أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوشعيب دواح - بائع النظارات














المزيد.....


بائع النظارات


بوشعيب دواح

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 03:36
المحور: الادب والفن
    



بجانب الحانة، أمام بائع الجرائد، السجائر و المجلات، جلست كالعادة على الكرسي الإسمنتي لأغوص في بحر المقالات المكتوبة بالعربية و الفرنسية بحثا عن عوالم أرسمها لأعيشها من خلال أبواب القراءة،هروبا من عالم واقعي بجانبي غاصا بالسكارى ذات أعمدة فقرية مقوسة
و جماجم يتيمة الأسنان .قال أحدهم لي قبل أن يلج ثانية الحانة : "أنت تسكر بالشاي؟، رحمتك السماء". جلس بجانبي بائع النظارات، يعيد ترتيب سلعته بين أصابع يده اليسرى ، تاركا نظارة سوداء على عينيه و هي تعكس سواد واقعه المعيش. هو الذي ينتقل يوميا من أكبر حي هامشي بسلا إلى مركز العاصمة بحثا عن لقمة عيش عسيرة الهضم .قدمت له التحية ، ردها بأحسن منها، و أنا افارق عالمي المتخيل.
استطردت : كيف هو حال التجارة؟ فرد بائع النظارات : "كاسدة و الحمد لله. مع ذلك أنا أحبها".
ألم تدرسها؟ أجاب : "درستها بكلية الاقتصاد و لكن مع ضيق الحالة تخليت عنها و نزلت لأمارسها بشوارع العاصمة و لو أني أحلم أن أزاولها بعاصمة الأنوار أو الضباب".
قلت له : ما أتمناه لك هو أن يتحقق حلمك تغير به هذا الواقع الأسود. بتفاعل أجابني : "نعم أسود و يفوق سواد نظاراتي .يكفي ما أراه يتعرض له كل يوم الأطر العليا المعطلة حاملي الشهادات العليا على أيدي مختلف رجال الأمن بمختلف تلاوينهم من سب و شتم و ركل
و ضرب و رفس بأحذيتهم الثقيلة و عصيهم السوداء المختلفة الطول و التي تعكس واقعهم الآخر الأسود كذلك مخلفة كسور و اجهاضات و دماء مغدورة تسيل في أزقة و شوارع العاصمة أمام أعين الشعب الجاحظة و النائمة.المعطلون المناضلون الرافضون لهذا الواقع الوقح، التواقون لتغيير حالهم و حال هذا البلد حيث״ هذا حالك يا بلد حالة ماهي حالة الهجرة في القوارب و الأطر في العطالة״. طلبة مجازون يعرضون أنفسهم للانتحار حرقا كالشموع أو شنقا أو شربا للبنزين أو الماء القاطع و دواء الفئران دون الخوف على مصارينهم الخاوية دوما.الفئران الحقيقية النتنة هم أولئك الذين مصوا دماء هذا الشعب الذي أصبح كيسا مليئا بالثقوب. أيديهم ناقصة ، استحالو الى قطط سمينة ، يقتلون الميت و يمشون في جنازته ، يبكون بكاء التماسيح. ذات أفواه كبيرة و بطون واسعة تأكل كثيرا و تتكلم كثيرا كما قال المرحوم محمد زفزاف. لا هم لهم سوى أن تبقى الأمور كما هي عليها. مملوءة بطونهم
و محفوظة مصالحهم. يسخرون رجال الأمن للحفاظ على أمنهم يحسبون أن البلد تركة تركها لهم أجدادهم لوحدهم و أما باقي أفراد الشعب ومنهم الأطر العليا المعطلة المعتصمة عبارة عن حشرات جاز لهم أن تدوسها أحذية رجالهم و نسوا أنه ما ضاع حق وراءه طالب. باعوا كل مرافق الدولة الحيوية التي تحافظ على استمرارية الدولة".
قال بائع النظارات لي : "ربما أطلت عليك، لكن يبدو أنك تصغي لي جيدا. صدقني رأيت هذا كل يوم ، أطر عليا تتشرد و تقاوم الجوع ، التهميش و الحرمان، ملت الانتظار. صمدت في وجه رياح الزمن العاتية سنوات لكن لم تستسلم لمرض اليأس . نقرأ عنها كل يوم في الجرائد : اعتصامات ، حوارات أمنية فارغة ، تعهد بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية التي في حاجة إلى كفاءتهم... تنصل من الوعود، اقتراحات تمويهية تهم القطاع الخاص يفتقد للخصوصية و الميزة. قطاع خاص تتحكم فيه شركات أجنبية أخطبوطية... حافظت على مصالحها منذ الاستقلال الذي لا استقلال له.اعذرني إن تكلمت في السياسة ، لكن مالعمل حين تسود هنا مظاهر الذل ،القهر و العطالة....".
- من حقك أن تتكلم في السياسة ، الخوصصة ،العطالة...هذا ما أجبت به.
حمل بائع النظارات سلعته متوجها إلى مكان لا أعلمه بعدما علم البائع أنني في الحقيقة باحث عن شغل ، عاطل أنتمي إلى الأطر العليا المعطلة المعتصمة بالعاصمة و العصمة لله.
[email protected]



#بوشعيب_دواح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العطار الزيراوي
- أمير التسكع
- قصة قصيرة


المزيد.....




- أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
- بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
- -دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
- وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي ...
- الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته ...
- شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
- آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
- هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر ...
- شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
- لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوشعيب دواح - بائع النظارات