شبح الفاشية يطوف سماء اوروبا

هداس لهب

الحوار المتمدن-العدد: 204 - 2002 / 7 / 29 - 02:42
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

 

البرجوازية تلجأ للفاشية فقط عندما تفقد القدرة على الضغط على الطبقة العاملة. اليمين المتطرف هو جيش الاحتياط الذي تخرجه البرجوازية من المستودع، عندما تهتز مصداقية نظامها وتفقد القدرة على اقناع الشعب بالوسائل الديمقراطية ان يتنازل عن مصالحه لاجل ضمان امتيازاتها هي.

 

هداس لهب

حدثان هامان هزا الساحة السياسية الاوروبية في ايار (مايو) الماضي. الاول، الانجاز المفاجئ في انتخابات الرئاسة الفرنسية التي وضعت مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبين في موقع القوة الثاني في فرنسا. الثاني، اغتيال القائد اليميني المتطرف الهولندي، بيم بورتاون. يمكننا ان نصف الرصاصة التي قتلت بورتاون والتي سبقت النجاح الباهر الذي حققه حزبه العنصري في الانتخابات، بانها الطلقة الاولى في سباق عشرات الاحزاب اليمينية المتطرفة المتصارعة على السلطة في اوروبا.

فشل العولمة، والازمة الاقتصادية العالمية التي عمقت الفجوات بين الطبقات، وهزت الاستقرار الاجتماعي الذي اتسمت به اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ملايين العاطلين عن العمل والفقراء يحتشدون في اطراف المدن الاوروبية الكبيرة، والاحزاب اليسارية التي اعلنت الافلاس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عجزت عن طرح البديل لهذه الازمة وتركت الساحة لليمين. على هذه التربة الخصبة ينمو اليمين المتطرف.

 

فرنسا

الانتخابات لرئاسة الجمهورية الفرنسية لقّنت درسا شديدا كل من قلل من خطورة الشبح الذي يهدد مستقبل اوروبا. محاولة انقاذ الوضع من خلال اعادة انتخاب الرئيس المعروف بفساده جاك شيراك، لا تبشر باستقرار في فرنسا بل بالعكس. الائتلاف اليساري الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق ليونل جوسبان، زعيم يسار الوسط، انهار وتراجع للمكان الثالث، بعد ان صوت 33% من منتخبي اليسار في الجولة الاولى لمرشحين منافسين.

في المكان الثاني تربع المرشح اليميني الفاشي لوبين وحزبه "الجبهة الوطنية". هذا المرتزق السابق الذي بدأ طريقه السياسي بذبح المواطنين الجزائريين اثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، تمكن من تحويل حزبه الى اهم احزاب اليمين الجديد في اوروبا. في خطابه الحماسي يجر لوبين وراءه ملايين الشباب والشرائح الفقيرة في فرنسا الذين وقعوا فريسة الوهم ان سبب معاناتهم وفقرهم والبطالة في بلادهم هم الاجانب، وان طرد هؤلاء سيضمن مستقبلهم.

 

كالنار في الهشيم

الموجة اليمينية المتطرفة بدأت في النمسا حين حصل في عام 2000 حزب "الحرية" بقيادة اليميني يورغ هايدر على 27% من الاصوات، وانضم للحكومة. ردا على ذلك قرر الاتحاد الاوروبي اعلان المقاطعة السياسية للحكومة النمساوية. لكن الخطاب العنصري القومي المغلق ضد الاجانب والشعوب الفقيرة تفشى في اوروبا كالنار في الهشيم، ما اشار الى ان القضية ليست ظاهرة محلية معزولة ومقصورة على النمسا. من الدول ال15 الاعضاء في الاتحاد الاوربي بقيت خمس دول فقط ترأس حكوماتها احزاب اشتراكية ديمقراطية. في سائر الدول تحكم حكومة يمينية تشمل في ائتلافاتها احزابا يمينية متطرفة بطريقة او باخرى.

ايطاليا التي كانت معقل اليسار الاوروبي تحكمها اليوم حكومة برئاسة سلفيو برلوسكوني وتضم في صفوفها "الحلف الوطني" و"العصبة الشمالية". قائد الحلف الوطني، فيني، الذي حذر الايطاليين من "هجوم المهاجرين"، يشغل منصب نائب الرئيس. قائد العصبة ذات الميول الفاشية، امبرتو بوسي، يشغل منصب وزير. في السنوات الاخيرة تمارس ايطاليا سياسة عنيفة ضد المهاجرين. ووصل عدد المهاجرين الذين طردوا من ايطاليا في السنوات الاربع الاخيرة ارتفع بثلاثة اضعاف او اكثر.

