|
نظرية الديمقراطية المغربية -3-
بلكميمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2466 - 2008 / 11 / 15 - 03:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
واصل الراحل عبد السلام المؤذن من زنزانته بالسجن المركزي بالقنيطرة ، اجتهاداته في تحليل الواقع المغربي لاكتشاف قوانينه المحركة من اجل انارة النضال الديمقراطي ، وقد ساهم ايضا باجتهادات بالغة الاهمية على عدالة وتقدمية الكفاح المغربي من اجل استرجاع الاقاليم الصحراوية . المساهمة التي ننشرها بهذا المنبر هي من جريدة انوال 1988 والتي تناولت اهم قضايا النضال الشعبي المغربي ، وهي قضية الديمقراطية وتعرض فيها الى سبعة عناوين رئيسية 1- حقيقة المجتمع المدني المغربي . 2- حقيقة الدولة السياسية المغربية 3- جدلية الدولة والمجتمع . 4- الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة الواحدة .5- الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة الواحدة .6- تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة الواحدة .7- ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع . الحلقات الاولى تتناول العناوين الثلاثة الاولى . نشر الحوار المتمدن الحلقتين الاولى والثانية من هذه المساهمة « نظرية الديمقراطية المغربية» وفي الاعداد المقبلة من الحوار المتمدن هاهي الحلقة الثالثة عبر اجزاء وفقرات وهي الاخيرة .
6- تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة الواحدة . ان الديمقراطية الحالية هي ديمقراطية الطبقة الواحدة ، ولان هذه حقيقتها ، لذلك قامت اصلا على ترسانة ضخمة من القوانين المتنوعة ( ابتداءا من نظام التقطيعة للدائرة الانتخابية ، ومن السن القانوني للترشيح والتصويت ، ومن القوانين المنظمة للعملية الانتخابية ، الى نظام العمل داخل المؤسسة البرلمانية ).. وعلى الاجراءات الادارية السافرة ، بحيث يصبح في هذه الشروط ، من المستحيل على الطبقات الشعبية ايصال ممثليها الحقيقيين الى البرلمان ، وجعل منهم اغلبية برلمانية تمكنهم من تشكيل حكومة خاصة بهم. بعبارة ان الديمقراطية الحالية هي ديمقراطية الوجود القانوني للحركة التقدمية ، وليست ديمقراطية الوصول القانوني الى الحكم من طرف تلك الحركة . ان الخلط بين الوجود القانوني للاحزاب التقدمية ، والوصول القانوني الى الحكم من طرفها ، هو الذي سمح لدى البعض بظهور مفهوم « المسلسل الديمقراطي » الخاطئ . ان هذا المفهوم يعتقد بامكانية التطور نحو الديمقراطية الحقيقية ، بواسطة التوسيع الكمي لمجالات الديمقراطية الحالية .. اذ حسب زعمه ان عملية الديمقراطية قد انطلقت ، والمطلوب هو الدفع بها الى شكلها الارقى . وهذا وهم ، لان الشكل الديمقراطي الحالي ، هو الشكل الارقى والنهائي المتكامل ، الممكن موضوعيا على قاعدة دولة كل طبقات المجتمع . من هنا نصل الى جوهر القضية . ذلك ان التناقض بين الطرح الشعبي والطرح البورجوازي للمسالة الديمقراطية ، ليس فحسب تناقضا في التصورات السياسية ، بل وايضا واساسا تناقض في المواقع الطبقية . فلنفرض جدلا ان البورجوازية التبعية ، قد قبلت بكل شروط الديمقراطية الحقيقية ماذا سيحدث حينئذ ؟ . ستتمكن احزاب المعارضة الوطنية ، من تجاوز خلافاتها الحقيقية والغير حقيقية . وستتوحد حول برنامج وطني ديمقراطي مناقض لبرنامج البورجوازية التبعية . وستدخل حملة الانتخابات في جبهة موحدة تلغي كل نزعة تنافسية حزبية ، وستفوز بالاغلبية البرلمانية . وستشكل حكومة خاصة بها ، ثم اخيرا ستشرع في تطبيق برنامجها الوطني الديمقراطي بالكامل . لكن تطبيق هذا البرنامج ، يعني القضاء على التبعية ، وبالتالي على البورجوازية التبعية نفسها . من هنا يمكن ان نفهم لماذا البورجوازية التبعية ، تحارب بشراسة اية محاولة تريد الذهاب بالديمقراطية ابعد من شكلها الحالي . واذن فان الموقع التبعي للبورجوازية المغربية ، هو العرقلة الحاسمة للتطور نحو الديمقراطية الحقيقية . ولذلك لايمكن الحديث بشكل جدي عن الديمقراطية ، بدون توفر شروط تجاوز تلك العرقلة . لكن الحال ، وهذه نقطة حاسمة يجب الانتباه اليها ، هو ان المجتمع نفسه قد خلق موضوعيا شروطا تجاوز التبعية . ونحن اذا تاملنا المسالة بعمق ، فسوف نكتشف بان شعار الاختيار الديمقراطي الراديكالي ، الذي تبنته احزاب تقدمية ، لم ينبع بشكل مجرد من ادمغة مناضلين مجتهدين بالدرجة الاولى . بل هو ترجمة صادقة عكست مستوى تطور المجتمع المدني ، الذي اصبحت الديمقراطية بالنسبة اليه ، في هذه اللحظة التاريخية المحددة ، حاجة ضرورية موضوعيا . بعبارة اخرى .. اننا لم نتوصل الى الوعي بضرورة الديمقراطية ، الا بعد ان تولى الواقع الموضوعي نفسه ايجاد شروط تحقيقها . فالبشرية ، كما قال ماركس بشكل مادي جدا ، لاتستطيع ان تطرح على نفسها سوى القضايا التي تقدر على حلها . ان تجريد شعار الديمقراطية عن شروطه الاجتماعية التاريخية الملموسة ، قد ادى بالعديد من المناضلين والمثقفين ، الى السقوط في اخطاء مثالية . اذ بالنسبة لهؤلاء فان قضية الديمقراطية ليست قضية خاصة بالواقع المغربي الحالي ، ولدتها شروط تطوره الموضوعي الملموسة ، بل هي قضية عامة كانت تستجيب الى الواقع المغربي السابق ايضا . وفقط .. اننا « وعيناها الان ولم نعها سابقا » . وحينما نطرح السؤال : لماذا الوعي بها الان وليس امس ؟ . الجواب الله اعلم . ان هذا الطرح ليس سوى اسقاطات مجردة مثالية لحاجة حقيقية خاصة بالوضع الحالي ، على الوضع السابق المختلف ، وفي الحقيقة ان شروط الديمقراطية كانت منعدمة في الشروط السابقة . فحتى لو فرضنا ان الاتجاه الراديكالي هو الذي انتصر على الاتجاه الاصلاحي ، فان ذلك لن يقود الى الديمقراطية كما نفهمها اليوم . وليس مرد هذا الى غياب الوعي بها ، وانما الى ضرورة الصراع الطبقي في شكله السابق . فكما ان البورجوازية الاصلاحية الصاعدة ، كانت بحاجة الى دولة مركزية استبدادية لقمع منافسيها الراديكاليين . كذلك فان البورجوازية الراديكالية الصاعدة ، ستكون بالضرورة بحاجة الى دولة مركزية استبدادية لقمع منافسيها الاصلاحيين ، في الوضع السابق لم يكن هناك خيار ثالث . ان لم تقمعهم قمعوك . مع ذلك يبقى هناك فرق جوهري بين القمع الاصلاحي والقمع الراديكالي . فالاول هو قمع لصالح الاقلية ، بينما الثاني لصالح الاغلبية.
عود على بدء . لماذا المجتمع المدني المغربي الحالي ، لم يكتف فحسب بجعل القضية الديمقراطية قضية راهنة من ناحية الوعي النظري بها ، بل وايضا لقد خلق في الوقت نفسه شروط تحقيقها السياسي ؟ . هذا مانريد تحليله في الفقرة التالية : ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع .
7- ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
لايمكن فهم واقع الراسمالية المغربية فهما علميا ، بدون التمييز بين لحظتين تاريخيتين مختلفتين نوعيا في سياق التطور ، لحظة بداية الصعود الراسمالي المغربي ، واللحظة الراهنة . ان مايميز اللحظة الاولى هو التالي : كان النظام الراسمالي المغربي ، الخارج للتو من احشاء الراسمالية الكولونيالية ، مايزال وقتئذ ضعيفا ومحدودا ، لان النظام الماقبل راسمالي ، بنمطيه الاقطاعي والانتاج الصغير، كان لايزال يتمتع بقوة الانتشار . اما مايميز اللحظة الراهنة فهو التالي : تعميم النظام الراسمالي ، وتهميش بقايا النظام الماقبل راسمالي المتمثل في الانتاج الفلاحي الصغير . في اللحظة السابقة كان النظام الراسمالي المغربي البدائي يعبر عن نفسه ويعكس واقعه التاريخي ، في الشكل التبعي للراسمال الامبريالي ، ولذلك كان النظام الراسمالي المغربي نظاما تبعيا . اما في اللحظة الراهنة ماذا حدث ؟ لكي نتمثل ذلك بشكل ملموس ، يستحسن ان نستعين بالمثال التالي : لناخذ راس رجل كثيف الشعر ، ولنبدا في ازالة شعرة تلو الاخرى بشكل متواصل . وفي لحظة محددة من توالي العملية ، سنلاحظ فجاة ظهور صلعة محل الشعر . معنى هذا ان تحول الراس ، من حالة نوعية ( كثافة الشعر ) الى حالة نوعية اخرى نقيضة ( الصلعة) ، قد تم فقط ، بفعل عملية تدريجية كمية صرفة ، فالكم تحول الى كيف . ان هذا هو بالضبط ماحدث بالنسبة للراسمالية المغربية . في اللحظة البدائية ، كان النظام الراسمالي المغربي نظاما تبعيا . وهذا النظام التبعي ، انطلق في صيرورة من التطور التدريجي الكمي الصرف .ثم في لحظة معينة من التطور والانتشار والتعميم ، تحول فجاة الى نقيضه ، أي الى نظام راسمالي وطني ، نتيجة التعميم الحاصل داخل المجتمع المغربي . لكن المفارقة ، وهذه نقطة حاسمة يجب الانتباه اليها ، هي انه رغم ان النظام الراسمال المغربي ، قد تحول من نظام تبعي الى نظام وطني الا انه لازال مع ذلك مستمرا في التعبير عن نفسه ، وعكس واقعه الجديد في الشكل التبعي القديم ، الذي ان كان فعلا ينسجم مع واقع الراسمالية المغربية في شكلها البدائي ، الاانه لم يعد كذلك بالنسبة الى شكلها المتطور الحالي . من هنا هذا التناقض : انعدام التطابق ، بين نظام راسمالي مغربي اصبح طابعه طابعا وطنيا معمما ، وبين تعبيره الخارجي الذي احتفظ على شكله التبعي القديم . ان هذا التناقض هو سبب الازمة الاقتصادية - الاجتماعية العميقة التي تنخر المجتمع المغربي ، وفي الوقت نفسه هو سبب الافق المسدود امام الانتقال بالديمقراطية المغربية الى شكلها الارقى .
واذن كيف يمكن حل هذا التناقض ؟
واذا نحن اردنا صياغة هذا السؤال صياغة طبقية ، فيمكن القول بان التناقض المذكور هو مابين : البورجوازية المغربية المرتبطة بالشكل الراسمالي التبعي . وبين الجماهير الشعبية التي لن تحقق مصالحها الملحة ، الا عن طريق القضاء على التبعية وتحرير الاقتصاد الوطني . اننا اذن امام تناقض بين مصلحتين متعارضتين : مصلحة البورجوازية ومصلحة الطبقات الشعبية . وفي الحقيقة اذا نحن بذلنا جهدا نظريا ، وحاولنا فهم ذلك التناقض بشكل ملموس انطلاقا من سياقه التاريخي الخاص نفسه ، وليس انطلاقا من بتره من ذلك السياق والنظر اليه بطريقة تاملية مجردة ، فاننا بالتاكيد سنتوصل الى طرح الاشكالية طرحا جدليا ، وستتوصل في نفس الوقت الى تحديد الحل الجدلي العلمي الملائم . على هذا الاساس تصبح الاشكالية الحقيقية هي التالية : كيف يمكن تحقيق مصلحة الطبقات الشعبية بدون ان يؤدي ذلك في نفس الوقت الى القضاء على مصلحة البورجوازية المغربية ؟ .. او بعبارة الجدل : كيف يمكن توحيد الضدين ؟ ان الحل النظري الوحيد الممكن عمليا لتلك الاشكالية هو التالي : القضاء التام على التبعية لتحرير الاقتصاد الوطني .. أي الانتقال بالراسمالية المغربية من شكلها التبعي الى شكلها التحرري الوطني . ان الخلط بين الراسمالية المغربية وبين شكلها ، هو الذي قاد الكثير من الاقتصاديين والمناضلين ، الى السقوط في هذا الخطا النظري ، الذي يعتقد بان القضاء على التبعية يعني القضاء على الراسمالية السائدة في حد ذاتها ، وفي الحقيقة ان التبعية ليست سوى الشكل الذي تتقمصه الراسمالية المغربية في لحظة تاريخية معينة وبالتالي ليس هو شكلها الاوحد .فالراسمالية المغربية يمكن لها ان تتقمص شكل راسمالية الدولة التبعية ( كما حدث في اللحظة التاريخية التي اعقبت المرحلة الكولونيالية ). ويمكنها ان تتطور ، أي ان تتقمص شكل طبقة راسمالية قائمة الذات ( وهذا ما نشاهده اليوم من خلال تفكيك القطاع العام لصالح الراسمال الخاص ). ثم يمكن للراسمالية التبعية نفسها بشقيها معا ، الراسمال العام والخاص ، ان تتحول الى النقيض ، أي الى راسمالية وطنية متحررة من التبعية . وهذا بالضبط هو جوهر التناقض الذي يمزق حاليا المجتمع المغربي . اذ كما سبق الذكر ، ففي الوقت الذي اصبح فيه طابع النظام الراسمالي المغربي طابعا وطنيا تعميميا ، ظل مع ذلك يعبر عن نفسه ظاهريا في الشكل التبعي القديم ، و من هنا التناقض بين الشكل والجوهر ، ومن هنا ايضا الحاجة الى ضرورة احداث التطابق بين الاثنين عبر الانتقال بالراسمالية المغربية من شكلها التبعي القديم ، الى شكلها الوطني التحرري الجديد . مااردنا التاكيد عليه مما سبق ، هو ان مسالة تحقيق مصالح الطبقات الشعبية بالكامل ( وليس بطريقة انتقائية ) لا يشترط تصفية الطبقة البورجوازية المغربية كطبقة في حد ذاتها ، بل تصفية شكلها التبعي ، أي تحوله الى نقيضه الوطني التحرري . وفي الحقيقة ان جميع التناقضات الواقعية ، لا الوهمية ، يتم حلها جدليا بتلك الطريقة . أي ليس عن طريق التجاوز المطلق وانما عن طريق التجاوز النسبي الذي يتضمن عنصر المحافظة . ولتوضيح تلك الفكرة البالغة الاهمية ، يتعين علينا الوقوف قليلا عند الامثلة التالية المقبلة .
مثال اول : في بداية ظهور الراسمالية الاوربية ، كان استغلال الراسمال لقوة العمل يتجسد في شكل فائض القيمة المطلق . وهذا يعني تمديد ساعات العمل ، الى اقصى حد يمكن ان يتحمله البشر . وفعلا وفي تلك الظروف ، كان يوم العمل ، سواء بالنسبة للرجال او النساء او الاطفال ، يتكون من 18 ساعة فما فوق . ثم في لحظة تاريخية لاحقة ، اخذ حجم الطبقة العاملة ينمو، ووعيها يكبر ، ومقاومتها تشتد . الامر الذي مكنها من رفع مطلب : تخفيض يوم العمل الى 12 ساعة . اننا اذن امام تناقض حاد ، من جهة ، ان مصلحة الراسمال تقتضي تمديد يوم العمل الى حد يفوق طاقة الاحتمال ، ومن جهة ثانية ، ان مصلحة العمال تقتضي تخفيضه الى حد مقبول . كيف يمكن حل هذا التناقض الملموس بشكل ملموس ، لابشكل مجرد عن شروط سياقه التاريخية الواقعية ؟ . الحل الجدلي الوحيد الممكن علميا هو التالي : الاستجابة التامة لمطلب العمال ( يوم عمل 12 ساعة ) ، وفي نفس الوقت الحفاظ الكامل على مصلحة الراسمال . لكن هذا الحل مستحيل بدون تحويل فائض القيمة ، من شكل فائض القيمة المطلق الى نقيضه ، أي الى شكل فائض القيمة النسبي . واذن فان فائض القيمة النسبي ، القائم على تطوير الانتاجية ( انتاج اكثر في وقت اقل ) ، قد ضمن الاطار لتوحيد مصلحتي الراسمال والعمل المتناقضين . مثال ثان : عندما ظهر لاول مرة في التاريخ البشري ، التبادل التجاري ، كان