|
ظاهرة التسول ...
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 2517 - 2009 / 1 / 5 - 07:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نماذج فعل الخير في بلادنا كثيرة ومتنوعة ، تكبر وتتنامى ، وهذا دليل على عافية وتماسك الناس الطيبيبن .. فالرحمة سمة ربانية ، لا يمكن نزعها من القلوب حتى لو أدت إلى واقع مر علقم كالذي أصبحنا نعيشه في كل أحياء مدينة " فاس " والتي ضاقت على ساكنتها بما إجتاحتها من جيوش المتسولين الوافدين عليها من كل مكان ، ومن اللامكان حيث تجد عددا كبيرا منهم، بعضهم اتخذها مهنة تدر عليه اموالا كثيرة ، والبعض الآخر دعته الحاجة الى المادة ان يسلك هذا السلوك ليحصل على ما يسد رمقه من لقمة العيش.. إن رقة قلوب المؤمنين و إقبالهم على البذل والعطاء لكل من مد يده طالبا الصدقة لتزيد من نهم وجشع هِؤلاء المتسولين الذين كلما نالهم كرم زاد تهالكهم وتكالبهم على طلب المزيد منه، تشجعهم الأيادي البيضاء على التناسل والتكاثر والانتشار، حتى سدوا منافد الشمس وملأوا الدنيا، فأصبحت تصادفهم قابعين على بوابات المساجد والجوامع، وواقفين في مداخل المستشفيات، و متربصين بمواقف الحافلات ومحطات السيارات والقطارات، وقد تفننوا في إختراع وابتكار آلاف الحيل بدءا باستغلال الأطفال الصغار ونهاية بالتظاهر بالمرض والإحتياج لعمليات جراحية معقدة باهضة الثمن و منهم من يقوم بتجبيس يده أو رجله أو أي جزء من جسده ، ومنهم من يتصنع البلاهة والجنون ، ومنهم من يدعي الإصابة بحادث أو موت والد أو أم ، أو حصول مرض، وغير ذلك من الأعذار والأكاذيب ومختلف أساليب النصب التي لاتحصى والتي لم تعد تنطلي على أحد من العقلاء . ، فتحولوا بذلك إلى ظاهرة مخيفة ومستفزة .. موجودون في كل مكان يحاصرونك بمناظرهم المقززة ، يستفزون الناس بإلحاح ذبابي ، منتشرون كالوباء بصور مريبة ومربكة ، حتى غدت رؤية جحافلهم في كل المحافل التي يرتادها الناس شيئا مألوفا ، وربما لا يثير في بعضنا أي إحساس أو ملاحظة ، فهم بداخل الحافلات والقطارات وحولها ، وفي ابواب المخابز ، وعند ملتقى كل الطرقات وفي مواقفها المرورية ، يتسابقون بضراوة ، يتزاحمون بشدة ، يبتزون بكل عنف وهمجية ، يتحرشون ويعنفون بعداوة، ينطون من كل جانب ، مستعملين كل الوسائل والحيل للوصول إلى ما دسست في جيبك من دراهم ، ولا يهم إن كنت قد خططت لطريقة صرفها .. ليس المشكل في ظاهرة عدد المتسولين الذين تعودنا على رؤيتهم ودخلوا الديكورالعام لمدينتنا، ولا في إحتلالهم لكل شبر من شوارعها العامة، وأماكنها الخاصة، فذاك أمر ليس بالجديد علينا وقد ألفناه ، كما أن الإشكال ليس في طريقة إستجدائهم و أساليبهم وحيلهم المستفزة لإبتزاز المارة فهي سلوكات أخدنا عليها. بل المشكل كل المشكل في الظاهرة الجديدة والمثيرة التي أصبحنا نشاهدها ونعيشها، هي أن التسول لم تعد تقتصر على الأفراد فقط ولكنه أصبح شغل بعض الجمعيات والمنظمات وحتى دول قائمة بذاتها ومعترف بها. حيث أن عددا كبيرا من الجمعيات والجهات تدعي حاجتها لمبالغ مالية من أجل بناء مساجد لنشر الدين أو لعمليات الإفطار في شهر رمضان المبارك لتحول كل أو جزء من التبرعات لحسابات خاصة غالبا ما تنفق في أغراض شخصية و في الليالي الحمراء. وهي جريمة نصب وإحتيال مع السبق والترصد على المحسنين والمتصدقين وهي بذلك كمن يختلس حقوق المعوزين الحقيقين ويحرمهم من حقوقهم المشروعة،.
