|
اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الخامس عشر
جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين
الحوار المتمدن-العدد: 2513 - 2009 / 1 / 1 - 06:30
المحور:
الارشيف الماركسي
الدرس الخامس عشر الإنتاج : القوى الإنتاجية وعلاقات الإنتاجية 1 – ظروف حياة المجتمع المادية رأينا في القسم الثالث من هذا الكتاب ما هي نتائج النزعة المادية الجدلية إذا ما طبقناها على تاريخ المجتمعات و درسنا كيف تعكس حياة المجتمع الروحية ظروف حياته المادية. ولكن هناك سؤال يعرض لنا وهو: ماذا يجب أن نفهم، حسب نظرة النزعة المادية التاريخية، من "ظروف حياة المجتمع المادية" أن الظروف المادية أي الظروف الموجودة مستقلة عن إرادة الناس التي توفرها لنمو المجتمع، متعددة ومتفاعلة. فما هي، بين ظروف حياة المجتمع المادية، القوة الرئيسية التي تحدد وجه المجتمع وطابع نظامه الاجتماعي، وتطور المجتمع من نظام إلى نظام آخر ؟ ادعى البعض أن هذه القوة الرئيسية هي البيئة الجغرافية، وقال آخرون أنها ازدياد السكان. فهي أما أن تكون القضاء المحتوم الناتج عن ازدياد السكان. فليس أمام المجتمع، كي يعيش سوى حلين عند الحاجة: أما أن يغير الأرض، كما تفعل القبائل الرحل فتغزو أراضي جديدة، وأما أن يقلل من عدد سكانه، مستخدما الخصي EUGENIME كما كان يفعل الإسبارطيون القدماء1 وأما باهلاك الأفواه التي لا فائدة منها كالعجز والمقعدين والمرضى والمجانين، كما كانت تفعل بعض القبائل البدائية. وتجمع حرب الغزو والأفناء الجماعي للسكان بين هذين الحلين. فلقد كان الخصي وإفناء المعتوهين يصحبان عند الهتلريين، نظريا وعملياً، عقيدة "المجال الحيوي" تزدهر نفس النظريات البربرية الآن في أمريكا 2 وتنحط هذه النظريات بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، إذ حينما يعيش نوع حيواني على أرض ذات مساحة معينة ولها إمكانيات غذائية معينة، تنشأ "قوانين للإسكان" تسمح بالتنبؤ بتغيرات النوع. ويمكن لنقص الغذاء وضرورة استهلاك غذاء مختلف أن يؤديا إما لزوال النوع أو تحوله. ولكن الإنسان يختلف عن الحيوان: فهو يعمل ويناضل ضد الطبيعة. ولا يجب أن ننسى الجدلية: فليس هناك الطبيعة من جهة والناس من جهة ثانية، الجغرافية من ناحية، والبيولوجيا من ناحية ثانية، فيؤثر كل منهما تأثيرا سيئاً. يكذب هذه الفكرة التطبيق العملي للإنسانية التي حولت الأرض لخدمتها عبر آلاف السنين. ا – البيئة الجغرافية البيئة الجغرافية، بما فيها من طبيعة تحيط بالمجتمع ومناخ ومصادر طبيعة وسهولة مواصلات، وأراض، هي شرط ضروري دائم لحياة المجتمع المادية. ولهذا كان من البديهي أن تؤثر على نمو المجتمع: فهي أما أن تعمل على هذا النمو أو أن تعيقه. فلقد عملت سهولة استخراج الفحم الحجري في انجلترا على نمو الصناعة في هذه البلاد. بينما وجود المستنقعات التي تتطلب أعمال التجفيف، أو وجود الصحراء التي تحتاج للري أو فقدان البترول كل ذلك ظروف يمكن أن تعميق نمو منطقة من المناطق. غير أن تأثير البيئة الجغرافية ليس مبرماً. والدليل على ذلك أن التغيرات في المجتمع تتم بصورة أسرع من التغيرات في البيئة الجغرافية. فلو أن البيئة الجغرافية تؤثر تأثير مبرماً على تاريخ المجتمعات لوجب أن تحفظ هذا التاريخ بنفس المعالم طالما أن البيئة الجغرافية لم تتغير تغيراً أساسياً. بينما عرفت أوروبا خلال ثلاثة ألاف سنة أربعة أو خمسة أنظمة اجتماعية مختلفة: نظام الكومون البدائي، ونظام الرق، والنظام الإقطاعي وأخيراً النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي. ولم تتغير ظروف أوروبا الجغرافية تقريباً خلال هذه الفترة من الزمن. والنظام الاجتماعي، بالعكس، هو الذي يحدد تحول البيئة الجغرافية. إذ أن نظام الرق القديم استنفذ أرض حوض البحر المتوسط ودفع إلى غزو الجول وتسوية أرضها. كما أن البرجوازية التجارية الهولندية قد انتزعت، في فجر الأزمنة الحديثة جزءاً من بلادها من مياه البحر. ولقد حولت الرأسمالية القائمة على التبادل الحر حقول القمح الإنجليزية إلى مراع للقطعان، وكذلك قضت الرأسمالية على الغابات في مناطق كاملة من أوروبا، فعملت بذلك على انتشار الطوفانات، كما أفقرت