|
رأيتُ البَلّور
يحيى علوان
الحوار المتمدن-العدد: 2464 - 2008 / 11 / 13 - 06:36
المحور:
الادب والفن
صغيرتي إستوقفَتْ أُمّـها في الطريـق أمس ، جَسـَّتْ الـهواء بأنفـها الصغـير ، وصاحَتْ..ماما ! أَشُمُّ رائحةَ بابا..سيعود الآن .. أسرعي بنا إلى البيت..! أُمـها كانت قـد قالت لـها ... بابا في سـفرةِ عَمَل ، كـي لا تَجفَلَ الصغـيرة مـن مفـرَدَةِ مـريـض ، لأنَّ الأخـيرةَ إرتَبَطَتْ لديها برُعافٍ أصابَ خـالـها الصغـير بمراكـش ، إذ واصـَلَ الصـيامَ رُغمَ مَـرَضِه ! ، فراحت ندى تُقرِنُ مُفرَدَةَ مريض بالرُعاف ..)
مَنْ عَلَّمَكِ السِحرَ ، يا ندى ، بدونِ بخورٍ وخِرَزٍ ، أَو حَصىً ورمل ..؟ مَوكِبُ الغَجَرِ ما مَرَّ من هنا ، فالبلادُ على رَحيل ! أَتُراهم رَمَوا لكِ بسِحرِهم ، مَزموماً بصُرَّةٍ من قماشٍ ، يَتَخَفَّفوا بها من الجمارِك ؟!! * * * مـتى أَعــود ؟ ستنتظرينَ بعضَ وقتٍ ، يا ندى ، فَضُمّي إليكِ الأرنَبَ والدُبَّ ، ونامي ...، سيحملانِكِ على جناحٍ من اللهفَةِ ، إلى قصورِ الأميراتِ ، والفتياتِ الطيباتِ ، تَسومَهُنَّ أزواجُ الآباءِ سـوءَ العذاب .., لابُدَّ أنَّكِ ستساعدينهنَّ ، كما كُنتِ تقولينَ ، عندما أقراُ القِصصَ والأساطير لكِ .... نامي ، ندى ، نامي ! لنْ يأتيـكِ بابا عمّا قريب ! لأنـه مَرميٌّ فـي الشـريطِ العازلِ بين سـاحِلِ النسيان وتلالِ الذكرى ... إنـّه مـسافِرٌ إلـى حـدودِ مملَكَةِ البَلّور . هناكَ يسـمَعُ هَمـساً ، ويـرى أبخِـرَةً ... ، يُطِلُّ يسـارَ القلب ، فلا يـرى غيرَ بياضٍ بلّوري ، تضيعُ فيه الأبعادُ والمسافات ... أَهـوَ " العَــدَم "؟! ............................... يَسمعُ خريرَ سائلٍ ، ... أَتُراها نافورةٌ مستَتِرَة ، وهـذا نشـيجُ مـاءٍ يُغنِّي لحـناً في مَدحِ الصَمتْ ...!! ............................. صندوقانِ كبيـرانِ جـوارَ الكتِفَيْنِ ، يلفُظانِ أرقاماً خضـراءَ ، ويتجشئانِ أَصواتـــاً غريبةً ، ... أسـلاكٌ وأنابيبَ ، مثل أفـاعٍ نـحيفة ، تبـدأُ مـن الجانبيـن ، وتنتـهي في جسدٍ لا يشعُرُ به ... يَحارُ فـي الإجابَةِ عن سؤالٍ يُباغِتُهُ " مَنْ يَحمِلُ عَنْكَ خَيالَكَ ؟ فأنتَ مُنهَكٌ ، لا تَقوَى على مَنْعِهِ مِنَ السقوطِ على صَلابَةِ الواقِعْ ؟! "... يُعَلِّقُ السؤالَ على رَفِّ المُؤَجّلات ،.. يَستديرُ فيرى كائنـاتٌ خَضـراءَ ، وأَخضَرَ حـتى الخِمـار ، لا يدري أَبـوكِ لمـاذا يتراكضـون ، يقرصـونه فـي الوجـه ويضربونَ خَـدّه بين حينٍ وحين ...