|
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثامن
جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين
الحوار المتمدن-العدد: 2503 - 2008 / 12 / 22 - 09:10
المحور:
الارشيف الماركسي
القسم الثاني دراسة المادية الفلسفية الماركسية الدّرس الثامِن
مَا هي النظرة الماديَّة للعَالم؟
1 – معنى كلمة "المادية" 2 – المادة والروح 3 – مشكلة الفلسفة الأساسية 4 – معنى كلمة "المثالية" 5 – تتعارض "المادية" مع "المثالية" في التطبيق وفي النظرية 6 – تمتاز المادية الفلسفية الماركسية بثلاث ميزات أساسية
ليس للجدلية التي درسناها آنفا من معنى إذا ما فصلناها عن عالم الواقع ـ الطبيعة والمجتمع ـ كما دل على ذلك جميع الأمثلة التي استشهدنا بها. ولقد قلنا، منذ الدرس الأول لنا عن الجدلية، أن الجدلية كامنة في الواقع نفسه، وأن ليس الفكر هو الذي يأتي بها. فإذا كان التفكير الإنساني جدليا فذلك لأن الواقع جدلي قبل هذا التفكير . فالجدلية إذن هي جدلية العالم الواقعي، فإذا ما كان المنهج جدليا، في النظرية الماركسية ـ اللينينية فأن النظرة إلى العالم مادية. وسنحاول أن نعرض هذه "النظرة إلى العالم" فيما يلي: 1 – مَعنَى كَلمة "الماديَة" يجب علينا، قبل كل شيء، أن نتجنب الوقوع في خلط كبير، وهو القول بأن الفلسفة الماركسية هي فلسفة مادية. وقد عاد ذلك عليها، منذ ظهورها، بهجوم اعدائها واعداء الماركسية عليها. ولقد لقيت المادية نفس الهجوم منذ القدم عامة. ويقوم هذا الهجوم على تشويه معنى كلمة "المادية" فيختفي معناها الفلسفي الصحيح ليضفي عليها معنى " اخلاقيا" للطعن فيها. وهكذا تصبح "المادية" هي "اللا أخلاقية" والرغبة الجامحة في المتع واقتصار الإنسان على حاجاته المادية فقط. وليس هذا الطعن جديدا. فلقد استخدمته سابقا، الكنيسة ضد مدرسة ابيقور الفلسفية التي كانت تقول بحق الإنسان في السعادة، وضرورة اشباع الحاجات الأساسية في الطبيعة الإنسانية لتتحقق هذه السعادة. ولقد شوه رجال الاكليروس والجامعيون، عن عمد، الفلسفة الابيقورية خلال قرون عديدة، وقالوا بأن الماديين هم "أصحاب اللذة" عند ابيقور. ولو أردنا، في الحقيقة، أن نقتصر على هذا المعنى للمادية لاستطعنا تطبيقه على البرجوازية نفسها وعلى الطبقة المستغِلة، التي تقيم رفاهيتها ومتعتها على شقاء المستغَلين، وليس على طبقة البروليتاريا الثورية. ولقد رد انجلز على ذلك ردا مفحما في قوله: "الواقع أننا نتساهل هنا تساهلا لا يغفر نحو الرأي المعادي لكلمة "المادية" الذي صدر في الأصل عن الكهنة. وتعنى كلمة "المادية" عند أصحاب هذا الرأي الانغماس في الملذات الحسية، والتمتع بحياة البذخ والشراهية والبخل، والبحث عن الفائدة، والمضاربة في البورصة، أي جميع العيوب التي ينغمسون هم فيها في الخفاء . أما المعنى الصحيح لكلمة "المادية" فهو المعنى الفلسفي. وتعنى "المادية" بهذا المعنى نظرة للعالم، أي طريقة في فهم ظواهر الطبيعة وتأويلها اعتمادا على مبادىء محددة، وكذلك فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية. تصح "هذه النظرة للعالم" في جميع الظروف فهي أساس عدد من العلوم. وهي بهذا تكون تفسيرا عاما للعالم يجعل للأعمال العالمية أساسا متينا ولهذا فهي تكون نظرية. وموضوع هذا الدرس هو تحديد أساس النظرية المادية.
