أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع















المزيد.....



اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع


جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين

الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 08:43
المحور: الارشيف الماركسي
    


الدرس السابع
ميزة الجدلية الرابعة
نضال الأضداد (3)

1 – ميزة التناقض الخاصة
2 – العام والخاص متلازمان
3 – التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
4 – المظهر الرئيسي والمظهر الثانوي للتناقض
5 – خلاصة عامة عن التناقض

1 ـ ميزة التناقض الخاصة
لا يجب أن ينسينا شمول التناقضات المطلق ما تمتاز به التناقضات من ثراء لا حد له. ذلك لأن قانون الاضداد تعبير عام عن واقع يرتدي اشكالا متعددة في الواقع. ولا يكتفى الجدلي بتأكيد شمول نضال الاضداد كمبدأ لكل حركة، بل هو يدلل على تخصص هذا القانون حسب مظاهر الواقع المتعددة.
"يجب علينا، حين نعرض لكل شكل خاص من أشكال الحركة، أن نتبين علاقته بمختلف أشكال الحركة الأخرى. الأهم من ذلك، وهو أساس معرفتنا للأشياء، أن نرى ما لكل شكل من أشكال الحركة من ميزة خاصة، أي ما يميزه كيفيا عن سائر أشكال الحركة. وهكذا يمكننا أن نميز ظاهرة عن أخرى. ويحتوي كل شكل من أشكال الحركة على تناقضاته الخاصة به التي تكون طبيعة الظاهرة التي تميزها عن الظواهر الأخرى. وهذا هو سبب تنوع الأشياء المتعددة وأساسه، كما هو سبب تنوع الظواهر الموجودة في العالم .
ويعني هذا أن تأكيد شمول نضال الاضداد لا يكفي. لأن العلم هو وحدة النظرية والتطبيق. ولهذا يظهر قانون الاضداد الشامل بصورة ملموسة مع خواص الحياة نفسها. وهكذا إذا وضعنا البيضة في حرارة معينة مكنا التناقض الداخلي الذي تمتاز به البيضة من النمو حتى تتفتح عن "النقف"
((Poussin)). وإذا غلينا ليترا من الماء، بنفس الكمية من الحرارة، اختلفت النتائج عن سابقتها. لكل مظهر من الواقع حركته الخاصة به وتناقضاته المميزة له.
لا يتغير أي شيء إلى أي شيء آخر. ولهذا تتحول حرب معينة إلى سلم معين. كما أن نظاما رأسماليا معينا له خواصه في النمو يحل محله نظام اشتراكي له هو أيضا خواصه المميزة. وهكذا يستمر القديم في الجديد. ولهذا كان من الخطأ القول بأن نظاما اجتماعيا جديدا يقضي قضاء مبرما على القديم؛ ولكن أليس هناك من مجال للتوفيق بين القديم والجديد، لأن الجديد لا يمكن أن يستقر الا بمعارضته للقديم. ولا يعني "تخطي" الاضداد الجمع بينها، بل انتصار أحدها على الآخر، انتصار الجديد على القديم.
وتفسر لنا طبيعة كل مرحلة من مراحل الحركة المادية تعدد العلوم من الفيزياء إلى علم الحياة (البيولوجيا) ومن علم الحياة إلى العلوم الانسانية. ويجب على كل علم أن يكشف عن التناقضات الخاصة بموضوعه ويفهمها. وهكذا فان القوانين الخاصة بالكهرباء؛ والقوانين الخاصة بالطاقة (والكهرباء صورة من صور الطاقة) لا تكفي لتحديد الكهرباء: بل يجب القيام بتحليل ظاهرة "الكهرباء" تحليلا جدليا. ويحدث أن تثير كمية من الكهرباء بعض التفاعلات الكيمائية؛ فإذا بنا أمام موضوع جديد له قوانينه الخاصة به؛ وكذلك إذا ما انتقلنا من الكيمياء إلى علم الحياة (البيولوجيا). ومن علم الحياة إلى الاقتصاد السياسي الخ... ولا شك أن جميع مراحل الواقع تكون وحدة ولكن هذه المراحل تختلف كل منها عن الأخرى.
ولا يصدق هذا على مجموع العلوم، بل نلقى، في داخل كل علم، الضرورة لدراسة التناقضات الخاصة به. مثال: هناك حركات خاصة بالذرة إذ حين ينتقل الفيزيائي من حركة الأجسام المرئية (كالكلة التي تسقط) إلى الحركات الذرية تبدو له قوانين جديدة هي موضوع علم الميكانيكا المتموجة. تتخذ الجدلية صورة موضوعها كي تفهم حركة هذا الموضوع. وهكذا فان الفن صورة من النشاط لا يمكن رده إلى صور النشاط الأخرى، ولا سيما إلى العلم (بالرغم من أن الفن وسيلة من وسائل المعرفة لأنه يعكس العالم). يوجد إذن تناقضات نوعية في هذا الميدان كما في الميادين الأخرى؛ فإذا بالفنان جدلي بقدر حله لهذه التناقضات؛ حتى إذا ما عجز عن حلها لم يكن فنانا. كتب الناقد الكبير بيالنسكي يقول:
"مهما كان الشعر مفعما بالأفكار الجميلة، ومهما صور لنا كل العصر فأنه ليس شعرا إذا ما خلا من مضمون الشعر ولا يمكن أن يحتوي على أفكار جميلة أو أية مسألة أخرى؛ وكل ما نجده فيه قصد جميل لم يتحقق ".
فبينما يعبر العلم عن الواقع بواسطة الافكار إذا بالشعر يعبر عنه بواسطة الصور الخاصة التي تملك قوة كبرى على الإثارة ولا يمكن للفن، أن يبلغ هدفه حقا: إلا إذا كان الفنان (الشاعر، الرسام، الموسيقي) قادرا على السيطرة على احاسيسه الأولى وعلى تعميم تأثراته؛ حتى إذا ما اخطأ الأثر الفني في ايجاد الصور الخاصة بفكرة الفنان كان فاشلا.
يرجع الفضل للينين في اكتشاف التناقضات الخاصة بالرأسمالية في المرحلة الاستعمارية (ولا سيما اختلاف نمو البلاد الرأسمالية الذي ينشأ عنه نزاع قوي للوصول إلى اقتسام جديد للعالم بين المحظوظين وغيرهم) وذلك باعتماده على التحليل الماركسي للرأسمالية. فلقد دلل على أن هذه التناقضات تجعل الحرب لا بد منها وأنه يمكن لحركة البروليتاريا الثورية العالمية، تساندها حركة الشعوب المستعبدة القومية، أن تكسر، في مثل هذه الظروف، قيود الرأسمالية في أضعف موضع فيها.
وهكذا استطاع لينين أن يتنبأ بان الثورة الاشتراكية ستنتصر أولا في بلد أو عدة بلدان.
ويلح ستالين على القول، في كتاب "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" ـ إذ يبرهن على الطابع الموضوعي لقوانين الاقتصاد ـ على احدى ميزات هذه القوانين وهي أنها ليست دائمة:
