|
الديك ..... والبيض .... ودائرة الاشتباه
محمد نديم علي
الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 06:34
المحور:
الادب والفن
( من يوميات ديك غير فصيح كنت وما زلت في دائرة الاشتباه ، فمنذ أن حملت بي أمي بعد بنتين ، أشتبه الجميع في اكتمال فترة الحمل ، وحين تعجلت وشققت قشرة البيضة ، لآتي قبل شهرين كاملين من موعد ولادتي ، اشتبه الجميع في بقائي حيا ، فتم التحفظ علي ، في صندوق زجاجي( تحت المراقبة).وحين بدا لهم أنني أتنفس ، وأن أعضائي تنتفض ، اشتبه الأطباء في قدرتي على تناول الطعام ، ناهيك عن هضمه ، فآثروا الإبر ليحقنوني بها بسوائل مغذية ، ولمًّا لم يروا تحت جلدي عِـرْقا باديا ولا شريانا بارزا ، كسروا الزجاجات الصغيرة وأفرغوا محتواها في فمي الصغير. ******************** كانت جدران الدار أمامي صفحات ناصعة النقاء ، جاهزة لتلقي ، لمسات وقبلات ريشتي النزقة ، فرسمت عليها ، فرسانا أشداء ، وأحلاما جميلة، وفراشات ، وصبايا شبه عاريات ، ونخلا كثيرا.وكانت باحة الدار ملعبي ، والدجاجات المفعمات باللحم والريش والبيض رفيقات لهوي البريء ، وأختاي أيضا ، كنت أسعد برؤية الديك يرفل في ريشه الزاهي الألوان ، متبخترا بينهن في كبرياء وقوة وثقة بالنفس. (كنت أستأثر بالحلوى ، ولذيذ البيض ، والعيدية السمينة ، والجلابيب الجديدة). ******************** ( كم كنت بارعا في رسم الديك بألوانه الزاهية ) مدحني الجميع بأنني رسام حاذق ، يشكل الألوان كيفما يشاء , فتكون لوحات تبعث على الانبهار ، وفي ذات الوقت اتهمت بأنني كالبيض ، رقيق الجسد ، سريع البكاء ، شفيف الهمس ، دقيق العظام ، اشتبه الجميع في قدرتي على الاستمرار .ولما كنت الذكر الأول في سلسلة أبي ،فقد أصر أن يعلمني كل شيء لأكون فارس الفرسان ، فلطمني كثيرا كي يعلمني كيف أسبح في عنفوان النهر الكبير. ولطمني أكثر، كي أكون أكثر صلابة ، ولطمني جدي في ذات الموضع ولنفس السبب ، وجدتي أيضا. أما معلمتي فقد استأثرت بكفي النحيلة ،كي تطحنها تحت دقات عصاها الغليظة الخشنة ، عقابا لي على تهمة عدم التعاون مع زملائي ، الذين أثاروا غضبي، بافتراسهم علبة ألواني الشمعية الجديدة ،في حصة الرسم. فنفشت ريشي في وجوههم ، وخربشت وجوههم بأظافري.( رغم ذلك استطعت أن أحافظ على عذرية صفحات الرسم أمامي.) ******************** كفاي تؤلماني ، وأنا أتدحرج فوق الدروب الصخرية ،على خيط رفيع حاد يفصل ما بين الأبيض والأسود. كانت الأسواق تبهر بصري ، وكان عطشي حادا ، كقشر البيض المتكسر في حلقي ، لكنني كنت أستجمع شيئا داخل نفسي ، أسميه شجاعة ، كي أحافظ على قشرتي الرقيقة ، وكنت ألجم رغبتي في احتساء ما لا أملك ، ألم يوصني الجميع بأن أكون فارس الفرسان ؟ لكن حرقة العطش تفاقمت ، فصرت أحد الأيتام على موائد اللئام .كنت أجاهد ، وأنا أتمايل فوق حد السيف الفاصل بين غيوم الظلال في علبة ألواني ، محاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ************** ( بحدتك في قول الرأي ... ستبقى هكذا تدور في حلقة مفرغة ، وستصبح العين عليك ، وأنت ( رقيق كالبيض ) لا قبل لك بهم ولا بألاعيبهم ،لا أحد يعترض على السيد الكبير، ما عليك سوى أن تدس في التقرير وتبرز ما يريد ،وأن تخفي وتمحو ما لا يريد ، كي لا تسمع ما لا تريد ، ولا تفتح على نفسك أبواب النار.) (لم تعد ألوان ريش الديك تطاوع ريشتي المرتعشة ، فصارت أقل إبهارا ، وزهوا. واختلطت مابين الرمادي وألوان كثيرة جدا غامضة ، كما لم تعد صفحة الرسم أمامي عذراء البياض) ************* ( تكاثر عدد الأفراخ التي كسرت قشرة بيضتها قبل الموعد ، وملأت باحة الدار ودروب البلدة وسفوح الجبال والوديان، ولم يبد للعيان بينهم ديك واحد واضح الملامح ،وصار الجميع ، سلفا وخلفا ، مشتبها به.) تهافتت جموع النخاسين، وأسراب البوم ، وأرباب الإثم والعدوان ، والغربان ، وسدنة الزيف ، و قطعان محترفي الضحك على الذقون، وحاصروا باحة داري العزيزة، فتدحرجتَُ بينهم ، وانكسرت، وتفتـَتََْ علبة ألواني الجديدة وسط الركام ، أما رسوماتي الجميلة، فقد فرت وهجرت الجدران. وصرت على أول قائمة المشتبه بهم من قبل السلطات العليا ،و أمام أفراخي ودجاجاتي، تم نـتف ريشي لدواعٍ أمنية. (أما الإشاعات التي كانت قد سرت في حينا ، فقد تأكـَّدت الآن، وصارت نبأ يقينا ،بأن ديك جارتنا قد باض ثلاث مرات خلال شهر واحد.)
#محمد_نديم_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شجيرة ونهير
-
انكسارات أمير جنوبي
-
وجه في الإطار - قصة قصيرة
-
قصة قصيرة (أشياء للبيع)
المزيد.....
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
-
شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا
...
-
منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية
...
-
ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك
...
-
حكاية امرأة عصفت بها الحياة
-
زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
-
أكتبُ إليكِ -قصيدة نثر-
-
تجنيد قهري
-
المنتدى الثقافي العربي ضيف الفنانة بان الحلي
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|