2 – المادة والروح يجب علينا، قبل كل شيء، أن نحدد معنى كلمة "المادة" التي اشتقت منها كلمة "المادية". يحوي العالم، أي الطبيعة والمجتمع، على عدد هائل متنوع من الظواهر ذات الجوانب المتعددة، ومن بين جميع التمييزات التي يمكن أن نقيمها بين مختلف جوانب الظواهر، تميز أهم منها جميعا، يمكن ادراكه بدون دراسات علمية سابقة. يعلم كل منا أنه يوجد في الواقع أشياء يمكننا رؤيتها أو لمسها أو قياسها وتسمى بالأشياء المادية. وهناك، من جهة ثانية، أشياء لا يمكننا رؤيتها أو لمسها أو قياسها، ولكنها موجودة مع ذلك كأفكارنا، وعواطفنا، ورغباتنا، وذكرياتنا والخ.. ولكي نعبر عن كونها ليست مادية نقول بأنها فكرية. وهكذا نقسم الموجودات إلى نوعين: المادية والفكرية. ونستطيع القول، أيضا، بصورة أكثر جدلية، أن للواقع جانبا ماديا وجانبا فكريا. ويدرك كل منا الفرق بين فكرة النحات عن التمثال الذي سينحته والتمثال بعد الانتهاء من نحته. ويدرك كل منا أيضا، أن شخصا آخر لا يمكن أن يكون فكرة عن التمثال الا بعد أن يراها بعينيه. ويمكن، مع ذلك، نقل الأفكار، بواسطة اللغة. فيستطيع هذا الشخص أن يكوِّن فكرة عن التمثال إذا شرح له النحات التمثال الذي سينحته كأن يكون تمثالا لهنري مارتين، وهكذا يقوم إلى جانب العالم المادي عالم فكري يمثل لنا ذلك العالم المادي ولهذا نسميه "تمثيلا له". كذلك لا يجب أن نخلط، في ميدان الحياة الاجتماعية، بين الجانب المادي والجانب الفكري. ولهذا فأن طريقة الإنتاج الاشتراكية التي تقوم على امتلاك وسائل الإنتاج حقيقة واقعة في الاتحاد السوفياتي، ومع ذلك فليست فكرة العامل، الذي خدعه زعماء الاشتراكية الفرنسية، عنها كفكرة المناضل الشيوعي الذي يعرف المبدأ الذي تعتمد عليه. نجد هنا، أيضا، الواقع من ناحية وتصوراتنا لهذا الواقع من ناحية ثانية. ولم يخف هذا التمييز الأساسي على أي واحد من الناس الذين حاولوا، في مرحلة من مراحل تطور المجتمعات، أن يرسموا لوحة منسجمة عن الكون، وذلك قبل ميلاد العلوم الحقة وبقواهم الخاصة. ولهذا أفضى بهم الأمر إلى وضع مبدأ "الروح" إلى جانب مبدأ "المادة". وكانت هذه الكلمة تعني، عامة، جميع الأشياء غير المادية، أي ما عدا ظواهر تفكيرنا وما يبدعه خيالنا من كائنات كتلك التي تحفل بها الأحلام. وهكذا نشأ الاعتقاد بوجود الأرواح، ووجود عالم تعيش فيه هذه الأرواح، وأخيرا فكرة وجود روح أعلى تسميه الأديان بالاله. ندرك إذن أن التمييز بين المادة والروح له أهمية كبرى. ويجب علينا أن نفهم تحديد هذا التمييز في جميع صوره وأشكاله. نجد ذلك مثلا في التمييز بين النفس والجسد في الأديان. ونجد في بعض الأحيان بدلا من الحديث عن "المادة" و "الروح" الحديث عن "الكينونة" l,etre و "الفكر" le peusee أو نجد معارضه "الطبيعة" "بالوعي". وهذا هو نفس التمييز.
