سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 775 - 2004 / 3 / 16 - 09:57
المحور:
الادب والفن
هو محمد بن مناذر ، وكنيته أبو جعفر ، شاعر فصيح متقدم في العلم واللغة وإمام فيها ، وكان يتنسك أول الأمر ثم عدل عن ذلك ، فهجا الناس ، وتهتك ، وقذف أعراض أهل البصرة ، حتى نفي عنها الى الحجاز ، ومات هناك .
كان المعتزلة ، بعد عدوله عن التنسك ، قد وعظوه فلم يتعظ ، ووعدوه بالمكروه فلم يزدجر ، ومنعوه من دخول المسجد ، فهجاهم وطعن عليهم ، وكان يأخذ المداد ( الحبر ) فيطرحه في مواضع ماء وضوئهم ، فإذا توضّؤوا به سوّد وجوههم وثيابهم .
دخل ابن مناذر المسجد الجامع في البصرة فوقعت عينه على غلام جميل مستند على عمود ، فكتب له ابيات من الشعر على رقعة حملها غلام آخر إليه ، فلما قرأها قلبها وكتب على ظهرها :
مثل متداحك لي بلا ورق *
مثل الجدار بني على خص ِ
فإذا عزمت فهيّ لي ورقا
فإذا فعلت فليس استعصي
فلما قرأها ابن مناذر قال : ويلك ! أأنت أبو نواس ؟
كان ابن مناذر يتعشق فتى اسمه عبد المجيد ، ولما مات أراد أن يقول قصيدة في رثائه ، رأى هارون الرشيد فيها أنها كانت يجب أن تكون في خليفة أو ولي عهد وليس في سُوقة ، فقال :
يقدح الدهر في شماريخ رضوى**
ثم مكث عاما لا يدري بما يتمه ، فسمع قائل يقول : هبّود . فسأله ما هبّود ؟ قال : اسم جبل في بلادنا ، فأكمل صدر بيته المار فقال :
يقدح الدهر في شماريخ رضوى
ويحطّ الصخور من هبّودِ
قال ابن كركرة أنشدني ابن مناذر قصيدته في رثاء الغلام ، عبد المجيد ، فلما وصل الى قوله :
ويحطّ الصخور من هبّودِ
قلت : هبّود أي شيء هو ؟ قال : جبل . فقلت سخنت عينك . هبّود والله ، بئر باليمامة ماؤها ملح ، وقد ، والله ، خريت فيها مرات . فلما مضت أيام على ذلك ، وقفت عليه في المسجد الجامع بالبصرة ينشد القصيدة نفسها ، فلما وصل البيت المذكور أنشده :
ويحطّ الصخور من عبودِ
فقلت له : عبود أي شيء هو ؟ قال : جبل بالشام ، فلعلك – يا ابن الزانية – قد خريت عليه أيضا ، فضحكت وانصرفت عنه .
ومثلما كان ابن مناذر كان بشار بن برد يحشو شعر ، إذا أعوزته القافية والمعنى ، بالالفاظ التي لا حقيقة لها ، فمن ذلك ما قال يوما :
غنني للغريض***يا ابن قنان ِ
فقيل له من ابن قنان هذا ؟ لسنا نعرفه من مغنّي البصرة . قال : وما عليكم منه. ألكم عليه دين فتطالبوه به ، أو ثار تريدون أن تدركوه .
............
* ورق : دراهم .
** شماريخ رضوى : الرأس من جبل رضوى .
*** الغريض : المغني المعروف .
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