محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين الحين والحين, تلقى المقادير فى طريقنا بنماذج غريبة وعجيبة من البشر. لكن ساسة إسرائيل أغرب وأعجب. فهؤلاء يكنون حقدا وكراهية للعرب والفلسطينيين لا يضاهيها سوى حقد وكره المدعو نتنياهو والمعلول شارون والمقبور كاهانا. وكيف لا والعرب هم أعداء الماضى البعيد والأمس القريب واليوم والغد. فساسة إسرائيل تريد إنقاذ الدولة اللقيطة من السلام مع العرب. لأن السلام يظهر العفن القبيح الدفين داخل المجتمع الإسرائيلى. هذا المجتمع المبنى والمؤسس على العنصرية البغيضة بين اليهودى وغير اليهودى, والعربى والأوربى, والشرقى والغربى.
أذكر أننى التقيت برجل يهودى الديانة من أصل سورى فى حى بروكلين فى مدينة نيويورك. وعندما سألته عن جنسيته وكنت أجهلها بسبب ملامحه الشرقية, أخبرنى ساخرا أنه يهودى مسلم. ثم بدأ يشرح لى بمرارة وألم وضع اليهود الشرقيين داخل إسرائيل. وكيف يعاملهم اليهود البيض الأوروبيون بإحتقار وكأنهم يهود مسلمين.
أدرك ساسة إسرائيل أن دولتهم لا تستطيع العيش فى سلام. لأن السلام هو العدو الأول لإسرائيل. ولأن السلام يجعل دولتهم تتحلل وتتفكك من الداخل بسبب عنصريتها. أما الحرب والتوتر والقلق, والإحساس بالخطر, فهى أشياء لازمة وضرورية. لأنها تضغط على المجتمع الإسرائيلى من الخارج, وتجبره على الوحدة والتماسك فى الداخل. وكما قال هيروقليدس الفيلسوف اليونانى قبل الميلاد, أن العمل نزاع والحرب أساس كل شئ.
كما أن الحرب والتوتر بالنسبة لإسرائيل, تذكرهم بنشوة النصر التى أعقبت حرب 1967م. والتى أسكرتهم وأدارت رؤوسهم بعد تلك العهود السالفة الطويلة من الذل والهوان والإستعباد. وجعلتهم مثل المساطيل. يعيشون فى غيبوبة النصر. لا يريدون أن يفيقوا من جرعة البانجو أبدا. ونسوا أنهم وإن كانوا يملكون الأسلحة الفتاكة اليوم, بسبب الدعم الأمريكى الغير محدود ويتفوقون بها على العرب, أو بسبب ضعف وتخلف الشعوب العربية, أو بسبب خيانة الحكام العرب وتخازلهم, فإن هذا الوضع إن إستمر اليوم, فلن يستمر فى المستقبل. لأن حركة التاريخ وطبيعة الأشياء تأبى ذلك.
إستمرار الحال من المحال. هكذا علمنا التاريخ. وقيادات اليوم والمستقبل تختلف عن قيادات حرب 67. ولننظر إلى جنود حزب الله كيف تقاتل دفاعا عن أراضيها وقضاياها. لنفهم كيف تبدلت الأوضاع وتغيرت الأحوال.
إذا كانت إسرائيل تزهوا فخرا وتتيه عجبا بقوتها النووية, فالسلاح النووى لم يعد سرا. ودول كثيرة قادرة على إنتاجه فى الحاضر والمستقبل. والمسألة مسألة وقت فقط. وإذا أستخدم فى حرب قادمة لا قدر الله, فخسارة إسرائيل أكبر وأفدح وأشمل.
إننى لا أفهم كيف يترك الصهيونى بلدا مثل فرنسا أو كاليفورنيا, حيث الطبيعة الخلابة والإمكانات المتاحة غير عادية. ويذهب إلى لهيب الصحراء فى الضفة الغربية لكى يسطو بكل جشع وإصرار على أرض الغير, لطرد سكانها الأصليين الفلسطينيين. ثم يذهب إلى المعبد للصلاة والشكر للإله القدوس الذى أمكنه من السطو المسلح مع سبق الإصرار والترصد, وساعده على اللهف المبين وقتل النساء والأطفال بإسمه الكريم. راض كل الرضا عما فعل. دونما قلق أو تأنيب ضمير. لكى يقوم ببناء مستوطنات عليها غير قانونية. لا يعترف بها دين أو عرف أو أخلاق أو حق أو منطق. أليس هذا دليلا على مرض نفسى وعقلى متأصل وموروث عند هؤلاء المخلوقات.
ثم يأتى ساسة إسرائيل ويذكروننا بضعفنا والهوان الذى وصل إليه قادتنا وحكامنا. وعلى رأى المثل الشعبى:
"رضينا بالغلب, والغلب موش راضى بينا".
ويقومون بقذف المدنيين بالصواريخ وقتل الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز بدم بارد. لا يتوافر حتى عند أعتى عتاة الإجرام. وأخينا رجل الكنيسة المؤمن الوقور فى البيت الأبيض, يلعب مع كلبه بجوار المدفأة, وهو يشاهد المجازر التى يقترفها أحبابه وحلفاءه الصهاينة. يجتر الإنباء بسرور بالغ وإنبساط غريب, تذكيه رؤية جثث النساء والأطفال, وهى مضرجة بالدماء الطاهرة. ولا يحرك ساكنا. فأى نوع من البشر قد بلينا به فى هذا الزمن الأغبر.