3 – مُشكلَة الفَلسَفَة الأسَاسِيَّة لا يزال للتحليل السابق قيمته بالرغم من تقدم العلوم الحديثة. بل أن التمييز بين الطابع المادي والطابع الفكري للواقع ضروري لتكوين ثقافة العالم الفلسفية. إذ يجب عليه أن يعرف كيف يميز بين المادة والفكرة التي كونها عن هذه المادة، كما أنه يجب على المناضل أن يميز بين رغباته وما هو ممكن حقا. ولم يدرك الفلاسفة أنفسهم، في أول الأمر، أن هذين المبدأين الأساسيين هما الفكرتان العامتان في الفلسفة. ثم أدركوا ذلك شيئا فشيئا خلال تطور المعارف الإنسانية، ويرجع الفضل في ذلك للفيلسوف الفرنسي الكبير ديكارت (1596 – 1650). ومع ذلك، لا يزال هناك في أيامنا هذه، أكثر من فيلسوف من فلاسفة الجامعة البرجوازية، لا يمكنه إدراك هذا التمييز الأساسي في عظمته وبساطته وما يؤدي إليه من نتائج. فهو بهذا أقل من العامل المناضل الذي تثقف في مدرسة الماركسية. حتى إذا ما رأينا بوضوح أن العالم في مجموعة يفسَّر بمبدأين فقط الفينا أنفسنا لا محالة أمام مشكلة الفلسفة الأساسية. يمكن القول إذن أن معظم فلاسفة الجامعة البرجوازية لم يطرقوا بوضوح مشكلة الفلسفة الأساسية. وهم يأبون التصدي لهذه المشكلة ويحرمون سؤالهم عنها. ويجب علينا، مع ذلك، أن نلاحظ أن تاريخ الفلسفة بأجمعه ليس سوى نقاش طويل حول هذه المشكلة الأساسية التي تعود، بالرغم من تعدد صورها وأشكالها، إلى ما يلي: وهو أنه إذا كان هناك حقا مبدآن فقط لتفسير العالم فأي هذين المبدأين يفسر الآخر؟ وأيهما أساسي أكثر من الآخر؟ أيهما الأصل وأيهما الفرع؟ أيهما خالد لا حد له يتفرع عنه الآخر؟ تلك هي مشكلة الفلسفة الأساسية؟ لا تتطلب مثل تلك المشكلة سوى جوابين ممكنين: أما أن تكون المادة (الكون والطبيعة) خالدة، لا حد لها، أولية يتفرع عنها الروح (الفكر، الوعي). وأما أن تكون الروح (الفكر والوعي)، خالدة لا حد، لها أولية تتفرع عنها المادة (الكون والطبيعة). ويكون الجواب الأول أساس المادة الفلسفية، وأما الجواب الثاني فأنا نلقاه في جميع المذاهب التي تتفرع عن المثالية الفلسفية. هذان الموقفان الفلسفيان يعارض كل منهما الآخر على طول الخط.
4 – مَعنَى كلِمَة "المثَاليَّة" يجب علينا، قبل أن نستطرد في البحث، أن نحذر الوقوع في الشرك الذي ينصبه لنا أعداء المادية الذين يستبدلون بمعنى كلمة "المثالية" الفلسفي معنى "أخلاقيا". فالمثل الأعلى، بالمعنى الأخلاقي، هو هدف أسمى نبيل كريم، على عكس الأهداف الأنانية الضيقة المنحطة، الخ.. وتستعمل كلمة "المثالي" خطأ في بعض الأحيان للدلالة على الرجل الذي يكرس نفسه لخدمة قضية ويضحي في سبيل فكرة ممكنة التحقيق أو غير ممكنة. ويريد أعداء المادية أن يقنعوا الناس بأنهم يستطيعون، لوحدهم، التكرس لفكرة والدفاع عن مثل أعلى لأنهم يفسرون العالم بوجود مبدأ سابق على المادة. فيا لها من سفسطائية رائعة! والحقيقة غير هذا. وذلك لأن المثالية الفلسفية أبعد من أن تستطيع بعث الشهداء، بل هي تستخدم لتغطية أشد الأفعال أجراما. ولهذا شاعت على لسان الخائن بيتان، كما شاعت على ألسنة مجرمي اورادور الذين كانوا يدعون محاربة "البربرية البلشفية"، النميمة القائلة بأن انتصار طبقة العمال الثورية هو انتصار "لروح المتعة" على "روح التضحية". أما الماديون، فهم لا ينكرون، كما قلنا، وجود الأفكار. وسوف نرى الدور الكبير الذي تقوم به هذه الأفكار في رأيهم. ومن الواضح أنه يوجد مثل