|
مزامير الإبداع في ديوان آخر الأشعار للشاعر الدكتور أمين عبدالجبار
عبدالزهرة لازم شباري المياحي
الحوار المتمدن-العدد: 2510 - 2008 / 12 / 29 - 02:18
المحور:
الادب والفن
سأحتفي بالساعات القليلة من هذه الليلة على ضوء شمعتي الهزيلة مقلبا" وريقات ديوان آخر الأشعار المهدى من لدن الشاعر الدكتور أمين عبدا لجبار مشكورا" حيث كان لي شرف تلقي هذه المجموعة القيمة والوقوف على صور الأبداع التي تبحث في حداثة النص الشعري وعن فضاءات ثقافية عميقة تسهم كما أرى في تكوين عناصر ومستويات هذه الحداثة والعمق الجدلي الذي يمسرح الأحداث التي يمر بها المجتمع العراقي في العقود المريرة من الظلم والبطش ، وهذا ما يجعل مقاربة هذه الصور في مجمل قصائد المجموعة ((آخر الأشعار)) تمثل الوعي الأشكالي الذي ليبدأ بالتعرف أساسا" على جوهر المكونات الشعرية الذي يحفل بها التأريخ العراقي في تلك الحقبة . ولو تعقبنا الخيط الذهبي الذي يوصلنا الى تحليل هذه القصائد التي هي أقرب الى الأيقاع الدرامي المتزامن حقا" مع الأحداث الجارية في هذا البلد الدامي ، فهي لم تكن في حالة ركود كما في غيرها . بل نجدها في شد َ جدلي مرتبط بالواقع المر الذي يعيشه المجتمع والإنسان . فالأجواء التي تعيشها هذه الأرهاصات من التناغم المتمثل بالقصائد بعيد عن التكلف والغموض وهذا ما فرضه عليه ذاك التوتر النفسي المرتبط بالأحداث الجارية في المجتمع !! فالقصائد التي ضمتها هذه المجموعة والسمة التي تميزها عن غيرها إنها تمتلك الحس الموسيقي المرتبط بالإيقاع الداخلي للحدث الذي يعيشه . وعليه نجده كثيرا" ما يعبر بهذه الإيقاعات عن إرهاصاته المره التي يبدو أثر الغربة واضح عليه فيها . وهذه سمة ميزة قصائد الديوان وجعلتها تحفل بثرائها الكبير لأرتباطها بالأحداث السياسية والاجتماعية . كما ان لشعره قيمة جمالية وفنية يطرزها الأبداع لتكثيف المعانات التي يعيشها مجتمعه الأكبر في العراق !! وبالتالي أستقى هذه الصور الإبداعية من واقعه هذا . والسبب الآخر الذي ميز هذه القصائد وأعطاها هذه القيمة الجمالية هو خلوها من التعقيد والألغاز ، حيث تتصف بالشفافية والسلاسة وفيها وضوح متميز لانحدار بعض قصائدها الى التأمل الصوفي ! ففي تأملاته التي أفاض شواظها في بلد الغربة ليبيا أحساس دقيق وألم فاضح يئن فيه الشاعر شوقا" لبلده وموطن صباه ومرتع طفولته بين أهله وأحباءه وزملاء دراسته ، فهو يفيض جراحات وألم وغصة بعد ما ترك الوطن ولوعته بين ذئاب لا ترحم ، تسلط جلاوزتها على كل ما هو حق وصحيح ، فيرخي تلك الخيول الظامئة مثل أصحابها الى الحق فيقول : (( نفيض جراحات فنرخي خيولنا عطاشى ونحن الضامؤن الى الحق )) ففيه تصوير دقيق وبعد واسع ينم عن مخيلة صقلها الزمان ومرارته تحت يد حكام طالت أيديهم حتى الى طمس الحق وأعلان الباطل ليحل محله ! فلوعته الى أهله وحنينه الى وطنه الذي فارقه يصرخ في أعماقه ويسمع صداه متذكرا" أيام الصبا وعشق الطفولة والمرح في بساتين وجنات تلك الأهلة الساطعة نورا" وظلال في ملتقى رافدي العراق دجلة والفرات عند عناقهما في موطن صباه القرنة الحبيبة !! فيقول : ((أغادر أوطانا" وأمضي لغيرها ويدفعني شوق وأرغب عن عشق ))
ثم ما يبرح أن يعلن عن يأسه الصادق ملوحا" أن تلك الذكريات وهذا العشق الأزلي الذي لا يمكن له أن ينسى مهما طال الوقت ، لا بد له أن يبقى مكتوبا" على شغاف القلوب وبواطن الذاكرة كما كتب التأريخ وحوادثه وعهوده على الرق !! ويمضي الشاعر المبدع الدكتور أمين عبد الجبار مدافعا" عن لوعته وفراقه الى وطنه وأحبته وهو يعالج بمشرط الطبيب الحاذق هذا الألم موعزا" بصدق على أن كل من عليها يذهب ويرجع الى تلك الحياة الأبدية التي لا حساب ولا حكام ولا ظلمة فيها موكدا" الحديث الشريف (الناس إذا ماتوا انتبهوا) فالكل يعود إليها وهناك ينكشف الغطاء عن المستور من الأعمال الصالحة والطا لحة في جنات الخلد التي فيها طيب الإقامة وروح وريحان بقرب أبي الزهراء الرسول الأعظم (ص) الذي يرجى شفاعته هناك فتأمل التصوير البلاغي الدقيق والحبك في سبك هذه الصور فيقول :ـ ((تمهل فباقي العمر قد حال بيننا نعود كما كنا وذي سنة الخلق وفي جنة ا لرحمن طيب إ قامة وروح وريحان تراءت على الأفق وعند أبي الزهراء ترجى شفاعته إذا خاننا فعل وأرتج بالنطق )) فهو يسلط عدسته الضوئية وآلة تصويره الفوتغرافية ليصور لنا هذه المعاناة وهذا الألم لفراق الأهل والأحبة في وطنه الذي يأن هو الأخر من أسواط الجلادين في عقود مريرة ثلاث من عصر الدكتاتور البغيض‘! وفي أزاهيره التي نظمها في ليبيا أيضا" وكما أعتقد أن مجمل قصائد هذه المجموعة أو بعضها والتي أسماها (أخر الأشعار) ألفت قصائدها في بلد الغربة ،صور للقاريء الكريم مؤكدا" بأن الحب لم يكن في يوم من الأيام مجدبا" ولا قاحلا" بل دائما" ما يكون أخضرا" يحمل أزهارا" وذكريات عظام وأنفة" وزهوا" ، فهو كما الشباب يكون في الستين من العمر يحمل نفس الهموم والمعاناة فيقول :ـ ((حبنا ما كان يوما" مجديا" بل أزاهير وأيام صبا نحن في الستين غضا" دائما" وكما العشرين نستهوي الربا )) ففي كل قصائده التي كتبها في لبيبا أيام غربته هناك صور لنا فيها أيام الصبا والغربة والشوق والحنين الى بلاده وهو يسمع ويرى تلفازيا" ما يدور عند أهله وقومه جراء الحروب الضالمة التي خاضها الجلاد مع جيرانه والتي راح ضحيتها ملايين الأرواح البريئة من أبناء وطنه العزيز ناهيك عن الإعدامات وموت الجملة في المقابر الجماعية 0 فهو في هذه القصائد ((تأملات،أزاهير ،دنيا ،نجوى ،الى مسافر ،الى مغترب ، مصراته)) وكذلك قصائد مجموعته أخر الأشعار التي كتبها عند عودته الى بلده بعد أن رأى الخراب الذي دب في جسد وطنه ورحيل الأحبة من أهله وأبناء شعبه بالأعدامات والمقابر الجماعية والمفقودين في الحروب الطائشة وغيرها 00 كلها تنم عن قلب شاعر يتألم بالألم الذي يدور حوله ويسمعه ،فهو يبكي بكاءالأم التي فقدت ولدها والطفل الذي فقد أباه ! فهو في غربته يذرف دموعه على الورق بهذه القصائد الجميلة والحزينة بطبعها وهو بعيدا" عن أهلة وشعبه ،وفي حله وهو قريب في هذا البلد المنكوب بأبناءه وخيراته !! ففي قصائده التي تحرر فيها من قيود الوزن وأعتمد التفعيلة شأنه شأن قصيدة الشعر الحر 0 أجده لن يتخلى عن قافيته المحببة إليه والتي أضافت حلاوة الى قصائده التي كتبها هنا في مدينته البصرة الفيحاء0 وهذا إن دل على شيء إنما يدل على إننا نقف وبإكبار أمام شاعر مبدع ذو إحساس مرهف وشعور رقيق وعاطفة جامحة نحو إحساس صادق وهذا دليل موهبته وملكته الشعريه وصفاء النبع الذي يستقي منه هذة الصور والأفكار التي تطلي على قصائده هذة الحلاوة والرقة والعذوبه وإني لأرى وأتمنى على الشاعر المبدع أن لا تكون هذه ألمجموعه هي كما أسماها أخر الأشعار وأخر ما نقرءه الى الشاعر المبدع أمين عبد الجبار ويحرمنا من التمتع بهذه الملكة الشعريه الجموحه التي تفيض على قارئها بالدفء والولوج بحب الوطن وأبناءه! لا أريد أن أستمر في تحليل ودراسة هذه القصائد في هذه المجموعة الجميلة واسلب من القارئ الكريم فرصة التمتع بقرائتها ‘ ولكني أهيب وبصدق أن يتناولوا هذه المجموعة بالقراءة والتمعن فيها ليقفوا على هذه الصور البلاغية التي تنم عن فكر شاعر مبدع حذق الحياة بخيرها وشرها وألف موازينها وتمسرح الأحداث فيها على مذابح أبناءها وقتل الحياة ألعامة لكل المخلوقات التي وهبها الله عز وجل الى هذا البلد العريق بلد الأنبياء والأوصياء والصالحين وأني لعلى ثقة" بأنكم ستجدون المزيد مما ذكرت وستتمتعون ومن الله التوفيق !!
#عبدالزهرة_لازم_شباري_المياحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهاب يشق تجاعيد الظلام
المزيد.....
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|