أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلام عبود - هل نرتقي بضربة حذاء؟!














المزيد.....

هل نرتقي بضربة حذاء؟!


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 10:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من بين مئات المقالات المؤيدة والمعارضة للحرب القندرية، اخترت المقال المسمى "هل نرتقي بضربة حذاء؟" موضوعا للمناقشة، لأسباب فنية وبحثية خالصة.
ليس لأنه أفضل أو أسوأ المقالات، وليس لأنه خُصّ بالاحترام الزائد من قبل موقع (الحوار المتمدن)، الذي وضعه في رأس موقعه، وليس لأنه الأبلغ أسلوبيا وخطابيا أو الأشنع، وإنما لأمر لا صلة له بمنتظر الزيدي أو ببوش، لكنه أمر له صلة بطبيعة التكوين العقلي لمن يكتبون ويقرؤون في مجتمعنا، بطبيعة الصلة بين العلم والثقافة والأخلاق والسياسية كمنظومة متحدة، منسجمة ومتكاملة، تشكل خصوصية التكوين الثقافي العام للمجتمع المعني، وتشير الى متانة أو الى ضحالة المنطق، الذي يبني عليه الحكّام ومريدوهم اقتناعاتهم السياسية وما يحيط بها من سلوك وبنى أخلاقية.
أهمية الموضوع عندي تكمن في أنه يحمل عنوانا جعلني أفكر مليّا، كجزء من وظيفتي كباحث في شؤون العنف الثقافي، في فحواه وجدواه ومرجعياته النفسية العقلية، وقادني الى اكتشاف أمر طريف يستهويني دائما لجدته، بصرف النظر عن ضآلته كقيمة علمية.
حينما نتساءل قائلين: هل نرتقي بضربة حذاء؟ يكون الجواب: نعم أو لا. وحينما ننظر الى ما يحدث جراء ضربة منتظر لبوش، نجد أن الحوار الحضاري الذي نقدمه للعالم يتمحور في هذه الناحية فقط: هل نرتقي بضربة حذاء؟
هنا ينحصر العقل الثقافي بين قندرتين: إحداهما مقذوفة والأخرى لم تزل موضوعة في القدم. وما علينا نحن معشرالمحشورين بين قندرتين سوى اختيار إحداهما كبرنامج ثقافي للسير في ركاب التقدم؛ وهذا حيز ثقافي وأخلاقي ضيق جدا وشاذ منطقيا، كما أظن، لا يمنحنا الحق في أن نكون بشرا أسوياء ومتحضرين على نحو كاف.
هذا التساؤل العجيب والفريد، يشبه الى حد كبير تساؤل طبيب يعالج مريضا بالكوليرا في مجتمع عمّ فيه الوباء وراح ناسه يتصارعون خوفا ورعبا. ينظر الطبيب الى مريضه المتألم ويقول له بحكمة العباقرة الشرفاء: هل ترتقي الأمم بالكوليرا يا غبي؟
مريض الكوليرا مثل ضارب الحذاء لا يبحث عن رقي، ولا يعرض برنامجا وطنيا للتمدن، ولا يضع أمام العالم خطة خمسيّة أو ثلاثيّة، ولا يعلن عن قيام عملية إعادة إعمار أو إعادة هدم وإرجاع مجتمع ما الى العصر الحجري. المريض هنا يصرخ لأنه لم يجد علاجا كافيا شافيا، ولا طبيبا عاقلا ذا ضمير حيّ يمنحه الأمان، وصاحب الحذاء مثله. لا الحذاء ولا الكوليرا لها علاقة بالتمدن، لأن الأمم تحصل على أمانها أو لا تحصل عليه، تحصل على قوتها أو لا تحصل عليه، تبني عماراتها أو لا تبنيها، تصون شرفها أو لا تصونه، بصرف النظر عن حذاء يقذف في وجه بوش أو صرخة مريض تُطلق في وجه مرض خبيث.
الإعلام السويدي الأكثر تحضرا وتقدما وعصرية وديموقراطية في العالم عرض رئيس وزراء السويد انغفار كارلسون برأس على هيئة حذاء، ولم تتحطم أخلاق المجتمع السويدي. هذا ليس دفاعا عن الأحذية، ولكنه دفاع عن العقل، دفاع عن الثوابت المعرفية للمجتمع، فلا يمكن لمجتمع ما أن يتقدم وكتابه يقيسون التقدم بصحة أو خطأ ضرب الأحذية.
يقول المقال: "اننا كعراقيين , أمامنا تحديات جمة, في عالم يسبقنا ويخلفنا وراءه, طريقنا نحو البناء عسير , نحتاج به ان نثبت فهمنا للحضارة من كل جوانبها, وأولها بناء الانسان الحضاري, فالحضارة ليست بنايات , واسمنت, وجسور وآليات تسير في الشوارع , إنما هي اخلاق, وروح, ومحبة, وفنون, وثقافة , وآداب وحوار"
ما لفت أنظاري في هذا المنطق الحواري الحضاري هو أن أغلب الذين كتبوا مدافعين عن قدسية الأحذية هم من الجماعة ذاتها التي وقعت في بيان ابريل 2004، الذي طالب الشعب العراقي بإعلان الحداد الرسمي على "الشهداء المدنيين الأبرياء" الأربعة، مرتزقة(بلاك ووتر) الدوليين الذين قتلوا في الفلوجة، البيان الذي وقعه مئة وأربعون مدافعا عن "شهداء الحرية" الذين "ضحوا بحياتهم" " في مواجهة البرابرة". وها هم مرة أخرى يعودون الى تقسيم العالم الى قسمين: القسم الطالح الذي يضم برابرة يرمون أحذيتهم في وجوه الناس، والقسم الصالح الذي يضم محررين متحضرين يتلقون الضربات اللاأخلاقية تلو الضربات من أوباش التخلف والقصور الأخلاقي. وجلّ هذه الجماعة ممن بصموا، هم من حلفاء وخدم البعث السابقين، الذين صحت ضمائرهم فجأة، فراحوا يدافعون عن شرف بوش في وجه حذاء رياضي مسالم، مصنوع من القماش والمطاط الخفيف.
ما أريده من هذا كله القول هو أننا لن نتقدم بضرب الأحذية، وسنختلف كثيرا - سياسيا طبعا- حول أخلقة وتأويل سر الضربة القندرية، لكننا نظل في النهاية أسرى لمنطق المحاججة التافهة، لمنطق يحصر التقدم بضرب وعدم ضرب الأحذية.
من دون شك سيغضب البعض لأنني لم أقدم رأيي الشخصي في المعضلة القندرية، ولم أجب بنعم أو لا عن السؤال الوجودي القائل: هل نرتقي بضربة حذاء؟
وها أنا أعترف أمام القارئ الكريم بأنني حقا لم أزل أقف موقفا خاليا من عنصر السلب والايجاب، موقفا يسمونه بالمقاومة الايجابية. وهو ليس حيادا، وليس موقفا وسطا كما يظن البعض، وإنما هو موقف مبدئي يفرق بين العقل والعواطف، بين قاتل شرير ومواطن غاضب، بين مصاب جريح وطبيب أحمق، بين من يبيع نفسه للشيطان ومن يصرخ عاليا بوجع يتجاوز حدود كل منطق، راميا سلاحه الوحيد والمفيد في وجه العالم كله: القندرة.
إنني أؤمن إيمانا قاطعا، لا تسويف فيه، بأننا لن نرتقي أبدا من طريق ضرب الأحذية، لكنني على يقين مطلق من أننا لن نرتقي أبدا من طريق ابتلاع القنادر.