"يختص الاقتصاد السياسي بميزة وهي أن قوانينه، على عكس قوانين الطبيعة، ليست دائمة؛ وأن اغلب هذه القوانين يؤثر خلال فترة معينة من التاريخ، ثم تحل محلها قوانين أخرى. ولا تزول هذه القوانين بل تفقد قوتها لظهور ظروف اقتصادية جديدة فتغيب ليحل محلها قوانين جديدة لا تبدعها ارادة الناس بل تنبعث من الظروف الاقتصادية الجديدة ".
وهكذا ظهر قانون القيمة مع ظهور الإنتاج التجاري لأن القيمة هي القانون الخاص بالانتاج التجاري ولسوف تزول بزواله. والقانون الخاص بالرأسمالية هو قانون فائض القيمة لأنه يحدد الميزات الأساسية للانتاج الرأسمالي. ولكن هذا القانون لا يمكن أن يكفي لتحديد المرحلة الحالية في الرأسمالية التي نمت فيها رأسمالية الاحتكار جميع امكاناتها فإذا بهذا القانون عام، فكان أن نص ستالين على القانون الخاص بالرأسمالية الحالية وهو قانون الربح الأقصى .
ولا يمكن الا للدراسة الدقيقة للميزات الخاصة بجانب معين من الواقع أن تبتعد بنا على التعصب الأعمى الذي يدفعنا إلى تطبيق اطار واحد على أوضاع مختلفة تطبيقا آليا. ولهذا كان لينين ينصح الثوار بأن يكدوا اذهانهم في كل حين. إذ ليس الماركسي الصحيح هو من يعرف عن ظهر قلب مصادر الماركسية الكلاسيكية فيعتقد أنه يحل جميع المشاكل بواسطة بعض حلول نموذجية؛ بل الماركسي الصحيح هو محلل يستطيع استعراض كل مشكلة بصورة ملموسة دون أن يهمل أي عنصر ضروري لحلها. يجب علينا، كي نعرف حقا أي شيء، أن نلم بجميع جوانبه وأن ندرس جميع علاقاته و "وسائطه". ولن نبلغ ذلك تماما قط، ولكننا إذا أوجبنا على أنفسنا استعراض الأشياء من جميع جوانبها فأننا نحفظ أنفسنا من الأخطاء ومن التحجر .
يكتفي المتعصب بالعموميات. فإذا ما صدر قرار عن نقابة من النقابات، مثلا، لم يعبأ بتطبيقه تطبيقا خاصا على مؤسسته وعلى كل مصنع في هذه المؤسسة كما أنه لا يحسب حسابا للمطالب الخاصة بكل طائفة من العمال.
لهذا التجريد نتائجه الخطيرة لأنه يفصل المناضلين عن جمهرة العمال. وهكذا فأن اقتصار حركة المقاومة الفرنسية على نضال المناضلين الأحرار والانصار المسلح تشويه لها وتنكر لطابع المقاومة الخاص وهو أنها كانت نضال الشعب الفرنسي الوطني بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الا وهو الحزب الشيوعي. ومن جهل هذا الطابع الخاص للمقاومة عجز عن تقدير مختلف نواحيها تقديرا صحيحا ومنها هذه الناحية المهمة وهي نضال (P.F.T.) .
وكذلك، كما يلاحظ ستالين في كتابه "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" بانه ليس غرض حركة السلم العالمية اقامة الشيوعية. بل أن جوهر هذه الحركة وقانونها الخاص هو توحيد ملايين الناس العاديين من أعداء الشيوعية وأنصارها للمحافظة على السلم؛ وهي لا تهدف في فرنسا إلى القيام بالثورة البروليتاريا بل إلى الانتقال من سياسة الحرب إلى سياسة المفاوضة. التناقض بين "سياسة الحرب وسياسة السلم" يختلف عن التناقض بين الرأسمالية والاشتراكية" (بالرغم من أن الرأسمالية الاستعمارية مسؤولة عن سياسة الحرب).
يلح ماوتسي تونج في دراسته "حول التناقض" على ضرورة حل "التناقضات المختلفة كيفيا" بواسطة "طرق مختلفة كيفيا" فيقول: "فالتناقض، مثلا، بين البروليتاريا والبرجوازية لا يحل بواسطة الثورة الاشتراكية. لأن التناقض بين الجماهير الشعبية وبين النظام الاقطاعي يحل بواسطة الثورة الديمقراطية. كما يحل التناقض بين المستعمرات وبين الاستعمار بواسطة الحرب القومية الثورية. وكذلك يحل التناقض بين طبقة العمال وطبقة الفلاحين بجعل الزراعة اشتراكية آلية. وتحل التناقضات في داخل الحزب الشيوعي بواسطة النقد والنقد الذاتي. كما تحل التناقضات بين المجتمع والطبقة بواسطة نمو قوى الإنتاج. وهكذا تتغير العمليات فتزول العمليات القديمة والتناقضات القديمة ليحل محلها عمليات جديدة وتناقضات جديدة، كما تتغير الوسائل لحل هذه التناقضات ايضا. ولهذا اختلفت التناقضات الني حلتها ثورة شباط وثورة تشرين الأول في روسيا، كما اختلفت الوسائل المستخدمة في هاتين الثورتين لحل التناقضات .
لأن حل مختلف التناقضات بطرق مختلفة مبدأ يجب على الماركسيين الليننيين أن يحافظوا عليه محافظة شديدة .
تنتهي هذه الملاحظات، فيما تنتهي إليه من نتائج، عملية، إلى النتائج التالية التي تتعلق بنشاط الحزب الثوري:
أ) لا يمكن للحزب الثوري، حزب ماركس ولينين و ستالين، أن يقوم بوظيفته العلمية في قيادة الحركة الا إذا اجتهد كل مناضل، فيما يخصه، باستعراض المهمات الملقاة على عاتقه وحلها، كما حاولت كل منظمة في الحزب وكل خلية استعراض المهمات الملقاة على عاتقها وحلها (سواء كان في المؤسسة أوالمنطقة أو الحي) فكل مناضل ذهن مفكر، وكل خلية مجموعة تفكر قبل أن تعمل.
ب) لا يمكن للحزب أن يقوم بوظيفته العلمية في الادارة الا إذا أمده كل مناضل بنصيبه وكل خلية بنصيبها من التجربة الخاصة بها فيقوم مجموع الحزب بالتوفيق بين جميع التجارب في منظماته النظامية. ولهذا توجب نظم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي على كل شيوعي أن يقول الحقيقة دائما لحزبه لأن تجربة كل مناضل، وكل خلية انما هي شيء لا يستعاض عنه. من ذا الذي يقول للحزب، مثلا، مطالب شباب قرية من القرى إذا جهل الشاب الشيوعي هذه المطالب؟
ج) لا يمكن للحزب أن يقوم بوظيفته العلمية في الادارة إلا اذا أحتفظ اعضاؤه بعلاقة وثيقة مع جماهير العمال فكانوا، حقا، أهلا لتقدير جميع الناس. والا فكيف يمكنهم، بدون هذه العلاقة الدائمة، معرفة مشاكل كل طبقة من السكان، وحل التناقضات الخاصة بفترة معينة من الزمن؟
والحزب الذي يهمل هذه الواجبات أنما يعرض مستقبله للخطر ويفقد قيادة الحركة العمالية.

