|
كريمة هاشم.. الخزف خارج العاطفة
فاروق سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 770 - 2004 / 3 / 11 - 08:04
المحور:
الادب والفن
كان غياب الخزافة سهام السعودي قد ترك فراغا كبيرا ..فقد آفتقدنا بغيابها فنانة مجدده لها حضور وتاريخ من خلال النشاط الكبير والتأثير المتميز لتجربتها . وخلال العقد الماضي كان الخزف على يد خزافات هاويات ينشغلن بآلحرفة والهواية دونما فكر أو تجريب أو جدّة ولولا وجود خزافين مميزين لتعرض هذا الفن الى حالة من الغياب والتبدد ..ولكن حضور .. الخزافة كريمة هاشم المتتابع في أعمال ومعارض متعددة منذ أواخر التسعينات أحالنا الى إمكانية آلأمل بأن ثمة خزافة تمتلك الحرفة ..وفوق ذلك تمتلك الفكر والمشروع المليء بآلرؤى.. كانت تحمل روح الجنوب وعلاقته بآلطين وآستخداماته..وكانت تلمح النهر وهو يمنح ( ميسان )هويتهاالخاصة رغم خراب الحروب والأسى ..كما كانت تتأمل الطمي وهو يرسم للشواطيء شكلا ومعنى ولونا ..ومن هنا كان لكريمة هاشم مخزونا من الصلة بخامة فنها الأثير الخزف..و في سنوات الدراسة في قسم الخزف ( معهد الفنون الجميلة / 1985 وكلية الفنون الجميلة /2000 ) كانت تتمرن على تطويع الطين ليس لأغراض دراستها..بل لأغراض الخروج بتجارب خاصة بعد آستنفاد الوظيفة الدراسية للطين ..وقد جربت خلال فترة دراستها الخروج الى فضاء المساهمات الحذرة في مهرجانات طلابية ومناسبات تخص المرأة والحياة ولكنها لم تكن قد أنضجت موضوعها وتقنيتها ورؤيتها ..وقبلت خسائر تجربة الحضور العام مع جمهرة من الهواة والفنانين والطلبة..وكانت تقرأ تجارب أساتذتها ..سعد شاكر وماهر السامرائي وتتأمل تجاربهما الباهرة..مثلما كانت تتأمل مجموعة دائرة الفنون ( التي تلاقفتها يد اللصوص فيما بعد ) وترصد عمق آمتداد هذا الفن وتجذره في أعماق البيئة العراقية وتاريخ حضارته القديمة.. من خلال موجودات المتحف العراقي التي تمتد الى سومر وبابل وآكد وهي حضارات طينية تركت خزفا ..وفخارا يرقى الى أهمية تاريخية فريدة..ويحمل آفاقا وموضوعات وتقنية أصيلة . لقد آحتاجت كريمة هاشم الى تلك التجربة التاريخية لتتأكد من آختيارها الطريق الصعب الذي لم تطرقه غير فنانات بعدد أصابع اليد وأضفن اليه أعمالا وأسماء ودلالات لمساهمة المرأة في حياة العراق وفنونه وبيئته ألأجتماعية ..ولتضع خطوتها التالية بعد عناء مع مادة رخوة في بنيتها صعبة في أدائها التشكيلي في بيئة البلاد الثقافية التي تنظر للخزف في حدود صنعته وليس في
حدود جماليته الممكنة..وهكذا كانت معارضها الشخصية الثلاثة مفتتحا لحضور دولي ومشاركات في باريس ومصر وأبو ظبي وتركيا والكويت والأردن خلال السنوات 99/2000 /2003 و.. والمشاركات الجماعية التي تنظمها قاعات العرض ..حوار ..الميزان وغيرهما في بغداد.. الذي يميز أعمال الفنانة كريمة هاشم.. التعبيرية البيّنة التي تنطلق من تلقائية ودوافع ذاتية قوية للحضور وسط فضاء التجربة الفنية؛ فلقد ألغت الشرط المحدد لقياسات العمل الفني لأنها تقيده..وأطلقت يدها في تعددية الحجوم وتنوع الأشكال ..وهكذا رسمت إشارتها الخاصة على تجربة فريدة تتحرك وسط تحدّ صعب أساسه غياب الخزافات الفاعل ..وذكورية التجربة الخزفية التي تتبنى النهوض بألخزف الى مصاف النحت والتشكيل العراقيين.. ولذلك آشتغلت على عملها الفخاري بروح النحت حين أعطت كل عمل آستقلاليته وتفرده ، وربما يصح الحديث عن أفكار وموضوعات أعمالها النحتية بسبب أولويتها، لكن تلك الموضوعات لاتتفوق على آنحياز كريمة الى أصول العمل الخزفي وشروطه . إنها تستعير من أشكال عراقية قديمة ،الحجم ،والكتلة..كما تأخذ من الرليف خاصية التجريد لتبعد المعنى التقريري ومنح حرية البصر والفكر مداهما لتقييم فكرتها اولا ولتحديد قيمة أعمالها الرمزية..فهي لاتجسد اشكالها النحتية إنماتجرد بنائها لتغيب أية صلة واقعية وبهذه الطريقة تحدد هوية عملها الفني ..