|
حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة
أحمد الجنديل
الحوار المتمدن-العدد: 2517 - 2009 / 1 / 5 - 03:58
المحور:
الادب والفن
وصلتْ العاصفة دون إشارة ، اكتسحَ الطوفان أركان إرادتي ، صرتُ في قلب الزلزال ، كان الإعصارُ شرساً ، هربتُ إلى مغارات الخوفِ طمعاً في النجاة ، هربَ الزمانُ من ذاكرتي ، ماتَ المكانُ الذي أنا فيه ، قفزتُ إلى الهاوية ، تدحرجتُ نحو قمّة اللاوعي ، أحسستُ بصفعة تصاعدَتْ سحبُ تأثيرها في رأسي ، بدأتُ بالترنح ، وفي عمق ما أنا فيه ، وصلني صوتُ كلبي هادراً بالغضب : اِزرعْ نفسكَ وتداً في الأرض فالعواصف لا تكتسح سوى النفايات ، ولتكنْ أخر ضرباتك سبباً في سحقها ، وإذا لم يـبقَ سوى خيار الموت ، فاقـذف ْ موتكَ بشموخ في وجهـها لكي تنـدحرَ عند قدميك . ابصقْ في وجه الخفافيش الوسخة ، فالعواصف عندما تهبّ ترافقها الخفافيش التي تملكُ القدرة أكثر من النسور الصلعاء على اكتشاف أسرار الليل . احذرْ الهرولة في مواجهة العاصفة قبل أن تتعلمَ السير ، وتأكّدْ أنّ العواصفَ أكثرُ ما يخيفها ويرعبها قوّة الثبات . ونهضتُ من جديد .... وانتحرتِ العاصفة عند الفجر ... وبدأ كلبي يسردُ لي حكاياته من جديد .
المطرقة :
المطرقة تـُلقي أوامرها بالهدوء ، والحاكم غارق حتى أذنيه في تفكير عميق ، وقد بانَ عليه التأثر والأسف لجريمة القتل التي تعرّضَ لها الغزال من قبلِ صيّاد جاءَ من مكان بعيد لينفـّذ جريمته على أرض الغابة الراقدة في أحضان الأمن والاستقرار ، وعلى يمين الحاكم جلسَ مجموعة من القضاة ، بينما ظلـّت مقاعد شاغرة لمجموعة أخرى لم يحضروا إلى المحكمة لشدّة حزنهم على هذه الجريمة . وفي لحظة الرهبة والترقب ، وفي غمرة الهدوء والتنصت ، أطلق الحاكم قراره بمطاردة الصيّاد الهارب وتمزيقه من قبل حرّاس الغابة . وقد دوّى تصفيـق حاد وهـتاف مرتفع تأيـيـداً لـلقرار ، وخرجَ الجميعُ فرحين بـقرار الحاكم العادل ، باستثناء زوجة الجندب التي همستْ في أذن زوجها : ما قتلت الغزال رصاصة الصيّاد ، الذي قتله غباء السنجاب الذي قادَ الصياد إلى مكان الغزال .
فن القتال :
أثناء المبارزة ، كان قلب الفهد يهتزّ بين أضلاعه ، وكلّما سدّد الخصمُ لولده ضربة قوّية شعرَ بألمها في داخله ، ولم يمض الوقت المحدد للمبارزة ، حتى سقطَ ابن الفهد على الأرض مضرجّا بدمائه ، وجسده مثخن بالجراح ، ممّا جعلَ الأب يقفزُ حاجز المتفرجين ، ويسرعُ نحو ولده ، وعيناه تمطران أسىً ولوعة ، وقلبه يهدرُ بغضب شديد ، وعندما لامسَ رأسَ ولده ، وشاهدَ الدماء الغزيرة تسيلُ من جسده لمْ يتماكْ نفسه ، فصرخ به : ــ لماذا لم تـُحسنْ فن القتال ؟ لقد بذلتُ كلّ ما بوسعي ، ومنحتكَ كلّ ما أعرفه لكي تكون مقاتلا باسلا ، فما الذي دهاك ؟ وما الذي أوصلكَ إلى هذه النهاية ؟ . لقد ألحقتَ بي العار الذي ما بعده عار ، وجعلتني سخرية أمام حيوانات الغابة ، فما الذي جعلكَ تنهزمُ بهذه الطريقة المشينة بعد ما علمتكَ أسرار اللعبة داخل البيت ، وبعيداً عن أنظار الجميع ، وقضيتُ معك وقتا طويلا تدربتَ على ما يلزمكَ من الفوز على أعدائك . كان الأب في ثورته عندما فتح ابنه عينيه والألم يهزّ كيانه ، والدماء تتدفقُ من جروحه ، وبصعوبة بالغة ، ردّ على أبيه : ــ إنّ ما قلته عين الصواب ، ولكنـّي أضعُ مصير أخوتي أمانة في عنقك ، فمنْ يتعلم مثلما تريد لا يحصد إلا مثلما هو أمامك ، ومن ينشد الفوز عليه التعلم في ساحات القتال المكشوفة ، وليس في الأوكار المظلمة . !! . ثمّ أغمضَ عينيه ، وتوقفَ النزفُ ، ولم يعدْ هناك ألم ولا حركة .
الخطاب :
بارتياح كبير ، وبعد أسبوع من التفكير المضني ، أنهى الذئبُ كتابة خطابه الذي يُـلقيه في المؤتمر العام لانتخاب ملك الغابة . طوى الخطابَ بعناية فائقة ووضعه قريبا منه ، وراحَ في نوم عميق . في الصباح ، وبعد قراءة سريعة له ، وضعه في جيبه وخرج من بيته ممتلئا عزة وشموخاً وكبرياءً ، وعند دخوله القاعة ، وجدَ مجموعة من الخطابات التي سبقه زملائه في إلقائها على جموع سكّان الغابة ، وقد داستها الأرجل وشوهّها براز صغار حيوانات الغابة . جلسَ في مكانه مذهولاً وسط دوّي الحناجر التي كانت تهدر بسيل الخطابات البليغة ، وعندما حانَ دوره وأرادَ أن يتكلم ، باغتته رغبة قوّية من الضحك ، لم يستطعْ مقاومتها ، وبدلاً من أن يتكلم ، أصدرَ ضحكة قوّية من حنجرته قابلها جمهور الغابة بعاصفة من الضحك ، أعقبها موجة من التصفيق الشديد ممّا أوجدَ فرصة لخروجه من القاعة ، وقد انسلخت منه هيبة العز ، وذبل في عينيه بريق الكبرياء ، وتهاوى من مخيلته صرح الشموخ . وعندما وصلَ إلى البيت ، طوى الخطاب بعناية فائقة ، ووضعه قريبا منه وراحَ في نوم عميق . وظـّلت الغابة تعيش في اضطراب واقتتال ، ممّا اضطـّر وجوه الغابة المتسمة برجحان العقل ، وأصحاب الحكمة إلى اتخاذ قرار تمّ بموجبه عقد مؤتمر آخر لانتخاب ملك الغابة . في صباح انعقاد المؤتمر ، طوى الذئب خطابه بعناية فائقة ، كانت القاعة تغصّ بالحضور ، ولم تكن خطابات متناثرة ولا أثر لبراز صغار الغابة . اجتاز جموع المحتشدين ، وشعر برغبة جامحة بالحديث إلا أنّ جموع الحاضرين قابلته بضحك متواصل ، أعقبه تصفيق شديد ، وتمّ انتخابه بالإجماع ملكاً للغابة ، وخرجَ من القاعة والجميع يهتفُ بحياته وحياة الغابة . وعندما وصلَ إلى البيت ، طوى الخطاب بعناية فائقة ووضعه قريباً منه ، وراحَ في نوم عميق .
