أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية














المزيد.....

الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2507 - 2008 / 12 / 26 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على نحو ما كتب إدوارد سعيد عن "الثقافة والامبريالية" متقصيا آثار الامبراطوريات الاستعمارية في الآداب الانكليزية والفرنسية بخاصة بوصفها وضعا مستبطنا أو شرط إمكان جزء من تلك الآداب أو بعض ثيماتها، ربما يتعين التفكير في تقصي آثار الطائفية في الأدب والثقافة في المشرق العربي. ثمة سجل واسع في هذا الشأن تلزم متابعته والاطلاع عليه. ويقيني أن تلك الآثار هائلة إلى درجة أنه لا يكاد يكون ثمة موقع ثقافي وأخلاقي خارجها، تتيح لنا الإقامة فيه تقصيها بصورة منزهة عنها. وهو ما يعني أن الشرط الأول لدراسة قد يكون عنوانها الطائفية والثقافة في المشرق العربي غير متوفر اليوم. وإنما لذلك تجازف أية مقاربة للطائفية في الوقت الراهن أن تقع في أفخاخها، فتكون مقاربة طائفية أو ملوثة بالطائفية، ما يعمق الانغراز في الطين الطائفي، ويجعل بناء خارج أخلاقي وسياسي ومعرفي لدراسة الظاهرة أشد تعذرا. من هذه الأفخاخ اعتبار الطائفية تعبيرا طبيعيا للطوائف، أو اعتبار الطوائف ذاتها معطيات طبيعية أو موروثة، منفصلة عن هياكل السلطة والثروة وأنماط الممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية، التي بالعكس لا تعدو كونها تعبيرا عنها. ويتصل بذلك الميل الشائع إلى تفسير السياسة بالطائفية بدل تفسير الطائفية بالسياسة. وهذا الميل الذي يضفي على الطائفية صفة أولية ومقرِّرة هو أيضا مكمن عميقة للتفكير والسلوك الطائفي يحصل كثيرا أن لا يتبينه معترضون على الطائفية مخلصون. ومن الأفخاخ أيضا توهم تجاوز الطائفية عبر اعتناق إيديولوجيات ونظم تفكير حديثة كالقومية والعلمانية والماركسية والليبرالية وما إليها. والحال إن الشرط المؤسس لدراسة الثقافة والطائفية هو التشكك في هذا الزعم. وإلا فإن ثقافتنا تغدو كلها منزهة فعلا عن الطائفية، نظرا إلى أن هذه ليس نِحلة يفضل المرء أن ينتحلها. فإذا تعمدنا التأليف في مسألة الطائفية دون وعي "معادلات التحويل" بين مذاهبنا المحدثة وانتماءاتنا الموروثة، ودون الاهتمام ببناء خارج متحرر منها، فقد نجدد أقنعة الطائفية بدل أن ننسلخ منها تماما. إن فكرة معادلات التحويل تلك وتقصيها في حالات عيانية موضوعان أساسيان لدراسة الثقافة والطائفية.
ومن الشروط المهمة أيضا لدراسة الطائفية والثقافة تجاوز منطق الاتهام والتبرؤ الذي يحكم أكثر مقاربات الظاهرة اليوم. هذا المنطق ليس غير مؤهل فقط لمقاربة نقدية للطائفية، ولا هو يساهم في تلويث المناخ الثقافي والسياسي العام في بلداننا فقط، وإنما هو يخفق في تبين أن الطائفية شرط اجتماعي وثقافي وسياسي عام، وليست رذيلة فردية أو فئوية، يحدث أن يصاب بها البعض دون الآخرين. ليس الطائفي هو الآخر، المنحدر من جماعة دينية أو مذهبية أخرى؛ الطائفي هو شرطنا العام الذي نتشكل به بمقدار ما لا نعيه ولا نقاومه. هذا لا يعني أن دراسة الطائفية والثقافة تتغافل عمن يحتمل أنهم مسؤولون أكثر من غيرهم عنها، لكنها لا تستطيع الكلام على المسؤوليات بإنصاف دون بلورة نظرية متماسة حول الشرط العام الطائفي أو عن الطائفية كشرط عام.
وتطوير أدوات نظرية ومنهجية مناسبة من جهة، وبناء موقع مستقل عن الطائفية أو خارج متجاوز لها من جهة ثانية، هما شرطا الإمكان الإيجابيان لدراسة نقدية للثقافة والطائفية.