كما في النماذج المنشورة. في أعمالها التي عرضتها خلال السنوات الخمس الأخيرة تتجلى الهواجس النفسية الشديدة الوطأة والتي مبعثها الحرص على عرض كل الأمكانات التي تنطوي عليها ذاتها ولكن بحرفة ودقة شديدتين مما دفعها للأنتقال بسرعة بين تنويعات مختلفة على تجريدات قوية وتمثلات محورة . إنها تعرض خبراتها بجرأة أمام تحديات العمل ولذلك لم تكتف بهيأة المسلة كبنية للكتلة بل آشتغلت على جداريات وأوان وأشكال نحتية مختلفة. وربما لايبدو ذلك لصالح وحدة معروضاتها من الوجهة النقدية بقدر مايرسم أسئلة قلقة على آتجاهات عروضها المستقبلية ، ولكن برغم ذلك فإنها كخزافة أنشأت نسيج حرفتها بشكل يتناغم مع أعمال فنية متنوعة بشكل باهر ، وهنا أذكر لها مساهمتها في معرض جماعي في كوردستان عام 2000 بعنوان ( أسفار تشكيلية عراقية ) وسط مجموعة متميزة من الفنانين ..محمد مهر الدين..آسماعيل فتاح الترك..نداء كاظم ..علاء بشير..سالم الدباغ..سميرة عبد الوهاب..كريم رسن ..عاصم عبد ألأمير وآخرون ..كانت مساهمتها تتمتع بحضور متواز في القيمة الفنية وفي التعبير عن التناغم الفكري مع أجيال الفن التشكيلي العراقي. أذكر ذلك آحتفاء بخزافة ترسي باعمالها منهجا حداثيا متواصلا مع البيئة التي منحتها خزافات أخريات من قبل ثم غبن عن
التواصل الفني ، رغم أن الأشغال الطينية العراقية القديمة والأختام والرقم الطينية قد أشرت القيمة الفنية للخزف في أرض الرافدين. بل انها شكلت تاسيسا للفخار إن كان ذلك في إطار الوظيفة أو في إطار القيمة الفنية كنتاج جانبي للخزافين القدماء..ولذلك إذ تشتغل كريمة هاشم على أساطير ورؤى وأسفار تاريخية فهي تشتط بعيدا عن التكرار الى إضافات أساسية . إنها في الجداريات التي عرضتها تحور بنية موضوعاتها ولكنها في نفس الوقت لا تفقد الجدارية الخزفية وظيفتها التزيينية ، إنها لاتريد أن تغاير كثيرا مع الأسس التي وضعها الآشوريون لأصول الرليف الذي يصور رؤى ومعتقدات وأحداث دالة على التاريخ والحضارة..ولكنها تحافظ على قواعد التجديد من خلال تجريدات تخفف كثيرا من الملاحظة التي يقولها النقد على كل عمل وظيفي.. لقد حافظت على تعبيريتها في تنويعات البيئة وفي العرض الفائق لجدلية الزمن والمراحل التي مر بها الخزف والهنات التي آنطوى عليها أيضا وأظن أن ذلك وفاء للسيرة الجمالية لفن مختلف عليه.. كانت المسلة بمعناها الروحي كتلة الصعود الى فضاء الرب ..وهو فضاء مجهول وقد آختارت الخزافة المسلات كقاعدة للكتلة الموحية بلأنتماء الى المكان كما أنها حاكت أشكالا من البيئة وجردتها من سياقها المألوف مما أعطى تفاصيل العمل تجريدات قصدية للأيماء الى إمكانات مضافة يمكن أن يحملها الخزف نحو تغييرات بصرية تضفي زوايا رؤية وتعبير مختلفين.. لقد آستطاعت الفنانة كريمة هاشم إعطاء حضورها دلالات تربوية وجمالية فهي تقوم على تدريس مادة الخزف بدأب كبير ..وهي في ذات الوقت تواصل الحث باتجاه التغيير والحداثة تواصلا مع أساتذة أرسو للخزف قواعد صارمة وأبعدوه عن العادي واليومي والتزويقي ومنحوه سياقه الجمالي والجدلي ..واظن أن سيرة كريمة هاشم الخزافة المتواصلة الحضور يكرس هذا النهج ويعطي تجربتها القيمة التاريخية والجمالية أيضا..
#فاروق_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نـزار عـباس :العــــمل الـمـفرد..والذات المفردة
-
أضــداد
-
مواكب النهار
-
فـــوّ هـا ت
-
لوحـة سـتار كاووش
-
عـن المكاشفة ..والتقية ..والحوار الغاصـب
-
وجهـة نظر
-
خاطرة..محمد خضير يتسلّم جائزة عويس
-
الأعتراف والمكاشفة ....
-
كتاب الصابئة المندائيون كنـزا ربا :قراءة في الكنـز العظيم..
-
حول عشائر المثقفين.. مـراثـي..الياقات البيضاء
-
جوقة الجنرال
المزيد.....
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|