حاتم جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 2522 - 2009 / 1 / 10 - 09:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرصت الادارة الامريكية ان تكون مخاتلة ومخادعه في شكل اعترافها بخلو العراق من اسلحة الدمار الشامل, وكانت حريصة ايضا على تقسيط ذلك الاعتراف, بهدف امتصاص النقمة وردات الفعل المختلفة ومحاولة التملص كذلك من الاستحقاقات التي يمكن تترتب عليها في المستقبل, فيما لو فتح ملف الحرب الذي شنته التها الحربية على بلد آمن, وما رافقه من تدمير وذبح من الوريد الى الوريد وبدم بارد ومن غير اي مسوغ او غطاء شرعي ودولي لذلك.
الا ان الرئيس المغادر لم يستطع المراوغة او الافلات من مباغتة الصحفي له, حيث عبر الرئيس بوش عن (ندمه) فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتيه التي وصلت بيته الابيض والتي اشارت في حينها الى وجود صلة بين النظام العراقي وبين تنظيم القاعدة, الامريكي الصنع والمنشأ والرعاية والحماية, خاصة في بدايات تشكله. وفي نفس اللقاء الذي اجرته معه شبكة الآي بي سي الشهر المنصرم, لم يعلق الرئيس بوش على سؤال الصحفي فيما سيكون مستعدا لغزو العراق لو كان يمتلك المعلومات الكافية.
ولو تجاوزنا الغوص في مدى صدقية تلك الدعاوي وتلك الحجج, فقد بات من المسلم به وبحسب العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية العالمية وبحسب كم المعلومات التي سربت من مختلف مصادر صناع السياسة في العالم, فأن قرار شن الحرب على العراق كان قد اتخذ قبل جريمة اسقاط البرجين في نيويورك, ولم تشكل تلك الفعلة الا توقيتا مناسبا لتنفيذ الرغبة الاسرائيلية في تدمير بلد, شكل بالنسبة لها تهديدا دائما لايمكن السكوت عنه.
وحين شعرت بأن ادعائاتها واكاذيبها لم تنطل على الرأي العام الدولي, حاولت ان تداري (حرجها) بأن حرفت اهدافها التي ساقتها في اسباب شن الحرب وشرعت بتسويق فكرة حرصها على اقامة نظام ديمقراطي في العراق, يمثل اشعاعا ونموذجا يحتذى به من قبل دول المنطقة. ومما يثير الاستغراب والدهشة هو اصرارالمطبلين والمدعين من المروجين للاحتلال على كذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل, في خطوة تنم عن حجم الحقد الذي يكنونه اتجاه بلدهم, غير صاغرين لتلك التحذيرات التي اطلقت عشية القيام بالحرب, وما يمكن ان يلحق بالعراق وشعبه من نتائج كارثية فيما لو شنت, وهذا ما حصل.
اللافت في الامر وكما ظهر في يوميات العدوان الذي شن على العراق, هو حجم التحمس لتلك الحرب الذي ابداه قسما من العراقيين الذين قضوا من عمرهم خارج البلد ردحا من الزمن لا يستهان به, وهذا يأتي على الضد من رغبة الاغلبية الساحقة من (عراقيي الداخل) ولهم في ذلك مبرراتهم فقد ذاقوا طعم الجوع والحصار والعزلة عن العالم وطعنة الغريب والقريب, والموت لا يأتيهم مرتين.
ولايمكن بأي حال من الاحوال التغاضي عن رغبة العراقيين وتطلعهم نحو التغيير, والحاجة لذلك (التغيير) ربما تكون اشد حماسة, فهم من عانى وقاسى وشرد وهدد وعاش تحت ضيم وتغييب وتغريب, وبدرجة اكبر من اولئك الذين انقذتهم دول المهجر. والخلاصة فقد كانت الحاجة الى التغيير ضرورة لابد منها, يبقى الاختلاف حول الكيفية والوسيلة والاسلوب في احداث ذلك. والتساؤل المشروع , هل كان من الضروري ان يتم من خلال احتلال وتدمير العراق؟ هل التطلع الى الحرية والخلاص من الديكتاتورية كان لزاما ان يمر بحالة استعباد واستلاب وامتهان للكرامات؟. هناك الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام, ربما يعتبرها البعض من حسني النية بأنها جاءت متأخرة, قد يكون ذلك صحيحا ولكن لا عذر لمن انذر مبكرا, يوم كانت البصرة لازالت بخير. والامور الحسنة تقرأ بنتائجها ولابد من العودة الى الثوابت الوطنية وليس بالعودة الى سياسة الامر الواقع التي حلا للبعض ان يسوق للاحتلال اراداته تحت ذريعتها.
وكي لانجهد انفسنا ونذهب بعيدا فلا بأس من التذكير بأن من اسباب التطور الذي شهده الغرب وجعله نقطة جذب للحضارات الاخرى وتجربة ناجحة جديرة بأن تجري الاستفادة منها هو صدق الرأي وشجاعته والاعتراف وان على خجل احيانا بما اقترفت عقولهم او شطحت في بعض السياسات او على الاقل فهم يتميزون بعدم الاصرار على الرأي المهزوز وغير المدعم, وهذا مابدا واضحا على معالم السيد بوش في الفترات الاخيرة, على العكس من حالة الزهو التي كانت لاتفارقه في اوقات حكمه الاولى, وكذلك في حالة الانقلاب الذي شهده الشارع الامريكي, احتجاجا على سياساته,بالرغم من اعادة انتخابه لولاية ثانية. وعلى ما اعتقد فأن الامر سوف لن يتوقف عند هذا الحد بل سيدفع بحزبه الجمهوري الى قراءة وتقييم ماحدث بشكل تفصيلي والوصول الى استنتاجات تتعلق بسياساته المستقبلية.
ورغم كل ذلك وكي لا تفوتها الفرصة, فأمريكا تدرك جيدا بأنها تلعب بأرض ليست أرضها, لذا فقد حرصت على تمرير كذبة في الوقت الضائع اسمتها بالديمقراطية, ورأت في قواها الحليفة من العملاء والمأجورين خير من يمضي بتنفيذ رغبتها, فسلمت زمام البلد المحتل وشعبه الى قوى ظلامية وشوفينية بأمتياز, تمكنت وبلا هوادة او ضمير حي او وازع من تحطيم آلة الدولة واركانها, لتجعل من مهمة اعادة البناء شأنا يكاد ان يكون مستحيلا, بل هو حقا كذلك ان لم تنهض به الاطراف الفاعلة والخيرة والحريصة, للتتحمل مسؤوليته من جديد.
والعبرة فيما نحن فاعلون, فهل سنعيد النظر نحن العراقيون بسياساتنا ومواقفنا؟ وهل حانت لحظة المواجهة الحقيقية مع النفس, لنعلن دون خجل او تردد بأننا كنا على خطأ وخطيئة, اوصلتنا الى حد التفريط بوطن لم تستطع دول الغربة والمهجر ان تجد لنا بديلا عنه, هل كان علينا ان نصالح النطيحة والمتردية, تحت ذريعة التغيير بأي ثمن؟ هل نسيتم أخبار الاولين من العلماء والمناضلين والمفكرين, حين اختاروا الموت في المنفى بديلا عن الرضا والقبول بحكم سلطان جائر؟ هل اضنتكم الغربة وملل الثبات على المبادىء واتباع النهج الحق؟ الم تقرأوا في كتب التأريخ عن الصديق محي الدين ابن عربي او الامير عبدالقادر الجزائري وغيرهم؟ ماذا جنيتم من باقات الورد التي استقبلتم بها (بساطيل) الامريكان وكيف ردت اليكم معفرة بالدم واسلاب وطن كان يسمى العراق.
ولا بد من التذكير, ان جل الذين دعوا الى التغيير وبأي شكل كان حتى لو تم ذلك على ظهر الدبابة الاسرائيلية وبطاقم يقوده ارئيل شارون, وبعد ان شمروا عن سواعدهم وحزموا حقائبهم عشية الاحتلال, تنصلوا عن فكرة العودة والمساهمة في اعادة بناء (عراقهم الجديد). وعلى مستوى آخر فأن العراقيين الذين عاشوا مآسي الحرب والدكتاتورية والحصار, لم يفوتوا اي فرصة في اتهام احزاب الغربة وتحميلها مسؤولية ما يجري لهم من كوارث, لم تعد خافية على القاصي والداني, وهذا موضوع آخر جدير بالتناول.
#حاتم_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