.فكيف السبيل لمحاربة هذه الظاهرة الجديدة التي إستفحلت بسبب ما جبل عليه المغاربة من كرم واريحية ؟؟ ربما لن أقترح على أحد أن يغير من طباعه ويحد من نزوعات الرحمة في قلبه لأن الرحمة سمة ربانية يودعها الله قلوب من يشاء من المؤمنين ، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي ) وكما أنه من غير المعقول ولا المنطقي أن أطالب بإغلاق بابا من أبواب الجنة الذي هو" الصدقة " والتي حث الإسلام عليها، وعلى كل أنواع الإنفاق في سبيل الله عز وجل ، حيث قال تعالى : " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون "، كما رغب الإسلام في تفقد أحوال الفقراء والمساكين ، والمحتاجين والمعوزين ، وحث على بذل الصدقات لهم ، فقال تعالى : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين . . . "ووعد على ذلك بالأجر الجزيل ، والثواب الكبير ، وقال تعالى : " وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " ، وقال تعالى : " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ". لكن ربما يكون إقتراحي منصبا فقط على تجويد وتنظيم و تقنين ذلك الفعل الإنساني النبيل وإبعاده عن التخبط وسوء التصرف الذي يؤتي النتائج عكسية ، فلنختر لصدقاتنا جهات صادقة، وأيد أمينة نكلفها بتأطيرها وصرفها في وجوه الخير لعامة المحتاجين المستحقين، وما " منظمة محمد الخامس للتظامن " إلا أنسب جهة أبانت عن مقدرتها في هذا الباب ، وبذلك نقضي أو نحد من فوضى التسول ، ونحافظ على نزوعات الرحمة والخير الكامنة في النفوس ونطورها . فاحذروا الذين يتصنعون المرض والفاقة من المتسولين، ويسعون في الأرض فساداً ، فكثير منهم صاحب أموال عظيمة ، وبعضهم يملك من العقارات والأراضي الشيء الكثير وقد سبق أن فضح الإعلام الكثير منهم ، ومع ذلك لا يتورعون عن أكل المال الحرام .
فما رأي فقهائنا في هذا ؟؟ و ما رأي مسؤولي وزارة الأوقاف والمجالس المنتخبة صاحبة شأن الأماكن العمومية التي يرتادها المتسول ؟؟؟ وكيف سيكون تدخلها للحد من هذه فوضى التي يتسبب فيها منعدمي الضمير ؟؟؟... حميد طولست[email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قادة من ورق
-
آفة الفقر والجوع
-
لماذا لا يلمع ويثرى إلا مدعو النضال والوطنية ??!
-
تشابه الأحياء الشعبية
-
الحوار المتمدن تجربة لا نهائية ناجحة
-
الآخرون !
-
حماية المستهلك ..في زيادة راتبه .
-
سلوكات مستفزة وغريبة ببيوت الله
-
حوار افتراضي مع المرحوم محمد شكري الكاتب الذي صارع البقاء لي
...
-
التطرف
-
حوار مع الأديبة والشاعرة الكويتية بسمة عقاب الصباح
-
حميرنا وحمار أوباما
-
الإدارة والإداريون
-
العزوف عن القراءة
-
سيارة البلد لا تطرب
-
قيمة الإنسان من ماركة سيارته
-
النقل المدرسي
-
تعزيز منظومة النقل وتحقيق جودتها
-
دردشة مع سائق طاكسي!!!
-
سائق الطاكسي سفير فوق العادة
المزيد.....
-
أحمد الشرع: سنشكل حكومة شاملة وسنعلن في الأيام المقبلة عن لج
...
-
مراسم يابانية قديمة لجلب الحظ والسلامة البحرية في فوكوكا
-
القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضا
...
-
وزير الدفاع اليوناني يطلب رسميا من سفيرة فرنسا توضيحات حول ص
...
-
ترامب يعرب عن تعازيه إثر مقتل روس في تحطم طائرتين بواشنطن وي
...
-
صحيفة تكشف التقارير الأخيرة لجهاز استخبارات بشار الأسد قبل س
...
-
السفارة الروسية في واشنطن: نعرب عن تعازينا بضحايا حادثة الطا
...
-
مرتضى منصور يهدد ترامب: التراجع أو المحاكمة أمام الجنائية ال
...
-
وكالة: الشيباني يشارك في مؤتمر دولي حول سوريا في باريس
-
واشنطن تخطط لتفجير اختباري للبلوتونيوم العسكري
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|