الأراضي الزراعية وحولت مناطق بأجمعها في الولايات المتحدة إلى بواد قفراء. بينما تقوم ورشات العمل في روسيا الشيوعية، بإخصاب الصحاري وتحويل مجاري الأنهار، وتحسين المناخ. ولقد أوجد العلم التقدمي، بعد دراسته لقوانين نمو الأراضي، الزراعة القطبية، وأحيا "الأراضي السوداء" الشهيرة، كما اكتشفت قوانين تطور المناظر . وكذلك قضت الديمقراطية الشعبية في الصين على مصائب فيضانات الأنهار الكبرى. تحتج الطبقات الرجعية "بالبيئة الجغرافية" للتخلص من مسؤولياتها في المصائب العامة. فإذا كانت سدود هولندا قد تداعت عام 1953 فما ذلك ألا لأن البرجوازية الرجعية أبت أن تسحب فلساً من ميزانية الحرب لإصلاح هذه السدود.وإذا كانت الجماهير الفقيرة في اليونان لم تحظ بالمعونة ضد الزلازل، وفي ايطاليا ضد الفيضانات فسبب ذلك سياسة البرجوازية الطبقية وليست "البيئة الجغرافية". يدعي المؤرخون الاجتماعيون الديمقراطيون، الذين يريدون إخفاء العامل الحقيقي في التطور الاجتماعي، أنهم يفسرون التاريخ بواسطة "البيئة الجغرافية". وليس هدف هذه النزعة المادية الفجة إلا أن تقنعنا بأزلية "مدنية" غريبة أو أطلنطية مزعومة وتعارض "الشرق" و "الغرب" وتبرير الحرب الباردة. ب – السكان السكان، نموهم وكثافتهم، كل ذلك بدون شك عناصر ضرورية من بين ظروف حياة المجتمع المادية، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يوفر حياته المادية بدون حد أدنى من الناس وأن يقف في وجه قوى الطبيعة. وعدد السكان الفعالين من العناصر التي يجب أن نحسب حسابها لتقدير القوى الإنتاجية. لأن نمو السكان يؤثر في النمو الاجتماعين فهو يسهله أو يعيقه. وهكذا فأن تدفق الأيدي العاملة، التي هاجرت إلى الولايات المتحدة، قد ساعد على النمو السريع للصناعة الضخمة التي لم يمكن قد مضى قرن على وجودها. كما أن أفناء جزء من سكان أميركا الشمالية من الهنود على يد المستعمرين الانجلو سكسون، قد ساعد على ركود القبائل الباقية التقني والاقتصادي. ولكن هذا التأثير نفسه ليس فاصلا، والدليل على ذلك أن نمو السكان نفسه لا يمكن أن يفسر لنا لماذا يخلف نظام اجتماعي معين نظاماً اجتماعياً ولا يخلفه نظام آخر، فخلف نظام الرق النظام الإقطاعي وهذا النظام الإقطاعي قد خلفه النظام الرأسمالي. فلو أن نمو السكان يؤثر تأثيرا قاطعا لكان على البلاد التي بلغت أضخم كثافة من السكان أن تتمتع بأفضل نظام اجتماعي. فقد كانت كثافة السكان في بلجيكا عام (1939) 26 مرة أعلى منها في الاتحاد السوفياتي، ومع ذلك لا تزال بلجيكا في مرحلة الرأسمالية بينما الاتحاد السوفياتي قد انتهى من هذا النظام. والنظام الاجتماعي، على العكس، هو الذي يفسر حركة السكان. فليس من الصعب أن ندرك أن الرأسمالية في خفضها لقوة الجماهير الشرائية، وإفقار العمال، وفرض حياة بائسة عليهم تزيد من نسبة الموت (ولا سيما بين الأطفال). وأما في الاتحاد السوفياتي، حيث تتعارض ظروف الحياة الاشتراكي مع ظروف الحياة الرأسمالية، فلقد ازداد عدد السكان بين 1949 – 1952 بما يقرب من العشرة ملايين، أي بما يساوي سكان بلجيكا والقطاع الشمالي معاً. ولهذا فأن الاقتصاديين البرجوازيين، حين يعتمدون في تحاليلهم على حركة السكان -، دون أن يدركوا أن هذه الحركة في الواقع هي نتيجة يرتكبون في ذلك خطأ جسيماً. ولهذا فليست البيئة الاجتماعية ولا نمو السكان هما اللذان يحددان طابع النظام الاجتماعي وتطور المجتمع من نظام إلى آخر. وترى النزعة المادية التاريخية أن بين ظروف حياة المجتمع المادية قوة أخرى مستقلة في وجودها عن أرادة الناس وهي القوة الرئيسية للتطور الاجتماعي. وتتكون هذه القوة من طريقة الناس في الحصول على وسائل معاشهم، ألا وهي الوسائل المادية الضرورية للحياة. وهذا ما يسمى بطرية الإنتاج للوسائل المادية. 