سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 2512 - 2008 / 12 / 31 - 03:00
المحور:
الادب والفن
كان عبد الله يسكن داراً قريبةً منّا أيام القصف عندما انتقلنا إلى دار بعيدة عن مركز المدينة ..ولكنّ داره كانت أشبه بإصطبل لزوج من الجياد الجميلة بلونٍ يُقال له كميت فالأنثى كان لها شعر فاحم جميل وطويل تتراقصُ خصلاته على جانبي رقبتها عند العدو وكان عبد الله هذا يقوم بمهام جديرة بالإحترام في تلك الأيام التي نتمنى أن لا تعود فهو مستعدّ على الدوام لنقل الأثاث المنزلي أو جلب المواد الغذائيّة للوكيل أو لنقل الخضار من العلوة أو لنقل المواد الإنشائيّة وأحيانا ينقل بعض الطلبة من وإلى مدارسهم
وحيث أن أية عمليّة نقل تتطلب سلوك الطريق العام الذي تمرّ منه المركبات السريعة فإن عربة وجوادي عبد الله كانا على قدر من الشجاعة والجرأة على الإقتحام عندما تخرج العربة من الطريق الفرعي إلى الرئيسي وبالعكس ، وكم كنتُ أرقب عن عودتي من العمل تلك الفرس الجميلة جداً وهي تُصاحب قرينها وشعرها الفاحم يتطاير في الهواء يمنةً ويسرة حول رقبتها الرشيقة، وعندما يرتقيان الطريق المعبّد بالأسفلت فليس اجمل من عدوهما المتناغم الذي يكاد يصبحُ رقصاً بإيقاعٍ مرح يطرب له الرائي أياً كانت طبيعته
وذات يومٍ حزين اصطدمت إحدى المركبات بعربة عبد الله وقتلت الفرس التي كنّا كلنا نحبها حبّاً عظيماً
وحزنّا وحُزْن عبد الله لا شكّ كان أكبر وقد استقبل عبد الله كثيراً من الناس الذين قدّموا له التعازي وتأسّفوا على فقدان تلك الفرس الجميلة
إنقطع عبد الله عن العمل وعندما ساله بعض معارفه عن سبب توقفه عن العمل إذ بإمكانه أن يبتاع جواداً يحل محل الفرس الفقيدة لكنّه قال لهم بعينين دامعتين: المشكلة الآن مع الجواد المتبقّي فهو لم يعد يأكل ولا يشرب منذ مفارقة الفرس له
وأضرب الجواد عن الطعام والشراب لعدّة أيّام ولم تنفع كل الوسائل ولم تُجدِ معه أيّة حيلة حتّى سمعنا بعد بضعة أيّام أن الجواد هو الآخر قد قضى حزنا على قرينته تلك الفرس ذات الشعر الطويل والفاحم
وانكسرت قلوبنا جميعاً عبد الله وأهل المحلّة ووكيل المواد التموينيّة وأهل العلوة وطلاب المدرسة أمّا نساء ذلك الحيّ فقد بكين أشدّ من بُكائهنّ عند عرض مسلسل هندي أو عربي.
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