ذلك يتم على النحو التالي : تبادل بضاعة باخرى ، ومعنى هذا ، ان هناك بضاعتين تلعبان دورين متعارضين : هناك البضاعة التي يراد بيعها ، وهناك في الطرف المقابل البضاعة الثانية التي تمثل قيمة الاولى . في لحظة لاحقة من تطور التبادل البضائعي وتوسع دائرته ، لم تعد بضاعة واحدة تمثل قيمة البضاعة التي يراد بيعها ، بل اصبح ذلك الدور تقوم به بضائع شتى ، أي ان البضاعة الخاضعة للبيع يمكن ان تعبر عن قيمتها التبادلية ، في اشكال متعددة ومتنوعة من البضائع . لكن التعبير عن قيمة بضاعة ما ، في اشكال متعددة من البضائع ، يحمل في طياته تناقضا حادا : فاذا كان فعلا لتلك البضاعة القدرة المبدئية على التعبير عن قيمتها التبادلية ، في عدد كبير من البضائع ، الاانه من الناحية العملية في لحظة التبادل المباشر ، لايتم التعبير عن القيمة الا في بضاعة واحدة ، حيث يتم بالتالي اقصاء كل البضائع الاخرى . ان التناقض اذن هو التالي : من جهة ، ان البضاعة تعبر عن قيمتها التبادلية في عدد كثير من البضائع . ومن جهة ثانية فانها لاتعبر عنها الا في بضاعة واحدة . كيف يمكن حل هذا التناقض الملموس ، بشكل ملموس ؟ الحل الوحيد الممكن جدليا ، هو الذي يستطيع توحيد الضدين . لكن ذلك مستحيلا بدون تحويل القيمة ، من شكل بضاعة عينية ملموسة ، الى شكلها النقيض المجرد . وهذا الشكل المجرد ، ليس شيئا اخر غير العملة النقدية . في العملة النقدية يتحقق فعلا ، الجمع بين البضاعة الواحدة والعدد الكثير من البضائع . وما قلناه في المثالين السابقين ، يمكن قوله في العديد من الامثلة الاخرى .لان الوجود كله مليء بالتناقضات الجدلية . فلنعد اذن الى بورجوازيتنا المغربية . ان التناقض الذي ينخر المجتمع المغربي هو ، كما سبق الذكر ، التالي : في اللحظة البدائية من صعود البورجوازية المغربية ، كان الشكل الراسمالي الذي عبرت من خلاله عن مصالحها الطبقية ، هو الشكل التبعي . ثم في لحظة لاحقة من التطور التاريخي ، بعد تعميم النظام الراسمالي ، وتحويل المجتمع الماقبل المدني الى مجتمع مدني حديث ، ودمج كل الطبقات الاجتماعية فيه .. في هذه اللحظة بالذات ، بلغ الاستغلال الراسمالي اوجه ، مما انعكس في العديد من الامراض الاجتماعية ، ابرزها ظاهرة البطالة التي ضربت كالزلزال جيوشا كاملة من المواطنين . واذن يمكن اعادة صياغة التناقض المذكور ، بشكل مكثف ، على النحو التالي : من جهة ، لايمكن للبورجوازية المغربية الحفاظ على مصالحها الا على اساس الاستغلال الراسمالي . ومن جهة ثانية ، لايمكن للطبقات الشعبية تحقيق مصالحها الا على اساس القضاء على الاستغلال الراسمالي . هذا تناقض واقعي ملموس ، ولذلك لايمكن حله الا بشكل واقعي ملموس ايضا . والحل الوحيد الممكن عمليا هو التالي : التحقيق الكامل لمصالح الطبقات الشعبية ، وفي نفس الوقت الحفاظ التام على مصالح البورجوازية المغربية . وهذا يفتضي تحويل الاستغلال الراسمالي ، من شكله التبعي الى شكله النقيض ، أي الى استغلال راسمالي وطني مؤسس على تحرير الاقتصاد الوطني من الراسمال الامبريالي . الخلاصة : ان مرحلة الراسمالية الوطنية ، الخارجة من احشاء مرحلة الراسمالية التبعية ، والتي ستلعب في البورجوازية المغربية الحالية دورا رئيسيا ، هي مرحلة ضرورية تاريخيا من اجل التاهب للقفز نحو النظام الاشتراكي الارقى . اما القول باستحالتها كمرحلة مستقلة ، قائمة الذات ، منفصلة عن المرحلة التبعية السابقة عنها ، وعن المرحلة الاشتراكية اللاحقة لها .. فتلك خرافة لاعلاقة لها لابحركة التاريخ ولا بحركة الصراع الطبقي ، ولا بعلم الجدل . نصل الان الى مناقشة المسالة من جوانب اخرى .
