أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد صالح - الانسانية والحرية في المعاناة الشعرية














المزيد.....

الانسانية والحرية في المعاناة الشعرية


جهاد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2481 - 2008 / 11 / 30 - 09:23
المحور: الادب والفن
    


المثقف هو ابن بيئته، أرض وجذور، وهواء يشاطر الشمس والريح والأنجم في الضوء والظلمة، والشعراء هم مرايا الحياة بألوانها المختلفة، حين يتحول الشعر والقصيدة إلى حاضنة للألم الإنساني والفرح وكل اختلاجات النفس، وما يجري على الكون.
والشعر هو وظيفة ورسالة نبيلة ، قبل أن يكون مهنة ارتزاقية، وهو كرنفال لإنسانية تلتقط ظلال الخير والشر لدى آدم وحواء، ويأتي الشاعر والشاعرة بأقلامهما وتدخل النفس والأعماق في معبد الاحتراقات والإلوهية الشفافة ، لينتهي المشهد بولادة طفل جميل يتكلم بفرح صغير ،أو حبّ يحبو على خطى الربيع،أو يصّور لنا رائحة مذاق الخبز في موسيقى الجوع وبرد الشتاء. فالشعر هو الحرية في أن تقول وتفعل وتصرخ وتضيء العتمة في غابة الحياة المستباحة،وتعمل لأجل صناعة الأمن والخير والحب والفرح والإنسانية المقدسة.
لكن مؤلم حين نجد أن البعض دخل في حديقة الشعر ولبس ثياب القصائد، كغاية للوصول إلى ماديات، وحرق الإنسانية وحرية الشعر في بلاطات الجلادين، ومن يدفنون المثقفين والشعراء أحياء في زنازين وسجون، حين كتبوا يوما كلمة حرية في آرائهم وأشعارهم وحكاياتهم.
دمشق بكت شعرائها والشعر وثقافتها، حين اغبّرت جدرانها وبيوتها وياسمينها بأصوات الشعر تتلاقى مع صوت سياط الطغاة، على ظهر الكلمة والقصيدة والحرية والإنسان والوطن الجريح.
إن من يجد في نفسه شعورا بالشعر والقصيدة،عليه أن يكون أكثر من إنسان وأكثر من خيّر ، فلو فقدت هذه الميزة من جسد وروح الشاعر أو الشاعرة، لانتهى الشعر والقصيدة في أول الطريق،وتحول إلى مهنة تسول،ولعب بالكلمات، ومقايضة روح الشعر بالمادة.
في الشرق الأوسط تكاثر الكثيرون ليكونوا في ظلالهم قصائد ومعلقات تعلق على أبواب المستبدين،ويتجاهلون وهم في حضور الطاغية ،أن لهم زملاء كتّاب وشعراء في المعتقلات.
والمصيبة يروّجون مع صوت المستبد لثقافة مصطنعة ووجبات سريعة، لأجل أن يظهروا النظام البوليسي وقاهر المثقفين والشعوب والأوطان، بالنظام المثقف. فنجد عواصم تعيش الظلم وكبت الحريات والثقافة تتوج بأقلام هؤلاء ( عاصمة الثقافة).
في مسرحية (هاملت) لشكسبير نجد أن -هوراشيو- هو المثقف الواعي الذي يقف مع الشعب لكنه يعلو برأسه المفكر الذي قرأ التاريخ الإنساني وفهم حاضره السياسي، وامتلأ قلبه بالحب نحو البشر، وصدره بإدراك قوتهم وضعفهم، فأصبح مزيجا من الحكمة يلخصها، أو يرسمها، شكسبير في قول هاملت: «هوراشيو إنك لرجل شريف، لن ألتقي بمثيله.... أنت الذي اختارته نفسي منذ أن بدأت تميز بين الناس، لأنك كالذي عانى كل شيء فأصبح بذلك لا يعاني شيئا، يتلقى من الأقدار الخير والشر بامتنان واحد، وطوبى لهؤلاء الذين يتوازن عندهم العقل والعاطفة، فلا يصبحون مزمارا في يد الحظ يعزف عليه ما يشاء، أعطني هذا الرجل الذي يرفض أن يكون عبدا لأهوائه وسوف أضعه في قلب قلبي>.
