عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2523 - 2009 / 1 / 11 - 09:45
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عندما يتعمق اي منا في قراءة المراحل التاريخية المنصرمة بما امتازت بها من الخصائص العامة و الافكار السائدة في حينه و يقارنها مع ما تتمع به المرحلة الراهنة ، تستوضح لديه امور كثيرة فيما تخص الافكار و ابعادها ، و يحصل على مجموعة لا باس بها من المعلومات لصياغة الافكار المناسبة التي يمكن ان تطرح للحوارات و المناقشات لنستخلص منها اشكال و مفاهيم لليسارية التي يمكن ان تتقبلها المرحلة الانتقالية الحالية .
عند التفكير في صياغة و تحديد اي برنامج لما يجب ان تكون عليه و تسير به اليسارية ، يتطلب ان نفكر في الاساس الذي يمكن ان نستند عليه و يجب ان يكون واضح المعالم للمرحلة التاريخية بشكل عام ، العالمية و الاقليمية و المحلية من كافة الجوانب .
بداية تقييمنا يمكن ان تتضمن تعاقب المراحل و الانتقالات من طور التحررالوطني و مميزات الفاعلين فيه من حيث الفكر و العمل الى المرحلة الوطنية الديموقراطية ، و التقلبات الحاصلة في الشكل و الجوهر للحركات التي كانت لها باع طويل في عملية الانتقال و ما استوجب عليهم التغيير في نمط تفكيرهم و التحولات الحاصلة في تركيباتهم ، و اي تفكير يفرض تقييم الواقع الاجتماعي في هذه المرحلة لما نحن فيه من النواحي السياسية و الثقافية و الاقتصادية و ما يجب ان تكون فيه من الافكار و البرامج التقدمية . الامر المهم الذي يجب ان يعتمد عليه اليساريون قبل غيرهم هو استيعاب كافة النظريات المطروحة و التاكيد على الاصلح منها و مزاوجتها و ليس الاصرار على فكر و ايديولوجيا معينة بحد ذاتها ، اي الانفتاح على النظريات المتعددة المطروحة من قبل الكلاسيكيين و المعاصرين و عدم رفض اي منها بشكل قاطع كما كنا في السابق .
بنظرة سريعة لما كانت فيه هذه المنطقة من الوضع و المرحلة التي يمكن ان نصفها بالثورية لما كانت فيها من الحركات التحررية و نتتبع عملية الانتقال من الثورة الوطنية و الديموقراطية الى المرحلة الوطنية و الديموقراطية و ما يمكن ان نحس فيها بوجود افاق متنوعة و عديدة و منها الافق الاشتراكي بمختلف الاوجه و الجواهر ، و تتطلب منا استخدام المنهج العلمي الفكري الدقيق المستخلص من خضم الحوارات و الدراسات المتعددة لمعرفة حركة الواقع نفسه و ما فيه ، و يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار انه لايزال هناك تداخل بين مرحلتي التحرر الوطني و الوطنية والديموقراطية لحد اليوم مما يدع ان نفكر و نستنتج بان المرحلة تتحمل عدة فرضيات و نظريات و احتمالات ، و منها، ان الوضع السياسي الاجتماعي يجب ان يسير وفق ما تتطلبه تطبيقات عملية الديموقراطية الشعبية المؤسساتية المنشودة و تكون متعددة الافق و منها اليسارية بشكل عام او الاشتراكية بكل ما تتضمنها ، و هذه تكون بعدة طرق بعد نجاح حركة التحرر الثوري ، و بعدما ابتعدت احتمالات الانقلابات العسكرية و توفرت فرص احترام الدور المشهود والفعال للحركات الجماهيرية و ازالة اثار ما تميزت به الحركات التحررية من اساليب و انفعالات هنا و هناك .