2 – طريقة الإنتاج ليس هناك شيء آخر سوى الطبيعة والناس. ولقد رأينا أن كلا من هذين العنصرين لا يمكن أن يفسر، لوحده نمو المجتمعات بل أن اتحادهما الجدلي هو الذي يمدنا بالجواب. وهذا الاتحاد الجدلي هو العمل والإنتاج. إذ لا يمكن للمجتمع أن يعيش أو ينمو بدون العمل والإنتاج. وليس هذا قضاء إليهاً محتوما بل هو الشرط الموضوعي لكل وجود إنساني. وأمام المجتمع طرق عديدة للحصول على وسائل المعيشة الضرورية. فهو يمكنه مثلا أن يستخدم آلاف المصانع اليدوية أو يستخدم الآلات أو الحيوانات أو الأرقاء. ولهذا يجب أن ندرس الطريقة التي يتم بها الإنتاج أو طريقة الإنتاج. يفهم البرجوازي الصغير، حين نتحدث عن طريق الحصول على الوسائل المادية الضرورية للعيش , الظروف التي نشتريها بها في السوق. ولكن هذا يتعلق بالتوزيع والاستهلاك وليس بالإنتاج مطلقاً. ومن البديهي أنه لا يوجد توزيع أو استهلاك بدون الإنتاج. ا – القوى الإنتاجية يحتاج الإنسان إلى الغذاء والثياب والأحذية والمسكن والمحروقات في معاشه. ويجب أن ينتج المجتمع هذه الوسائل المادية لكي يستطيع الحصول عليها. ويحتاج المجتمع في إنتاجها لآلات خاصه، فيجب أن يعرف كيف يصنع هذه الآلات وكيف يستعملها. يؤدي بنا، إذن تحليل القوى التي تساعدنا على الحصول من الطبيعة على معيشة المجتمع، إلى أن نميز بين: - آلات الإنتاج التي تنتج بواسطتها وسائل الحياة المادية (ولا تحتوي هذه الوسائل على وسائل الأستهلاك بل آلات الإنتاج نفسها). - الناس الذين يستخدمون الآلات (ولا سيما عددهم) والذين لا يمكن استعمال هذه الآلات بدونهم. - تجربة الإنتاج التي اكتسبتها الأجيال المتتابعة: التقاليد المهنية، المعارف التقنية والعلمية. فمن الصعب مثلا أن نستغني، في وقت قصير، عن التجربة التي تجمعت في صناعة الحرير في ليون. - عادات العمل الخاصة بكل عامل، صفته، مهارته إذا نظرنا إلى هذه القوى المادية في مجموعها وتفاعلها تكون لنا منها قوى الإنتاج. - فما هو العنصر الأساسي الذي يسمح بتحديد حالة قوى الإنتاج؟ هي آلات الإنتاج. لأن طبيعة هذه الآلات هي التي تحدد عدد الناس الضروري لإتمام عمل معين، والمعارف التقنية الضرورية، وعادات العمل التي يكتسبها المنتج باستخدامه لها. كما أن طابع العمل اليدوي وطابعة الفكري يتعلقان بطبيعة وسائل الإنتاج. - ذلك لأن تطور قوى الإنتاج مشروط بتطور وسائل الإنتاج، فقد كانت هذه الوسائل، في أول الامر، عبارة عن حجارة ضخمة بدائية، ثم أصبحت سهاماً مما ساعد على الانتقال من الصيد إلى تأليف الحيوانات وتربية القطعان عند البدائي، ثم ظهرت الآلات المعدنية التي ساعدت على الانتقال إلى تطور الزراعة، وبعد ذلك حدثت اختراعات جديدة ساعدت على صنع المواد، كصناعة الخزف POTERIE وصناعة الحديد ثم تطورت المهن. وتم انفصالها عن الزراعة، ومن ثم ظهرت الصناعات اليدوية التي تمتاز بتقسيم العمل إلى مهام جزئية لصنع منتوج معين ، وبعد ذلك تم الانتقال من وسائل إنتاج الصناعة اليدوية إلى الآلة التي ساعدت على التطور من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية والمصنع والصناعة الضخمة الإلية الحديثة بظهور الآلة البخارية والطاقة الكهربائية. - ذلك هو عرض مختصر لنمو قوى الإنتاج على ممر تاريخ الإنسانية. - ونلاحظ أن هذا النمو هو أصل تقسيم العمل بين الناس، ولا سيما التقسيم الأول الكبير للعمل بين الصيادين البدائيين وصيادى الأسماك وبين القبائل التي تقوم بتربية المواشي ثم الزراعة. - وأما التقسيم الثاني للعمل بين المهني والزراعة فقد أدى بالضرورة إلى وجوب تبادل المنتوجات بين الزراع وبين العمال اليدويين المهنيين والبحث عن توزيع آخر غير التوزيع العائلي. وهكذا ظهرت في ظروف معينة، سنحددها فيما بعد السلعة ، كما أن هذا التقسيم الثاني للعمل هو أصل الاختلاف التدريجي بين القرية والمدينة (وهذه الاخيرة ضرورية كمركز للإنتاج ومصدر للتبادل). - وأخيراً أثر تطور وسائل الإنتاج على مظاهر قوى الإنتاج الأخرى: لا شك أن تطور وسائل الإنتاج وكما لها قد تما على يد الناس الذين لهم علاقة بالإنتاج ولم يحدث ذلك بعيدا عن الناس. ولهذا ففي الوقت الذي تغيرت فيه وسائل الإنتاج تغير الناس – وهم العنصر الأساسي في قوى الإنتاج – أيضا وتطوروا. فتغيرت ذلك تجربتهم الإنتاجية وعاداتهم في العمل ومقدرتهم على استخدام وسائل الإنتاج وتطورت . - فاضطرت البرجوازية الرأسمالية، تلبية لحاجات الصناعة الضخمة الحديثة، إلى تعليم العمال القراءة والكتابة والحساب، كما اضطرت إلى تنظيم التعليم الابتدائي المجاني الأجباري وفتح بعض المدارس