أعلى للعمال. ومثل العمال الثوريين الأعلى ـ وهو أجمل مثل سعى لتحقيقه البشر ـ هو الشيوعية وتحرير الناس وتفتحهم. هذا المثل الأعلى، وهو أسمى مثل وأصعبه، هو أشد المثل العليا نزاهة وتحررا لأن الأمل في "الخلاص" الشخصي عن طريق الآخرة لا وجود له فيه. لا يعني ذلك أن هؤلاء الثوريين "مثاليون" أو أنهم "مسيحيون على غير علم منهم" كما يقول الذين يرون المثالية في كل من سما بنظره وراء أفق الواقع الرأسمالي الكريه. كما لا يعني ذلك أننا أمام حلم نتحدث عنه دائماً دون العمل على تحقيقه. وأخيراً لا يعني ذلك أننا أمام تعَّله (alibi) كما يفعل ترومان وايزنهور حين يتعللان بالله والمدنية المسيحية لتبرير المزاجر الرأسمالية في كوريا. إذ أن للعمال الثوريين مثلا أعلى يريدون العمل لتحقيقه. ويعتمد هذا التحقيق على نظرة مادية للعالم تبتعد به عن النظريات الخالية وعن النفاق. ولقد ندد انجلز نهائيا بالبرجوازية "المثالية"، التي تعتبر الحديث عن المثل الأعلى تغطية لاستغلالها لطبقة العمال، في قوله: "يعني البرجوازية بالمثالية الايمان بالفضيلة وبالإنسانية وبوجود "عالم أفضل" عامة يلوح به أمام الآخرين، ولا يؤمن هو به الا ليعينه على اجتياز فترة الأزمة التي تتبع حتما مغالاته المادية المعتادة فإذا به يردد نغمته المفضلة "ما الإنسان؟ أن هو الا نصف حيوان ونصف ملاك !".
5 – تتعَارض "المَادية" مَع "المثاليَة" في التَطبيق وَفي النَظريَّة نستطيع الآن العودة إلى الجوابين اللذين يُذكران عادة للرد على السؤال الرئيسي في الفلسفة. ويتضح أن هذين الجوابين ينفي كل منهما الآخر بصورة مطلقة وأنه لا يمكن الا أن يكون واحد منهما صحيحا. فلماذا لم يعرف الناس، لأول وهلة الجواب الصحيح؟ سوف نرى سبب ذلك فيما بعد، عند حديثنا عن أصول النزعة المثالية. يكفينا أن نلاحظ الآن أنه، لما كانت النزعة المثالية والنزعة المادية تنفي كل منهما الأخرى، فلا يمكن أن يكون هناك سوى جواب واحد صحيح، فأننا أمام تناقض. وهكذا فأن النزعة المثالية والنزعة المادية تكوِّنان وحدة لا يمكن فصل احداهما عن الأخرى، كما لا يمكن فصل الضد عن ضده. فكل تقدم تحرزه أحداهما هو تأخر بالنسبة للاخري. وهكذا فان تقدم النزعة المادية أنما هو ضربة تنزل بالنزعة المثالية. كما أن كل تأخر يصيب النزعة المادية انما هو تقدم للنزعة المثالية. تعني وحدة الضدين هذه أن النضال بين النزعة المثالية والنزعة المادية لا مفر منه وأنه لا يمكن التوفيق بينهما: (راجع الدرس الخامس، 3، والدرس السابع، الخلاصة العامة). وهذا مهم لأن بعض الفلاسفة المثاليين يحاولون تشويه الماركسية فيدعون أن المادية الجدلية عبارة عن مركّب (synthese) يتخطى التناقض بين المادية والمثالية. ولا يمكن لمثل هذا "المركب" في الحقيقة الا أن يكون ستارا تختفي وراءه المثالية. صحيح أن ماركس كتب يقول بأن المادية الجدلية ستقضي على التعارض القديم بين المادية والمثالية. وهو يعني بذلك أن المادية الجدلية تسمح بفض النقاش الذي استمر آلاف السنين؛ وذلك بانتصار المادية التي اكتمل نموها وجعلت المثالية تنهزم أمامها انهزاما لا مرد له. يمكن حل التناقض إذن بالنضال ضد المثالية . وليس بمحاولة التوفيق بينها وبين المادية كما رأينا ذلك في دراستنا للجدلية. ولهذا النضال النظري أهمية عملية كبرى. وذلك لأن هاتين النظرتين المتعارضتين للعالم تسيطران على مواقف عملية متعارضة. يمكن تجنب