|
-عيد- الفساد!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2506 - 2008 / 12 / 25 - 10:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لأن الفساد أصبح ظاهرة "كونية" تهدد البشرية بأسرها، بدرجات متفاوتة بالطبع، فإن الأمم المتحدة خصصت له "عيداً" لتذكير كافة الشعوب بخطورة هذا "الايدز" الذى يدمر أجهزة المناعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والروحية للجماعات والأفراد، هو اليوم العالمى لمكافحة الفساد الذى يوافق التاسع من ديسمبر من كل عام. لكن 9 ديسمبر مضى دون أن يتم الاحتفال بهذا "العيد" الذى تصادف أن يأتى مع عيد الأضحى فى يوم واحد.. فتقرر تأجيله إلى الأحد الماضى. أما لماذا 9 ديسمبر بالذات فلأن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فى 31 أكتوبر 2003، ثم تم عقد المؤتمر الدبلوماسى رفيع المستوى للتوقيع عليها فى ميريدا بالمكسيك يوم 9 ديسمبر 2007 حيث اختير هذا التاريخ كيوم عالمى لمكافحة الفساد. وللمرة الثانية على التوالى احتفلت وزارة الدولة للتنمية الإدارية بهذا اليوم بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعنى بالجريمة والمخدرات وبرنامج الأمم المتحدة الانمائى. لكن الاحتفال مر مرور الكرام، ولم يحظ من وسائل إعلامنا – على اختلاف مدارسها – سوى بأخبار متناثرة وهزيلة لا تقدم ولا تؤخر، بينما نفس وسائل الاعلام تعطى اهتماماً كبيراً لحوادث الفنانات وبناتهن وحركات وسكنات لاعبى كرة القدم! وقد يبرر البعض ذلك بأن مثل هذه "الاحتفالات" تكون فى العادة مجرد استيفاء للشكل و"تسديد خانات" ببعض الخطب الجوفاء والتصريحات المعادة والمكررة. وربما يكون هذا صحيحاً فى الأغلب الأعم، لكن إذا كانت هناك من يفعل ذلك ذراً للرماد فى العيون، فلماذا لا تقوم الجهات المهمومة – فعلاً – بمكافحة الفساد بتحويل هذا اليوم إلى مناسبة حقيقية وإعطائها مضموناً جاداً؟! على أى حال .. فإنه كان من الملفت للنظر فى الاحتفالية المتواضعة التى تم تنظيمها تحت رعاية وزير الدولة للتنمية الإدارية الدكتور أحمد درويش عدة ملاحظات. الملحوظة الأولى: أن الوزير اعتبر وسائل الاعلام "شريكا" أساسيا فى مكافحة الفساد. وهذه رؤية محترمة وتنطوى على وعى متقدم بطبيعة القضية كما أن كلمة الوزير تجاوزت ثقافة الإنكار المعمول بها طول الوقت، وتضمنت اعترافا بوجود مشكلة تتطلب حلولا وعملا مجتمعيا وليس حكوميا فقط. الملحوظة الثانية: أن تناول قضية الفساد – بهذه المناسبة – جاء متسماً بقدر كبير من الجدية حيث تكررت تقييمات من قبيل أن "الفساد أكبر من أن يكون مجرد مسألة اقتصادية، بل إن تصنيف الفساد على أنه مسألة اقتصادية يعتبر تقليلاً من تأثيره الحقيقى على المجتمع ككل. وفضلاً عن كون الفساد يؤدى إلى القضاء على هيبة القانون، فإنه يؤدى إلى انهيار شديد فى البيئة الاجتماعية والثقافية وعندما تقبل أجيال المواطنين الفساد كأسلوب فى العمل وطريقة للحصول على مزايا فى المجتمع يبدأ النسيج الأخلاقى المجتمعى فى الانهيار". أما محمد عبدالعزيز الممثل الاقليمى لمكتب الامم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقد أوضح فى كلمته المهمة أن الفساد له آثار مدمرة على البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .. فالمؤكد أن عائدات الفساد هى نفسها الفاقد المهدور الذى كان يمكن توجيهه إلى مشروعات التنمية الاقتصادية. فالبلدان التى تحارب الفساد وتحسن تطبيق سيادة القانون يمكن أن يزيد دخلها بنسبة 400% كما أن الاستثمار فى البلدان التى تقل فيها الفساد نقل تكلفته بنحو 20% مقارنة ببلدان أخرى ينتشر فيها الفساد. أما التكلفة الاجمالية لظاهرة الفساد فى البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء فيقدرها البنك الدولى فى أحدث إحصائياته بنحو تريليون دولار أمريكى (أى ألف مليار دولار) وربما يزيد الحجم المالى لعوائد