|
رجال من تراب
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 2512 - 2008 / 12 / 31 - 03:01
المحور:
الادب والفن
... لماذا يضعون العراقيل و الأشواك في طريقي ، و يطالبونني بالقفز عليها..؟ .بل ما يدعو حقيقة للسخرية ، هو كونهم يطالبونك بالمزيد من بذل الجهد .، و بعدم التسرع في إعمال التفكير ، حتى تستطيع تحقيق القفزة النوعية المطلوبة ، و تسقط في إحدى الحفر التي أعدوها لك بإتقان ، و لأمثالك من الكائنات المفروض عليها أن تخضع للتعليمات و النصح الأمومي إلى يوم الدين . هل هذا معقول ..؟ أنت كائن يجب أن تكون مختلفا عن هؤلاء المدمنين على تدخين التعليمات .. تعليماتهم بنشوة . أنت ابن زمنك . جرب.. قل مثلا ولو مرة واحدة كلمة "لا" لأبيك ، طبعا إذا كان على خطأ . و ما أكثر أخطاء آبائنا . لكن نبحث لهم دائما عن مختلف التبريرات من أجل طمس محتواها الفاسد ، و هنا يكمن مربط الفرس ..هم يستمرون في تفريخ الأخطاء ، و نحن نستـمر بدورنا في البحث لهم عن التبريرات المناسبة ، و كأننا نتواطأ معهم ، و ضد العالم و الإنسان و التاريخ في جريمة خنق الحقيقة حتى الموت .. دون أن نشعر بفعلتنا هذه الشنعاء .. لكن ، أنا لست من طينة هؤلاء .. تعبت من كثرة المشي . بسبب حقيبة الأغراض التي أحملها على كتفي الأيسر ..الطريق ما تزال طويلة .فكرت في الجلوس . تحسست الصخرة الملساء بالقرب من الشجرة الوارفة الظل فجلست . نظرت بعيدا . تأكدت أن هذه الأرض في دمي لكن .. لن أقول أحلم أن أطير منها فقط بل شبعت لكثرة ما حلمت . لن يمضي هذا العام حتى أجد نفسي هناك ، حيث يجب أن أكون .. سأكسر ثقل هذه الصورة التي كونها علي هؤلاء المحيطون بي . سأخرج من هذا السجن العقيم الذي وجدت نفسي فيه رغما عني .. هم يعتقدون أنني لا أصلح لشيء ، و لا يمكن أن أنقذ نفسي من قبضة الاختناق التدريجي ، الذي أصبنا به جميعا ، هذه العدوى التي جاءتنا من استسلامنا للصمت و الخمول و الكسل .. العدوى التي هي مثل ديدان الجثة .. سمحنا لها بالوجود و الآن ها نحن نطبل لها كي تنتقل إلى مرحلة الاحتفال و الرقص على نعشنا ... و هذا لن يكون لها أبدا .. و الذين يديرون خيوط اللعبة واهمون .. سأنقذ نفسي أولا .. بعدها سأعود لإنقاذ أهلي .. و كذلك إنقاذ هذه الأشجار اليابسة ، و هذه الأحجار و الأتربة المتراكمة منذ أزمنة بعيدة في بلدتي .. نعم بلدتي و أملأ فمي بهوائها هكذا.. ربما استسلمت من جديد لتحديهم .. لكن .. قالت لي أمي ذات يوم أنني أشبه أبي . لهذا سأبقى دوما ألازم سريري المعطوب من إحدى أرجله الأربعة " كأبيك عندما أنجبك وهو في حالة سكر" . قلت لها مازحا : و من تريدين يا أمي أن أشبه ..؟ ابن الجيران "الكباص". أنذاك تحمر وجنتاها فترميني بقطعة من الخشب المحيط بها ، على سطح الدار .. أقف أنذاك و أنا أخفي في داخلي هذه الرغبة الدفينة من أجل مقاومة ضربات السكاكين التي تأتيني من جميع الجهات . هو حكم جائر يا أمي .. إنني أفهمها جيدا .، فهي لا تريدني أن أشبه أبي .. لهذا قررت أن أضع حدا لهذا الكابوس ، الذي يرهقها قبل محاولته الآن ، و بعد أن كبرت و وعيت ، أن يحتويني و يسكنني ليشل إرادتي .. هههه .. هيهات أن ينجح معي . أحس في داخلي بأنني قادر على هزم كل أشكال "الترهات" التي تحاول النيل من إرادتي في الحياة .لابد إذن أن أرحل .لأكون عند حسن ظن أمي ...أولا ، و عند حسن ظن بلدتي ثانيا ،لأحملك يا أمي في سيارة كبيرة و فخمة ، و أصول و أجول بها في أزقة بلدتي ، وآذانك مشدودة إلى إيقاعات موسيقى و كلمات الحاج بلعيد .. أفضل فنان لديك .. أخذت حجرة صغيرة من الأرض أثار انتباهي لونها ، الذي يميل إلى زرقة البحر الممزوجة بلون الملح الناصع . بالقرب من قدمي اليمنى كنت أتابع قافلة كبيرة من النمل . نظام دقيق في السير على الطريق . اقتربت منها أكثر . الكثير من عناصر هذا النمل المحترم يحمل أشياء على جسده . كائن غريب و عجيب في نفس الوقت . يعري معنى الضعف في الإنسان و يعطيه الدرس و المثال في الفعل و العمل من أجل الحياة .. تمنيت في داخلي لو ..