الصاعقة بواسطة طريقتين: اما باستخدام القضيب المضاد لها أو بإشعال شمعة والتوسل إلى السماء. وتعتمد الطريقة الأولى على الفكرة القائلة بأن الصاعقة ظاهرة مادية لها أسبابها المادية المعينة ويمكن تفادي نتائجها بواسطة الوسائل التي تمدنا بها المعرفة العلمية وآلاتها وأما الطريقة الثانية فهي تعتمد على الفكرة القائلة بأن الصاعقة هي قبل كل شيء، مظهر من مظاهر غضب الله وقوته، لها أسبابها الخارقة ولهذا يمكن تفاديها بوسائل سحرية خارقة كالشمعة أو الصلاة، عن طريق تأثير الروح الإنساني في الروح الإلهي، وهكذا، تؤدي طريقة تصور أسباب الظواهر إلى طريقة تصور الوسائل العملية المختلفة وهي وسائل مادية في الحالة الأولى، روحية في الحالة الثانية، وكذلك تصور النتائج العملية المختلفة. ولهذا التعارض النظري نتائج أخرى عملية إذ ليس من الصعب أن ندرك أنه كلما انتشر استعمال القضيب المضاد للصاعقة كلما قل إشعال الشموع وترتيل الصلوات. ولهذا كانت الكنيسة، التي رأت زوال نفوذها، غير راضية عن تقدم العلوم وزوال سرعة التصديق الساذج. ولا يقل التعارض أيضا فيما يتعلق بظواهر الحياة الاجتماعية. فلقد خلَّف لنا رابليه وصفاً رائعاً لهذين الموقفين، في الفصل الذي عقده حول الحرب البكرو كولية (La guerre Picrocholine) إذ كان معظم الرهبان يغلقون على أنفسهم باب الكنيسة إذ ما هاجم بكرو كول picrocole الدير لنهبه متضرعين إلى الله أن يغفر له. ولم يشذ عن ذلك سوى الراهب حناJean Des Entommeunes الذي كان يتسلح بعصا غليظة صلبة يضرب بها ضربات قوية يفر على صوتها أصحاب بكرو كول بعد اجتياحهم لبساتين الدير. وهذا دليل على أن الهجوم أفضل من الصلاة للتخلص من المعتدي. ولهذا شارك عدد من الكاثوليك، أثناء المقاومة الوطنية للمعتدي النازي في مختلف صور النضال ضد المحتل. ويلاحظ عادة أن أصحاب الفلسفات المثالية يتصرفون في الحياة تصرف الماديين.ويوضح لنا هذا أخطار النزعة المثالية العلمية، ذلك لأن نزعة الرهبان، كما صورهم رابلية، تؤدي في الحياة العملية إلى ترك الحقل بين يدي المعتدي. وكذلك كانت نزعة السلميين المثالية، الذين كانوا يأبون العمل ضد الحرب ويتظاهرون بإيمانهم في "حسن نية" الاستعماريين عامة، أمثال هتلر خاصة، أقوال كانت نزعة هؤلاء تساعد النازيين وتؤكد القول المشين: "العبودية أفضل من الموت". وكذلك تبعد اليوم النظرية المثالية، القائلة بأن الحرب مقدرة وأنه يجب الرضوخ لها كعقاب الهي عن خطايا الأنانية، عددا كبيراً من الكاثوليك عن ساحة النضال من أجل السلام. ولما كانت النزعة المثالية تؤدي، كما رأينا، لمواقف عملية تساعد أنصار الحرب والطبقات المستغِلة عامة (حسب الفكرة المثالية القديمة القائلة بعدم مقاومة الشرير) فأننا ندرك بسهولة كيف أن الطبقات المستغِلة قد اتخذت، عبر التاريخ، جميع الوسائل لتشجيع النزعة المثالية بين الجماهير، والعمل على تنميتها والدفاع عنها. ولا نزال نذكر كيف هرع حفار القبور بول رينو إلى كنيسة نوتردام يجأر بالدعاء لحماية فرنسا. ولهذا يهم الطبقات المستغِلة، للمحافظة على الأوضاع الراهنة التي تستفيد منها، تعليم الناس بأن هذه الأوضاع تجسد "ارادة سامية" أنها تمثل "العقل الكلي" الخ.. ولهذا كان من مصلحتهم نشر النزعة المثالية التي تلقن الجماهير الخضوع والاستسلام. نرى إذن الأهمية الكبرى العملية لإدراك النظريات المثالية ودراسة النزعة المادية الفلسفية.
6 – تمتَاز المَادَية الفَلسَفِيَّة الماركسِيَّة بثَلاث ميزات أسَاسِيَّة وجدت النزعة المادية، كنظرة للعالم، قبل وجود النزعة الماركسية. وسوف نرى أن النزعة المادية أنما تقوم على اعتبار العالم "كما هو" دون أن تضيف إليه أي عنصر غريب عنه. ولقد اضطر الإنسان إلى الأخذ بهذه الطريقة في النظر للعالم منذ أمد بعيد وفي كل مرة كان يضطره فيها أشباع حاجاته للسيطرة على الطبيعة بالوسائل التقنية الفعالة. ولهذا شجعت الطبقات الصاعدة، عبر التاريخ، التفكير المادي، وذلك لأن مستقبلها كان يعتمد على تقدم الوسائل العملية وازدهار العلم؛ كما أن هذه الطبقات كانت تحارب الفكرة القائلة بأن النظام القديم للأشياء، الذي كانت تسعى لإزالته، انما هو تجسيد لإرادة العناية الألهية. وكانت هذه الطبقات تعتقد أنه لما كان باستطاعة الإنسان أن يحول المادة والطبيعة بعمله فهو يستطيع أيضا أن يحسن مصيره بعمله أيضا. ولا نستطيع هنا دراسة تاريخ النزعة المادية؛ فلقد كانت أهم عصور الفلسفة المادية هي العصور القديمة اليونانية، حين سيطرت طبقات التجار، التي كانت آنذاك أكثر الطبقات تقدما؛ وكذلك القرن الثامن عشر في فرنسا، حيث وجدت طبقة البرجوازية الثورية؛ وأخيرا العصر الحاضر الذي يمتد من أواسط القرن التاسع عشر. فظهرت طبقة البروليتاريا الثورية ولا سيما في البلاد التي استولت فيها هذه البروليتاريا على الحكم اعني في الاتحاد السوفياتي . ولسوف ندرس بالتفصيل النزعة المادية الفلسفية الماركسية التي تمثل النزعة المادية في العصر الأخير، وقد بلغت الذروة. كما سنرى في دروس أخرى كيف أن الفلسفة المادية اتخذت طابعها النهائي في مؤلفات ماركس وانجلز العبقرية اللذين وضعا أسسها حوالي أواسط القرن التاسع عشر. وسنرى أيضا أن النزعة المادية السابقة على الماركسية لم تكن جدلية بصورة مذهبية منطقية، ولهذا لم يكن باستطاعتها أن تصور الواقع بكل خواصه، كما لم يكن باستطاعتها أن تكوِّن نظرة نهائية للعالم. لهذا يجب التمييز بين النزعة المادية الفلسفية الماركسية وبين جميع المذاهب المادية السابقة عليها. وسوف ندرك في الدروس التالية صفات هذه الفلسفة الأساسية. وهي ثلاث صفات تتعارض مع صور النزعة المثالية الفلسفية الرئيسية. 1 – العالم مادي بطبيعته. 2 – المادة هي المعطى الأول والوعي هو معطى ثانوي مشتق منها. 3 – يمكن معرفة العالم وقوانينه معرفة تامة. حتى إذا ما أخذنا بدراسة كل من هذه الصفات وصلنا بين دراسة النزعة المادية وبين النضال ضد النزعة المثالية، ثم وضحنا القول في نتائج النزعة المادية في ميدان الحياة الاجتماعية. تعريب شعبان بركات المكتبة العصرية صيدا بيروت
#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
-
اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
-
اصول الفلسفة الماركسية
المزيد.....
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|