الانقلاب :
اعتادت الذئبة العجوز ، المتهدلة الأذنين ، أن تحتضنَ حفيدها الصغير ليلاً ، لينامَ في حضن جدته وهو يشعرُ بالأمان ، وكما اعتادَتِ الجدّة احتضانه ، فأنه اعتادَ النوم على سماع قصة من قصصها الجميلة . ذات ليلة كانت فيها الرياح تهبّ بجنون حاملة معها المطر والخوف ، بدأت العجوز تسردُ قصتها على حفيدها الصغير : كان جدّك ذئبا شجاعاً ، ولم نشعرُ بوجوده بما يعكـّرُ صفو حياتنا ، فقد كان يجلبُ لنا الأمان والطعام في آن واحد . وفي أحد الأيام حصلت معركة ضارية بين فصيل الذئاب الذي يقوده جدّك الشجاع ، وبين فصيل النمور ، وأثناء المعركة أخذ منـّا الجوع مأخذه ممّا اضطّر جدّك إلى الالتجاء إلى فصيلة الثعالب في الغابة المجاورة التي تعودت على منحه القليل من الطعام ، كان يجلبه لنا ليلاً ، بعدها غابَ عنـّا ولم نجدْ له أثراً رغم بحثنا الطويل عنه ، ولكنه بعد عام عادَ إلينا يحملُ طعاما وفيرا وخيرا عميماً . قفزَ الحفيدُ الصغير من حضن الجدّة ، وصاحَ فرحاً : وأخيراً عاد جدّي الشجاع ، وعادَ معه الخير والأمان . هنا أطرقت الجدّة العجوز ، وانحدرت دمعتان على وجنتيها الذابلتين ، وأجابت بصوت حزين : لا يا حفيدي الصغير ، لقد عادَ بكلّ شيء إلا الأمان ، لأنه لم يعدْ ذئباً شجاعاً ، بل عادّ ثعلباً جباناً .
الانفجار :
ذات ليلة اتفقَ الدب مع زميله القرد على سرقة مخازن الغابة ، وأثناء عملية السطو تمّ القبض على الدب وأُودعَ السجن ، أمّا القرد فقد هربَ إلى خارج الغابة ، مكثَ عدة أعوام ، عادَ بعدها بهيئة أخرى ، فقد ارتدى ثوبَ الحشمة والوقار ، وتسلحَ بسلاح أهل العلم والمعرفة ، ولكونه من ذوي الأخلاق الرفيعة ، ولأنه يعشق العدل والحق حد العبادة ، فقد اتفق الجميع على تنصيبه حاكما للغابة . وذات يوم ، وبينما القرد يمارس عمله ، أدخلوا عليه الدب وهو ينوء بجريمته البشعة ، وما أن رآه زميله القرد حتى تلبد وجهه بغيوم الغضب ، وتلبست ملامحه بسحب الحزن ، وراحت عيناه تقدحان شرراً ، وخرج عن هدوئه الرصين ، وأخذ يصرخُ : لا يمكن تصديق ما أراه وأسمعه !! كيف يمكن لأحد أن يفعل هذه الجريمة النكراء ؟ كيف يمكن لأحد من سرقة غذاء إخوانه ؟ إنها جريمة كُـبرى ولطخة عار لا تزول إلا بإحراق هذا المخلوق المنحرف أمام الجميع ، لكي تكون غابتنا نظيفة من هذه الأمراض الخطيرة . قيدّوه جيدا ، واضربوه بشدّة ، ثمّ نادوا على سكان الغابة ، واحرقوه أمامهم ليكون عبرة لكلّ منحرف أثيم . كان الدب يستشيطُ غضباً وهو يسمعُ كلامَ زميله القرد ، وعند إصدار قرار الحكم ، أرادَ أن يصرخ فيه ، يبصقُ في وجهه ، لكنّ الحرس منعوه من ذلك ، انهالوا عليه بالضرب وأخرجوه من قاعة المحكمة بالقوّة . وبعد لحظات ، سُمِعَ انفجار قوّي أرعبَ الجميع وفي مقدمتهم جناب الحاكم العادل . لقد انجر الدب ..... انفجرَ ... ومات .
#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحفاة ........ .. قصة قصيرة
-
الارصفة تشرب الصراخ ................... قصة قصيرة
المزيد.....
-
فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي
-
عاجل | حماس: إقدام مجموعة من المجرمين على خطف وقتل أحد عناصر
...
-
الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
-
6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد
...
-
-في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام
...
-
واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
-
“الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2
...
-
طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
-
-الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال
...
-
نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت
...
المزيد.....
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
المزيد.....
|