قلنا بان النظام الراسمالي المغربي ، الذي كان في مرحلة صعود البورجوازية نظاما تبعيا ، قد اصبح في المرحلة الحالية ، بحكم تعميمه على المجتمع المدني ، نظاما وطنيا وقلنا ان هذا الوضع المستجد قد خلق تناقضا بين الجوهر الوطني الجديد ، وبين استمرار الشكل التبعي القديم ، وقلنا ايضا بان حل التناقض المذكور ، يتطلب احداث التطابق المنشود بين الجوهر والشكل ، عبر الانتقال من الراسمالية التبعية الى الراسمالية الوطنية ، ثم قلنا اخيرا بان الراسمالية الوطنية المتحررة بين الراسمال الامبريالي ستضمن مصالح البورجوازية المغربية ولن تلغيها . اذا كان كل هذا صحيحا ، فلماذا تفضل البورجوازية المغربية الهروب الى الامام ، عن طريق المزيد من تعميق اندماجها بالراسمال الامبريالي ، رغم ان هذا الطريق اصبج يضر بمصالحها الطبقية نفسها ؟ هناك سببان رئيسيان . الاول : فكما ان الرجل الذي يحب امراة حبا قويا ، لايستطيع التمييز بين الحب والمراة المحبوبة ، وحيث تصبح المراة هي الحب ذاته ، وليست تجسيدا له في شخصها ، وبالتالي فان غيابها يعني بالنسبة اليه ، فناء الحب ونهاية العالم . كذلك فان البورجوازية المغربية المتعلقة بحب التبعية الى حد الجنون ، لاتستطيع من تلقاء نفسها ان تتصور ، بان الراسمالية يمكن ان تتجسد في شكل اخر غير شكل التبعية ، من هنا فان غياب التبعية يعني بالنسبة اليها ، فناء الراسمالية في حد ذاتها ، ونهاية العالم .
الثاني : ضعف احزاب المعارضة التقدمية ، الناجم اساسا عن تشتتها . فالبرجوازية المغربية لايمكنها تغيير مواقفها عن طريق الاقناع السياسي ، بل فقط عن طريق الضغط الكثيف المستند الى صراع طبقي طويل ومرير ، قادر على تعبئة كتلة شعبية ضخمة في معمعانه . تبقى مسالة حاسمة : بم نبدأ ؟ هل بحل المسالة السياسية ( تحقيق الديمقراطية الحقيقية ) ، ام بحل المسالة الاقتصادية – الاجتماعية ؟ . رغم ان حل الثانية هو شرط ضروري نحو الحل النهائي للاولى ، الا انه مع ذلك لايمكن حل المسالة الاقتصادية نفسها الا بواسطة حل المسالة السياسية ، فالبداية تنطلق من السياسي لا من الاقتصادي . لماذا ؟ .. لان البورجوازية لكي تحافظ على التبعية ، تلجا الى السلاح السياسي : منع الاحزاب التقدمية ، بوسائل شرعية وغير شرعية ، من الفوز في الانتخابات ، والحصول على الاغلبية البرلمانية ، وتشكيل حكومة خاصة ، وتطبيق البرنامج الوطني التحرري . من هنا فان منطق الصراع يحتم على القوى التقدمية ، استعمال نفس السلاح السياسي ، لكن في الاتجاه النقيض أي فرض احترام القانون وتطوره ، والقبول بالانتخابات النزيهة ، من اجل تشكيل حكومة التحرر الوطني . هذا هو السبب الذي يجعل الصراع يحتدم حول قضية الديمقراطية ، وفي ميدان المعركة من اجل الديمقراطية ، سيتحدد مستقبل المغرب في العقود المقبلة .
#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرية الديمقراطية المغربية : دولة كل طبقات المجتمع - تتمة -
-
نظرية الديمقراطية المغربية: ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية :ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
-
نظرية الديمقراطية المغربية : تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية: تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية -2-
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية :الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ال
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة
...
-
فكر وحوار : نظرية الديمقراطية المغربية
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية - 3-
-
جدلية الدولة والمجتمع . تابع
-
3جدلية الدولة والمجتمع .
-
حقيقة الدولة السياسية المغربية .
-
نظرية الديمقراطية المغربية : حقيقة المجتمع المدني المغربي -
...
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-
-
نظرية الديمقراطية المغربية حقيقة المجتمع المدني المغربي
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|