2 – العَام والخَاص مُتَلازمَان
الححنا على القول بضرورة دراسة الطابع الخاص بالتناقضات الملموسة. ومن البديهي أن هذه الدراسة تفقد كل صفة جدلية لها إذا جعلتنا ننسى أن الخاص ليس مطلقا بل هو نسبي وأنه لا معنى له إذا ما فصلناه عن ما هو عام.
مثال: قلنا في الجزء الأول من هذا الدرس أن هناك قانوناً خاصاً بالرأسمالية (قانون فائض القيمة) وقانوناً خاصاً بالرأسمالية الحالية (قانون الفائدة القصوى). ولكن هذا الا يقضي على مفعول قانون أعم وهو القانون الذي ظهر مفعوله منذ وجود المجتمعات الإنسانية ولا يزال يبدو من خلال مختلف النظم الاجتماعية كما يذكر ذلك ستالين في كتابه "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي": وهو قانون الاتصال بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج ( وستكون دراسة هذا القانون موضوع الدرس السادس عشر). يتعرض التحليل الجدلي الصالح، إذن، لتحليل الطابع الخاص بعملية معينة ولا يمكن هذا الا إذا لم يعزل هذه العملية عن حركة المجموع الذي يتوقف عليه وجودها (راجع الميزة الاولى للجدلية). لأن ما هو خاص لا تصبح له قيمة ما إلا بالنسبة لما هو عام. وهكذا يكون ما هو خاص وما هو عام متلازمين .
لما كان الخاص مرتبطا بالعام، ولما كان ماهو خاص في التناقض وما هو عام متلازمين في كل ظاهرة فأن العام كائن في الخاص. ولهذا فنحن حين ندرس ظاهرة معينة يجب علينا اكتشاف هذين المظهرين وعلاقتهما المتبادلة، اكتشاف ما هو خاص وما هو عام، ما هو ملازم لظاهرة معينة والعلاقة المتبادلة بينهما، اكتشاف العلاقة المتبادلة بين ظاهرة معينة والعلاقة المتبادلة بينهما، اكتشاف العلاقة المتبادلة بين ظاهرة معينة والظواهر المتعددة الأخرى الخارجية. يحلل ستالين في كتابه الرائع عن "مبادىء مذهب لينين" تناقضات الرأسمالية التي بلغت أقصى حد لها في ظل الاستعمار، كما يشرح الأصول التاريخية لمذهب لينين. وهو يدلل كيف جعلت هذه التناقضات الثورة البروليتارية مسألة تطبيق عملي مباشر وكيف أوجدت الظروف الملائمة للوثوب المباشر على الرأسمالية. وهو يحلل، فوق ذلك، الأسباب التي من أجلها أصبحت روسيا مركز مذهب لينين، وكيف أن روسيا القيصرية كانت آنذاك عقدة جميع تناقضات الرأسمالية، ولماذا أمكن للبروليتاريا الروسية أن تصبح طليعة البروليتاريا الثورية العالمية.
وهكذا برهن ستالين، بعد أن حلل ما هو عام في التناقضات الخاصة بالرأسمالية، على أن مذهب لينين هو مذهب ماركس في عصر الاستعمار والثورة البروليتارية، كما شرح، بعد أن حلل ما هو خاص بالتناقضات العامة وما هو خاص برأسمالية روسيا القيصرية، الأسباب التي جعلت روسيا تصبح موطن نظرية الثورة البروليتارية ومحل تطبيقها، وأن هذا الخاص كان يحتوي على ما كان عاما في التناقضات المذكورة.
هذا التحليل الستاليني هو، بالنسبة إلينا، نموذج لمعرفة ما هو خاص وما هو عام في التناقضات والعلاقة المتبادلة بين كل منهما .
لا يعرف الميتافيزيقي كيف يبقي على هذه العلاقة بين ما هو خاص وما هو عام بل هو يضحي الخاص في سبيل العام (وهذا ما تفعله نزعة أفلاطون العقلية التجريدية، مثلا، التي تحتقر التجربة العيانية) أو يضحي العام من أجل الخاص. (كالنزعة التجريبية التي ترفض كل فكرة عامة وتقتصر على التجربة المحدودة).
تعتبر نظرية المعرفة الماركسية مثل هذا الموقف موقفا منافيا للجدلية وهو موقف من جانب واحد. وذلك لأن المعرفة تعتمد على الحسي المحدود الذي يعكس وضعا خاصا، ولكنها تصل إلى ما هو عام بواسطة التطبيق العملي لتعود من ثم إلى الحسي وقد اكتسبت قوة جديدة.
لا يملك الفيزيائي مثلا، في أول الأمر، سوى عدد محدود من الوقائع المجربة؛ فيرتفع منها إلى القانون الذي يسمح له اكتشافه بتغيير الواقع تغييرا عميقا بواسطة تجارب جديدة. ومرحلتا المعرفة متلازمتان: فهي تبدأ من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص وهكذا دواليك. وقد شبه لينين هذه الحركة بالحركة اللولبية (en spirale): نبدأ من التجربة المباشرة الحسية (كشراء بضاعة ما مثلا)، فنحلل عملية الشراء هذه لنكتشف قانون القيمة، فنعود من ثم إلى التجربة العيانية (الحركة اللولبية). ولكننا نفهم الآن وقد تسلحنا بقانون القيمة، هذه التجربة التي فاتنا مغزاها العميق في المرحلة الأولى: نستطيع الآن التنبؤ بتطور العملية؛ وأن نهيء الظروف التي تعمل على الحد منها أو اتساعها. الخ.. ونحن لن ندرك العام إذا لم نبدأ بالخاص ولكن ادراك العام يتيح لنا، من جهة ثانية، تعمق الخاص. وهكذا ليست الحركة اللولبية حركة عود على بدء عقيمة بل هي تعمق للواقع. ولهذا فقد اكتشف ماركس، في دراسته للتناقضات الخاصة بالرأسمالية في عصره، قانون الصلة بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج العام. وهكذا أتاح لنا فهم التناقضات الخاصة بالنظم الاجتماعية السابقة على الرأسمالية، لأن هذه التناقضات تتعلق بقانون الترابط العام؛ كما أنه جعل من الممكن دراسة الرأسمالية نفسها دراسة أعمق في حركتها التالية (رأسمالية الاحتكار، والاستعمار).
ويكون الفنان عظيما بقدر معرفته التعبير عن العام من خلال الخاص في سعيه لبلوغ ما هو نموذجي. (راجع المسألة من هذا الدرس).
فلقد عبر اليوار عن حزن باريس المحتلة على يد النازيين في هذين البيتين من الشعر من خلال حادثة بسيطة تقع كل يوم:
باريس ترتعد من البرد، باريس تتلوى من الجوع
باريس لم تعد تأكل الكستناء في الشوارع
ونرى في حياة أفضل ما رسمه بلزاك وتولستوي من شخصيات انعكاس الميزات الاساسية لمجتمع عصر كل منهما. وتربط رواية ج. نيقويفا: "الحصاد"، بصورة رائعة، تاريخ أشخاصها الشخصي والعائلي بتاريخ كولخوز وتاريخ المجتمع السوفياتي. وتنحل التناقضات الشخصية التي كان يعانيها أبطال الرواية خلال انحلال التناقضات التي كانت تعيق تقدم الكولخوز. وهكذا يضمن كل من فاسيلي وافدويتا انتصار المستقبل على الماضي بنضالهما لضمان انتصار المستقبل على الماضي في الكولخوز.
أوليست هذه الوحدة بين العام والخاص هي ما يمتاز به الأبطال الذين يحبهم الشعب؟ كتب جنود كتيبة، في حزيران عام 1917 إلى لينين يقولون:
"أيها الرفيق الصديق لينين" تذكر أننا نحن جنود هذه الكتيبة مستعدون للسير وراءك كرجل واحد في كل مكان لأن آراءك هي التعبير الصحيح عن ارادة الفلاحين والعمال".
وتتجسد في ستالين اخص خلائق الإنسان السوفياتي.
ولقد أثار جوليوس واتيل روزنبرج عطف الناس في العالم أجمع لأن ضخامة التضحيات التي رضيا بها (التضحية بشبابهما واولادهما وسعادتهما) دلت على حب الناس الذي لا يقهر للسلام.