#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعثيُّ الذكيُّ والعراقيُّ الغبيُّ! ( رسالة الى المثقف البع ...
- سيئات حميد مجيد الفاضلة
- رسالة شخصية الى نائبة عراقية: صفية الوفية!
- رسالة شخصية الى السيد هوشيار زيباري: العقل زينة
- جنايات علي الدباغ الجسيمة ( رسالة شخصية الى الناطق الرسمي با ...
- الكرد الفيلية: عراقيون رغم أنف العرقيين جميعا!
- البيان الشيوعي لمرحلة الاحتلال- الجزء الثالث
- البيان الشيوعي لمرحلة الاحتلال - الجزء الثاني
- موت الماركسية أو ورطة النصر.... الحلقة الأولى: موت الاشتراكي ...
- اللجنة الإعلامية للحزب الشيوعي العراقي تدعو الى محاكمة كاتب ...
- الشيوعي ما قبل الأخير (كامل شياع كما أراه)
- أسرار أزمة كركوك: المقدمات، الدوافع، النتائج
- المادة 24، الانتقال من التحاصص الدستوري الى سياسة كسر العظم
- الجوانب الخفيّة في الاتفاقيّة الأميركيّة العراقيّة
- من نوري السعيد الى نوري التعيس
- صولات الدم العراقية
- نقد المثقف الشيوعي.. فخري كريم نموذجاً.. الديموقراطيّة للاحت ...
- نقد المثقف الشيوعي.. فخري كريم نموذجاً.. تعبئة وتعميم الشر: ...
- نقد المثقف الشيوعي.. فخري كريم نموذجاً.. الشيوعية السحريّة أ ...
- نقد المثقف الشيوعي.. قيادة (طريق الشعب): فخري كريم نموذجاً.. ...


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلام عبود - هل نرتقي بضربة حذاء؟!