المهنية. - ولقد حاول ليون بلوم أن يدخل النزعة المثالية من جديد فادعى أن الآلات لا يمكن إتقانهاإلا بفضل اختراعات الفكر الإنساني، ولهذا فأن الفكر هو أصل تقدم قوى الإنتاج ولكننا نعرف كيف تتولد الأفكار من التطبيق العملي نفسه: وذلك أن أفكار الإتقان تتولد بفعل حاجات الحياة المادية فهي تظهر عند استعمال آلة من الآلات. - والآلة هي الواسطة بين الإنسان والطبيعة، ووظيفتها أنها تساعدنا على تحويل الأشياء الطبيعية إلى أشياء يمكن أن يستعملها الإنسان. ولهذا تعكس الآلة متطلبات المادة التي يجب معالجتها (لا يعالج النحاس بنفس الآلات التي يعالج بها الصلب) ولتطلبات الإنسان الحياتية، أي صفات الشيء الذي يجب أن يقوم بخدمته و الذي يجب صنعه (ولهذا اختلفت الآلات باختلاف المهام). تعبر الآلة، في المظهر الأول، عن خضوع الإنسان للضرورة الطبيعية، بينما هي تعبر في المظهر الثاني عن خضوع الطبيعة لحاجات الإنسان وعمله، أي لحرية الإنسان. تعبر الآلة إذن بصورة جدلية، عن النضال بين الإنسان والطبيعة. وأما قوى الإنتاج فهي تعبر عن مسلك الناس نحو الأشياء وقوى الطبيعة التي يستخدمونها لإنتاج منتوجات مادية فبماذا ينتج الناس؟ هل ينتجون بواسطة المحراث البدائي أم بواسطة المحراث المتعدد السكك؟ تلك هي المسألة الأولى التي يثيرها تحليل طريقة الإنتاج ألا وهي مسألة مستوى قوى الإنتاج. ب – علاقات الإنتاج الإنتاج هو نضال الإنسان ضد الطبيعة. ولكن الإنسان لا يناضل قط لوحده لأنه إن فعل ذلك فشل وعاد القهقرى إلى حالة الحيوان. ولهذا يناضل الناس سوية ضد الطبيعة. فمهما كانت الظروف فالإنتاج دائماً هو إنتاج اجتماعي. لأن المجتمع هو الذي جعل الإنسان ما هو عليه، وهو الذي أنقذه من حالة الحيوانية. ولهذا فإن خطأ الاقتصاد السياسي البرجوازي الأساسي هو التحدث عن النشاط الاقتصادي عند رجل وحيد يشبه روبنسون كروزوه أو آدم، وهذا الإنسان لم يوجد قط، بل هو ضرب خيال ميتافيزيقي. ولهذا لم نبدأ نحن بالحديث عن المنتوجات المادية الضرورية للفرد بل عن المنتوجات الضرورية للمجتمع في مجموعة. فإذا كان للإنتاج دائما طابع اجتماعي فلا بد من أن تنشأ بعض العلاقات بين الناس بصدد هذا الإنتاج. وليست هذه العلاقات علاقات أفلاطونية بل هي علاقات تتصل بالإنتاج وتخضع له. وليس هناك فقط علاقات الناس بالطبيعة (قوى الإنتاج) بل هناك علاقات الناس فيما بينهم خلال عملية الإنتاج، ونسمى هذه العلاقات بين الناس علاقات إنتاج. ويمكن لعلاقات الإنتاج بين الناس أن تكون أنواعا متعددة: يمكن للناس أن يجتمعوا بحرية للقيام معا بعمل مشترك كبناء بيت مثلا فتنشأ بذلك علاقات تعاون و تعاضد بين أناس أحرار من كل استغلال. - ولكن يمكن لإنسان أيضاً، في بعض الظروف، أن يضطر أخاه الإنسان للانتاج من أجله: فيتغير بذلك طابع الإنتاج تغييرا سياسيا، فتصبح علاقات سيطرة وخضوع ويظهر استغلال عمل الآخرين. - وأخيرا يمكن أن نلقى، عبر التاريخ، مجتمعات يوجد فيها هذان النموذجان: أحدهما في طريق الزوال والآخرة في طريق الاشتداد فتنشأ علاقات فترة انتقال من صورة لأخرى. ولكن مهما كان نموذج علاقات الإنتاج فإن هذه العلاقات عنصر ضروري للإنتاج. ولنكتف الآن بمثال بسيط فنقول أن الإنسان الذي يعمل من أجل نفسه لا يعمل كالذي يشتغل من أجل الآخرين. ولقد بلغ من صحة هذا الأمر أن المستغلين يحاولون دائما تغطية الاستغلال تحت ستار تعاون مزعوم وإيهام المستغلين بأن علاقات الاستغلال هي علاقات تعاون "عائلي" وهذا ما يسمى Paternalisme فيقولون للعمال: "دافعوا عن مصالح صاحب العمل فسوف تنالون الأجر على ذلك في الآخرة!". ولكن إذا كان طابع علاقات الإنتاج عنصرا أساسيا في الإنتاج، فإن هذه العلاقات لا تتفق والفكرة التي يمكن أن نكونها عنها. وكان ليون بلوم يقول، منافقا أنه لا يفهم بماذا تزيد العلاقات الاقتصادية بماديتها على سائر العلاقات. ونحن نعلم أن المادية تعني الوجود بعيدا عن إرادة الناس ووعيهم، والإنتاج بالنسبة للناس ضرورة موضوعية لا يمكن أن تتم إلا ضمن نطاق المجتمع كما هو كائن. مثال ذلك أن من لا يملك أي شيء من المنتوجات المادية الضرورية للحياة مضطر، ماديا، للعمل من أجل الآخرين، خاضعا ليسيطرة