حاتم عبد الواحد
الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 01:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من يقرأ السور المكية ويقرنها بالاحداث التي نشبت بعد وفاة محمد عام 11 هجري يستطيع ان يستنتج هشاشة الايمان الذي كان يغلف قلوب اتباع الدعوة النبوية التي فشلت طوال 13 عاما في آسر قلوب بدو مكة رغم لغتها المسالمة المحايدة ، ولعل الشطر الاخر من الايات القرانية التي تسمى بالمدنية يمتلك مفاتيح التدجين الضرورية للذات المتمردة على منظومة التعايش بتفاصيلها الاجتماعية والجغرافية ، فبين الخطاب المكي والخطاب المدني بون شاسع من التقييم النوعي لاحتياجات الذات البدوية تراوح بين الترغيب والترهيب ، ولان الايمان ينبع من العقل ومن التلاؤم الفلسفي بين اي رسالة ومتلقيها نجد كثيرا من الانكفاءات قد تبعت موت صاحب الدعوة الاسلامية بدءا بحروب الردة وليس انتهاء بواقعة الطف التي اسست اعمق اقطاب عبودية العربي .
من المسلمات التي لا تناقش ان الاسلام كان دعوة داخلية تشتمل على انذار اهل محمد الاقربين ، ولو بقي الاسلام محصورا بمكة مكللا بنصوصه المقدسة بدون ان يؤسس دولته الدينية لدُرس اليوم كمنهج فلسفي اخلاقي طالما نأى بنفسه عن مطالب الجاه والسلطة والمال ، ولو ان الاسلام لم يكفر السابقين واللاحقين ممن لا يؤمنون به لكان اوجد ارضا مشتركة بين جميع البشر يقفون عليها باطمئنان والفة ، ولكن الحاضن الاجتماعي و الاقتصادي كان يغلب اصحاب المال والنفوذ القبلي على غيرهم من الناس ، وتحفل كتب التاريخ باشخاص من مكة كانوا بمثابة ملوك تهطع لهم الرقاب وتحمل رسائلهم الى ملوك العالم بسبب مكانتهم الاجتماعية في قبائلهم او مناطقهم التي يمارسون نفوذهم فيها ، ولقد تأثر الاسلام ونبيه بهذه المظاهر فكانت دولة الوحي في يثرب التي فقدت حتى اسمها بفعل القوة المتجبرة ونصوص المتفيقهين الذين يكفرون حتى الاسماء ان لم تكن مقرونة بتاريخ الاسلام ، ولا اظن ان الحكومة السعودية قادرة على اعادة اسم يثرب فوق خارطة مملكتها لان فعلا مثل هذا سيقلل من واردات امرائها الذين يضاجعون فقيرات العرب والمسلمين من طنجة الى كوالالمبور باسم السلالة المقدسة .
لقد اخترعت دولة النبي في يثرب قاعدة " النصر او الشهادة " بعدما احلت لجنودها اموال واراضي ونساء اعدائهم ، فاصبح البدوي الجائع حيوانا هائجا مدعوما من السماء وموعودا منها بامتلاك كل ما تقع عيناه عليه ان لم ينطق اصحابه بالشهادتين ، فان قتل في مواجهة هؤلاء الاعداء الافتراضيين فانه ذاهب الى الجنة التي تعجز مخيلة كمبيوترات اليوم عن مقاربة اوصافها الواردة في كتب المفسرين الاسلاميين والراوة ، علما ان لا احد من خارج الجزيرة قد هدد دعوة محمد او حاربها او تصدى لها بالتسفيه او التكفير ، فلماذا امتلأت صدور المسلمين كراهية على كل من لا يتبع دينهم الجديد ، ويجادل فقهاء الاسلام ، قديمهم وحديثهم بان ذلك كان من اجل اعلاء كلمة الله ، والدفاع عن دينه ، وتطبيق وصاياه ، وكأن الله عاجز او فاقد لاهليته او ضعيف الحجة لكي يجند بعض مخلوقاته التي يصفها القران بالضعف للدفاع عنه .
ان الدعوة التي نبعت من صحراء الجزيرة لا تمتلك مبررات غزو بلدان قريبة او بعيدة عن منشئها ، واذا كان لا بد من تبرير عقلي مقبول ، فان موارد هذه الصحراء لا تلبي الوعود المحمدية لاتباعه بالامتلاك والثروة وعليه فلابد من توجيه السواعد البدوية القابضة على نصولها الى خارج نطاق الارض المقحوطة ، اما ما يروج عن نشر رسالة الله للامم الاخرى فانه ادعاء باطل لا تدعمه اي شواهد مادية تقر بكفران الامم المتاخمة لتلك المملكة الصحراوية ، كما ان رسالة الله لا تصلح ابدا ان تكون وطنا لشعب مهما كان منهجه الديني ، ولعل الخراب الذي لحق بالعراق وايران والهند والشام ومصر وشمال افريقيا ما زال قائما حتى اليوم بحجة كلمة الله التي يراد لها ان تنتشر في كل شبر على الارض ، ولو اراد الله هذا لقال لها كوني فتكون كما يصف الله قدراته في ايات القران .