3 – التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
سوف نرى بوضوح، بعد أن أدركنا قوة الصلة بين الخاص والعام، العلاقات بين التناقض الرئيسي وبين التناقضات الثانوية. وذلك لأن أية عملية ما ليست بسيطة قط لأنها تدين بوجودها الخاص إلى عدد كبير من الشروط الموضوعية التي تصلها بالمجموع. ينتج عن ذلك أن كل عملية هي محل سلسلة من التناقضات. ومن بين هذه التناقضات، تناقض رئيسي يوجد منذ بداية العملية حتى نهايتها ويحدد وجوده وتطوره طبيعة سير العملية. أما الاخريات فهي تناقضات ثانوية تتعلق بالتناقض الرئيسي.
فما هو، مثلا، التناقض الرئيسي في المجتمع الرأسمالي؟ لا شك أنه التناقض بين البروليتاريا وبين البرجوازية. طالما وجدت الرأسمالية طالما وجد معها هذا التناقض؛ وهو الذي يقرر، في نهاية الأمر، مصير الرأسمالية لأن إنتصار البروليتاريا يؤذن بزوال الرأسمالية. ولكن إذا نظرنا للمجتمع الرأسمالي في تطوره التاريخي وجدنا فيه تناقضات أخرى ثانوية بالنسبة للتناقض الرئيسي. مثلا: التناقض بين البرجوازية السائدة وبين بقايا الاقطاعية الزائلة؛ والتناقض بين طبقة الفلاحين الكادحة (من صغار الملاكين، والخدم، والمأجورين) وبين البرجوازية، وكذلك التناقض بين البرجوازية والبرجوازية الصغرى والتناقض بين البرجوازية المحتكرة والبرجوازية غير المحتكرة، الخ... وسائر التناقضات التي تنشأ وتنمو في تاريخ الرأسمالية نفسها. ولما كان هذا النمو يتم في الميدان العالمي، وجب اعتبار التناقضات بين مختلف البلاد الرأسمالية كالتناقض بين البرجوازية الاستعمارية والشعوب المستعمرة.
ولا تتراكم هذه التناقضات كل منها فوق الأخر، بل هي تتداخل وتتفاعل حسب قانون الجدلية الأولى. فما تأثير هذا التفاعل؟ تزداد أهمية تناقض ثانوي؛ في بعض الأحوال، فيصبح لفترة معينة، تناقضا رئيسيا بينما يصبح التناقض الرئيسي الأول ثانويا (ولا يعني هذا زوال تأثيره) فليست التناقضات، إذن متحجرة بل هي تتغير.
وهكذا يصبح التناقض بين البرجوازية والبروليتاريا، في البلاد المستعمرة، ثانويا لفترة معينة، بالرغم من خطورته إذ ينحل بانتصار الاشتراكية في هذه البلاد. فيصبح التناقض بين الاستعمار المستعمِر وبين الأمة المستعمَرة (كطبقة العمال، والفلاحين والبرجوازية القومية التي تتحدد في جبهة قومية للنضال من أجل التحرر) رئيسيا.
ولا يقضي هذا على الوان النضال بين الطبقات داخل البلاد المستعمِرة. (لا سيما وأن فريقا من البرجوازية في البلاد المستعمِرة حليف للاستعمار المستعمر). غير أن التناقض الذي يجب حله أولا هو التناقض الذي يثيره الاستعمار ويحله النضال القومي من أجل الاستقلال.
يوضح لنا ستالين في كتابه: "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" بصورة رائعة مشكلة انتقال التناقضات بصدد المسألة الألمانية التي تهم شعبنا كثيراً .
فهو يذكرنا أولا بأن الرأسمالية تحتوي على تناقضات داخلية خاصة وهي تناقضات موضوعية تظل ما ظلت الرأسمالية. وتدفع هذه التناقضات البرجوازية إلى البحث، في الحرب الأستعمارية، عن حل لمصاعبها.
فينتج عن ذلك، بصورة حتمية، أن مختلف البلاد الرأسمالية بعضها لبعض عدو مبين.
ولهذا كان الاعتقاد، بأن سيطرة الرأسمالية الأميركية على سائر البلاد الرأسمالية يضع حدا للتناقضات الكامنة في الرأسمالية كرأسمالية، وهماً من الأوهام. وليس لأي ميثاق كميثاق الاطلنطيك أو أي تحالف عدائي ضد روسيا أن يقضيا على هذه التناقضات. ويظهر ستالين لنا كيف أن البرجوازية الانجليزية والبرجوازية الفرنسية لا تستطيعان احتمال سيطرة الرأسمالية الاميركية على الاقتصاد في كل من بلديهما إلى ما لا نهاية. وكذلك الحال في البلاد المغلوبة كالمانيا واليابان.
ويمكن لكل واحد منا أن يتحقق، اليوم، إلى أي حد كان ستالين صادقا في قوله.
فلقد ازدادت خطورة التناقضات بين البلاد الرأسمالية (ولا سيما بين الولايات المتحدة وبين بريطانيا العظمى) بصورة هائلة منذ الوقت الذي أصدر فيه ستالين حكمه. (شباط سنة 1952 ـ حتى أن فريقا من البرجوازية الانجليزية والفرنسية تفضل الأتفاق مع الاتحاد السوفياتي على القضاء عليه في حرب ضد الاتحاد السوفياتي تحت قيادة أميركة. وهكذا يمكننا فهم أهمية حكم ستالين.
"يقولون أن التناقضات بين الرأسمالية والاشتراكية أقوى من التناقضات الكائنة بين البلاد الراسمالية. وهذا صحيح من الناحية النظرية، ولا يصح هذا اليوم فقط بل كان هذا صحيحا قبل الحرب العالمية الثانية. وهذا ما أدركه زعماء البلاد الرأسمالية ومع ذلك لم تبدأ الحرب العالمية الثانية بمحاربة الاتحاد السوفياتي. فلماذا؟ لأن الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في بلاد الاشتراكية، هي أولا، أخطر بالنسبة للرأسمالية من الحرب بين البلاد الرأسمالية، لأنه إذا كانت الحرب بين البلاد الرأسمالية تثير فقط مشكلة سيطرة بعض البلاد الرأسمالية على الأخرى، فأن الحرب ضد الاتحاد السوفياتي تثير بالضرورة مسألة وجود الرأسمالية نفسها. ولأنه، بالرغم من أن الرأسماليين يثيرون الضجيج حول نزعة الاتحاد السوفياتي العدائية، على سبيل "الدعاية"، فهم لا يؤمنون بهذا هم أنفسهم لأنهم يحسبون حساب سياسة الاتحاد السوفياتي السلمية، ويعرفون أن الاتحاد السوفياتي لن يهاجم البلاد الرأسمالية .
ويستعرض ستالين الحوادث السابقة على الحرب العالمية الأولى، إذ مهما كان عداء البلاد الرأسمالية نحو البلاد الاشتراكية، فأن ألمانيا الاستعمارية (التي جددتها البرجوازية الانجليزية والفرنسية أملا في أطلاق الجحافل الهتلرية ضد الاتحاد السوفياتي) قد وجهت أولى ضرباتها إلى المجموعة الرأسمالية المؤلفة من انجلترا وفرنسا وأميركا. حتى إذا ما أعلنت ألمانيا الهتلرية الحرب على الاتحاد السوفياتي، اضطرت هذه المجموعة، بدلا من أن تنضم إلى ألمانيا الهتلرية، إلى التحالف مع الاتحاد السوفياتي ضد ألمانيا الهتلرية .
نستخلص من ذلك أن نضال البلاد الرأسمالية من أجل امتلاك الأسواق، ورغبتها في القضاء على منافسيها كانا أقوى من التناقضات بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي .
يجب علينا أن ننتظر مثل هذا الانتقال بين التناقضات، فيصبح تناقض ثانوي، لفترة ما، التناقض الرئيسي وما يتبع من نتائج عملية وهما نتيجتان:
أ) تهدف اعادة تسليح الجيش الالماني (Wehrmacht) على يد القواد من مجرمي الحرب، بالاشتراك مع البرجوازية الفرنسية، إلى الاعتداء على الاتحاد السوفياتي. ولكن كما أن هتلر احتل باريس عام 1940 قبل أن يسير إلى موسكو، وكذلك يستعد مجرمو اورادور إلى احتلال بلادنا (فرنسا) وتخريبها، مرة أخرى، لحل مشاكلهم الاقتصادية.
وليس هناك من مجال للشك في سياسة اديناور، حامي النازيين وشريكهم، بهذا الصدد. وكذلك يجب فهم ايزنهاور حين يصرح بقوله: "من مصلحتنا، كما أن مهمتنا، اعداد الجيش الألماني ليهجم في الاتجاه الذي نراه، نحن الأميركيين، ضروريا". وأن فرنسا التي انهكتها الحرب في الهند الصينية وعبث بها الاستعمار الأميركي لفريسة أهون على البرجوازية الالمانية أن تلتهمها (بعد أن استعادت مكانتها بفضل البرجوازية الفرنسية ؟) من التهام الاتحاد السوفياتي القوي.
ب‌) تزداد أهمية التناقضات بين البلاد الرأسمالية بحيث يصبح من الصعب على الاستعمار الأميركي أن يفرض سلطته في هذه المأسدة. وما التأخر في الموافقة على اتفاقات بون ومعاهدة باريس الا مثال على ذلك.
ولما كانت الدبلوماسية السوفياتية تسيطر تماما على جدلية الأضداد فانها تستفيد إلى أقصى حد من التناقضات بين الرأسماليين (فيعمل الاتحاد السوفياتي على نمو تجارته مع انجلترا الرأسمالية). وهكذا يكون التعايش السلمي بين النظم المختلفة ثمرة نضال تقوم فيه التناقضات الداخلية للرأسمالية، وأن كانت ثانوية بالنسبة للتناقض الرئيسي بين الرأسمالية والاشتراكية، بدور مهم.
وإذا ما طبقنا هذه الطريقة في التحليل على فرنسا اليوم لظهرت لنا مجموعة معقدة جدا من التناقضات: كالتناقض بين البروليتاريا والبرجوازية؛ والتناقض بين البرجوازية الصغيرة (في المدن والقرى) والبرجوازية الكبيرة، والتناقض بين طوائف البرجوازية المتعادية؛ الخ.. كما أن هناك التناقض، في الميدان الخارجي، بين الاستعمار الفرنسي والشعوب المستعمرة التي يستغلها؛ والتناقض بين الاستعمار الفرنسي وسائر ضروب الاستعمار (كالاستعمار الأميركي والاستعمار الألماني الجديد).
كذلك التناقض بين الرأسمالية الفرنسية والاشتراكية.
فهل يمكننا أن نجعل جميع هذه التناقضات على مستوى واحد؟ كلا. لأننا إذا نظرنا إلى المجتمع الفرنسي المعاصر في مجموعه وجدنا أن التناقض الرئيسي هو النضال بين البروليتاريا والبرجوازية، ذلك النضال الذي يخترق تاريخ فرنسا ضد انتصار الثورة البرجوازية كخيط أحمر، وسوف تقرر خاتمة هذا النضال مستقبل البلاد بانتصار الاشتراكية. ولقد استعانت البرجوازية الرأسمالية بالاستعمار الأميركي لحمايتها. فتنكرت بذلك لمصالح الأمة. لأن سياستها الطبقية تجعلها تقف في وجه البروليتاريا الثورية ووجه سائر الطبقات، ومنها تلك الطائفة من البرجوازية التي لا تستفيد من سيطرة اميركا. ينتج عن ذلك أن ينمو التناقض الثانوي الذي نشأ عن التناقض الرئيسي (وهو وقوف الاستعمار الأميركي والبرجوازية ضد الأمة الفرنسية بقيادة الطبقة العاملة) ولقد ازدادت أهمية التناقض الثانوي حتى أصبح، لفترة ما، التناقض الرئيسي. ولهذا فأن المهمة الملقاة على عاتق الشيوعيين، حاليا، وهم طليعة الطبقة العاملة في الأمة، هي حل هذا التناقض برفع لواء الاستقلال القومي، الذي تدوسه البرجوازية المنحطة بارجلها، في جبهة قومية.
يتضح أن الحزب الثوري الذي لم يتسلح كفاية نظريا لا يمكنه أن يفهم الحركة المتبادلة بين التناقضات ويتنبأ بها. فيصبح عالة على الحوادث.

4 – المظهر الرئيسي والمظهر الثانوي للتناقض
لا تقوم دراسة الميزة الخاصة بالتناقضات في حركتها على التمييز بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية بل هي تؤدي أيضا إلى اظهار أهمية كل من المظهرين النسبية في كل تناقض.
ويحتوي كل تناقض بالضرورة على مظهرين يحدد تناقضهما التطور الذي ندرسه. ولا يجب أن نضع هذين المظهرين ـ أو هذين القطبين ـ في مستوى واحد. ولنمثل على ذلك بالتناقض أ ضد ب و ب ضد أ. إذا كانت أ و ب قوتين متساويتين دائما لم يحدث أي شيء إذ تتعادل القوتان إلى ما لا نهاية وتتوقف كل حركة. هناك دائما، إذن، قوة تتغلب على الأخرى ولو قليلا فينمو بذلك التناقض. نطلق اسم المظهر الرئيسي للتناقض على المظهر الذي يقوم بدور رئيسي، في وقت ما، أي أنه يحدد حركة الاضداد المتنازعة. والمظهر الثاني هو المظهر الثانوي.
ولما كان كل من التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي يمكنهما أن يغيرا مكانهما ـ فينتقل التناقض الثانوي ويحتل المكان الرئيسي ـ كذلك فان وضع المظهر الثانوي والمظهر المتبادل في تناقض ما متحرك فيتحول المظهر الرئيسي، في بعض الظروف، إلى مظهر ثانوي كما يتحول المظهر الثانوي إلى مظهر رئيسي.
فالماء الذي تحدثنا عنه في الدرس الرابع محل لتناقض بين قوة الجمع التي تنزع لجمع الجزيئات وقوة التفريق التي تنزع لابعادها. فالمظهر الرئيسي للتناقض، في حالة تجمد الماء، هو قوة الجمع، بينما المظهر الرئيسي في حالة تحول الماء إلى بخار هو قوة التفريق. أما حالة السيولة فهي حالة توازن غير مستقر بين القوتين.
ولقد كان مظهر التناقض الرئيسي، في فرنسا، في العهد القديم، بين الاقطاعية والرأسمالية هو مظهر "الإقطاعية". ولقد نمت البرجوازية الرأسمالية في نضالها ضد العلاقات القديمة للإنتاج بصورة جعلتها تفرض سيطرة علاقات جديدة رأسمالية. وهكذا أصبحت هذه العلاقات، بعد أن كانت مظهرا ثانويا؛ المظهر الرئيسي.
ملاحظة مهمة
رأينا أن التحول الكيفي يحدث (راجع الدرس الرابع) حين يتغير وضع كل من مظهري التناقض بصورة جذرية فيصبح المظهر الرئيسي ثانويا، ويصبح المظهر الثانوي رئيسيا، وكذلك تتفرق الوحدة القديمة ليحل محلها وحدة جديدة من الاضداد.
ولهذا فأن تحديد المظهر الرئيسي أساسي لأن هذا المظهر هو الذي يحدد حركة التناقض. والمظهر الرئيسي للتناقض الرئيسي. تلك هي النقطة الحساسة في التحليل الجدلي. ولا يعني هذا أن المظهر الثانوي لا فائدة منه. لأنه إذا نظرنا إلى النضال بين القديم والحديث لوجدنا الحديث، عند ظهوره، شديد الضعف، فهو ليس سوى المظهر الثانوي للتناقض. ولكن المستقبل له لأنه حديث؛ فسوف يصبح المظهر الرئيسي وسوف يؤدي انتصار إلى تغيير كيفي.
وإذا مادرسنا المادة التاريخية رأينا كيف أن الإنتاج يتطور على أساس تناقض رئيسي بين علاقات الإنتاج وميزة قوى الإنتاج، وكيف أن المظهر الرئيسي لهذا التناقض يكون تارة قوى الانتاج وتارة علاقات الإنتاج (راجع الدرس السادس عشر).
وهناك مثلا اخر:
يكون التطبيق الاجتماعي والنظرية الثورية وحدة من الأضداد يؤثر كل منها في الاخر. والمظهر الفعال، إذا نظرنا إلى العملية خلال فترة طويلة من الزمن، هو التطبيق: ولهذا لم تتكون الماركسية ولم تتقدم الا بفضل نضال البروليتاريا الموضوعي، ولكن يصبح، في فترة معينة، المظهر الثانوي رئيسيا ويصبح للنظرية قيمة خطيرة، وهكذا لو أن الحزب البولشفيكي عام 1917 لم يكن محقا في تقديره النظري للحالة الموضوعية لما استطاع أن يصدر الاوامر الخاصة بهذه الحالة؛ ولما استطاع تجنيد الجماهير وتنظيمها للقيام بهجومها المظهر، ولاصبح مستقبل الحركة الشيوعية في روسيا مزعزعا لمدة طويلة. ولهذا ليس المظهر النظري مهماً فقط بل هو يصبح المظهر الرئيسي في بعض الأحوال.
فنحن حين نقول مع لينين: "بأنه لا وجود للحركة الثورية بدون النظرية الثورية" يقوم كل من ابداع النظرية الثورية واشاعتها بالدور الرئيسي. وهكذا يصبح اعداد التوجيه والمنهج ووضع الخطط واصدار التعليمات لتنفيده شيئا أساسيا عند تنفيذ كل أمر، وتمس الضرورة إلى التوجيه والمنهج والخطط والتعليمات .
وهكذا يتفاعل العامل الموضوعي مع العامل الذاتي ولهذا وجب تقدير أهمية كل منهما النسبية في كل وقت.
فهل تقلل هذه النظريات من قيمة المادية؟ كلا. لأننا نجد عبر مجرى التطور التاريخي، أن المبدأ المادي يحدد المبدأ الروحي، والكائن الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي، كما نجد تأثير المبدأ الروحي على المبدأ المادي، وتأثير الوعي الاجتماعي على الكائن الاجتماعي .
ويلاحظ ماوتسي تونج أن ذلك يعني أفضلية المادية الجدلية على المادية الآلية (الميكانيكية) (الميتافيزيقية لأن العنصر الرئيسي فيها يظل رئيسيا كما يظل العنصر الثانوي ثانويا مهما تبدلت الظروف والاحوال).

5 – خلاصَة عَامّة عَن التَنَاقض
الجدلية هي دراسة التناقض في جوهر الأشياء نفسها .
ويلح لينين على أهمية هذا القانون الرابع العظيمة التي يعتبرها أسس الجدلية. ولهذا يصيب العجز عن فهم هذا القانون الاشتراكية في الصميم. وأشهر مثال على ذلك هو برودون. فلقد صنف ماركس، في "بيان الحزب الشيوعي" برودون ضمن الاشتراكية المحافظة أو البرجوازية.
إذ يسعى الاشتراكيون البرجوازيون لتأمين ظروف المجتمع الحديث بدون النضال من أجل ذلك وما يتبع ذلك النضال من أخطار لا مفر منها. فهم يريدون المجتمع الحالي من العناصر التي تبعث فيه الثورة وتؤدي إلى انحلاله، أي أنهم يريدون البرجوازية بدون البروليتاريا .
ويعتبر برودون وحدة الاضداد كوحدة بين الصالح والطالح. لهذا يريد أن يزيل الطالح ويحتفظ بالصالح، وهذا نكران للطابع الداخلي للتناقض: لأن التناقض بين البرجوازية والبروليتاريا هو الذي يكون المجتمع الرأسمالي، ولا يمكن للاستغلال الرأسمالي أن يزول الا بزوال هذا التناقض. ولهذا كان التوفيق بين مصالح طبقات متناقضة في الاساس ضربا من الوهم. ويعرف ماركس برودون بقوله: كان يريد التحليق، كرجل علم، فوق البرجوازيين والبروليتاريين؛ وهو بهذا ليس سوى ذاك البرجوازي الصغير الذي يتنازعه كل من رأس المال والعمل .
يؤدي هذا الجهل للجدلية ببرودون إلى النزعة الاصلاحية، وإلى إنكار العمل الثوري أي النضال الطبقي. ولهذا لا نعجب من كتابه للإمبراطور نابوليون الثالث (في رسالة 18 أيار 1850):
"دعوت إلى التوفيق بين الطبقات رمز التوفيق بين العقائد" أو أن يكتب في كراسة ملاحظاته عام1847:
"يجب أن أحاول التفاهم مع جريدة (Le Moniteur lndustriel) وهي صحيفة الأسياد، بينما تصبح جريدة "الشعب" صحيفة العمال: كما يصرح بعد انقلاب بادنجيه.
"لويس نابوليون هو، كعمّه، دكتاتور ثوري، مع هذا الفارق وهو أن القنصل الأول ختم الطور الأول للثورة، بينما يفتتح الرئيس الطور الثاني".
ويحاول الزعماء الاشتراكيون كبلوم (مؤلف على "المستوى الإنساني" وجول موش في "موازناته" التي تحدثنا عنها في درس سابق) أن يرقعوا مذهب برودون بحجة احترام "القوانين العامة للتوازن والاستقرار".
وبهذا يفسرون لنا استسلامهم أمام البرجوازية وتصرفهم على أنهم "المشرفون الأمناء على الرأسمالية" ويعني "نضالهم" المزعوم على "جبهتين" وتكوينهم "القوة الثالثة" في زعمهم، الاستسلام ووضع البروليتاريا تحت رحمة البرجوازية. ولهذا كانت الاشتراكية الديمقراطية تعني الانتهازية على طول الخط، فوجب على البروليتاريا محاربتها بدون هوادة إذا أرادت قهر عدوها الطبقي.
واشتراكية ماركس وانجلز ولينين وستالين العلمية هي وحدها الاشتراكية الثورية لأنها تقدم نضال الاضداد على كل شيء، وذلك لأنه قانون أساسي للواقع. ولهذا تحارب بدون شفقة "نقيض" البروليتاريا الثورية الا وهي البرجوازية الرجعية كما تحارب زعماء الاشتراكية الديمقراطية الذين يحاولون اخفاء التناقضات ليقضوا على البروليتاريا وهي في خضم المعركة.
ومثال المناضل الجدلي الذي يعرف أفضيلة نضال الأضداد المجددة هو، في فرنسا، موريس توريز. فلقد كتب في "ابن الشعب" يذكر فترة تعليمه كزعيم ثوري، يقول: "استقر في ذهني فكرة رئيسية لماركس وهي أن الحركة الجدلية تدفع بالثورة ونقيضها في نضال مستمر، فتجعل الثورة نقيضها يستميت في محاربتها، كما أن نقيض الثورة يدفع بالثورة إلى التقدم ويضطرها إلى تأليف حزب ثوري لها ".
ولا تعيننا الجدلية فقط على فهم التناقض الرئيسي الذي يكونه النضال الطبقي (نضال البروليتاريا ضد البرجوازية)، ذلك النضال الذي سيولد الاشتراكية، بل هي تمد البروليتاريا بالوسيلة التي تمكنها من التعرف على القوى الهائلة التي يمكنها الاستعانة بها في محاربة البرجوازية. ذلك لأن ازدياد سياسة البرجوازية الرجعية يثير معارضة طبقة الفلاحين الكادحة والطبقات الوسطى والمثقفين الخ..
كل هذه التناقضات تكشف عنها الجدلية على يد موريس توريز الماهرة وهو صاحب نظرية الجبهة الشعبية لمقاومة البرجوازية الرجعية والجبهة القديمة لاستغلال البلاد.
ولا تبدو جميع التناقضات لأول وهلة. ولهذا يتخطى الجدلي الظاهر إلى الحقيقة ولا يستسلم لللجوج الذي يعيق الحركة وهو يريد زيادة سرعتها. كذاك المستخدم الصغير الذي يعطي صوته لحزب ديغول (.F.R.P) ويقرأ جريدة "الفجر"، ويقتات من الشيوعية". هل هو رجعي؟ يعني مثل هذا القول أننا لا نسبر غور الحقيقة، لأنه إذا كان هذا المستخدم يصوت مع حزب ديغول ويقرأ "الفجر" فذلك لأنه غير راض ويعتقد أنه يجد في حزب ديغول و "الفجر" حلفاء له. يعكس مسلكه اذن بصورة ذاتية التناقضات الموضوعية التي ذهب ضحيتها. ويهتم المناضل الذي يسيطر على النظرية بأن يساعد هذا البرجوازي الصغير المستاء على النظر الصحيح في نفسه، وعلى إدراك التناقضات الموضوعية الكافية في الرأسمالية والتي ذهب ضحيتها فيدرك، حينئذ، أن حل هذه التناقضات لا يمكن أن يأتي الا بواسطة النضال الذي تقوم به البروليتاريا بالتحالف مع جميع العمال، وليس بواسطة حزب ديغول وجريدة "الفجر" اللذين يستميتان في الدفاع عن حرية كبار الرأسماليين بأسم "حرية الصغار".

ملاحظة
لا صلة للبحث عن التناقضات باختلاط الأفكار. إذ لا يجب أن نخلط بين كل شيء بحجة البحث عن وحدة الاضداد. ولهذا فالفكر الذي يناقض نفسه ليس فكرا جدليا. لماذا؟ لأن الفكر الجدلي يدرك التناقض، أما الفكر الذي يناقض نفسه فانه يذهب ضحية هذا التناقض لأنه فكر مشوش.
مثال: ردد بعض الرؤساء البرجوازيين والاشتراكيين الديمقراطيين خلال سنوات القول: "نرغب في المقاومة في الفيتنام وإقرار السلام، ولكننا لا نرغب في مفاوضة "هو شي منه" وهذا تفكير مناقض للجدلية لأنه يدير ظهره للواقع. وذلك لأن إقرار السلم يعني المفاوضة مع العدو، وعدو البرجوازية الاستعمارية في الفيتنام هو "هو شي منه" وليس غيره.
هذا التفكير إذن خاطيء. وإذا بحثنا عن سبب ذلك لوجدنا أن هذا التفكير خاطىء لأنه يكشف عن تناقض موضوعي يذهب ضحيته من يتحدثون على هذه الوتيرة: وهو التناقض بين مصالح المستعمرين، الذين يرغبون في استمرار الحرب، وبين مصالح الشعب الذي يريد السلم (وهذا ما يدفع الاستعماريين إلى الحديث عن السلم)
يمكن لتفكير خاطىء مشوش أن يعبر، إذن، عن واقع موضوعي جدلي. وهكذا ينتقل التحليل الجدلي من التفكير الخاطىء إلى الواقع الذي يخفيه أو يجهله.
تعريب شعبان بركات
المكتبة العصرية صيدا . بيروت



#جورج_بوليتزر_وجي_بيس_وموريس_كافين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السادس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الخامس
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الرابع
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثالث
- اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس الثاني
- اصول الفلسفة الماركسية


المزيد.....




- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- كلمة عمال وعاملات شركة سيكوم/سيكوميك بمناسبة اليوم العالمي ل ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ...دفاعا عن الجدل (الجزء الث ...
- صفارات الانذار تدوي في شمال فلسطين المحتلة وشمال تل أبيب وفي ...
- م.م.ن.ص // تأييد الحكم الابتدائي في حق المعتقلة السياسية سم ...
- تصاعد المواجهات بين الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان، ومق ...
- أكبر جامع في ألبانيا والبلقان.. شاهد: -نمازجاه- في تيرانا ما ...
- باكستان: مقتل أربعة من قوات الأمن بصدامات مع متظاهرين مؤيدين ...
- المستشار الألماني شولتز يقود الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ا ...
- مواجهات بين الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان، واستمرار إغ ...


المزيد.....

- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - جورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين - اصول الفلسفة الماركسية ..الدرس السابع