المحكمة
العليا الإسرائيلية برأت د. بشارة من تهمة التعامل مع دولة معادية وتأييد عمليات حزب الله . وقالت في حيثيات الحكم أن بشارة يتمتع
بحصانة ويحق له التعبير عن رأيه سواء أعجب الحكومة أم لا ؟ كما قالت أن له الحق بزيارة أي بلد لأنه يحمل جواز سفر دبلوماسي .
وألغت قرار المنع من الترشيح , وترشح ونجح من جديد .
أما في حالتنا العربية , فيمكن لأي نظام رفع الحصانة عن أي نائب . وليس هذا وحسب بل وضعه في السجن فورا ودون محاكمة , ولأتفه
الأسباب . فعندما رفعت الحصانة عن النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي , أتخذ القرار من قبل السيد رئيس المجلس في ذلك الحين
وبأوامر " فوقية " بسبب العطلة الصيفية للمجلس وفقا للنظام الداخلي . وبالرغم من أن هذا النظام ينص صراحة في مثل هذه الحالة على
عرض القرار الذي اتخذه رئيس المجلس أثناء العطلة في أول جلسة تلي العطلة . إلا أن السلطة ممثلة برئيس المجلس لم تراع حتى
هذه الشكلية . وعندما سألت أحد أصدقائي عضو المجلس آنذاك , فيما إذا عرضت على الجلسة الأولى هذه القضية , رد بالنفي . وعندما
سألته ثانية عن
السبب أجابني بالحرف : لقد كان جدول الأعمال متخما بالمواضيع ومن غير الممكن إضافة أي بند جديد . هكذا بكل بساطة
وكأن حياة الناس نكرة إلى حد لا يجرأ أي عضو لطرح مثل هذا التساؤل ... فأي شعب يمثل مجلس شعب كهذا .
هناك فراغ كبير في ذاكرة الأنظمة العربية . فالأحزاب الحاكمة والمتحالفة معها تحولت إلى دكاكين . والمعارضة لا يسمح لها بأي
إضراب أو اعتصام , كما حدث في دمشق مؤخرا . لقد أصبحنا نحن السوريين نحلم أن يكون لنا نظام حكم كما في مصر على الأقل
حيث ستلغى الأحكام العرفية قريبا , وحيث يوجد قانون صحافة وقانون أحزاب ونقابات حقيقية فعّالة .
كيف يقبل الحكام العرب كل شيء من أمريكا ما عدا المطالبة بالإصلاح الداخلي . وبغض النظر عن النوايا الأمريكية , فان كل ما تقوله
عن حال الأنظمة صحيح , ومستوحى بحرفيته من تقرير التنمية البشرية الموضوع من قبل خبراء عرب . وماذا يعني الحكام
بالخصوصية العربية – هل من سماتنا العربية أن يقوم الحاكم باعتقال الناس لمجرد أبداء الرأي , ومنعهم من العمل السياسي إلا من
خلال أحزاب هزلية يختارونها لهم , أو تعليق الدستور بالإحكام العرفية منذ اليوم الأول لوصولهم إلى السلطة , وتوزيع الغنائم
على الأقارب والطائفة والعشيرة والعائلة ؟ فإذا كان الأمر كذلك فلا يشرفنا الانتماء إلى هذه الأمة بالأساس .
حتى الإعلام حولت الأنظمة وظيفته , فأصبح شاعرا على طريقة المتنبي , الذي هجى كافورا في دمشق ومدحه في القاهرة . فنرى
أساتذة جامعات ووزراء و " كبار " المثقفين يعطون للحكام صفات تضاف على أسمائهم , فيصبحون شيئا عجيبا . مثل : الرئيس
المؤمن , والرئيس القائد حفظه الله , والرئيس الخالد , والرئيس المناضل , والرئيس المفدى , وقائد الثورة , وحامي الحرمين
الشريفين ... الخ . إنها صفات فرعونية لا يستعملها العالم المتمدن إلا بمثابة مادة للضحك .
وإذا لم تتعظ هذه الأنظمة وتفهم أن العالم يتغير في اليوم الواحد ثلاث مرات – مرة في الصباح على يد اليابان وجوارها , ومرة ثانية
في فترة ما بعد الظهر على يد أوروبا , وثالثة أثناء نومنا على يد أمريكا . وإذا لم تعر هذه الأنظمة اهتماما جديا وسريعا لمعالجة
هذا الانحطاط , الذي أوصلتنا إليه , من خلال حل المشاكل الاجتماعية ورفع يد الأقارب عن ثروات الأوطان , وتكريس
الديمقراطية والحرية الفردية وحقوق الإنسان , فإننا جميعا الشعوب والحكام سندفع ثمنا باهظا . وقد يكون الثمن حياتنا وحياة
أسرنا وأطفالنا . كل ذلك بسبب أخطاء ارتكبها الحكام . فانهيار الأنظمة العربية أصبح حتمية تاريخية لا يمكن لأي نظام وقفها
عندئذ , هل سيعيش حكام اليوم بأمان , ومن يضمن ذلك ؟ .
إن المقترحات الأمريكية هي أقل بكثير من المطالب التي تقدم بها عدد من المثقفين العرب في كل البلدان منذ عشرات السنين ,
وبدلا من الأخذ بها وضع أصحابها في غياهب السجون . ونحن لا يضرنا رفض المقترحات الأمريكية أو الأوروبية , إذا كانت
الأنظمة العربية جادة في الإصلاح – فيتفضلوا بفك أسر المواطن العربي . فأزمة هذه الأنظمة ليست في تشخيص المرض ,
المشخص بالأساس , بل هي في عدم تناول الدواء أصلا... الموجود على طاولة الحكام .. وهي الديمقراطية . فما الفائدة من
التشخيص ووصف الدواء إذا لم يتم البدء بالمعالجة . وإذا لم تتناول الأنظمة الاستبدادية العربية الدواء بيدها كما قال الدكتور سعد الدين
إبراهيم , فسيتم ذلك بيد عمرو . وهذا معناه أن تقوم أمريكا وبفظاظة بفتح أفواه حكامنا بالقوة وإجبارهم على ابتلاع الدواء ,
ولكن هذه المرة دون ماء .
إن إنسانا جديدا يخلق أمام أعيننا وأنظمتنا لا تريد أن تدري ... وانتقل الإنسان خارج بلاد العرب من المشي على الأرجل إلى الطيران
نحو الكواكب الأخرى .. والسنوات العشرين الآتية ستلقي بالبشرية في الفضاء الأوسع , بحيث ستحقق الدول ذات الأنظمة
الديمقراطية من الاكتشافات العلمية كل ما حققته البشرية منذ ظهور الإنسان على الأرض . بحيث لم يعد باستطاعتنا نحن العرب
معرفة ملامحنا . فدوار السرعة في الاكتشافات العلمية والتقدم الاجتماعي سيلفنا كالدوامة حتى نكاد نفقد حاسة الاتجاه . سيموت
الهدوء والتغيير البطيء . وسيموت ما نسميه الآن بالتطور , وستحل محلها العواصف الانقلابية في كافة الميادين – الاقتصادية
والسياسية والعسكرية , والاجتماعية . كل ذلك والوطن العربي منطقة هشة ورخوة من الناحية الجيوبولوتيكية , لا تنشغل الأنظمة
وأجهزتها بالعدو , بل تلاحق المواطنين وتحيلهم إلى المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة لمجرد انتقاد فساد السلطة واستبدادها .
فما العمل في مثل هذه الحلقة المفرغة ؟ القضية الخطيرة , هي أننا على عتبة انقلاب في البشرية لم نعرفه أبدا من قبل , ولا تدرك
أنظمتنا , أننا على شفا هذه العتبة وأن الهوة تحتنا دون قاع .
طرطوس
#بدر_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