هذه المخلوقات الشاذة, تتسم بالصلف وغلظ الرقبة, والشراهة والنهم والعنصرية. فهى لا ترعى حرمات ولا تحفظ عهود أو مواثيق. تستمر فى بناء المستوطنات داخل الأراضى الفلسطينية. وتحفر الأنفاق فى القدس الشرقية. وتستهزء بكل مشاعر المسلمين والمسيحيين فى جميع أنحاء العالم. والآن ماذا يفعل العرب إزاء هذا الطامة الكبرى؟
التعامل مع هؤلاء الساسة ثبت أنه مضيعة للوقت. فسياستهم واضحة وصريحة سواء كان كبيرهم شارون أو نتنياهو أو باراك أو أولمرت أو ليفنى. سياستهم هى الإستمرار فى بناء المستوطنات, وأخذ أراضى الفلسطينيين بالقوة. ونسف ما تبقى من أمل فى السلام. والقادة العرب يقدمون التنازلات, الواحدة تلو الأخرى. وأنصحهم بنقع مبادرة الملك عبالله للسلام مع إسرائيل فى حلة عرق سوس لمدة يوم أو يومين, ثم وضع بعض الثلج عليها وشربها على الريق. فهذا أجدى وأنفع لهم. لأنه كما يقول أحمد شوقى:
"مخطئ من ظن يوما – أن للثعلب دينا".
وهذا يذكرنى بقصة جحا التى تقول:
"ذهب البعض إلى نصر الدين خوجة قائلين منذرين. يا جحا, المسخرة تدور فى بلدك. فأجاب: طالما هى فى غير حارتى فلا أمانع. فقلوا: بل هى فى حارتك. فأجاب: ما دامت تبعد عن بيتى فلا أبالى. فقالوا: بل هى فى بيتك. فأجاب بكل ثقة: إذا كانت تنأى عن مؤخرتى فلا بأس".
ليس أمام العرب سوى الضغط على أمريكا وأوروبا لوقف مؤازرة إسرائيل الكاملة وتشجيعها على السرقة والقتل بدم بارد. والتى تأخذ بمبدا أنصر أخاك ظالما ومظلوما. وسياسة حكماء العرب فى الحفاظ فقط على أمن المؤخرة, هى سياسة خاطئة بدون شك. فنحن نملك الكثير من أدوات الضغط. أما إذا كان حكامنا شركاء فيما يحدث من هوان, فالعوض على الله, وربنا يصبر الغلابه الفلسطينيين.
أمريكا تدلل إسرائيل وتقويها إقتصاديا وعسكريا بدون حدود. وتغفر لها جرائمها. بل تشجعها, كما هو واضح فى عهد رئيسها الصليبى الأصولى المتطرف, فى القتل والتمثيل والسرقة. وفى نفس الوقت, تعامل أمريكا الدول العربية والإسلامية بطريقة مختلفة. فالحصار الإقتصادى والعسكرى, والغزو والإحتلال, والتهديد والمنع, والفرض والتفريق, والتمزيق وما شابه من مصطلحات.
الأسلحة الجديدة تجرب فى أفغانستان والعراق, ومئات الألوف من الشهداء تموت بدون ذنب أو جريرة. والأنظمة البالية العفنة تحظى بالحماية نظير الموافقة وتسهيل نهب ثروات شعوبها. ونحن لا نفهم كيف تفى الدول العربية بأكثر من نصف إحتياجات أمريكا من البترول بسعر زهيد بخس, يشبه النهب والسرقة. وفى نفس الوقت, تلقى الدول العربية هذه المعاملة المهينة من الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية.
لا بد أن تفهم الدول التى تنحاز إلى إسرائيل على طول الخط بدون قيد أو شرط, أن مصالحها سوف تتعرض للخطر, إذا أصرت على هذه السياسة الظالمة.
أما بالنسبة للسلاح النووى فليس هناك خيار سوى الحصول عليه بأى ثمن. طالما تمتلك إسرائيل هذا السلاح. لأننا كيف ننام وفوهة المدفع مصوبة إلى رؤوسنا. كيف ننام وحلم إسرائيل الكبرى من النيل للفرات لا يزال يطارد عقولا ونفوسا مريضة داخل إسرائيل. فى هذه الحالة فقط سوف ترضخ هذه الدولة اللقيطة إلى إتفاقيات نزع السلاح النووى وإخلاء المنطقة منه. وبغير ذلك لا فائدة من التفاوض مع هؤلاء فى هذا الشأن.
إننا دعاة سلام لا إستسلام. ولسنا دعاة حرب. لكننا نكره الضعف والذل والهوان. وإذا كان قتل الأطفال والنساء أمامنا فى القناوات الفضائية بهذا الدم البارد, ونحن عاجزون عن فعل أى شئ, لا يسمى ضعفا أو ذلا, فبماذا يسمى؟ وكيف يقبل الحكام العرب غزو أفغانستان والعراق وغزو لبنان؟ والآن قتل الفلسطينيين المدنيين وهدم ديارهم أمام أعينهم. كيف يقبل الزعماء العرب حجم هذه المهانة والمعاملة الدنيئة؟ وأى نوع من الرجال تحكمنا فى هذا الزمان؟ ولا أريد أن أكرر وصف الرئيس بشار لهم ويكفيهم الخزى والعار الذى هم فيه.
مادام حكامنا منشغلين بالنصب والتزوير, والتوريث والتمكين, والسطو والتحويل, والكبت والقمع, فكله يهون. فهم يهيمون عشقا ووجدا بالجاه والسلطة والأضواء. فقد ذاقوا حلاوة السلطة والعوض على الله. وبينهم وبين الكرسى عشق شديد وحب متبادل. يذكرنا بقول الشاعر:
"أحبها وتحبنى وتحب ناقتها بعيرى"
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