، يصيحون ، لكنـه لا يفهمُ ما يجري ... يَوَدُّ لو يسألُ.. . ، ربما يكونُ سألَ ، لكنَّ لسانَه ثقيلٌ ، ثقيل ، مثلُ رصاص ... يُغلِقُ عينيه كـي لا يرى " العالمَ الأخضَرَ " ومخلوقـاتِه ، يؤَمَّـلُ نفسـَهُ بسهوبٍ وسـفوحٍ ، يَعدو فيـها خَلفَكِ ، يَفحـَطُ مـن الركضِ ، فلا يلحـَقُ بكِ . وأنتِ ، أَنتِ تُكركرينَ ، كأنَّكِ ستفردينَ جناح المَرَحِ ، تطيرينَ مـعَ أسرابِ البـطِّ الـبرّيِّ ، صوبَ مَنبَتِ الدفء ... لكنَّ رجـاءَهُ لـمْ يُثمِـرْ ! .................................... تَتَلاشى من حوله دائرةٌ دوّارةٌ من الوجوه . يُداهمه بوليـرو رافيـل ، خَفيضاً ، مثـلَ حفيـفٍ ... يرتقي واثِقاً بعنـايةٍ ، صُـعوداً ، صُـعوداً ، بمظاهـرةٍ مـن الوترياتِ والنحاسيات والصنوج والطبول ... حتى يُهَيِّجَ البحـرَ ، لحنـاً يتواصَلُ صـداه ، حتى بعدَ الانتهاء ، ويتمَلَّكَ كـُلَّ حواسِّـه وأحاسيسه .... يقولُ لنفسه ، وهـو يقفزُ من السرير ، دوشٌ بــاردٌ ، هو مـا أحتاجه الآن . مُمتلأً بالبوليرو ، يقفُ تحـت الدوش ، يتـراءى له أنه يسـمعُ رنـينَ التلفـون .. تطيـرُ به الفرحَةُ ، يقفِزُ مـن تحتِ الدوشِ حـافياً نحـو الصـالة ، يُجَـرْجِرُ خَلفَـه خَيطـاً مـن المــاء يتَقَطَّر ، يكادُ يزلقُ به ويسقط .. وقبلَ أنْ يصِلَ إلى موقِعِ التلفون ، ينتبه إلى أنه تَرَكَ السمّاعةَ جانبَ الجهاز . إذن ، لمْ يرن التلفون . أَتكـونُ حواسـُّه قد خدَعَته إلى هذا الحـد ؟! أَمْ أنَّ خُدعَـةَ الحـواس ، وبسبب من وحدتِهِ ، قد بَنَتْ حولَه عالماً موهوماً تماماً ؟! قبْلَـها ، حاولَ الاتصالَ بصديقٍ لـه كان على موعدٍ مـعه وآخريـن اليـومَ ، ليذهبوا إلى مطعمٍ تعزِفُ فيه فـرقَةُ جـاز قَدِمَتْ إلى برلينَ من نيو أُورليانز.. ويَبُلُّـوا ريقـَهمْ بالبيرة الجيكية ... بيدَ أنَّ أحـداً من الأصدقـاء ، الذين فارقَهم متأخراً مساءَ الأمس ، لم يَرُدَّ على التلفون . اتصَلَ بالمستشفيات ليسألَ عنـهمْ ، مـا مـن أحدٍ يرُد .. مـراكز الشـرطة ، صامتةٌ أيضاً .. اتصَـلَ بعـدةِ مكـاتبَ لشـركات التكسي ، ليطلُبَ واحـداً ، يدور به على ُ بيوتهم ويتأكد من أمرٍ مجهولٍ ... لا أحَدَ يردُّ على الهاتف ... المـدينـةُ ، بشوارعها ، بساحاتها ومحلاتها تبدو قَفراً ، منقوعةً بسائلٍ أزرقَ يميلُ إلى السواد ! ما من ضوءٍ ، إلاّ فـي شـقّته ، فـي الـدور الحادي عَشَرْ ! كـأنها فـي ليلـةِ " شامي غريبون "*.