ان هشاشة الايمان مظهر قوي الحضور في تاريخ الاسلام ، وربما لازم حتى خلفاء محمد بعد موته ، فمن حروب الردة في زمن ابي بكر الى الغاء عمر لبعض نصوص القران الى ايثار عثمان لاهله في مناصب الدولة ومقتله الغريب الى مقاتلة علي بن ابي طالب لاحدى امات المسلمين نستطيع ان نسلسل شريطا مقرونا بالجاه والملك ، دعمته اشاعة لازمت من يموتون دفاعا عن هذه المكاسب اسمها " الشهادة " ، فالشهيد والنبي والصديق ما هي الا اسماء وظائف اسبغنا عليها صفات قدسية بفعل غياب العقل وانجراره نحو الخرافة ، النبي وظيفته التنبؤ ، والصديق وظيفته ان يقول لرئيسه مهما كان " صدقت صدقت " والشهيد وظيفته ان يشهد على ملته ، وكأن الله بحاجة لمن يقول له ان فلانا شرير وفلانا من الاخيار ، ثم وعودوا الشهيد بتلك الجنان التي لا تليق بحياة بشر ، فكل ما فيها مقتصر على ممارسة الجنس وملأ الامعاء والكروش ، فاي جنة هذه التي على المؤمن بالرب الاسلامي ان يضاجع فيها في كل يوم 72 زوجة وفي روايات اخرى اكثر من هذه العدد اضعافا مضاعفة ، ثم يعدن بعد ذلك ابكارا مع ملاحظة ان هذه المضاجعات بدون انزال المني ، ويستمر هذا الفعل الى الابد بدون موت ؟
واي جنة تلك التي تحدثنا عنها الاحاديث النبوية المتواترة بانها مراتب ومنازل ، فهل العدل الالهي الذي يدعيه الاسلام والاديان الاخرى يوجب ان تميز بين مؤمن خمس نجوم ومؤمن من الدرجة الشعبية ، واذا كان الله يصف المراة في القران بان من كيدها تزول الجبال ، وان كيدها عظيم وتثني على هذه الايات احاديث نبوية تقول ان اغلب اهل الجحيم من النساء ، فكيف يوعد الشهيد الاسلامي بسبعين حورية منشآت وامراتين من اهل الارض ؟ هذا يدلل بعملية حسابية بسيطة ان اغلب اهل الجنة الموعودة هم من النساء ، وليس مستغربا هذا التضارب بالنصوص لان الغاية من ايرادها كان كسب اكبر عدد من التائقين للنعم ، سواء كانت هذه النعم من اموال الذين سباهم الاسلام وسميت تلك الاموال بالغنائم او كانت نعما مؤجلة تتلخص بالمأكول والمشروب والمركوب .
لقد ابتلي العراقيون منذ عام 36 هجرية بآفة الشخص الاله ، عندما تقاتلت عائشة وعلي على ارض البصرة ، ثم في عام 37 هجرية عندما احتشد البدو من اتباع معاوية والبدو من اتباع علي على ارض صفين ، ثم في العام 61 هجرية عندما طالب الحسين بملك ابيه وجده من ايدي يزيد بن معاوية ، ولم يخجل مؤرخ اسلامي واحد من انسانيته فيذكر احوال اهل العراق الاصليين الذين تهشمت جماجمهم تحت سنابك اولئك الاغراب الذين يتقاتلون على جاه الدنيا بلا اكتراث لحياة ملايين البشر من الذين سماهم الاسلام بالكفار او اهل الجزية ، لقد هرستهم حروب العشيرة والعشيرة وتركتهم بلا اخبار او شواهد فالجهاد الاسلامي يقتضي ان تضحي باولادك واهل بيتك اذا نافسوك على منزلتك ، يقول شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي في جريدة الاهرام الصادرة يوم 14 نوفمبر عام 2002 ما نصه " الجهاد في الاسلام لم يشرع للعدوان على الناس ، وانما شرع من اجل اعلاء كلمة الحق ، ومن اجل دحر الباطل ، ومن اجل نصرة المظلومين الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان قالوا ربنا الله " انتهى
فهل العراقيون هم من اغتصب سلطة بني هاشم لكي تدور على ارضهم كل تلك المعارك ، وهل العراقيون هم من اخرجوا اتباع محمد من مكة لكي يعبث بهم اتباع السلالة المقدسة فيقتلون منهم من يقتلون ويشردون منهم من يشردون تحت ذريعة النسل النبوي ، وهل كلمة الحق التي يفلسفها فقهاء القتل الاسلامي تمتلك جغرافيا اكبر من جغرافيا الوطن ، ان المثير في الدعاوى السنوية التي يطلقها خطباء المنابر منذ 1300 عام هو ذلك التدليس الذي يزحزح الرغبة الشخصية بالملك نحو التكليف الالهي ، فاذا كانت سلالة الحسين نبوية فانها تخص كل من شهدوا الشهادتين ولا تخص العراق وحده ، واذا كان خصوم بيت علي بن ابي طالب قد حكموا في الشام واقاموا دولتهم هناك وسيروا جيوشهم من هناك فلماذا يدفع العراقي الثمن الباهظ طوال هذه القرون ، واذا كان علي واولاده واحفاده غزاة قادمين من دولة اخرى فلماذا نقيم لهؤلاء الغزاة اضرحة على ارضنا ، ونحتفل بتواريخ احتلالهم لنا وشحذ سيوفهم بدمائنا وعلف حميرهم ودوابهم بحنطة حقولنا ، واذا كان الحسين قد رفض مبايعة يزيد بن معاوية كحاكم وسلطان لانه جائر فلماذا يبايع من يسمون انفسهم اليوم " اتباع آل البيت " قوات الاحتلال الغربي للعراق ، اذا علمنا ان يزيد عربي مسلم قرشي وقوات الاحتلال مسيحية يكفرها دين آل بيت محمد ؟
ان وجود قبور الغازي على ارض المغزي مرصعة بالابهة والجلال لمشهد يجعل النفوس في الدرك الاسفل من العبودية .
#حاتم_عبد_الواحد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