الاخرين و هكذا ليس الاستغلال ((فكرة)) و إنما هوً واقع موضوعي يؤثر في الإنتاج. ولا يؤثر الناس في الإنتاج على الطبيعة فقط، بل يؤثر أيضاً كل منهم في الآخر. فهم لا ينتجون إلا بالتعاون بصورة معينة، متبادلين نشاط كل منهم فيما بينهم. فهم يقيمون في سبيل الإنتاج، علاقات معينة بعضهم مع بعض، ويتحدد تأثيرهم في الطبيعة، أي الإنتاج، في حدود هذه العلاقات الاجتماعية . لا يمكن، إذن، فصل قوى الإنتاج عن طابع علاقات الإنتاج، لأن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج "مظهران" لا ينفصلان عن طريقة الإنتاج التي " تجسد" حسب تعبير ستالين، وحدتهما الجدلية في عملية إنتاج منتوجات المادية. وإنه لمن الخطأ الأساسي أن نجعل من دراسة الإنتاج دراسة قوى الإنتاج فقط. ولقد ارتكب هذا الخطأ، مع ذلك، الذين يعتقدون أن الماركسية تقوم على تفسير تطور المجتمعات بواسطة تطور قوى الإنتاج فقط، ويتغاضون عن طبيعة علاقات إنتاج. ولهذا فإن تفسير العالم الحديث بواسطة آلة البخار وإهمال تحليل علاقات الإنتاج الرأسمالية لا يدل على إيمان بالمادية بل هو تشويه لها. كما أن تعليم أطفال المدارس التقدم التاريخي للوسائل التقنية والتغاضي عن تعليمهم ما هية الاستغلال الرأسمالي خداع لهم وتقرير الماضي والحاضر والمستقبل تقريراً خاطئاً لهم. ويرتكب نفس الخطأ أولئك الذين ينسون التقدم الاجتماعي وتقدم علاقات الإنتاج فلا يرون في "التقدم" سوى التقدم التقني. ذلك كان وهم البرجوازية في القرن التاسع عشر.وبهذا نشأت خيبة أمل مريرة لأن التقدم التقني العلمي يمكن أن يخدم أعمال السلام كما يخدم أعمال الحرب، إذ أن الآلة يمكنها أما أن تقضي على العامل أو تحرره، حتى إذا ما أخذت الرأسمالية بالانحطاط، في عصر الاستعمار، وكشفت عن جروحها المزمنة من فقر واضطهاد وحرب، مستخدمة أحدث الوسائل في التقتيل، أعلن الخياليون من أنصار "التقنية" بإفلاس التقدم وحملوا الآلة مسؤولية المصائب التي يولدها رأس المال! ويكرس بعض علماء الاجتماع البرجوازيين أنفسهم لمثل هذه السفسطة ألا وهم دعاء "علم الاجتماع الصناعي" ولا سيما زعيمهم جورج فريدمان فيتبنون وجهة نظر "أصحاب العمل" ويتظاهرون بالبحث عن سبب موقف العامل "السلبي" في بلاد الرأسمالية، أمام العمل، فإذا به النزعة الآلية، بينما السبب الحقيقي هو استخدام الآلات الرأسمالي من أجل الإنتاج الرأسمالي وزيادة الاستغلال. يقول ماركس أن قوى الإنتاج لا تؤثر ألا في حدود علاقات الإنتاج. ولهذا فإن استخدام الآلة، في الاتحاد السوفياتي حيث زالت علاقات الاستغلال، لا يمكن أن يكون له سوى نتائج طيبة بالنسبة للعامل. لا تختصر الآلات، في روسيا، العمل فقط، بل هي تسهل في نفس الوقت، العمل للعمال. ولهذا يستخدم العمال الآلات عن طيبة خاطر في عملهم لأنهم يعيشون في ظروف اقتصاد اشتراكي، على عكس ما يجري في ظروف الرأسمالية تنظر النزعة المادية التاريخية إلى طريقة الإنتاج في مجموعها وفي وحدتها: علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج. ولما كانت قوى الإنتاج لا تؤثر إلا في حدود علاقات الإنتاج فإننا نسمي، عادة مختلف طرق الإنتاج بطابع علاقات الإنتاج التي تسيطر عليها، حين نتحدث عن طريقة الإنتاج نريد بذلك القول بأن علاقات الإنتاج الإقطاعية كانت مسيطرة عليها، وكانت تطبع الحياة الاجتماعية بطابعها. ولا نعني بالضرورة القول بأنها كانت العلاقات الوحيدة. كما أنه ليس من العلم في شيء أن تسمى عصراً تاريخياً بالنسبة لحالة قوى الإنتاج كقولنا العصر الحجري والعصر المعدني وعصر الآلة البخارية أو العصر الذري. 3 – ملكية وسائل الإنتاج رأينا، حين درسنا قوى الإنتاج (المسألة الثانية أ) أن وسائل الإنتاج هي العنصر الأساسي فيها. وذلك لأن طبيعة وسائل الإنتاج هي التي تحدد، في الحقيقة، مستوى قوى الإنتاج. فلننظر الآن ما هو الأهم في علاقات الإنتاج. وما هو العنصر الذي يحدد طابعها؟ تلك هي خاصية وسائل الإنتاج. من الواضح أن من يفتقد إلى هذه الوسائل لا يمكنه أن يعيش إلا إذا قبل سيطرة من يمتلكها. ولا يجب أن نخاط بين وسائل الإنتاج وبين منتوجات الاستهلاك (كالأثاث، ومنازل السكن، والسيارة العائلة) ونعني بوسائل الإنتاج كل ما هو ضروري للإنتاج. فما هي، مثلا، وسائل الإنتاج في المجتمع الحديث؟ أولا الخيرات الطبيعية (كالأرض والغابات والمياه وباطن الأرض، والمواد الأولية) ثم وسائل الإنتاج التي تساعد على تحويل هذه الخيرات الطبيعية، ثم المنشآت الضرورية للإنتاج كأبنية المصانع ومنشآت المناجم، ووسائل النقل والاتصال. يضاف إلى ذلك وسائل التبادل بين أعضاء المجتمع، كالمنشآت الضرورية للتوزيع وللتجارة (المستودعات. مخازن البيع) ومؤسسات القروض 0كالمصارف). والسؤال الذي نسأله اذا ما أردنا تحديد طابع علاقات الانتاج هو السؤال التالي: من يملك وسائل الإنتاج؟ هل هو المجتمع بأكمله؟ أم الأفراد أو الفئات التي تستخدمها لاستغلال أفراد آخرين وفئات أخرى؟والاجابة على ذلك هي توضيح حالة علاقات الإنتاج وحالة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الناس. ندرك إذن أنه إذا كانت وسائل الإنتاج ملكا للمجتمع بأكمله يمكن أن تكون العلاقات بين الناس علاقات تعاون وتعاضد. وأما الذين لا يملكون أية وسيلة للإنتاج فلن يستطيعوا العيش إلا إذا وضعوا أنفسهم في خدمة من يملكها. فيشتغل البعض ويستغل الآخرون هذا العمل. لأن التعاون لا يوجد إلا بين الذين يقومون بنفس الدور في الإنتاج فيكون تعاونا طبقياً. ينقسم المجتمع، إذن إلى طبقات اجتماعية متناقضة.فتكون الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. ونعني بالطبقة الاجتماعية مجموعة من الناس يقومون في الإنتاج بدور مماثل، وتجمعهم علاقات مماثلة بالنسبة للآخرين (لينين) . ليس لتعبير "الطبقة الاجتماعية" أي معنى إلا على مستوى علاقات الإنتاج إذ تتحدد هذه الفكرة بنموذج الملكية أو بانعدام الملكية. ولا يجب أن نخلط هذه الفكرة بالمقولات الاجتماعية، التي تتحدد بواسطة التقنيات، والمهن وأوجه النشاط الاجتماعي الضرورية لحياة المجتمع. مثال ذلك عامل المعدن، وعامل المنجم أو عامل القطار. أن يكون المرء "فلاحا" هو أن ينتهي لمقولة اجتماعية، غير أن هذا لا يحدد الطبقة التي ينتهي إليها. إذ يمكن أن يكون المرء ملاكا للأرض كبيرا رأسمالياً ("فلاح ذو أياد بيضاء") أو ملاكا مستغلا بمساعدة عمال زراعيين. أو ملاكا لاستغلال عائلي، أو عاملا زراعيا الخ. وكذلك ليس "صاحب العمل" في المصنع هو المدير أو المهندس بل هو الرأسمالي أو جماعي الرأسماليين ("الشركة") الذين يملكون وسائل الإنتاج. حين تمتلك طبقة اجتماعية وسائل الإنتاج فإنها تتشخص فيها علاقات الإنتاج المناسبة لها، ولهذا فسوف نتحدث عن علاقات الإنتاج "الرأسمالية" أو علاقات الإنتاج "البرجوازية" حتى إذا ما سيطرت علاقات الإنتاج هذه فإن نفس التعابير تستعمل للدلالة أيضاً على طريقة الإنتاج. فنقول: الطبقة "الإقطاعية" وعلاقات الإنتاج "الإقطاعية"، طريقة الإنتاج "الإقطاعية" لأن البرجوازية ليست حينئذ الطبقة المسيطرة. يمكننا الآن أن نحدد فكرة علاقات الإنتاج. تضم هذه العلاقات: أ) صور ملكية وسائل الإنتاج، ب) وضع مختلف الفئات الاجتماعية في الإنتاج وعلاقاتهم المتبادلة أو "تبادل أوجه نشاطهم" التي تتولد عن هذه الصور حسب قول ماركس، ج) صور توزيع المنتوجات التي تتعلق بها. كل هذا يكون موضوع الاقتصاد السياسي . صور الملكية إذن هي التي تكون العنصر الأساسي في علاقات الإنتاج. ومن البديهي أن الطبقة المستغلة تتخذ جميع الاحتياطات المفيدة من أجل حماية صور الملكية التي تضمن لها إمتيازاتها. وتكون علاقات الإنتاج، التي تحمل طابع نظام ملكية وسائل الإنتاج، الأساس الاقتصادي للنظام الاجتماعي بأكمله. نملك الآن جميع الأفكار الضرورية لندرك أن طريقة الإنتاج تكون القوة الرئيسية في التطور الاجتماعي. 