حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحن متورطون، بمقادير مختلفة، في السياسة، ولا منجاة للأدب والفن عموما، من أن يتورطا، هما أيضا، في ما نعده سياسة أو شأنا عاما.
وحتى في ما نحسبهُ نصا ذاتيا صرفا، أو تناولاً لقضية إنسانية ذات صلة بالقيم الكبرى، تحضر السياسة.
في "الملك لير" يُقرع شكسبير الاستخفاف بالسياسة، التي هي في احد أوجهها، عندما نتحدث عن التباسها بالمشاعر، إحساس بالمعاناة العامة، التي تصبح المعاناة الفردية في كثير من حالاتها تجليا شخصانيا لها.
يقول شكسبير: "تجرعي الدواء، أيتها العجرفة، تَعري لتشعري بما يشعر به البؤساء، علك تنفضين الفائضَ عنكِ لهؤلاء، وتظهرين السماء أكثر عدالة".
لكن ليس علينا أن نبحث عن "سياسية" الشعر، مثلاً، في الحدث السياسي، وإنما في التفاصيل المُرهفة ذات الصلة بهذا الحدث. وفي شعر محمود درويش العديد من القصائد التي يمكن أن نعدها "سياسية" لارتباطها بحدث سياسي فاجع مثل "أحمد الزعتر" أو "مديح الظل العالي" أو مرثياته لرفاقه من قادة وكوادر الثورة الفلسطينية الذين قُتلوا غيلةً، أو في قصيدته الموجعة عن استشهاد محمد الدرة.
لكننا سنندهش حين نشعر، ونحن نقرأ أو نسمع هذه القصائد، أننا إزاء شعر موغلٍ في رهافته وإنسانيته، بحيث انه يرتقي بالفاجعة إلى مصاف النشيد الإنساني الملحمي، الذي يُنسينا لوهلةٍ الحدث الذي منهُ انبثقت فكرة القصيدة، لأنه وهو يُدخله في ملكوت الخلود الإنساني والشعري، لا يفتعل إضفاء الصفة الأسطورية عليه، وإنما يحقق ذلك عبر مهابة الشعر في الدرجة الأولى.
شاعر شهير من البيرو اسمه سيزار فاليجو يقول في إحدى قصائده التي لم يضع لها عنواناً، والمنشورة ضمن مجموعته "قصائد إنسانية" يستخدم كلمة "سياسي" ليصف بها حالة الانفعال الفياضة، حين يقول: "لقد اجتاحني لبضعة أيامٍ شعور، فياض، سياسي، بالهيام وبالرغبة في تقبيل الرقة على وجهيها".
أحد النقاد رأى أن هذا النص يكاد يبرز معالم الموجة الأساسية العارمة من الحب المعطاء اللامعقول التي يتميز بها المزاج "السياسي الفياض" المشترك بين الناس جميعا من مختلف المشارب السياسية، فكل الناس يتمتعون بنفس القدر من العاطفة التي يتم اشتراكهم فيها عن طريق عهد أو ولاء عام، حين يغدو الحب طاقةً إنسانية طليقةً، لا يمكنها أن تقترن بالشرور.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