أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال سبتي - أبناءُ المطلق














المزيد.....

أبناءُ المطلق


كمال سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 2474 - 2008 / 11 / 23 - 09:07
المحور: الادب والفن
    



هل أسمّي أناساً في الثقافة العراقية أبناءَ المطلق ، أبناءَ منذورينَ للمطلق يعاركون الأنظمة والقوانين والحياة ويعاركون أنفسهم حتى ، من أجل أن يكونوا أبناءَ له حقاً في وهمه البعيد وفي واقعه القريب المؤذي ؟
فليس من السهل على جماعات غير منذورة لأمرٍ مّا (ليس غير المطلق) أن تكتب وترسم وتغني وتمثل وتدرس في الجامعات وتتعلم اللغات و..و.. وهي تهرب من بلادها في قصص مأساوية نادرة ، وتتنقل من منفى إلى منفى،في وقتِ نظامٍ توتاليتاري كان يحكم بلادها ويضرب الطوق تماماً على من بقي منها في البلاد،ويجد الأذن الصاغية عادة من دول شتى إن هو أراد أن يؤذي أحداً "عراقياً" فيها أو "يتسلم" أحداً منها ، هذا إن لم يشأ قتله ، فلديه القوة كان ، والمال الوفير قبل أن يتغير الحال بعد حرب الكويت عام 1991.
كنا لانستطيع أن نجهر بعراقيتنا خوفاً من آذان جواسيس الدكتاتورعراقيين وعرباً يدرسون ويعملون في أوروبا.
وحين وصلت بلغراد ، كان عليّ أن أبلغ مكتب الأمم المتحدة للاجئين بوجودي ، وقد كانت تقابله بالضبط ، في الشارع نفسه ، السفارة العراقية بكاميرات أبطالها وعيونهم الكثيرة.
للشارع رصيفان. واحد للأمم المتحدة والثاني للمخابرات العراقية !
تلك كانت نكتة ، وتلك كانت محنة الهاربين العراقيين الذين يصلون بلغراد بعد قصص رحلات مثيرة. كيف تدخل إلى مكتب الأمم المتحدة ؟ هل تحلق شاربك وتضع نظارتين ؟ هل تطيل اللحية وتضع نظارتين ؟ هل تغطي وجهك بمنشفة ؟..إلخ
فقد كان الناس يتناقلون قصصاً عن التعاون الأمني بين أنظمة أوروبا الشرقية والدكتاتور تخيف أيّ هارب شجاع.
وليس فينا من كان يستطيع مهاتفة أهله في العراق أو كتابة رسالة إليهم حتى.
وأمّا أحاديثنا في تلك المنافي فكانت كلها عن العراق والدكتاتور وعن المعيشة وعن انتظار الأوراق الشرعية للبقاء ، وقد لا تحصل عليها فتغادر إلى بلد لجوء كنتَ سمعتَ عن تخفيفه شروط إعطاء أوراق الإقامة.
وأما العمل ، فليس فينا من كان يعمل في مؤسساتٍ ثقافية عربية بلا قصص نهايات مفجعة.
كتبتُ في بريد عاجل للموتى :
بين أوراقٍ قديمة ، رأيتُ هذه الرسالة ، التي لم أرسلها وقتَها ، من فندق "تريم" ، في بلغراد ، والذي كانت الأمم المتحدة تستأجره لإيواء اللاجئين الهاربين من بلدانهم ، وقد كنتُ أحدهم، منذ صيف 1989 :
هذا رد ثانٍ . الكتابة هنا تشبه إستذكارَ الهُويَّة ، والإستدلال على ما أنتَ عليه.
أنزوي بأوراقي في زاوية بعيدة عن الضجيجِ اللغوي المختلفِ قاموسُه من آنٍ لآن.
من يعرفني من سَكَنَةِ الفندق ، يقول : كمال ، هناك يكتب بالعربية ، حلو.
أعيش هنا مع شعوبٍ شتى : شعوب اشتراكية هاربة من رومانيا وبلغاريا وهنغاريا وبولونيا وجيكوسلوفاكيا وروسيا وألبانيا ، وشعوب زنجية هاربة من أفريقيا ، وأخرى إسلامية وبوذيّة هاربة من آسيا..
أسرّتنا هنا كما قلت لك سابقاً ، مركبة سريراً فوق سرير. في فندقي الأول " آفالا " الجبليّ تَضاجَعَ مرةً فوقي شاب وشابة ، رومانيان، وكنت أهتز وحدي في السرير السفلي مع اهتزازهما. الآن ، في فندق تريم أنا من ينام في السرير العلوي ، بينما ينام في السرير السفلي شاب تركماني من كركوك. لا اهتزازات تُذكَر.