الدولة التي نلمس فيها ملامح الثورية الوطنية استقدمت تحولات راسمالية ذات الطابع الدولتي ( الاهتمام و الاعتماد على القطاع العام بشكل و اخر) و يمكن هنا العمل و التاثير على الحال للتغيير و التطور نحو تحولات ذات الطابع الاشتراكي ، او يمكن اعتبارها تحولات ذات الطابع اللاراسمالي التي تقود المتغيرات نحو الاشتراكية عند ازالة المعوقات التي تفرضها القوى الراسمالية العالمية ، و تتهيء القوى الداخلية و تخصب الارضية التي يعمل من اجلها اليساريون ، و بعدئذ يمكن العمل على ترسيخ ما يمكن تطبيقه من التحول الى الاشتراكية ، و هذا ما يتم بعدة مسارات اما القفز على مراحل اتطور الطبيعي للمكونات و هذا ما يفرز سلبيات او معوقات توقف و تصد اكمالها في اية مرحلة منها ، اما الجهة الثانية هي الانتقال الطبيعي و الواقع المنتظر يكون بوجهين ، اوله محدودية الراسمالية و تناقضاتها ، و ثانيه، الواقع و الوجه ذو الافق الاشتراكي .
و عند العجز في تحقيق الافكار الذاتية ، الطريق الواسع والاقرب الى الذهن هي المماثلة و تطبيق ما اقدمت عليه البلدان ذات التاريخ الاشتراكي في العالم، او الاعتماد على الشكل المحدد للراسمالية و هذا ما يجعلنا نفكر بهدوء فيما تتطلبه المرحلة الراهنة ، و نؤسس و نعمل على ايجاد عامل تحول و تغيير ما هو موجود على الارض ، وهذا يتطلب تقبل الواقع والصبر ، و لكن الاصرار على التغيير بشكل طبيعي ضامن للتحول و الانتقال و هو ما يجعلنا نعتقد بان:
1- التطور الراسمالي ضرورة موضوعية و هو الدافع الرئيسي للثورة الوطنية و الديموقراطية و يمكن تخفيف من وطاتها و التقليل من اثارها السلبية على العديد من الطبقات من خلال العمل على تقصير فترتها و حماية المتضررين منها .
2- التطور و اشكاله يكون بصور متعددة و في مقدمتها قطاع الدولة و هو المسيطر و له الدور الفعال في كافة الامور ، و به يمكن توفير الحماية المطلوبة للمتضررين و تعويضهم لحين الانتقال الى المرحلة الاخرى .
3- التغيير و التطور ذو مهامات سياسية و اقتصادية واجتماعية ، من ترسيخ الديموقراطية و الاستقلال التام و ازدياد دخل الفرد الى التطور العلمي و ارتفاع المستوى الثقافي للمجتمع . و هذه التطورات تكون في واقع يتواجد فيه تناقض و تصارع ، و كل ما يمكن ان يتامل منها هو التحول نحو الافق الاشتراكي في المراحل الاخرى ان لم تسمح ظروف المرحلة تسلٌط الضوء عليه.
بعد النبش في ثنايا التاريخ نستكشف بانه يبيٌن و يوضٌح لنا فهم خاطيء لمفهوم الاشتراكية من خلال افكار و نظريات خاطئة و من ضمنها شروطها و وسائل و سبل بناء الارضية المادية للاشتراكية بشكل خاطيء، و صياغة اوالاعتماد على نظريات زائفة مما نخرت في كيان المجتمع استنادا على دكتاتورية البروليتاريا سياسيا ، و عدم اعتماد الواقعية في التنويهات بقرب سقوط الراسمالية العالمية سياسيا و بشكل مفاجيء ، و هذا ما يتطلب قراءة الاشتراكية بعيون اخرى.
ان التفكير الصحيح للعمل على التوجه نحو الافق الاشتراكي، اي المرحلة المقبلة ، يفرض علينا التدقيق جيدا و التركيز استنادا على قواعد علمية و ما تؤكده بان بناء الاشتراكية هو عملية عالمية شاملة و تكاملها او نضجها تتطلب الوقت و انتقال من مرحة لاخرى و تجسيد لارضيات ، و هذه تجري خلال عملية تاريخية طويلة و متفاوتة او متذبذبة ، كما هو الحال محليا ، فان الوضع العالمي يتطلب ايضا توفر شروط و محيط عالمي ملائم للانتقال الى الاشتراكية .
و نحن نحس في هذه المرحلة ان بدايات التحول ظهرت في العالم الراسمالي كما هو الحال في عالم ما بعد الازمة المالية ، و ان البديل هو الحاظر الموجود و ما يتطلبه من المحافظة على مصالح الطبقات المسحوقة لحين مجيء المرحلة و شروط تطبيق الاشتراكية ، و هذا ما يتطلب الاعتناء بما موجود داخليا ، و الحفاظ على تطبيق المفاهيم المختصرة للمرحلة الانتقالية و منها الديموقراطية التي هي الشرط الاساسي للتطور المنشود للسياسة و الايديولوجيا المتبعة ، ومن خلال اتباع الخصوصيات يمكن المحافظة على التطور المحلي المستقل . و العناوين الرئيسية لنضال اليوم هي الديموقراطية و الاستقلالية والحرية و التنمية و ضمان الممكن من العدالة الاجتماعية و الاعتماد على الحداثة و الثورة التكنولوجية. و ما تفرضه المرحلة هوالقبول المؤقت بالنمط الراسمالي للانتاج و هو الضرورة الموضوعية في المرحلة الراهنة، و كل ما تتطلبه هو العمل على التحول نحو الافق المنشود من الاشتراكية و استغلال تناقضات المرحلة و التاثير على نتائجها لتحويلها الى خط سير الصحيح و هونحو المرحلة الاشتراكية ، و على الاشتراكيين ان يهبوا و يتهيئوا كقطب مضاد للراسمالية المفروضة موضوعيا ، و من اهم واجباتهم الانية هو التعاون من اجل لجم الراسمالية و ميولها المعادية للانسانية و المجتمع و البيئة ، و التخفيف من تاثيرات سلبياتها ، و حقا هذه المرحلة الراسمالية تعتبر بمثابة كاس سم لابد من تجرعه لتجاوز المرحلة .
ملخص الكلام ، يجب ان نقول ان الصياغة الصحيحة و الصائبة لبرنامج عمل و ايديولوجيا واقعية تستدعي مراجعة علمية جريئة و متعددة الجوانب لمصادرنا الفكرية و منظرٌينا من الكلاسيكيين و المعاصرين من الشرق الى الغرب ، و هذا ما يفرض اعادة تثقيف القوى اليسارية و اليساريين و اعادة النظر في الفكر و التوجهات و مصادره، و تقييم الواقع وفق الضرورات التي لابد منها.
و عندما تكون الايديولوجيا تعبيرا عن الحياة الفكرية للانسانية في فترات الانتقال التاريخي من مرحلة لاخرى ، لابد ان نذكر على ما يستوجبه الواقع من الصراع الايديولوجي الذي هو سمة العصر ، و على المعنيين بشؤون الفكر و الثقافة اخذه بنظر الاعتبار و تحديد مردوداته و تاثيراته على المرحلة المتنقلة الراهنة مستندين على الحوار و عدم الغاء الاخر و رصد الايجابيات والعمل على التقليل من تاثير السلبيات الناجمة من ذلك الصراع ، و هذا ما يدعنا بان نتاكد من ان المرحلة التاريخية التي نمر بها تتطلب الافكار و الحوار المتعدد الجوانب و استخلاص العبر من التجارب من اجل ضمان ما يفيد الطبقات الكادحة و الفقيرة المعدمة و ما لمصلحتهم ، حتى الوصول الى المرحلة التي لم يظل فيها المظلوم و المغدور .
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