ولكي نتعرف على وظيفة الشعر في الحياة والإنسانية ،من منطلق أن يستشعر الشاعر بمعاناة الآخرين من المضطهدين وحالمي الحرية والعدالة، نتوقف لدى بودلير عند قوله " أنه قدر عظيم، وقدر الشاعر ألا يلاحظ فحسب، بل يصحح كذلك ...أن يتجول في كل مكان رافضاً للظلم ".
لذلك كان شعر بودلير هو شعر الفقراء والمحرومين البائسين والمنهزمين وكما يذكر هو في قصيدة له:
" أفكرُ في الزنجية الهزيلة المسلولة
أفكرُ في كل مَن فقد ما لا يُستعاد
أفكرُ في اليتامى الضعاف الذابلين كالزهور
في البحارة المنسيين في جزيرة
في الأسرى في المنهزمين والآخرين.
هذا الشعور الإنساني الكبير الذي هو سراج يضيء الطريق أمام التائهين ومن يبحثون الخلاص، يرتقي بالشعر إلى مرتبة عليا تستحق الاحترام والدهشة.
تجسّد الهمّ الإنساني والانفعال بأحلام الناس والوطن والحرية والأرض والسماء، وكل ما يجري ويحدث، لدى شاعرنا الكبير محمود درويش في قصائده الجميلة.
قصيدته - عن انسان -، تسرد لنا هذه التضامنية الشعرية مع الهم والحلم الإنساني:
وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى
و قالوا : أنت قاتل
***
أخذوا طعامه و الملابس والبيارق
ورموه في زنزانة الموتى ،
وقالوا : أنت سارق
طردوه من كل المرافئ
أخذوا حبيبته الصغيرة ،
ثم قالوا : أنت لاجيء
***
يا دامي العينين و الكفين
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
و لا زرد السلاسل
نيرون مات ، ولم تمت روما
بعينيها تقاتل
وحبوب سنبلة تجف
ستملأ الوادي سنابل.
هذا هو الشاعر الإنسان الكبير بقلبه وشعره، الذي يصوغ بشعره وقصائده تموجات النفس البشرية،بأمانيها وأفراحها وأحزانها، لتكون الأشعار والقصائد مرايا الوجوه الكثيرة دون تمييز بين لون ودين ولغة. لأن كل الأجناس والأوطان هي في جغرافيا الشعر، الأكثر حرية في الحياة.والشعر هو منتهى الأحرار والثقافات الوطنية الصحيحة.



#جهاد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رعشة نار
- أوباما المحاور في الارض الساخنة
- معارضة بياقات بيضاء
- سوزان عليوان وانكسارات الحزن في طريق واحد
- رهانات وانتصارات من ورق
- دولة القانون
- فدوى الكيلاني...قصائد تعشق عبق النرجس الكردي
- الشاعرة اللبنانية: سامية السّلوم.. تتحرر من صمت الذاكرة إلى ...
- حينما أشعل إبراهيم يوسف قناديل الروح في كتاب الادّكارات
- الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية
- في اليوم العالمي للطفولة: أطفال سوريا .. ضياع واحتراق ومصير ...
- الحرية لرجال يصنعن الأوطان
- جمانة حداد ليليت المتمردة على قوانين الوجود والحياة
- مشاركة المراة في العملية السياسية ودورها في صناعة القرار
- حوار مع الشاعر إبراهيم اليوسف
- إبراهيم اليوسف رسول الكلمة الحرة ......الجريئة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد صالح - الانسانية والحرية في المعاناة الشعرية