كل عام أنت بخير يا عيد

قاسم بركات

الحوار المتمدن-العدد: 2493 - 2008 / 12 / 12 - 05:54
المحور: الادب والفن
    

أبو صابر يصحو مبكرا .. أراد أن يغتسل .. صدته المياه الباردة .. اكتفي بالوضوء .. خرج لصلاة العيد علي عجل .. هربا من نظرات أطفاله .. انزوي علي عمود من أعمدة المسجد .. والخطيب في خطبته العصماء .. يحمل مفاتيح الجنة والنار ..تتدولب من بين شفتيه عباءة الصبر .. مط شفتيه وهز رأسه .. نعم .. نعم أحمل من الصبر اسمه .. أخرج يا أبا صابر ذاك الجسد الثقيل من بوابة المسجد الفسيحة .. فان التقت عينيك بيدي طفلك تمتد إليك تصفعك علي خدك الأيمن ادر الأيسر وقبلها .. ليس لك إلا ذاك يا أبا صابر فأنت أب غير صالح .. تثقلك الجيوب الفارغة وتستنفذ صبر السنون الطوال .. انتفضت أصابع قدميه بعصبية لتمتد إلي جسده المتحلل .. أراد أن يقفز من مكانه ليستبدل الخطيب .. ورأسه تميل يمنة ويسرة وحاله تقول أن كلماته سينصت الناس إليها ويستمعون .. مستثنيا أصحاب الياقات المنمقة .. آآآآه ماذا تفعل يا أبو صابر لا ترفع صوتك أنت في المسجد .. جلس متأدبا .. نعم لابد أن نتأدب في غمرة الأحداث .. ووهن الأقلام .. وضجيج الإعلام الفاسد .. وقعقعة أصوات الظلام تلوك وتبتلع جوف المدينة .. يتكرر مذاق العسل الملوث بإباحية الموت وانين الفقر .. حيث يمنع الصراخ لتجنب الإثم ولتطوي الطريق إلي الجنة.. امممم .. أنين الفقراء ينبت في وحي الظلام .. لا تسعفهم سرعة الوقت والكل نيام .. يعرفون أنه ليس بعكس النور عتمة الخيام .. امممم .. يطبطب علي فخديه مترنحا ولسانه يلتوي بين صدغيه .. لتمتط حروف فقراء تلهب فمه .. أنين الفقراء ينبت في ظل سماسرة الموت .. المتأدلجين في زمن منته الصلاحية .. ليحصدوا دفئ الشتاء ونسائم الصيف .. ويسرقوا خبز المعجونين بسنابل القمح .. تقتل نعالهم سنبلتي .. يشيدوا قصورا .. تتهدج وجنات أطفالهم احمرارا .. يدوسوا بتكرشهم ركام الموسومين اصفرارا من سوء التغذية .. أخذ يعبث بشاربيه وقد صمت أذنيه كلمات الخطيب كل عام وانتم بخير .. إيييييييييه .. كل عام وأنت بخير يا عيد .. كيف نحتال علي أطفالنا حين يستهلك حناجرهم الصياح .. كيف الولوج إلي البيت المسلوب الأحلام وإعداد إفطار الصباح .. كل عام وأنت بخير يا عيد .. رفع كفه وقد كتب في باطنها لا للجوع في ظل التخمة .. وصدي كلمات تتردد في جوفه أنا الصابر يا عيد .. أنا الثائر يا عيد .. ما بالك يا أبا صابر .. هل جننت .. لقد انتهي الخطيب من خطبته .. عليك أن تغادر الآن .. وتفتح باب المنزل علي مصراعيه .. وتبقي أحد أطفالك أمام المنزل .. كي لا تكلف ملقي الصدقة عناء دق الباب .. نعم ما أنا بثائر .. وما أنا بصابر .. ما أنا إلا بجسد يتحلل قبل ولوج المقابر .. نعم .. نعم أيها السادة .. هل قلت شيئا يؤلم مسامعكم .. سأعلم نفسي البلادة .. حتى لا أحلم ورأسي بين كفي أو علي وسادة .. نعم عذرا أيها السادة .. كل عام وأنتم بخير .. سأغادر مسرعا لأغتسل من وطأة مزراب الصرف الصحي .. واحكي لأطفالي أن زهد الدنيا أصل السعادة .. كل عام وأنتم بخير ... وكل عاااااام وأنت بخير يا عيد ...
وكل عام وانتم بألف خير جميعا ... تحياتي

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات