|
رحيل بوش .. فرْحةٌ في ذاتها
رابحة الزيرة
الحوار المتمدن-العدد: 2474 - 2008 / 11 / 23 - 08:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على دموعه المنهمرة ركّزت كاميرا الإعلام لتلخّص تاريخاً مديداً من معاناة وآلام مئات الملايين من السود المعذّبين، المضطهدين، المحرومين، والمكتوين بنار التمييز العنصري من ظلم، وفقر، وازدراء، وتهميش، فاخترقت نظراته البعيدة حجب الحاضر لترى مستقبلاً أكثر إشراقاً بعد أن تحقّق حلم دُفعت أرواح بريئة ودماء سخية ثمناً لتحقيقه، حين سُئل، جيسي جاكسون عن سبب بكائه في حشد يزيد على مائتي ألف من الناخبين بعدما علم أن باراك أوباما أصبح رئيساً لأمريكا قال: "كنت أعلم أن أناساً من قرى كينيا وهاييتي ومن قصور أوروبا وبيوتات الصين كانوا جميعاً يشاهدون هذا الشاب من الأصول الأفريقية مفترضين جميعاً أنه جاء ليُخرج هذه الأمة من هذا (المستنقع) إلى مكان أعلى، ثم فكّرتُ فيمن لم يكونوا هنا من الشهداء والمقتولين الذين دفعوا أرواحهم الغالية لكي يصبح هذا الحلم ممكناً ويقف هذا الشاب على تلك المنصة، كنت أتمنى أن يكون مارتن لوثر كينغ هنا ولو لثانية واحدة".
لو لم يكن لفوز أوباما من فائدة سوى أن نعود بذاكرتنا إلى الوراء لنتصفّح التاريخ فنقرأ جهود أصحاب الحقّ من السود الذين ناضلوا من أجل حقوقهم المشروعة من بطون الكتب لنأخذ منها العبرة لكفى، فما حدث صبيحة ذلك اليوم كان واقعاً لخّص حكمة بليغة لو أنفقنا أعمارنا كلّها لنقنع أنفسنا وأبناءنا بها لما استطعنا، ولكننا اليوم استطعنا أن نرى جميعاً بأمّ أعيننا أنه "ما ضاع حق وراءه مطالب"، لنستدعي كلمات قالها مارتن لوثر كينغ قبل خمس وأربعين عاماً في خطابه الشهير "لدي حلم" حين خاطب أبناء جلدته قائلاً:
"متمرّسون أنتم بالمعاناة، لكن لتستمروا بالعمل مؤمنين بأن المعاناة سبيل الانعتاق .. دعنا لا نسكن في وادي اليأس، برغم الصعوبات والإحباطات، ما زال لديّ حلم .. لديّ حلم أنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة لتعيش معنى عقيدتها الحقيقي: أن كل الرجال خُلقوا متساوين. لديّ حلم أنه في يوم من الأيام وعلى تلال جورجيا الحمراء سيكون أبناء العبيد وأبناء ملاّك العبيد السابقين قادرين على الجلوس معاً على مائدة إخاء .. لديّ حلم أنه في يوم من الأيام حتى ميسيسبي التي تتصبّب عرقاً من حرارة الظلم والاضطهاد ستتحوّل إلى واحة حرية وعدالة .. لديّ حلم أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون في يوم من الأيام في دولة لن تعاملهم بلون جلدتهم لكن بمكنونات شخصيتهم .. لديّ اليوم حلم أنه سيكون كل الناس معاً، هذا هو أملنا، هذا هو الإيمان الذي أعود به إلى الجنوب.. وبهذا الإيمان سنخرج من جبل اليأس نواة أمل .. وبهذا الإيمان سنحوّل التنافر في أمّتنا إلى سيمفونية أخوة جميلة، بهذا الإيمان سنعمل معاً، ونصلي معاً، ونقاتل معاً، ونذهب إلى السجن للدفاع عن الحرية معاً، مؤمنين بأننا سنكون أحراراً ذات يوم".
ولقد التقطت عدسات الإعلام صوراً تاريخية لهذا الحلم الذي تحقق ربما بأجمل مما كان يتصوّره صاحبه، فشاهدنا البيض والسود يعملون بإخلاص لإنجاح حملة أوباما الانتخابية قبلاً، ثم رأيناهم يتعانقون فرحين بفوز الرجل ذي الأصول الأفريقية، كان همّهم الوحيد التخلّص من لوثة بوش المتعجرّف وصلافته التي أوصلتهم للحضيض كما عبّر عن ذلك سائق القطار البسيط حين علّل مندهشاً من تلك الفرحة العارمة التي انتابت الشعب الأمريكي يوم فوز أوباما رغم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بلادهم بأنهم فرحون لأنهم سيخرجون من (المستنقع) الذي أوردهم فيه بوش بغروره، وبلغة السياسة فقد كان اختيار أوباما قراراً عقابياً على سياسات بوش.
وحدهم العنصريون الحاقدون، وأولئك الذين ستضرّر مصالحهم المادية من الأمريكان وغيرهم كانوا مستائين من فوز أوباما، ووحدها الحكومات المتخادنة مع إدارة بوش لم ترحّب بفوزه، وأمّا الشعوب فمعظمها كانت مع سقوط من يعتبر امتداداً لبوش، وليس بالضرورة أن كل من فرح لفوز أوباما أنه ساذج ينتظر أن تُحلّ مشاكله ومشاكل العالم برحيل رجل من البيت الأبيض ومجيء آخر إليه، فلا يخفى على أحد أن السياسات الأمريكية لا يسيّرها أشخاص وإنما أحزاب، وهي محكومة بقواعد وقوانين معقدة ليس من السهولة بمكان تجاوزها أو الالتفاف عليها، بل إنّ أوباما صرّح عن توجهاته المؤيدة لإسرائيل بكل وضوح في أكثر من مناسبة، ولو لم يفعل لما فاز بكرسي الرئاسة هذا، فهناك من فرح لفرحة هؤلاء المستضعفين المضطهدين على مدى قرون طويلة، بغض النظر على مدى واقعية توقعاتهم، فما الضير في أن تفرح لفرح غيرك وإن لم ينلك من فرحته نصيب، وليفرح من يفرح لأجل الإنسانية التي ارتاحت من توحّش بوش وكبريائه الذي جثم على أنفاس العالم ثماني سنوات متتاليات.
#رابحة_الزيرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التسامح والسلام ثقافة وممارسة
-
فتاوى نوادر لكن للنوادر!
-
في ذكرى استشهاد أبي اليتامى والمساكين
-
تنويم غير مغناطيسي لسرقة الجيوب
-
الارتقاء بمستوى الوعي
المزيد.....
-
جوائز غرامي الـ67.. قائمة بأبرز الفائزين
-
الشرع يغادر المملكة العربية السعودية.. ماذا دار في حديثه مع
...
-
تصعيد عسكري في جنين ومجموع القتلى بغزة يصل 61 ألفا ونتنياهو
...
-
مهرجان -بامبلونادا ريمنسي- يحاكي سباق الثيران الإسباني في لي
...
-
إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح
-
مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع المساعدة في الكشف عن م
...
-
القوات الروسية تواصل تقدمها وتكبّد قوات كييف خسائر فادحة
-
قادة الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع ستارمر وروته لبحث تحديات ال
...
-
بيسكوف: الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي
...
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل تعزيرا في مواطن بتهمة -تهريب المخ
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|