والواقع أننا نتشكك اليوم في وجود خارج جاهز يمكن منه مقاربة الطائفية مقاربة نقدية متسقة وغير طائفية. بل نسلم بأن غياب هذا الخارج هو ما يشرط تفشي الطائفية في ثقافتنا أو تسرب الملوثات الطائفية إلى المياه الجوفية لوعينا العام. فهل يمتنع من الأصل بناء موقع خارج طائفي، متحرر من الطائفية؟ نسلم تسليما بأنه غير ممتنع، لكنه صعب جدا. على أن تحديد مدى صعوبته يقتضي تحديد خصائص الموقع خارج الطائفي.
قد يمكن تعريفه بإحداثيات ثلاثة، سياسي ومعرفي وأخلاقي.
ويتمثل الإحداثي السياسي في بنيان وطني قائم على المساواة القانونية والسياسية بين مواطنين أفراد، دون التمييز بينهم على أساس الدين والمذهب ودون أن يكون لأي دين أو مذهب نفاذ تفاضلي إلى السلطة السياسية. ولا يتمايز البنيان الوطني المقصود هنا عن الجماعات الدينية والمذهبية، بل كذلك عن كل من فكرتي الأمة العربية والأمة الإسلامية. والأصل في ذلك أن هاتين معا غير مؤهلتين لتمنيع مجتمعاتنا ضد الطائفية. وهذا لأنهما تضعفان الدولة من فوقها لمصلحة ولاءات وانتماءات عابرة للدول والثقافات، ما يجعلها هشة أمام اختراقها من تحتها لمصلحة ولاءات وانتماءات جزئية.
والأساسي في الإحداثي المعرفي هو تطوير مقاربة متعددة المناهج بأصول المشكلات الطائفية. يتعين تجاوز المقاربة الاجتماعية السياسية السائدة والتفكير في مقاربات تنفتح على علوم التاريخ وعلم النفس والثقافة والاقتصاد وغيرها من أجل "قبض" معرفي محكم على هذه الظاهرة المراوغة.
ومن الوجهة الأخلاقية يمكن تعريف الموقع خارج الطائفي بأنه يقوم على مبدأ المساواة الجوهرية ليس بين الأفراد فقط وإنما بين الهويات الجمعية. المسلمون والمسيحيون، السنيون والشعية والعلويون... (العرب والأكراد..) متساوون في الجدارة الإنسانية وفي القيمة الإنسانية لمواثيق إيمانهم أو انتماءاتهم. الطائفية هي قول العكس. ولعله لا يكفي في هذا المقام الكلام على القدرة على تقمص الآخرين، أفرادا أم جماعات، بل ينبغي أن يقترن الوقع المضاد للطائفية بمقاومة إيجابية كل أشكال التمييز الديني والمذهبي.
للأسف هذه الشروط غير متاحة اليوم، وقد ينقضي وقت طويل قبل أن تتاح. يفضل أكثر المثقفين تبرئة أنفسهم من الطائفية أو اتهام آخرين بها، أو الناي بأنفسهم عن هذه البؤرة الخطرة التي حصل بالفعل أن أحرقت كثيرين. لكن هذا إما مضر أو لا يجدي. ما قد يثمر، وإن بعد حين قد يطول، هو الانضباط الذاتي قدر الإمكان بهذه الشروط، وإنتاج تحليلات ودراسات ملتزمة بها، إلى حين تكسب جهود في هذا الاتجاه المعركة العامة ضد الطائفية، في السياسة وفي الثقافة معا.. إلى حين نتجاوز الشرط العام الطائفي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!
- تغيير المعارضة أولا..
- في العلمانية والديمقراطية والدولة
- على هامش الأزمة الأميركية: النهايات والعودات
- التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين
- إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!


المزيد.....




- قائمة أكثر 10 مطارات ازدحامًا بالعالم..ما هي؟
- مصور يوثق جوهر الجمال في لبنان عبر سلسلة من الصور الجوية
- اختبارات صحية في المنزل تساعدك على معرفة سرعة رد فعلك
- مستثمر إيطالي يشير إلى ارتفاعات مهولة في فواتير الغاز والكهر ...
- السر وراء تدجين القطط… اكتشاف مذهل من مصر القديمة
- من تصفية حماس إلى تهجير السكان.. كاتس يكشف استراتيجية إسرائي ...
- السوداني: وجهت دعوة إلى الرئيس السوري لحضور القمة العربية في ...
- تقرير: استبعاد مسؤولي -الشاباك- من مرافقة نتنياهو إلى غزة
- تورط مواطن مصري في مخطط تخريبي بالأردن
- بعد الزلزلال المدمر في ميانمار.. فيضانات تغمر شوارع ومباني ث ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية