في منطقة المزارع الدكتاتورية تسود الافراح، في بلاد العداء لحرية الرأي، ينتصر المعادون للتطور والنور، ايران تعود الى الخلف.. المؤسسة الايرانية الحاكمة تشد البلاد الى الخلف. هذا بالضبط يسر الانظمة العربية، لأنها خشيت وتخشى من تطور حياة دمقراطية في دولة شرق أوسطية، وان كانت غير عربية.وكنا نأمل ان تكون الثورة الايرانية، ثورة اجتماعية، سياسية اقتصادية علمية.. والى الامام.. لكنها.. اصبحت ثورة على كل داعٍ للتطور والانفتاح على العالم.
ايران، شئنا أم أبينا، تؤثر فينا وعلينا، وتأثيرها الاجتماعي والسياسي والديني على الشعوب العربية، يفوق تأثير الدول العربية قاطبة.. ولهذا فإن انتخابات ايران، اعادت الامل لكل المتزمتين.. وسدّت الامل بوجه كل من انتظر فرجًا من ايران..
عادت ايران لتكون دولة شرق أوسطية، تحكمها المخابرات والشرطة و"حراس الثورة" ورأس النظام الذي لا يوجّه اليه الانتقاد، والحاكم بشرعية "ولاية الفقيه".
ما الفرق بين ايران وأية دولة عربية دكتاتورية؟ في ايران "ولاية الفقيه" وعند العرب الملك/ الرئيس/ الامير.. في ايران يعتقلون نواب البرلمان والصحفيين والمثقفين.. بالضبط كما في سوريا.. في ايران يشطبون الفين وخمس مئة مرشح من حقهم أن يرشحوا انفسهم.. مع انهم يستوفون كل الشروط.. ومن بين المشطوبين، رئيس مجلس الشورى.. وفي مصر يشطبون ايضًا على مهل ولا ينقصهم الابداع لاختراع الاسباب.
في ايران اغلقوا عشرات الصحف.. بينما يصعب ان تجد صحيفة عربية اغلقها النظام.. لان الصحافة العربية مدجّنة تمامًا في مواطنها، تعرف حدودها، وتبقى بعيدة عن الخطوط الحمراء.
ويميز ايران ان نصف اصحاب حق الاقتراع مارسوا حقهم.. بينما عند العرب، لا يفوّت احد الفرصة.. ويتشابه الجميع بجلب الفقر والكبت لجميع الناخبين..
والتجربة الايرانية التي مضى عليها قرابة ربع قرن.. لا تبعث اي امل، وقد تكون عامل احباط، لان النظام الايراني الحالي، لم يولد في قصر او بقرار جمهوري، لقد جاء ثمرة لمظاهرات ودماء وقتلى وجرحى ومعاناة في ظل حكم الشاه البغيض.. لقد ثار الشعب وقدم التضحيات من اجل دولة اكثر عدالة واكثر حرية واكثر وفاء".
وما يحدث في ايران اليوم، يثير احباط كل عربي، بأن تغيير النظام الحالي قد يحسن الاوضاع.. وحتى القوى التي تعمل سرًا وفي الوطن او علانية من خارج الوطن.. فانها قد تتنازل عن نشاطها السياسي باعتبار الشرق شرقا، ولن تسودها دمقراطية ولو جرت الدماء انهارًا..
فالنظام الايراني.. حين سمح بالانتخابات.. امسك بقبضتيه على اجهزة المخابرات، الحرس الثوري، اجهزة الرقابة القضائية ومجلس صيانة الدستور، وهذه هي الاجهزة الحاكمة في ايران.. والتي كان الرئيس خاتمي رغم الاغلبية الساحقة المؤيدة له في البرلمان، رغم ذلك، كان عاجزًا عن اجراء تغييرات ارادها هو والذين راهنوا عليه.
لكن احباط الاصلاحيين كان شديدًا قبل الانتخابات، ليس من شطب اسمائهم فقط، بل من عدم القدرة على التغيير امام جهاز حكم تحت قبضة المتزمتين.. ورغم محاولات الرئيس خاتمي.. حث دعاة الاصلاح للمشاركة في الانتخابات.. الا ان دعوته، لم تلق الدعم الكافي، فحزب جبهة المشاركة الاسلامية.. وهو التيار الاكثر راديكالية، والذي كان يحظى بغالبية في البرلمان، والذي يترأسه محمد رضا خاتمي، اخُ الرئيس خاتمي.. دعا الى مقاطعة الانتخابات.. بالاضافة الى مقاطعة حزب "منظمة تعزيز الوحدة الطلابي"، والذي يقود المظاهرات ضد ممارسات النظام، ومنذ سنوات عديدة.
والمؤشرات في ايران، تنذر بحركة شعبية معارضة، او حركة قمع واسعة.. فان تراجع نسبة التصويت من 67% سنة 2000، الى 50,8% سنة 2004 بعد ولايتين لرئيس اصلاحي.. يدلّ على ان هناك احباطًا من الامل بالاصلاح، وهذا قد يؤدي الى هزيمة خاتمي والتيار الاصلاحي في الانتخابات الرئاسية القادمة وهذا بالضبط ما يطمح اليه المتزمتون..
المؤشرات تنذر بحركة شعبية او خمول شعبي، حيث ان جماهير طهران التي واجهت الرصاص والدبابات لكنس الشاه. هذه الجماهير، لم يخرج منها الا 33,8% للادلاء بأصواتهم.. وهذا مؤشر بالغ الاهمية.. فان ثلثي الذين واجهوا بطش الشاه، لا يجدون معنى للادلاء بأصواتهم.
ومهما حاولنا عدم الاهتمام بالشأن الايراني. على انه قضية داخلية، فان ذلك، لن يغيّر من حقيقة ان كل تطور في ايران يؤثر على المنطقة بأسرها، باعتبارها الدولة الاسلامية الوحيدة التي يحكمها حزب اسلامي.. وباعتبارها الدولة الشرق اوسطية الوحيدة وباستثناء اسرائيل وتركيا، والتي تعطي اشارات بان لديها حياة دمقراطية..
لكن، من حظنا العاثر، ان مقولة "الشرق هو الشرق"، تنتصر.. وايران، تفقد كل عام، كل انتخابات عنصرًا جديدًا من عناصر الدمقراطية المشوّهة في الاصل.. لأن قانون الانتخاب الايراني لا يسمح لحزب او شخص خوض الانتخابات حتى يصرّح بانه اسلامي حتى النخاع وانه يُقسم يمين الولاء لولاية الفقيه.. مع اعطاء تمثيل برلماني للاقليات الدينية، من الزرادشتيين والاشوريين المسيحيين واليهود..
فالدمقراطية المنقوصة اصلا.. تتراجع.. ويُمنع اسلاميون اصلاحيون يبايعون ولاية الفقيه من ترشيح انفسهم.. وحتى رئيس مجلس الشورى يصبح غير مؤهل ليرشح نفسه..
يحدث كل هذا التراجع في ايران.. تحت شعار التركيز على عدو خارجي.. بالضبط كما فعلت انظمة العرب سابقًا، وما زال بعضها يفعل.. شعار العدو الصهيوني.. وليس صدفة ان الرئيس خامنئي اعلن قبل الانتخابات وبعدها "الامة انتصرت، الولايات المتحدة والصهاينة واعداء ايران خسروا". وكأن الاصلاحيين في ايران والذين دعوا لمقاطعة الانتخابات عملءا لتلك القوى التي اعتبر نفسه منتصرًا عليها بمجرد ان نسبة التصويت تخطت النصف بستة اعشار من الواحد بالمئة؟
والحقيقة، ايران خسرت قوى الاصلاح، والمنطقة العربية خسرت نموذجًا دمقراطيًا.. والولايات المتحدة ربحت جمود عدوها.. والصهاينة ربحوا فخر الدمقراطية الوحيدة.. ولا اعداء لايران اكثر من اجهزة القمع الايرانية.
واعتقد ان الشهور والسنوات القادمة.. تحمل تطورات هائلة على الساحة الايرانية.. لأن قوى التزمت قد اطبقت على الحياة السياسية والاجتماعية، والرئيس الاصلاحي خاتمي اصبح اسيرًا بالكامل للنهج المتحجّر.. وقد يستسلم، يستقيل، يقاوم حتى آخر لحظة.. لكن الجيل الشاب، جيل الوسط.. وكل المثقفين هم الآن تحت العين الساهرة لأجهزة النظام.. فقد نشهد نومًا عميقًا للايرانيين.. يسببه فيروس اللامبالاة المنتشر في الشرق الاوسط.. او نشهد ثورة ايرانية اصلاحية جديدة.. لكفّ يد "ولاية الفقيه".. لكن نخشى ان تدخل الولايات المتحدة وتساند الاصلاحيين..وتصبح سببًا في فشل الاصلاح واستمرار التزمّت..
ولا شك بأن القوات الامريكية في العراق.. وافغانستان و"باكستان" والخليج العربي.. والتي تطوق ايران.. كان لها التأثير الكبير في موقف المصوت الايراني.. وعلى كل حال، يكفي العرب عارًا ان يتحدث العالم عن تطورات سياسية في ايران، ولا يتحدث عن تطور سياسي عند العرب الا في التساؤل، هل يتبع الوريث الابن سياسة ابيه الملك/ الرئيس/ الامير؟!