4 – تغير طريقة الإنتاج مفتاح تاريخ المجتمعات يمتاز الإنتاج بهذه الخاصية وهي أنه دائم التحول والتحول والتطور، وأنه لا يقف فترة طويلة في نفس الوقت، بينما تظل البيئة الجغرافية في مجملها على ما هي عليه. لأن الناس يحاولون باستمرار الاستفادة، إلى أقصى حد، مما تقدمه الطبيعة لهم، كما يحاولون إتقان الإنتاج الذي يتطور دائما. لو أن الإنسان لم يحاول دائماً أشباع حاجاته المادية بصورة أفضل، لما كان إنساناً واعياًن بل حيواناً خاضعاً للضرورة العمياء. غير أن الإنسان يجد في الإنتاج الوسيلة لاستخدام الضرورة الطبيعية لخدمته، ولهذا لا يتوقف الإنتاج فترة طويلة في نفس الوقت. تكون هذه الحقيقة، بالنسبة للمثالي، موضوعاً للتشهير، فهو يرى فيها عطشا لا يرتوي نحو الخيرات المادية، كما ترى فيها المسيحية عملا من أعمال الشيطان والشر. ولكننا نعلم، أيضاً، أن هذه الموضوعات مخصصة للجماهير الكادحة، فتلقن الصيام والطهارة بينما تنعم الطبقات المستغلة بفيض من المنتوجات المادية. لأن ازدياد الإنتاج هو ضرورة موضوعية للمجتمعات الإنسانية. واستغلال الإنسان للإنسان هو الذي يحول دون أن يكون لهذه الضرورة نتائجها الطبيعية الخيرة. وتغيير طريقة الإنتاج وحده يستطيع تفسير كيف أن نظاما اجتماعية يحل محل نظام آخر، ولماذا تتغير الأفكار الاجتماعية والآراء والمؤسسات السياسية، ولماذا تتغير الأفكار الاجتماعية و الأراء و المؤسسات السياسسةو لماذا تمس الضرورة، في بعض الأحيان، لاعادة صهر النظام الاجتماعي والسياسي بأكمله. ولقد بأن لأرسطو، منذ أمد بعيد، الصلة بين الرق و مستوى قوى الإنتاج. يقول أرسطو، وهو أعظم فيلسوف قديم،: "لو أن كل آلة تستطيع القيام بوظيفتها بعد أمرها القيام بذلك، أو من تلقاء نفسها، كروافع ديدال التي تتحرك من نفسها أو مقاعد آلة النار والمعدن فولكين التي تتحرك أيضاً من تلقاء نفسها لتقوم بعملها المقدس، لو أن مكاكيك الحائكين كانت تحوك من نفسها لما احتاج صاحب المصنع لمساعدين أو رئيس للعبيد . ولقد بررت الميتافيزيقية المسيحية، في القرون الوسطى، وجود النقابات المهنية التي تحد من انطلاق قوى الإنتاج وتساعد على استقرار النظام الإقطاعي. ولكن إذا كان هذا النظام يهدف في الأصل لضمان المجتمع ضد الفقر فقد ظهر على مر الأيام أن هذا الخوف من الحركة والتغير ليس سوى خوف الإقطاعيين أمام موجة البرجوازية الصاعدة حتى إذا ما استولت هذه على زمان الحكم أزالت القيود المفروضة على الإنتاج ومنعت النقابات المهنية. وهكذا كان السلطان السياسي ضروريا لفرض القانون الجديد الذي هو انعكاس لطريقة الإنتاج الجديدة. كما كانت الأفكار الجديدة ضرورية لتبرير هذا السلطان الجديد وذاك القانون الجديد. فكانت الفلسفة سلاحاً فكريا ضد نظام الأشياء القديم. وضمنت البرجوازية المنتصرة حق الملكية البرجوازي في إعلان حقوق الإنسان، كما أقامت منظمات برلمانية برجوازية، ودعت لأخلاقها وأوجدت نظاماًً جديدا للتعليم حذفت منه فلسفة القرون الوسطى كما حرمت الجمعيات العمالية لتحمي نفسها ضد نضال البروليتاريا المستغلة. وهكذا فرضت على الأمة بأجمعها "نوع الحياة" البرجوازية والأفكار الخاصة بها لأن "لكل نوع من الحياة نوعا من الفكر " ولنقرأ من جديد صفحات القسم الأول من بيان الحزب الشيوعي الخالدة. "لقد داست البرجوازية في كل مكان استولت فيه على السلطان، العلاقات الإقطاعية والبطريركية والغرامية بالأقدام. فحطمت بدون شفقة جميع الصلات المعقدة المتنوعة التي توحد بين الإنسان ورؤسائه الطبيعيين في عصر الإقطاع، ولم تبق إلا على علاقة الربح بين الإنسان والإنسان ومتطلبات الدفع نقداً القاسية. فإذا بها تغرق رعشات النشوة الدينية المقدسة والحماس الفردوسي والعاطفة البرجوازية في مياه الحساب الأناني المتجمدة. وجعلت من كرامة الإنسان قيمة بسيطة للتعامل، فأحلت محل الحريات العديدة حرية التجارة الوحيدة أي أنها أحلت محل الاستغلال الذي تخفيه الأوهام الدينية والسياسية استغلالا مفضوحاً مباشراً. جردت البرجوازية جميع ألوان النشاط، التي كان ينظر إليها على أنها مقدسة توجب الاحترام من هذه الهالة التي كانت تحيط بها. فجعلت من الطبيب والمشروع والكاهن والشاعر والعالم عمالا مأجورين. كما مزقت البرجوازية ستار العاطفية الذي يخيم على العلاقات العائلية وحولتها إلى مجرد علاقات مالية . ولهذا فإن عدم ادراك، أن البرجوازية ارادت أن تقوي بجميع الوسائل طريقة الإنتاج التي هي نفسها ثمرة لها، يمنعنا من إدراك الحوادث التاريخية التي وقعت، مثلا، فيما بين1789 – 1815. يميز المؤرخون البرجوازيون أنفسهم بين عصر بدائي هو العصر القديم، والعصور الوسطى ثم الأزمنة الحديثة. فما هو الفرق بين هذه العصور؟