|
مــوفـق مـحـمـد : الشعر يسقط المراوغـة
فاروق سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 09:27
المحور:
الادب والفن
لم تكف العزلة وحدها طوال سنوات..ولم يكن الأسى كافيا ..الشعر وحده كان ملاذا للحقائق كلها .. ومنفى.. للأختبارات الحمقاء التي خرج بها جمهرة الشعراء المراوغين.. ولذلك آختار موفق محمد القطيعة مع مجانية الثقافة النمطية والقطيعة مع شعر كنا نمارسه في حضرة الجنون والسلطة..والظلام .وحين ننشغل الآن بقصائد موفق محمد فثمة نوازع متنوعة تأخذنا اليه ..تميّزه الشعري..وطاقة المطاولة على حفظ المعنى والرمز ..والطهرانية التي يمارسها وهو يتسامح بها مع بذاءات ثقافة الموت.ولذلك حين تخرجه الأيام الينا من عزلته فأنه يمنحنا إحساسا بأمكانية الأمل المستحيل..في ظرف يكتب فيه الآخر بالسكين.. والرصاص ..والنكوص.. قصائد موفق محمد التي نشرت بعد السقوط خطاب لأضاءة مزدوجة..ولغة طقوسية في نظام من علامات..تفضي الىعلاقات وممكنات النص .فلقد كف الشاعر أن يكون شاهدا على التكوين والحدث بل يصير سلطة ثقافية لها الطاقة التلميحية كلها… ليصبح النص.. كتابة مهـدّده …تنطوي على الأستقلال ..والحلم أيضا: هكذا بهدوء تام وأبتسامة صفراء..وضع مسدسه على رأس الثدي الأيسر..وخاطبني ..ببضع رصاصات ..كان المايسترو أنيقا جدا ورشيقا كالنمر..وخفيفا مثل فراشة فبمجرد ان رفع عصاه بدأت المسدسات.. بقراءة السمفونية القصيدة التي أقفلت المعنى على فكرة الموت ( هو الذي ثقب كل رأس ) لا تحكي أحداثا بقدر ما تتجاوز الألفة مع الموت الى رسم مستويات الخلق والموت في القصيدة :موت الشاعر .. ( خاطبني ببضع رصاصات ـ او أرجو ان تختصر موتي بطلقة واحدة ) وخلق أداة الموت ( في البدء كان المسدس أو في ستة مسدسات خلق الله الأرض ) او موت الآخر..( الكل باطل وقبض ريح..و..فاز العالم السفلي بأجسادنا ) وتبلغ المرارة درجتها القصوى في مستوى آخر للموت في القصيدة ..النهائي والمطلق ..( هو الذي ثقب كل رأس فغني بأسمه يابلادي ) وتلك أستعارة من مفتتح ملحمة جلجامش تحول النص من سطح الى دلالة ومن مشهد يهدف تفتيت الوعي الى رسم للصلة ـ العلاقة مع حقيقة متكاملة : الصلة بألألم الللانهائي . وفي قراءات متنوعة لقصائد الشاعر ثمة اربع مستويات اساسية : اللغة..النص ..الشاعر والآخر .في اللغة عند موفق محمد أفق سردي لترتيب الأسلوب من حيث التدفق التاريخي للمعرفة اللغوية .وبهذه الطريقة فأنه يصنع آليات عمله الشعري. مفردات تعنى بتكوين الثيمات الأساسية لكيانه الشعري وهي تعبر ايضا عن خبرة عمودية متواطئه مع الفكر لأسناد الأسلوب الذي يمثل ميثولوجيا الشاعر وصوته السري . ويظهر من تتبع مسيرة الشاعر وعزلته طوال عقود انه كان معنيا بنحت خواصه اللغة الباهرة والنص الذي ينطوي على أتساق بين أجزائه : في هذا الوطن المثقل بألرعب وبألأفئدة الرمضاء الله حبيب الفقراء فليس لمثر يأكل لحم أخيه طريق للرب ولاباب يفتح للنفس المعجونة بالكفر وبألذنب ..النص يفتتح إيماءاته بأشارات لاتنطوي على أية مركبات أستعارية فلا تأويل مقيد أو محمولات خالصة إنما النص وهو يفضي الى علاقة العام والخاص يقدم خطابا متماسكا بين أجزائه حيث يتنقل الشاعر في ميدان كشوفاته ( الطاغوت ظميّ يتشهى اكبادا حرّى..من يحمل وزر خطيئتنا الكبرى ) ثم لايترك فكرته لتحول النص ال مجموعة ملغّزات ..بل يشحنا بأستعارات تغاير مفتتح النص : ..إذ وزّعنا الطاغوت ذئابا تنهش في الأسواق وتعوي توميء للمغلوب بأن العالم ..بألمقلوب ولما كانت افتتاحية النص مدخلا للأسلوب ..فأن الشاعر يأتي عبر بنية أفقية كمستوى آخر ..ففيمايضفي ألأسلوب بعدا عموديا للمعرفه فألشاعر بأدواته المباشرة..التلميحية والمباشرة يعرض قضية نصه ولايبدد سياقها المعرفي :
