|
مع الروائي العراقي مهدي عيسى الصقر في روايته: رياح شرقية رياح غربية
حسب الله يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 05:23
المحور:
الادب والفن
(ما عاد بمقدوري أن اصرخ في الدروب وأنا بهذا العمر،لذلك فانا اكتب)هذا ما يقوله الروائي العراقي:مهدي عيسى الصقرعلى غلاف أحدث رواية صدرت له في القاهرة بعنوان:(رياح شرقية- رياح غربية)،ومع علمنا ان الصقر يتقن الصراخ لا في شبابه ولا في شيخوخته،لا في بدايات قصصه ورواياته ولا حاضر ولا مستقبل عطائه الادبي..فهو انسان مطبوع على حس مرهف وطبع ساكن وكتابة ساخنة وليس من السهل جعلها تقترن بالصقر الانسان..فمهدي عيسى الصقر غيره في الكتابة..غيره تماما،ومن لايعرفه يجد في تلك الكتابة طبعا خشنا ووجودا مكابرا وروحا فاعلة.. وهذا ماتمنحه روايته الاخيرة لمتلقيه من جهة،وللكاتب نفسه من جهة أخرى.. ان الصقر نفسه يؤكد هذا،عندما يستبدل ما كان يريد أن يصرخ به.. بالكتابة..فهل كان الصقر يصرخ في(رياح شرقية رياح غربية)؟ ان من يخلص من قراءة هذه الرواية الضخمة(497)صفحة كبيرة يتبين على نحو لا يقبل اللبس ان هذا الروائي كان من التأني والترقب وطول النفس بحيث يستعصي عليه حتى ان يتحدث مثل الاخرين الا بلغة الهمس..و..علام الصراخ والصقر يمتلك موهبة وحرفية وابداع الكتابة الروائية على نحو متقن ومدرك تماما؟ ان الصقر يريد بصراخه هذا..ان يتمرد على بنى ساهم الاستعمار البريطاني على انشاء وجودها في العراق لسنوات طويلة للبقاء والاستيطان في هذا البلد. من هنا جاء صرخ الصقر وكتابته هذه التي يمكن أن نعدها على وفق هذا المعنى صراخ إحتجاج وتمرد ومواجهة..صراخا شجاعا لا يقبل بوجود قائم لمستعمر يهيمن على بلد حر يأبى أن يهان. ومع ان الزمن الروائي هنا زمن تاريخي،يتناول الفترة التي سبقت استقلال العراق،والظلال الثقيلة التي خيمت على العراق والعراقيين عندما كانت شركات النفط الاستعمارية تلعب دورا سلبيا في امتهان الناس واستغلال طاقاتهم ومحاولة افساد القيم التي ورثوها..الا أن هذا الزمن يمكن ان ينسحب على أزمنة لاحقة وبلدان اخرى تعاني من هيمنة المستعمر على خيرات ومقدرات الشعوب..الامر الذي يمكن لنا ان نشهد الظرف الصعب الذي مر عليه العراق في ظل الاستعمار البريطاني،نموذجا يحتذى في مواجهة الغضب الشعبي الرافض لأية هيمنة خارجية. ان العمل في الصحراء وفي بيئة يصعب ترويضها بحثا عن نفط..وفي وجود يشكل حضوره في مدينة البصرة،ومع قوم لايمت حضورهم بأية صلة مع الاخرين..هؤلاء الاخرين..الفقراء مالا..الاغنياء حد الاكتناز عشقا لثروات بلادهم وكرامة وجودهم في وطنهم..أوفياء لتقاليدهم وقيمهم ومبادئهم ووجودهم الانساني..بحيث يصل بهم الامر الى تفضيل الجوع والعذاب..وحتى الموت على أن يتم اقتلاعهم من ارضهم وأصالتهم ونبل قيمهم.. إن ابطال الصقر يفهمون جيدا:((ان الحرية مثل النار،بالقليل منها تطبخ طعامك وتدفيء بيتك،ولكن بالكثير منها تحرق بيتك)). بمعنى انهم لايريدون ان تتحول الحرية التي يحرصون على تحقيقها..حرية غير منظمة او فوضوية او محددة على وفق ارادة المستعمر،بل حرية تحقق السعادة والرخاء للبشر الذين يدركون أهميتها.. وصدور رواية مهدي عيسى الصقر،يشكل أهمية كبيرة في ايقاظ الحس الوطني،والتنبيه الى ماكان يفعله المستعمر في البلاد. ولعل الصقر عندما اختار عنوان روايته:(رياح شرقية – رياح غربية)كان يريد ان يقدم فعلا فيه الكثير من التضاد بين رياح شرقية تمد اصحابها بالحياة والوجود الاسمى،وبين رياح غربية هي على الضد تماما من الاخرين وقيمهم وتوجهاتهم الانسانية.. وكان الصقر يريد أن ينبه الى هذا التضاد وعدم امكانية ان تلتقي الرياح الشرقية مع الرياح الغربية..على عكس ما يقوله البعض ويسعون لتحقيقه. أما لغة السرد عند الصقر،فهي لغة سهلة واضحة واقعية..لاتحتمل التأويل بل تقوم على وجه واحد وعلى دقة ما تمتلكه من حس انساني رفيع المستوى.. بعدها احادي،يؤرخ لمرحلة تاريخية مر بها العراق،والروائي يستثمر هذا الامتداد التاريخي..حتى يجعلنا في حالة يقظة يجدر بنا الانتباه اليها جيداً ونحن نواجه عدواً اثما يسعى لأعادة عجلة التاريخ الوراء. ولعل اختيار القاصة العراقية بثينة الناصري نشر هذه الرواية ضمن مشروعها الثقافي الصميمي في القاهرة واعتمادها على جهد فردي وبمساعدة عدد من المعنيين بالكلمة بضمنهم الكاتبة المصرية:ماجدة حسين التي ساهمت في طبع هذه الرواية؛يجعلنا ندرك تماما ان الثقافة ما زالت بخير،وأن هناك من يدافع عن شرف الكلمة النقية،ويوليها قدرا من الاحترام..ويجعل من الثقافة..رسالة مسؤولة موقفا نبيلا يسير في هداه.
*رياح شرقية – رياح غربية/رواية:مهدي عيسى الصقر دار عشتار للنشر،القاهرة 1998.
#حسب_الله_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق..من يغلب من؟
-
ماريو فارغاس يوسا:(الحرية الموغلة)
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|