امتدت أصابعي بسرعة إلى محفظة حزامي . أخرجت هاتفي النقال . ركبت رقم عبد الحق: البوابة التي يمكنني هذه المرة أن أمر منها إلى عالم ما وراء البحر . فشلت في المرات السابقة ، لأن تجربتي في الحياة كانت بسيطة و أقل مما هي عليه الآن . إلى جانب المبلغ المالي الذي كان بحوزتي أنذاك لن يحملني حتى لسفح هذا التل الصخري ، عندما يفيض الوادي و تقطع الطريق ، لتبدأ معانات جديدة و من نوع مختلف مع الحصار، الذي تفرضه علينا ، نحن سكان هذه القرية ، الطبيعة القاسية المحيطة بنا ..، ليزيد طغيان الطبيعة من وقود نار البشر في أعماقنا .. حاولت من جديد الاتصال بصديقي عبد الحق الذي أعتز بصداقته ، من أجل معرفة رده على انتظاري الممتع .. هههه.. هذه المرة هاتفه يرن . إنه سيبشرني بخبر.. الخير..، خبر العام الذي أنتظر منذ زمان .. هاتفه ما يزال يرن . كأنني سمعت صراخ طفل وليد في الجانب الأيمن من حيث أنا قابع . وقفت بدون تردد . تتبعت صوت الصراخ . تبينت بعيدا جماعة من الرجال قادمين . لم أنتظر وصولهم إلي . توجهت إليهم . كانوا خمسة رجال يرتدون كلهم لباسا مدنيا أنيقا . فكرت ماذا عساهم يريدون في هذه الأرض الصخرية الجافة .؟ اقتربت منهم أكثر. لم يكونوا سوى قطيع أغنام جائعة ، تبحث عن الأعشاب بين قلق الصخور، و هدوء الفراغ القاتل .. هنا .. لم أصدق .. أين ذهب الرجال الذين رأيت ..؟ حتى أصداء صوت الطفل الرضيع لم تعد موجودة . ربما الحرارة فعلت ما فعلت برأسي . وصلني من هاتف عبد الحق صوت رجولي ، لكن ليس صوت عبدا لحق الذي أنتظره .عندما سألته من يكون أجابني أنه ابراهيم . فعاودت مساءلته : - ألست عبد الحق .. ققق ..؟ - قلت لك ابراهيم .. من تكن أنت ؟ - أعتذر .. مكالمة خاطئة ... رغم ذلك لابد لي أن أبحث عن المخرج . أنت أيضا يا عبد .. النحس ضدي مثلهم . سوف تصلك أخباري ...
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المزيف
-
الحريق
-
الخراب
-
أنشودة الزورق
-
أيها العابرون في وجهي
-
يوم أزرق
-
قواعد اللعبة
-
شرارة .. سمك السردين
-
الإشارة أبلغ من ضربة سيف من خطاب مخشب
-
سلاما يا سيدة الشموس
-
توظيف الجنون في الكتابة الروائية
-
لهذا المساء رائحة الأمس
-
نظرية السلطة الرمزية عند بيير بورديو
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|