الفساد عن هذا الرقم إذا ما أخذ فى الاعتبار إعادة تدوير عوائد الفساد فى مشروعات اقتصادية مشروعة من خلال آليات وتقنيات غسل الأموال. الملحوظة الثالثة: إذا كان ماسبق يندرج تحت باب التشخيص فإنه على صعيد المواجهة جرت مياه كثيرة فى النهر منها اعتماد اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التى تعتبر أول وثيقة قانونية ملزمة بهذا الشأن، وأهمية هذه الاتفاقية هى أنها جعلت لكل الجهود المبذولة من أجل مكافحة الفساد – محليا واقليميا ودوليا – "عموداً فقرياً" واحدا ترتكز عليه. وليس هذا مجرد كلام إنشائى بل إنه أصبحت هناك مثلا إمكانية قانونية – وعملية – لمختلف البلدان فى استعادة مليارات الدولارات التى سرقت وأخفيت فى حسابات مصرفية بالخارج. وهو أمر نجحت فيه بالفعل دول فى أمريكا الغربية. ويجدر بهذا الخصوص التذكير بأن مصر كانت من بين أول ثلاثين دولة وقعت على هذه الاتفاقية. الملحوظة الرابعة: أن الفساد فى مصر ظاهرة متفشية، ولا يمكن إنكار خطوات مهمة قامت بها الدولة بين الحين والآخر لضرب بعض حلقات هذا الفساد المستفحل وتقديم بعض كبار الفاسدين إلى العدالة. لكن لا يمكن أيضاً تجاهل أن بعض هؤلاء الذين أدانتهم العدالة استطاعوا بقدر قادر الهرب إلى خارج البلاد، كما لايمكن تجاهل أن الطريق مازال طويلاً جداً لتحجيم هذه الظاهرة المخربة. وعلى سبيل المثال فإنه قد أصبح واضحاً أن هناك حاجة عاجلة لوضع آليات صارمة لمنع تعارض المصالح وزواج المال بالسلطة وما ينجبه هذا الزواج من ممارسات احتكارية وإهدار للمال العام. كما أن هناك حاجة عاجلة لسن قانون لمحاكمة الوزراء (أثناء وجودهم فى الحكم). وهناك حاجة عاجلة لسن قانون ديموقراطى يضمن = توفير وتداول المعلومات. وهناك حاجة عاجلة لرفع الوصاية التى يفرضها القانون الحالى الذى ينظم عمل جمعيات المجتمع المدنى ويكبل حركتها بينما يفترض أن تكون أحد أهم آليات محاربة الفساد وهناك حاجة عاجلة لإعادة النظر فى الهيكل المشوه للأجور والذى يعد البوابة الملكية للفساد الصغير والكبير. باختصار .. قطعنا خطوات على طريق مكافحة الفساد، لكن الشوط مازال طويلاً خاصة وأن الفساد قد أصبح إمبراطورية مترامية الأطراف ولها أنياب ومخالب وتحالفات عابرة للحدود والقارات. وترويض هذا الوحش متعدد الرءوس يتطلب تسريع الخطى الجادة الرامية لتحقيق الاصلاح السياسى والاصلاح الاقتصادى .. قبل أن يأتى على الأخضر واليابس. وليست هذه مسئولية جهة بعينها وإنما هى مسئوليتنا جميعاً، وفى المقدمة الصحفيون والاعلاميون الذين يجب أن يبدأوا بالتصدى لفساد الاعلام وإعلام الفساد.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عالم ما بعد الولايات المتحدة
-
حذاء -منتظر الفرج-!
-
عشاء -علمانى- .. مع أمين عام منظمة المؤتمر -الإسلامى-
-
من الذي يريد تعطيل القطار الهندى؟
-
اليمين المصرى يرتدى قمصان الشيوعية الحمراء!
-
نقيب النقباء .. كامل زهيرى
-
هل يشكل طه حسين حكومة الأمل؟!
-
اكتشافات كامل زهيرى الرائعة
-
رغم الاحتفالات بالمئوية: فضيحة ثقافية تهدد الفنون الجميلة
-
التعليم المفتوح.. يفتح عكا .. والمنصورة!
-
اليوم السابع
-
الرأسمالية ليست نهاية التاريخ
-
أرامل- ماما أمريكا-!
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (2) .. الجماهير تدخل الثك
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (3).. عناصر موالية لعبد ا
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (4).. -إشتراكية- ملطخة بد
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (5) ..النهاية: صفقة غير م
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (6-6).. ملحمة من الأمجاد.
...
-
دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم1 ..الشيوعيون.. حدوتة مصري
...
-
نهاية عصر الدولار
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|