أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - ليلة أن هجمت قبائل التوتسي!














المزيد.....

ليلة أن هجمت قبائل التوتسي!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 10:43
المحور: الادب والفن
    



بعد أن هجمت قبائل التوتسي على قبائل الهوتو وبعد أن احتشد الموت في كل مكان ..في الساحات ..في الشوارع.. حتّى في تلك الأزقّة القذرة والمليئة بالباعة المتجولين وبالمارّة ، سارعنا نحن من تبقّى من الناجين إلى اللجوء إلى أحد رجال الماساي ومن ثم هاجرنا بعيدا إلى قبائل الزولو المعروفة ولكنني لم أستطع أن أنسَ تلك المقبرة الكبيرة التي كنت أزورها بين الحين والاخر ورغم أنها مقبرة اعتياديّة تماما وليس فيها نبتٌ كثير ولكنني كنت أفتقد تلك الزيارات فكم كنت أرى وأقرأ كتابات نادرة على شواهد بعض القبور ومنها ما هو حزينٌ جدا ولكن كان منها ما هو مثير للتندّر أو ما يثير العطف على سذاجة كاتبيها ومن الغرائب أنني كنتُ أسمع إلى جوار النحيب والنشيج المسموع في أحيانَ كثيرةٍ صوت كركرات خفيضة منبعثةٍ من بعيد وسط هدوء رائق وكثيف يُذكّرني بكركرات صبايا حدائق مدينة كمبرج اللواتي يلعبن كرة التنس في يوم جميل حينما كانت تحفّ بهنّ قوارب يدفعها فتيان بواسطة أعمدة طويلة جداً تشبه (المردي وهو يدفع البلم العشّاري!) كان منها يوما أن سمعت أحد زائرين اثنين يقول لصاحبه وهو يضحك بصوت مكتوم فيما هو يُشير إلى القبر قدامهما :أنه لم يكن يلجا لبيته نهاراً حتى يوم وفاته وتذكّرا كثيرا من النوادر والإبتسامات التي كان فقيدهما على ما يبدو يُكثر منها في حياته وفي كل لحظة يُقاطع أحدهم صاحبه ليذكّره بإحدى طرائف المرحوم فيضحكا بصوت خفيض ولكنه مسموع.
ولكنني قبل ليلةٍ واحدة من هجوم التوتسي على الهوتو رأيتُ فيما يرى النائم أنني وقفتُ على قبر أحدهم في تلك المقبرة وقرأتُ ما كُتبَ على شاهد قبره وكان كلاما طويلا عجيبا:
الفاتحة
هذا قبر المغفور له صاحب الجلالةالملك عبد الملك الأول المعظّم سيد الناس وامبراطور الأرض جميعا.
لقد كانت حياتي حقا وحدةً موحشة تماما ولم ألقَ فيها ما أستحقّ من إنصاف ولا يظنّن أحدٌ أنه ينتسب لي لا من خلفٍ ولا من السلف وليست لي صلة بأيّ مخلوق ، لقد كنتُ شاهدا على عصرٍ كله آلام وغبن ومشقّة ومآسي واُفقرتُ حدّ التجويع باضطرار قاسٍ واُهنتُ وتعرّضتُ للإذلال المتعمّد والقاهربلا مسوّغٍ أو سبب، ولا أريد أن يبكي علىّ أحدٌ لأنني لا أريد أن أكون مدينا لأحد بعد أن خبرتُ كذب الناس ونفاقهم وجحودهم وقسوتهم ، سنلتقي قريبا أمام الحكم العدل فلا يسألني أحدٌ عن تسامح أو يسألني شيئا من رحمةٍ أو عطف ،لأنني لم أعرف ذلك بينكم ، أيها الناس ! ،أنتم أعرفُ منّي ولا شكّ بما فعلتم وجنيتم.
إنني أعجب كثيرا منكم إذ لا تبكون ولا أنتم على أقلّ القليل تخجلون!
أنا بينكم الآن فاخشوا عواقب أعمالكم
إنكم تلاقون ما تلاقون الآن من قسوة الدنيا وحجود الناس وشظف العيش وضراوة الحروب وشدّة الغربة في الحياة وأنتم بين الأهل والأقارب وما هو إلاّ بسبب ما أظهرتموه لي عندما كنت بينكم وأنتم لا تعلمون من أنا ! وها أنا أُبعثُ بينكم مجددا في مكانٍ آخر وكخلقٍ آخر ولن تعثروا على سببٍ يدلّكم علىّ فاحذروني في كل ما تجدون أمامكم ؛ في الفقراء والمظلومين وفي الجماد والحيوان وفي كل عناصر الوجود ، والأصل عندي عدم الإعتداء !فليس عندي ما هو أبغضُ من العدوان، فإنني لن أعذركم بعد هذا ولن تتوفر لكم بعده هذا أية فرصة ،وقد أعذر من أنذر!
هذا هو الحقّ
وليس فيه شيءٌ من الكذب! ولا المبالغة.
وعندما صحوتُ من النوم على طبول التوتسي لم تكن لديّ أي فرصة للتأكّد من وجود هذا الشاهد حقّاً وصدقاً في تلك المقبرة من عدمه حيث سارعنا إلى الهروب إلى الهوتو ومن ثمّ بمساعدة رجل الماساي طويل القامة جداً إلى الزولو كما أسلفت ولم يعد لديّ بعد ذلك أحدٌ من التوتسي ولا الهوتو الناجين من يَصدقني القول أبداً ولم أعد أعرف هل أنه حقّا يوجد قبرٌ الآن هناك عليه مثل هذا الشاهد أم أنه مجرد حلم منتصف ليلة شتاء قارس؟
والحقيقة أنني لم أستطع أن أكف عن التفكير بهذا الشاهد أبداً.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوامش على مقال إنصاف مناطق الجنوب
- السوناتة النقديّة..!
- الصبر جميل!
- هل من فضائيّة متخصّصة في الموسيقى العالميّة!؟
- تخطيط حضري وإقليمي ! ..لا تخصيص مبالغ وتوقيع مشاريع!
- آفاق الإشتراكيّة
- فنطازيا الغش!
- عودةٌ إلى الواقع الحضري والإقليمي!
- مجرد المساس بقدسيّة قوانين السوق لا يعني الإشتراكية!
- ماهي مؤشرات ومعالم تلاشي شبح الحرب الأهليّة؟!
- هل أن شعوبنا لا تقرأ.. حقاً؟
- خصخصة Χ عمعمة
- تحسين الأداء من أهم دعائم النزاهة ومواجهة الفساد!
- ثقافة الفساد
- أضواء على جوانب من الواقع الحضري والإقليمي العراقي
- قطعة أرض وبضعة آلاف بلوكة!؟هل هذاهو حل أزمة السكن؟
- هل هي مقبرة للمواهب فعلا؟!
- فضاءُ جهنَّم..!
- نداء لمنع توزيع الأراضي لأغراض السكن!
- هل أن ثورة تموز أسّست فعلاً لظاهرة الإنقلابات؟


المزيد.....




- -المواسم الروسية- إلى ريو دي جانيرو
- تامر حسني.. -سوبرمان- خلال حفله في عيد الأضحى
- أديل بفستان لمصمم الزي العسكري الروسي
- في المغرب.. فنان يوثق بقايا استعمارية -منسية- بين الأراضي ال ...
- تركي آل الشيخ يعلن عن مفاجأة بين عمرو دياب ونانسي عجرم
- أدب النهايات العبري.. إسرائيل وهاجس الزوال العنيد
- -مصافحة وأحضان-.. تركي آل الشيخ يستقبل عمرو دياب في الرياض و ...
- -بيكاسو السعودية-..فنان يلفت الأنظار برسومات ذات طابع ثقافي ...
- كتبت الشاعرة العراقية (مسار الياسري) . : - حكايتُنا كأحزان ا ...
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم ((2))


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - ليلة أن هجمت قبائل التوتسي!