|
الشفافية و طرد مفتشي مكافحة الفساد في حكومة المالكي
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 03:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ سقوط النظام السابق في العراق و نحن نمر بعدة مراحل حكومية مختلفة الشكل و التركيب و التوجه احيانا و جميعها منبثقة من المحاصصة الطائفية العرقية الحزبية و من وآلاهم ، و لكن طبيعة عمل الحكومة كانت ثابتة بعض الشيء منذ حكم الادارة المدنية لبريمر و تدخلت في عمل الوزارات ما كانت تفرض الى حدما ان تحسب الحساب لها و هي المفتشية العامة و لجان النزاهة و تدخل الاعلام لكشف السلبيات في كثير من الاحوال ، و على الرغم من هذا فان الفساد تفشى بشكل صارخ و يعلم به القاصي و الداني و بجميع اشكاله . الجدير بالذكر هنا، ان الحكومات منذ بداياتها كانت الى درجة متواضعة تتسم بالشفافية التي فرضت من السلطة المدنية للتحالف ، الا انه في حكومة المالكي تغيرت الاوضاع و تاثرت العلنية بافكار الانغلاق و السيطرة المركزية الحزبية و حكم المستشارين من لون و شكل و طعم واحد ، و المعينين من قبل حزب المالكي و حلقته الضيقة ، و استولوا بشكل كبير حتى على صلاحيات الوزراء و تدخلوا في شؤون الوزارات و لم يتمشى او يمرر امر واحد من مجلس الوزراء الا بموافقتهم ، و حتى انهم يصرحون علنيا بما ليس من شانهم و صلاحياتهم في امور و هي من صلاحيات و خصوصيات الوزارات وحدها ، و حقا اصبحت حكومة المستشارين ، و هدفهم اعادة تركيز السلطات في المركز و التعامل فوقيا مع الحكم و الوضع بشكل عام ، و العودة الى المربع الاول من مراحل الديموقراطية و الشفافية سوى كانت باسم الفرد او الحزب الحاكم او القائد و يتشدقون بالتزاماتهم بالدستور و بنوده تضليلا ، و اخيرا وصلت الحال الى رفع صورة المالكي في المظاهرات العشائرية المؤيدة له و لحزبه بسبب هباته المالية السخية عن طريق مؤسسات عشائرية تضليلية على حساب عموم الشعب مما ينذر بانتشار الاساليب و السلوك المؤدية الى انبثاق الدكتاتورية اي كان نوعها فردية او حزبية او اثنية . و هذه هي بداية توفير الارضية لنشوء الروح و غرز الصفة الدكتاتورية في كيان المتنفذين، بحيث تصل الى حال لايمكن العودة عنها و هي تستقر في نفسية القائد كما يؤكدها التاريخ، و اخر ما توصلت اليه هذه الحكومة هو طرد مفتشي مكافحة الفساد سريا دون اعلان اي سبب، و هذا ما يجعل اي كان ان يشك في نوايا الحكومة نتيجة هذا الفعل و ربما لفسح المجال اكثر لتنفيذ ما ينوون و لتغيير ما ليس من مصلحتهم من المستشارين و استبدالهم بمستشاري الحزب الحاكم ليغلقوا به باب الشفافية نهائيا ، و ان اعلان اسباب ذلك العمل يمكن ان يكون ايجابيا لهم انفسهم للثقة بالحكومة نفسها. بعد ان توجهت الحكومة بشكل صريح نحو المركزية المفرطة و استغلال ما في صلاحيتها او خارجها من اجل اهداف حزبية مخفية و يمظاهر مغشوشة ، لابد من ان يوضع الحد اللازم لها لمنع تطور الحال الى ما لا يحمد عقباها ، و هذا ما يضر بالشعب قبل الاخرين ، و من الممكن ان يتعلم من يفكر بالنرجسية المعهودة لدى العراقيين في حكم البلاد ماهي الحدود المقبولة لاستغلال الحكم، ان العراق الجديد لن يسمح بالتفرد و المركزية الخانقة . و عليه يجب ان تكون هناك لجان مراقبة و مسائلة مهنية محايدة غير حزبية و من الخبراء الاكاديميين النزهاء الذي تقع عليهم المسؤولية التاريخية لضمان سير العراق نحو الاستقلالية و الديموقراطية و ضمان الحرية و العدالة الاجتماعية خطوة بخطوة ، و هناك من المستفيدين من الوضع الحالي و هم يجهدون على قدم و ساق لتقويض جهود مكافحة الفساد فعلا و يجب ان يوضع حد لهم . من المعلوم ان عمل الحكومة يشهد تخبطا واضحا منذ فترة و في كل مرحلة يُشاهد التصعيد في الانتقادات بين المشاركين و تلميحات للتغيير ، الا انه ربما البدائل الاكثر ملائمة غير متوفرة بحيث تكون موائمة لمصالح جميع المتحالفين في الحكم، و لذلك يرى اي مراقب ان التطور في العمل الاداري الحكومي لم يكن بالمستوى المطلوب ، و هذا نتيجة طبيعية لسيطرة الصراع السياسي و الحزبي الضيق على عمل الحكومة العراقية ، و كأنها حكومة مؤقتة تعتمد على ظروف اليوم دون استراتيجية معينة. ان ما نتاكد منه يوما بعد اخر هو انخفاض مستوى الشفافية في العمل الحكومي و هذا ما يدق ناقوس الخطر على الحكم المدني و التقدم و اتباع العلمانية و ضمان حقوق الانسان، و اتساع الخلافات الكبيرة بين المسيطرين على زمام الامور ، و ربما يكون المستقبل غير مضمون او مجهولة النهاية في العمل السياسي العراقي. و الواجب الوطني يفرض على المخلصين العمل على ايجاد الحلول و التقدم و عدم العودة عن المسار المتبع ولو جزئيا و الاصرار على التغيير نحو الافضل من الحكم التقدمي الحداثوي لضمان تطور المجتمع. و بعد اقرار اتفاقية انسحاب القوات الامريكية المزمع تطبيقها و التي تعتبرها امريكا اتفاقية اعادة ترتيب القوات الامريكية و ليس الانسحاب فعلا ، فان الصلاحيات حتما تزداد لدى الحكومة العراقية ، و هذا ما يمكن ان تُستغل بدلا ان تعتمد بشكل قانوني استنادا على متطلبات العصر و ما يفيد الشعب ،و يكون ضد مصالح الشعب و يتجه الحكم نحو المركزية المقيتة ، و هذا ما يعيدنا خطوات الى الوراء و ان ما يمكن ان نتاكد منه استنادا على ما موجود على الارض الان و ما يوحي اليه الحكم و يصدر من الحكومة من الاشارات التي تدل على التفرد ، و هذا الذي يخشاه الجميع بعد كل تلك التضحيات . و لسد الطريق امام هكذا افكار لابد من تعاون و جهود جميع المكونات و الفئات للحفاظ على ما انجز من الايجابيات و ان كانت قليلة نسبيا ، من الحرية في الراي و التعبير و مشاركة جميع الاطياف و التعددية . الا ان الارضية الثابتة و ما يتمتع به الشعب من المستوى الثقافي الاخلاقي مساعد جدا للعودة الى المربع الاول بل الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المترسخة من عهد ما قبل السقوط تساعد على اعادة الوضع الدكتاتوري و ان كان باشكال و انواع اخرى ، نظرا لما غرزته و نبتته الدكتاتورية خلال الخمس و الثلاثين عاما من حكمها و هو مجموعة من الصفات في كيان الافراد دون ان يحسوا و منها الانتهازية و المصلحية و التملق و الاعتماد على الوساطات و الرشى و الفساد في العمل و العقلية و الالتزام بالموالاة و عبادة الصنم ، و هذا يتطلب جهدا غير عاديا لازالته او محوه بمرور الايام من عقلية العراقيين و قادة اليوم ليسوا الا المترعرعين في كنف تلك الظروف الذاتية و الموضوعية.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحزٌم بعض المثقفين بحزام العفة المذهبية!!
-
هل الازمة المالية العالمية قوضت العولمة ام حاصرتها ؟
-
هل شخصت روسيا ما فكك الاتحاد السوفيتي لمعالجته او ازالته ؟
-
مهما طال الزمن سيتجه العالم نحوضمان العدالة الاجتماعية
-
هل تقرأ القوى السياسية العراقية استراتيجية امريكا و نظرتها ل
...
-
اليس حجب وسائل الاعلام التقدمية دليل على خوف و تخلف السلطات؟
-
ما هي اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة
...
-
ما اهم معطيات مواقف روسيا حيال القضية الكوردية في المنطقة؟ (
...
-
اي عراق تريده امريكا و اية سياسة امريكية يريدها العراق
-
جوهر الفلسفة اليسارية الحقيقية لا يتوافق مع الحرب و الارهاب
-
احساس بالمسؤولية تضمن نسبة جيدة من السعادة المشتركة للشعب
-
هل مستقبل و نوع الدولة العراقية معلوم لدينا ؟!
-
الايحاء بمجيء شبح الموت للسلطة العراقية عند استفحال كل ازمة
-
ماذا تجني الدولة الليبية من زيارة القذافي لمنطقة قوقاز
-
ادعاء وجود لامركزية دكتاتورية تبرير لتجسيد و ترسيخ المركزية
...
-
هل اوباما غورباتشوف امريكا القادم ام ...........؟
-
الواقع الاجتماعي المتخلف سبب لتفشي مايسمى بجرائم الشرف
-
الصمت الخانق للمثقفين المرتبطين بالقوى المحافظة في العراق اي
...
-
ضمان حرية الفرد نتاج النظام السياسي و الثقافي المترسخ في الب
...
-
نبحث عن اي نظام سياسي في العراق؟
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|