الفرق الاساسي هو أنه كان يوجد في القديم الملكية المشتركة، ثم نشأت، عند فجر التاريخ والمدينة، طريقة الإنتاج التي تقوم على الرق، وقد سيطرت في العصر القديم، بينما سيطرة، في القرون الوسطى، الملكية الإقطاعية للأرض، وشاهدت العصور الحديثة نمو الملكية البرجوازية التجارية ثم انتصار البرجوازية الرأسمالية وأفول نجمها. ويقول المؤرخون المناهضون للماركسية أن هناك صفات مشتركة بين العصر القديم والقرون الوسطى والأزمنة الحديثة. ولهذا فليس تفكير أفلاطون أو أحاديث شيشرون، مثلا، غريبة علينا. وهذا صحيح. وهاك تفسير هذه الصفات المشتركة، ولا سيما فيما يتعلق بالمؤسسات والأفكار. 1 – تمتاز نزعات الرق والقطاع والرأسمالية بصفة واحدة مشتركة، مهما شتد الخلاف بينها، وهي أنها جميعا تمثل علاقات إنتاج تقوم على استغلال طبقة على يد طبقة أخرى، كما تعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. النضال الطبقي إذن موجود في هذه النماذج الثلاثة للمجتمعات، وكل ما ينتج عنها على مستوى المؤسسات والأفكار. 2 – يوجد إلى جانب هذه الطرق الثلاث للإنتاج، طبقات عديدة للبرجوازية الصغيرة، (كالبرجوازية التجارية، والصناعية اليدوية، والزراعية، والفكرية). يؤدي هذا الواقع التاريخي المستمر إلى تكوين سيكولوجية الإنسان المتوسط" وتغذيها، وهو إنسان فردي يتعلق بالملكية الخاصة، مليء بالتناقض، لأنه يقف موقفاً سلبياً من النضال الطبقي ويستسلم دائماً للطبقة الحاكمة المستغلة. وبالرغم من أن هذه النظم الثلاثة تتشابه، فإنها في نفس الوقت تختلف نوعياً في أساسها الاقتصادي، فهي تؤلف أبنية اجتماعية مختلفة. وموضوع العلم التاريخي هو دراسة أوجه الاختلاف والتشابه فيما بينها. 5 – الخلاصة النزعة المادية التاريخية هي النظرية العامة لطرق الإنتاج والاقتصاد السياسي هو العلم الخاص بالقوانين الموضوعية التي تسيطر على علاقات الإنتاج بين الناس. وموضوع علم التاريخ هو العلاقات المتبادلة بين الطبقات التي تتمثل فيها هذه العلاقات للإنتاج ولا سيما علاقاتها السياسية. وليس هناك من علم تاريخي إذا لم نتساءل في كل لحظة عن طابع علاقات الإنتاج، وطابع الملكية، والطبقات الاجتماعية والربح الطبقي. ولهذا لا يمكن أن يقتصر علم التاريخ الحقيقي على دراسة أعمال الملوك وقواد الجيوش والغزاة لأن التاريخ هو تاريخ الشعوب. إن تاريخ التطور الاجتماعي ... هو تاريخ منتجي المواد المادية، تاريخ الجماهير الكادحة التي تكون القوى الأساسية في عملية الإنتاج والتي تنتج المواد المادية الضرورية لوجود المجتمع . والواقع أن قانون التاريخ هو الصلة الضرورية بين علاقات الإنتاج وبين قوى الإنتاج: ويعبر هذا القانون عن مصالح جماهير الإنسانية الحيوية. ولهذا كانت الماركسية، حسب قول ستالين. "علم ثورة الجماهير المضطهدة المستغلة". ولكن إذا كان الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم، فإنهم يصنعونه "في ظروف معينة تحدد هؤلاء الناس"(ماركس) فلايجب البحث عن مفتاح التاريخ في أدمغة الناس وآرائهم وأفكارهم، بل في علاقات الإنتاج والقوانين الاقتصادية والموضوعية التي تعمل مستقلة عن إرادة الناس، متى ما أنتج هؤلاء بصورة اجتماعية، الذين يتعلقون بصورة ملكية وسائل الإنتاج، أي بالأساس الاقتصادي. لا يمكن لعلم التاريخ أن يستغنى عن معرفة هذه القوانين، ولهذا لا يجب على حزب البروليتاريا، إذا أراد أن يسير بالطبقة العمالية لتحقيق رسالتها التاريخية,أن يدعو هذه الطبقة للعمل من أجل مصالحها فقط بل يجب عليه أيضاً أن يقيم برنامجه ونشاطه العملي على معرفة قوانين النمو الاقتصادي تعريب شعبان بركات المكتبة العصرية صيدا . بيروت
#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اصول الفلسفة الماركسية..الدّرس الرابع عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدّرس الثالث عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية .. الدرس الحادي عشر
-
اصول الفلسفة الماركسية..الدرس العاشر
-
اصول الفلسفة الماركسية . الدرس التاسع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
-
اصول الفلسفة الماركسية
المزيد.....
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|