يا أمي صلي من اجلي لأظل كما جئت الى هذا الكون نقيا ..ويظل شهيا خبزك يا أماه هذا الطالع من قلب التنور..عراقيا يتوهج في العتمة قمرا وينث ضياء ..للفقراء في هذه القصيدة ( بين ظفر وناب )..يتوغل الشاعر في مضامين داخلية وشخصية لها إتجاه مباشر نحوالآخر بحيث يكون الأقتراب بين بنية الشاعر ( نصه ) وبين بنية الآخر (إحالته ) ظاهرا تحت تأثير أسلوبه ..بشكل يظهر الأمر كعملية فوق أدبية ..تنطوي على الفني والدلالي معا.وصحيح ان الكتابة أداة وظيفية..لكن موفق محمد يحملها شحنات مشفرة هي نتاج التوافق التاريخي بين الكتابة..والأبداع ..بين الأبداع والآخر.. وقصيدة (صور تاريخية للأحفاد) ..تراكم نوعي لخبرة الشاعر..في نصوص قصيرة هي مزيج من تنويعات قصيدة الومضة : أحلم بألحافر لكي أشطب.. من قائمة الـحـفاة * أحلم بذيول لاتتوقف لكي تهش عن مؤخرتي الذباب والسبابات.. فيداي ..مغلولتان * أحلم ان لا أركل الأنسان الذي في داخلي ببساطيل الكذب.. التي يتفنن بها لساني * الألغاز التي تمضي اليها أجزاء القصيدة / صور تذكارية للأحفاد / تكتسي كيانا مغلقا مستلا من فوضى هائلة لواقع قسري .. اداته الفناء ـ وأظن ان النصوص تنتمي الى فترات سابقه هي خزين العزله وكما سنلاحظ في قصيدة لاحقه ـ وهنا نمط من المعاني المتحوله من المعنى الى النقيض ولكنها تمسك بأتقان الوحدة بين الأشارات والظلال لمعنى مسكوب قبل ان تحين فرصته..وهكذا يضطرالشاعر الى إحالات لغوية رمزية..لها سريّتها ..حتى يبدو النص في ماوراء اللغة يحمل تأويلاته ويريق دلالاته المهدده بأعلان اسرار وموضوعات صعبة.الشاعر لم يتخل هنا عن موقفه السياسي ـ رغم ان الشاعر آختار التحرر من ألتزاماته منذ اوائل السبعينات لكنه لم يتخلّ عن موقفه في رفض الثقافة الدكتاتورية ..وثقافة النمط ايضا ـ لقد كان الشاعر حاضرا في بيئة الثقافة العراقية حتى قاطعها وأختار عزلته في بابل هناك حيث تحتشد دلالات تاريخية ..لكنها..مشوهه بسبب أستخدامها من قبل الطاغوت الظميء..ووسط معانات الناس الحروب وألأبادة الجماعية التي شملت وولده ايضا والجبهات التي يمضي اليها الشباب..تولد نصوص محملة بألتضاد والألتباس..وهي كتابات خلافية تمثل مستوى الشاعر كما تنقل خواص النص وأنسجام الخطاب ..قصيدة حقا إن الأرض تدور..مثلا أنها مرتبطة بالحرب ولكنها تحيلنا الى إسقاطات شتى : أنا ألآن في نفس ربيئته/ ولي خافق عامر بألرزايا/والذئبة تقضم قلبي / هو تفاحتها /لا ضير ..وتشتجر الراجمات/طويل هو الليل في قلب أمي /وأبناؤها في مهب الحروب../..والذئبة تقضم وبناب كاتم تهرس في لحم أسايا / مم خلقت / أمن حيمن مشطته الشظايا / فظهر أبي لامع كألمرايا / وظهر أبي مثقل بألضحايا..وظهر أبي ..الآنقبر بلا شاهدة/ وإني هنا جثة واعدة.. يختتم الشاعر نصوصه بصرخة تقع ضمن قصائد الومضة أيضا ..هي تاثيث للخطاب ..وجد الشاعر عند إعادة رؤياه للنصوص ..انه ينبغي أن يقول موقفه من حكاية الفناء التي كلفت عائلة الشاعر سجونا وتضحيات ..وموت ، أليست الكتابة تاريخ شخصي للكاتب .. أليس الخطاب أجتزاء للنص.. اليس تغيير قواعد الكتابة ..هو تغييرلبنية الفكر ذلك الذي امسك بألكلمة ..ومعناها ودمها .. أليس القتل اليومي للمعنى كان مقصلة الشاعر عبر سنوات الموت والعزلة هنا لاثناءا شخصيا للشاعر بقدر ماهو ثناء لشجاعة موفق محمد ومطاولته على تحمل الأسى والعزلة والصمت القاتل ..تلك القوة التي صنعت جنون البقاء..رغم الفقدان للأعز ..ورغم الأمل المستحيل..
#فاروق_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كريمة هاشم.. الخزف خارج العاطفة
-
نـزار عـباس :العــــمل الـمـفرد..والذات المفردة
-
أضــداد
-
مواكب النهار
-
فـــوّ هـا ت
-
لوحـة سـتار كاووش
-
عـن المكاشفة ..والتقية ..والحوار الغاصـب
-
وجهـة نظر
-
خاطرة..محمد خضير يتسلّم جائزة عويس
-
الأعتراف والمكاشفة ....
-
كتاب الصابئة المندائيون كنـزا ربا :قراءة في الكنـز العظيم..
-
حول عشائر المثقفين.. مـراثـي..الياقات البيضاء
-
جوقة الجنرال
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|