في كل اوروبا تبنت الحكومات سياسة صارمة ضد الاجانب. فسنت قوانين جديدة تحرم المهاجرين من المواطنة، وتمكّن الحكومة من طردهم بشكل فوري. الحصول على رخصة عمل اصبح مربوطا باجراءات معقدة وطويلة.

اقتراح المندوب السامي في بروكسل في ايار الاخير تشكيل قوة شرطة متعددة الجنسيات لحماية حدود اوروبا ومنع تسلل المهاجرين للاتحاد الاوروبي، يشير الى لجوء احزاب المركز التقليدية الى الخطاب العنصري الموجه ضد الاجانب لكسب دعم المنتخبين المحافظين وابقائهم تحت سيطرتهم. غير ان النتيجة تكون عادة تقوية الميول اليمينية ومنح الشرعية لاحزاب اليمين المتطرف التي تزيد من قوتها سنة بعد سنة.

 

من هو اليمين الجديد؟

في الخطاب اليميني الجديد يتم التركيز على الهجوم العنيف ضد المهاجرين العرب او المسلمين، غير ان اهدافه ابعد من ذلك، وهو يسعى الى بسط السيطرة على السلطة نفسها. رغم ان ظاهرة اليمين الجديد انتشرت في كل دول اوروبا، الا انها لم تحظ بالاهتمام اللازم. كالمريض بالسرطان الذي ينكر مرضه، كذلك الرأي العام الغربي يفضل تجاهل الخطر الذي يهدده. الصحافة البرجوازية تعتقد ان هذه الاحزاب ليست مربوطة تاريخيا بالنازية، ولا تستعمل بشكل علني المذهب الفاشي التقليدي.

الحقيقة ان الاحزاب اليمينية الجديدة لا تعلن معارضتها لمؤسسات الديمقراطية القائمة، ولا تعارض تعددية الاحزاب في البرلمان. الاحزاب الفاشية القديمة، مثل ميليشيات فرانكو في اسبانيا او مؤيدي الدكتاتور سلازار في البرتغال او النازيين الجدد في المانيا، اختفت تقريبا عن الساحة السياسية.

الكثيرون من منتخبي احزاب اليمين الجديد يأتون من الطبقات المسحوقة ومن ابناء الشبيبة، وليس ذلك بالصدفة. فقد اعتلت هذه الاحزاب الموجة ضد العولمة، واستغلت الشعور الشعبي السائد بان العولمة، او النظام الاقتصادي العالمي الامريكي، ادخلت اوروبا الى المزيد من المصائب. ويطالب هؤلاء الدولة بالتدخل في الاقتصاد وحماية المواطنين، من خلال ضمان المخصصات الاجتماعية، مثل الوظائف والسكن والتأهيل المهني للمواطنين الاصليين فقط.

معارضة اليمين المتطرف للعولمة الامريكية لم تأت بموجب اقتراح لبناء جهاز عالمي افضل واكثر مساواة، بل بالعكس. فهذه الاحزاب تريد استغلال الجهاز القائم من اجل مصالح قومية ضيقة. انها تعارض العولمة ليس لانها تستغل العالم الفقير، بل لانها تمسّ بالاطار القومي الضيق. "فرنسا فوق كل شيء" هو شعار لوبين الذي يدعو لفك ارتباط فرنسا بالاتحاد الاوروبي. وتعبر هذه الدعوة لحل الاتحاد الاوروبي عن طموحات شرائح واسعة في فرنسا.

يجب لفت الانتباه الى ان القومية الضيقة لدى اليمين الجديد لا ترى الدولة الاوروبية بحدودها الحالية. بعض احزاب اليمين، مثل حزب بوسي في ايطاليا، يسعى لتقسيم الدولة الى الشمال الغني والجنوب الفقير، وهذا بهدف واحد هو ضمان اكبر حصة ممكنة من الكعكة لاعضاء النخبة المتفوقة، من خلال اقصاء الآخرين من القوميات الاخرى ومن الطبقات الاجتماعية الاخرى في نفس الدولة عن الكعكة تماما.

 

الصنم يقوم على صانعه

الرأي العام الليبرالي يعترف اليوم بان غول العولمة قام على صانعه. رغم قوانين الهجرة الجديدة فان تدفق المهاجرين الى الدول الغنية في الغرب، لم يتوقف. حسب احصائيات "مؤسسة التعاون الاقتصادي" يصل الى الغرب سنويا مليونا مهاجر من آسيا وافريقيا وجنوب امريكا وشرق اوروبا.

خمسة مليارات من ابناء البشر يعيشون في دول فقيرة مقابل مليار واحد في الدول الغنية. الفجوة في الاجور تصل ارقاما خيالية، فالعامل الصيني مثلا يعيش من 60 دولارا للشهر. الهجرة الى الغرب تصبح الفرصة الوحيدة للتغيير، حتى اذا كان ثمن المحاولة غاليا جدا. قبل عامين اكتشف موظف جمارك بريطاني 58 جثة مهاجر صيني لقوا مصرعهم اختناقا داخل سيارة شحن اثناء محاولتهم دخول بريطانيا بشكل غير قانوني. الحدث زعزع الرأي العام البريطاني، لكنه لم يغير التوجه الى هؤلاء المهاجرين.

مفكرو العولمة روجوا للنظام الجديد، وادعوا ان العالم الفقير سيجني الارباح من البضائع الرخيصة التي سيبيعها للغرب. ولكن مواطني الدول المتطورة قلبوا الآية عندما نقلوا مصانعهم للعالم الثالث لانتاج البضائع الرخيصة، فضاعفوا بذلك استغلال الطبقة العاملة وحرموا العالم الفقير من الارباح.

ولا تجد هذه الدول سندا يوفر لها الحماية من الاستغلال. الاتحاد السوفييتي تحول الى مصطلح تاريخي، والدول الفقيرة نفسها تفتقر الى القيادة الثورية. الحركة العمالية ليست منظمة وتفتقد اصلا الوعي الطبقي النضالي. بعد الحرب العالمية الاولى واقامة الاتحاد السوفييتي كان على الفاشية ان تستعمل افظع اساليب القمع الوحشية للوصول الى السلطة.

ضعف البديل الثوري وفقدان اي عنصر يشكل تحديا للنظام الرأسمالي، مكّن اليمين الجديد من اللجوء الى اساليب اقل ضراوة، والظهور بمظهر خجول نوعا ما دون ان يحتاج لابراز انيابه، حتى الآن. لهذا فهو يظهر بزي معدل، وينأى بنفسه عن الشعارات الفاشية المكروهة في العالم. لكنه في جوهره يبقى نفس الغول الذي يهدد الانسانية بالحرب والدمار.

ان التاريخ يثبت ان البرجوازية تلجأ للفاشية فقط عندما تفقد القدرة على الضغط على الطبقة العاملة. اليمين المتطرف هو جيش الاحتياط الذي تخرجه البرجوازية من المستودع، عندما تهتز مصداقية نظامها وتفقد القدرة على اقناع الشعب بالوسائل الديمقراطية ان يتنازل عن مصالحه لاجل ضمان امتيازاتها هي.

اليمين الجديد يعبر عن طموحات الشرائح التي تحاول ضمان الجزء الاكبر من الكعكة لصالحها على حساب غيرها، لهذا يطالب اليمين بطرد "الاجانب". لهذا يدعو للانغلاق، ولهذا هو مستعد ان يلعب اللعبة البرلمانية ليكسب القوة السياسية. ولكنه، عندما يصل الى السلطة، لن يبخل في القيام باي شيء للحفاظ على مصالحه، ولو استدعى الامر تدمير العالم وتكرار تجربة الفاشية.

 

 

اسرائيل واليمين الجديد

اسرائيل تدين كل اعتداء عنصري على اليهود في اوروبا، لكنها تبدو متسامحة جدا في علاقتها مع اليمين الجديد. المقاطعة التي اعلنت ضد النمسا في اعقاب ضم يورغ هايدر وحزبه للائتلاف الحكومي، انتهت بعد سنة واحدة. الكثيرون في الجالية اليهودية في فرنسا صوتوا لحزب لوبين حسب المعادلة التي تقول: "هو ضد العرب اذن فهو مع اليهود".

ومن جانبهم، يدعم الكثير من القياديين اليمينيين المتطرفين دولة اسرائيل. قائد الحزب النرويجي "التقدم"، كارل هاجن، يشارك في لجنة برلمانية لدعم اسرائيل. القائد الايطالي الفاشي، فيني، شارك في مظاهرة عقدت اخيرا في روما تضامنا مع الاسرائيليين. في مظاهرة شبيهة في لندن شارك الكثير من انصار اليمين المتطرف. القائد الهولندي المغدور بيم بورتاون كان معروفا بتوجهه الحميم لاسرائيل.

 june 2002  -الصبار 153

#هداس_لهب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات