سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 776 - 2004 / 3 / 17 - 09:46
المحور:
الادب والفن
في اليوم العالمي للشعر
(1)
يرحل الشعراء
واحداً ، بعد آخرَ ، في آخر الليلِ
لم يحملوا معهم غير زاد القفيرِ
وتذكرةٍ لم تؤرَّخْ …
أقول لهم : لا تحثّـوا الخُطى
انتظروا ساعةً ، حسبُ ، يا إخوتي …
نحن في آخر الليلِ ،
لكنهم يرحلون …
…………….
…………….
…………….
السماءُ ليست مدلهمـةً. الغيوم فقط هي التي تهبط عميقاً .
سوداً تبدو ورماديةً . الفجرُ ملتبسٌ ، لكنــــه الفجرُ.
أقولُ لغيمةٍ تتردد بيضاءَ في زاويةٍ من الســـماءِ : أنتِ
لي ، أيتها المتهللةُ المهللة . كنتُ انتظرتُكِ طوالَ الليـــل،
بينما أنتِ تحت الوسادة ، تجذبين خُصلاتي وتُـمـسِّـدين .
إذاً ستظلين معي. وحيثما تكوني أكُـنْ . سأقولُ : إن السماء
صافيةٌ …
سأقولُ : النهارُ أنتِ .
صباحَ الخير أيها الفتى !
(2 )
يرحل الشعراء
واحداً ، بعد آخرَ ، في آخر السطرِ …
كيف انتهيتم إلى النقطةِ الصِّـفرِ ؟
كيف انتهيتم ؟
وأين تركتم قناديلَـنا ، ورؤوسَ الجبالِ ؟
ألم تنظروا ، لحظةً ، في عيون القططْ ؟
نحن في آخر السطرِ
لكنكم ترحلون …
……………
……………
……………
هذا الجبلُ الذي لا يُحَـدُّ . هذا الجبل الذي نَعرفُ .
سوف ألتقطُ في قُـنَّـتهِ ذرقَ النسورِ ، والعسلَ .
الأزهارُ بلا أسماء . كذلك خيوطُ النبع ِ ، والذئابُ
التي تستافُ روائحَ القرى . ثمّتَ الـممرّاتُ : دروبُ
الماعزِ والمهرِّبين . الجنودُ ليسوا ضيوفَ الجبلَِ . قبرُ
الـولِـيّ يَـنْـعَـمُ بخُضرةِ شرائطه . ومن بيوتٍ
نجهلُها تأتي نسوةٌ وأطفالٌ ، بالخبز والشموع .
صباح الخير أيها الجبل !
(3 )
يرحل الشعراء
واحداً ، بعد آخرَ ، في آخرِ الغصنِ …
لا !
كيف تمضون عني ؟
ألم نجتمع ، مرةً ، حول مائدة الـنُّـسْغ ؟
كنا نقولُ : لنا رِعشةُ الماءِ
كنا نقولُ : العروقُ لنا ، والخريفُ الذهبْ
ونقولُ : لنا أولُ الغصنِ .
لكنكم ترحلون …
…………….
…………….
…………….
مباركةٌ أنتِ أيتها الشجرةُ . مباركةٌ أيتها الـمُـزهرةُ
بريشِ الطاووسِ ، وعُـرفِ الهدهدِ . مباركةٌ جذورُكِ
حيث يبيض النملُ . القنفذُ يَـطـوَّفُ بكِ سارياً مـع
النجمِ . ومن أغصانكِ تَـصِـرُّ الجنادبُ . هكذا في الليلِ
الإثْـمَـدِ تستروحين الفردوسَ ، وفي النهارِ الذهــب ِ
تستقطرين الفضّـةَ . لأقُـلْ : أنتِ شجرتي الأولى .
كوخي وتابوتي ، والتاجُ الذي أعـتَـمِـرُ .
صباح الخير أيها الشِّــعر !
( 4 )
لن أعاتبَـكم
لن أودِّعَـكم ببياضِ الكحولِ
ولن أنحني حينما تهدرُ العاصفةْ …
سأظلُّ أرددُ أسماءَكم
وسماواتِـكم
سأكونُ الأمينَ على ما تركتم .
أكونُ أميرَ الهبــاء ….
(5)
وفي الليلِ
في آخرِ الليلِ
تأتي إليَّ الطيور
وتأتي ذئابُ البراري مبللةً بالندى
وتأتي الغزالةُ …
……………
……………
……………
في آخر الليلِ
يأوي إلى غاريَ السبعةُ الشعراء ….
عَـمّـان 29/11/1994
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