حمزة الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 2504 - 2008 / 12 / 23 - 09:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عقلية المداهم بحريق أو غرق او رسالة غرام أو حرب او كارثة هي عقلية كائن فقد السيطرة والرؤية والقرار وصار جزءا من نسيج الواقعة. هكذا نبدو اليوم في هذا الحريق المستمر منذ قرون.
كان يجب أن نتحسب لأن علامات الكارثة كانت تلوح في الافق وكانت رائحة أشياء كثيرة تتفسخ لكن أحدا لا يشم. في سيرتنا الروائية" الأعزل" الصادرة عام 2000 يردد الراوي هذه العبارة: "هناك اشياء كثيرة تتفسخ، هناك رائحة تفسخ، لكن احدا لا يشم. ان هذا المجتمع حتى بدون حرب جديدة سينهار يوما".
كان الانحدار واضحا في التفاصيل كما في الوقائع، وكنا جميعا ننحدر سلطة ومعارضة وبنى اجتماعية نحو الهاوية . حدث هذا في الأمس كما يحدث اليوم لكن رؤية هذا الانحدار وشم رائحة التفسخ وقراءة القادم غير ممكن في عقلية المداهم.
ويبدو ان بعض الحقائق من شدة سطوعها تصيب الناس بما يسميه علماء الاجتماع بالعمى الاجتماعي. الحقيقة المشعة تعمي. كما ان هناك الادمان على الرائحة والانحدار والكارثة.
هناك ثقافة التباهي بتحمل الكوارث بما في ذلك كوارث الاستهتار السياسي.
بعض الحيوانات تمتلك قدرة الهجس بالخطر القادم: طائر البطريق يصاب بالذعر والارتعاش قبل هبوب العاصفة. اي انه يعيش العاصفة مرتين: مرة قبل أن تهب ـ تحت الجلد ـ ومرة حين تهب.
الخيول تمتلك قدرة الهجس بالزلازل، طائر السنونو مثلا حتى لو كان معصوب العينين يعرف موعد الهجرة في الخريف، الفيلة تمتلك حاسة شم الموت لدى اقترابه.
لكن كيف يتم تدمير قدرة الرؤية في الظلام والكوارث والمحن؟
لا يتهشم الانسان مرة واحدة كالزجاج ولكنه يتهشم على مراحل مع البيئة المحيطة التي تجعل هذا التهشيم امرا عاما ومقبولا كقدر أو مصيبة داهمة أو خاتمة لا حل لها.
النخبة المروعة بالاحداث، المفزوعة بالكوارث، الممهدة لها لانها لم تقرأ علامات الطريق، تزيد من الامور سوءا.
هذه النخبة مسؤولة مرتين عن الكوارث: مرة في خطأ قراءة احداث مصيرية مقبلة، ومرة اخرى في كونها تندمج في بنية الصراعات وتصبح عضوا في حوار الموت ومحرضا على القتل.
تعلمنا كيف نصرخ في الفواجع، وكيف نداهم، وكيف نضطرب، كطيور ليلية وقعت في شباك، لكن أين هي الطاقة الانسانية الخلاقة في الخروج من الوحل؟ الوحل الذي نغرق فيه بتلذذ بلا قدرة على رؤية الجانب الاخر من الحياة.
في كتابها " التفكير الايجابي" تقول الكاتبة الفرنسية فيرا بيفر:
لا يهم كيف تهب الرياح،
الأهم كيف ننشر الأشرعة.
#حمزة_الحسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