الهاربون أفواج لا تنتهي ، ولأجلِ كثرتهم يكون السرير الواحد مركباً من سريرين. الأمم المتحدة مسؤولة عن إطعامنا وتأمين المبيتِ لنا. وعلينا نحن أن ندبر أمر السجائر والكحول والمصاريف الأخرى. هناك غرف قليلة ، يكون فيها السرير سريراً واحداً :normal .
وعدتني الموظفة في مكتب الأمم المتحدة ، بالإنتقال إلى واحدة منها قريباً ، بسبب حجة القراءة.
هل انتهتْ محاولاتي للخروجِ من هذا المأزق ؟ لا أدري.
وعدني مكتب الأمم المتحدة بالرحيلِ إلى السويد. لكنهم لا يعرفونَ : متى ؟
مازلتُ حزيناً بسبب عودتي من قبرص ، ومتذمراً مما فعله الليبيون في مجلة "شهرزاد" معي. لقد خافوا على أنفسهم بسبب المقالات التي كُتِبتْ عن هروبي في الصحافة العربية.
لو أنهم أجلوا قرار فسخ عقدِ العمل أسبوعاً واحداً ، لحصلتُ على الإقامة في قبرص ، التي كانت ستمكنني من الحصول على تأشيرة الدخول إلى إنجلترا. أخبرتهم برجائي هذا.
قلت لهم : العقيد الليبي لا يقرأ مقالاتٍ تُكتَبُ عني ، فلماذا الخوف ؟
قالوا : إِنهما ، معمر وصدام ، الآن صديقان.
فغادرتُ قبرص.
أرسلُ رسائلي من هنا إلى العراق عن طريق صديق آخرَ في ألمانيا ، حتى لا يُعرَفَ مكاني هذا. وأمّا اِسمي فأقدمه للعربِ كل مرة مختلفاً عن المرة السابقة.
إنني أفكر الآن في إسبانيا.
إسبانيا صعبة. العمل فيها صعب والحصول على الأوراق فيها صعب هو الآخر ، وليس فيها أيّ ضمان اجتماعي للاجئين. لكنها إسبانيا.
هل أسافر قريباً ؟ لا أدري.
منذ أن هربتُ من العراق ، وأنا لا أتحسس الفرق بين ما كنت عليه وبين ما أنا عليه الآن. لست حراً تماماً. لا أستطيع أنْ أقرر شيئاً بحرية تامة ، بإستقلالية تامة. أحتاج الآخر دائماً ، وتلك لعمري عبودية.
لذلك ، سفري إلى إسبانيا يحتاج إلى "آخر" !
العربي كائن بخيل ، لا يساعد الآخَرَ في المحنة.
كنت أعلمتُ صديقة إسبانية ـ تعمل أستاذة في كلية الفلسفة والآداب بجامعة مدريد المستقلة ـ بالفكرة ، وقد بعثتْ لي دعوة من مجلس الكلية لإلقاءِ محاضرةٍ عن تجربتي الشعرية. ستسهل الدعوةُ حصولي على تأشيرة الدخول إلى إسبانيا.
على أيةِ حال : أفكرُ جِدياً في السفر إلى إسبانيا.
في الشعرِ ، أكتبُ " آخرُ المدن المقدّسة" ، إنني الآن في قسمها الأولِ بعد المفتتح. وفي القراءة أحصل على كتب قليلة من هنا ومن هناك. أقرأ أي كتاب يقع في يديّ. وفي الحب : عذاب.

شتاء 1990 بلغراد



#كمال_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأَنْقاض
- هذه القصائد ، من أجلِكَ أيُّها العزيز*..
- قصيدة المَغيب
- الماء
- بِلادي ..
- السياب ، صِلة قُربى..
- العربات
- في الأصلِ الشّعريّ...
- لم أهدأْ فعرَّفني الجبلُ تائباً..
- قصيدة اِبْنُ رُشْد ..
- -تخطيط أوليّ- لفصلٍ مّا من المذكرات
- قَواربُ المليكة
- مقالان في مهاجمة الحداثة
- كلمات في المهب
- كلمات في المهب / الكتابة الجديدة / 2
- كلمات في المهب : في الكتابة الجديدة
- الطريق إلى الحرب.. والإعلام العربيّ
- الاختلاف الحر
- لم أهدأْ فعرَّفني الجبلُ تائباً
- مصائرُ السّرد


المزيد.....




- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال سبتي - أبناءُ المطلق