فَتـحَ التلفزيون ... الشاشةُ مَلأى بنُثـارٍ ثلجـيٍّ ، مصحوبٍ بخرخَشـَةٍ .... الراديـو ، هـو الآخـر أَخـرَس .... إذن ، هو وحيدٌ في المدينة ، ويمكنه القولُ أَنَّ المدينةَ أصبحَتْ مِلكَهُ ! ... ولكـن ماذا يفعَلُ بمدينـةٍ مُصـابَةٍ بجلطَةِ دمـاغٍ في الديموغرافيا والجغرافيا ، همُّها الوحيد اللعبُ على أعصابه المتوترة ... ، تكـاد بَوصلةُ الوقتِ تُجَنُّ في شوارعهـا وأزِقَّتِها ، حتى لكأَنَّ موشورَها أُصيبَ بالعمى ... لقـد غَـدَت مدينةً تعيـشُ زمناً لا أَرضيَّاً ، خـارجَ معـاطـِفِ الأزمنة ... من مكانه في الطابق الحادي عَشَرْ ، يُحاولُ ، خَلَلَ العتـمة ، أن يتبَيَّنَ خطـوطَ الترام ، التي لا تسـيرُ مستقيمةً كخطوطِ ثيرانِ الحرْث . إلتَمَعَ في خاطــره سؤال ، أَتكـونُ المدينـةُ كلُّها تشتركُ في مِزحَةٍ سـَمِجةٍ معه ، أطفَأوا الأنـوارَ ووقفوا يتَرَصّدونه خلفَ الستائرِ ؟ وإلـى متى تستمرّ هذه اللعبة ؟ لـمْ يَلبَثْ أَنْ أهمَـلَ السـؤالَ ،
فحديقةُ الحيوان ، في الشارع المقابل ، هي الأُخرى فَرِغَتْ . أَتُـرى أَنَّ الحيـواناتِ غـادَرَتْ أقفاصَها ، أزواجـاً ، أزواجـاً ، لِتَلحَـقَ بسفينةِ نـوح ؟ وهـلْ أَنَّ طـوفـانـاً آخَـرَ على الأبـواب ؟
يُغمِضُ عينيه بقوّة ، فيتَصَوَّرْ أنَّ الناسَ والحيوانات عَقَدَتْ معاهدَةَ عــدمِ اعتداء ، قبـلَ أَنْ يبـدؤوا الرحيـل ... يُفَكِّرُ هـل حَلَّتْ القيامـةُ فـي هـذه المدينـةِ فقط ؟ و أَيُ ذنبٍ اقتَرَفتُ ، كي أُعاقَبُ بهـذه الوحشـَةِ القاتِلَــة ؟!
لا يحتـاجُ المرءُ كثيراً حتى يُجَنَّ في مدينةٍ مهجورةٍ ، سَكَنَتْها الأشباح في ظرفِ ليلـة ، وتَبَخَّرَتْ فيها كلُّ أشكالِ الحياة والعيشِ المشترَكِ ... وعندما تنعَدِم أمكانيةُ الحديثِ مع أحَدٍ ، يغدو الجنونُ قريباً جداً ، يُمكِنُكَ أنْ تَمَسَّهُ باليد المجرَّدة ..! ............................. ............................. يُعيدُ السماعةَ إلى مكانها ، فوقَ الهاتف ، ويَرجِعُ إلى الحمّام ، يُدَندِنُ بلحنِ بوليـرو عالياً ، دونَ خوفٍ أن يُزعِجَ أحَداً من الجيران ، فالكلُ قد رَحَلْ . وعندما يمرُّ بالمرآة ، ينتبه إلـى أنَّ السـاعاتِ الماضية ، أضافَتْ إلى جبهته ومـا تحتَ العينين عدداً جديـداً من الغضونِ والتجاعيد . ورغـمَ بياضِ شعرِ رأسـه ، يتراءى له أنَّ شعره ازدادَ بياضاً. ثم لا يلبَثُ أنْ يكتَشِفَ في المرآةِ أمراً يُزيد من قَلَقِه وحيرته : فالمرآةُ تعكِـسُ قناني الكولونيا والعطـور ، بشكلٍ مخطـوء.... ! أو على الأقل ، لا ينطبقُ مـع الواقِـع . القناني ، التي على يميـن صحـنِ الزهور ، تبدو في المرآةِ على اليسار ، يُديرُ رأسه عدةِ مرّاتٍ بين المرآة والأصل . يَهُـزُّ رأسـه حيرةً ، غيرَ مُصَدِّقٍ ، ويقولُ لنفسه : حَـذارِ مـن هـذه الـمرآة الكاذبة ! فحتى عيناه لا تَبدوان بنفـس الحجم فـي هذه المرآة اللعينة .. فاليسرى أصغرُ ومرتفعةٌ عـن مستوى شقيقتها اليمنـى . وشـحمَةُ أُذنه اليمنى أطــولُ مـن مثيلتها اليسرى . وعندما تَطَلـَّعَ إلـى صـورةِ جسمه كاملاً في المرآة ، لاحَظَ أَنَّ خِصيتَه اليُمنى بعيدةٌ ، أسفَلُ اُختها اليسرى ...... كـلُّ ذلكَ وطَّـدَ اعتقادَه بأنَّ المرآةَ مغشوشة ! لكنه سُرعانَ ما فكـَّرَ ، لماذا يتَعَيَّنُ علَيَّ أن أُصَدِّقَ المـرآةَ ، في وقتٍ أعرِفُ تمامـاً موقـعَ قناني العطـور ، عكس ما تُظهِره المرآة !! خَـرَجَ إلى الشُرفَةِ ، فإذا الليلُ إبتَلَعَ آخـرَ خيـوطِ الضوء ، ونَـزَلَتِ العتمـةُ بالصمتِ المُعَلَقِ في الهواء ، إلـى مستوىً مُنخَفِضٍ يكادُ يُلمَسُ باليد ، لكنه لا يراه ....!
طَلَعَتْ أَناه من عنده وقالتْ له : أَحْسِن الإنصاتَ ، فأنَّ مَنْ يُجيده يغدو مشروعَ راوٍ يُتقِنُ الحَكَـايا ... قالَ : هذه مدينةٌ لا تَصلُحُ للحَكايا ... نحنُ جئنا من مُدُنٍ عتيقةٍ ، كنّـا نَحرِثُ النهارات بأزميل الشوق كي نحصِدَ الليلَ حَكايا . ونروحُ نَتَحَلَّقُ - بعدَ العشاء - حولَ موقِدِ النار ، ( المَنْقَلة أو المَجْمَرَة ) فَتَدورُ كؤوسُ الشاي وتتعالى أبخِرَةُ الحَرمَلْ ، وتَبلُغُ الفرحَةُ واحدةً من ذُراها عندما تَرفَعُ الجَدَّةُ الغطاءَ عن صحنٍ كبيرٍ ، لِما كانتْ تُسمّيه "فاكِهْة الشِتَه " ، هيَ تَمرٌ أَشرَسِيٌّ وجَوز ، بعدَها تَستَهِلُّ الحكايةَ بلازمَةٍ أَثيرةٍ عندَها : " يا سامعين الصوت ، صَلَوا عالنبي ..." فَنُصَلّي ونُكَبِّرَ بسرعةٍ ، نَستعجلُها لبدء الحكاية ، كي نَتوهَ في عوالمها ، دون أَنْ ننتبه إلى سُلطانِ النومِ حين يُداهِمُنا بغتةً . كنّا ، نحنُ الصغار ، نَنْحَشِرُ ببعضٍ طَلَباً لمزيدٍ من الدفء والشجاعة ، إذا ما إشتَدَّ توَتُّرُ الحكاية . فالحكايا كانت فِتنةَ المدينةِ وأزِقّتَها ، فِتنةٌ مُعَلَقة كفوانيسَ ماكِرِةٍ تُوهِمُ بالانطفاء ، كلما ازدادتْ شحوباً ، أَبًصَرَ ليلَ المدينةِ واتَسَعَتْ رؤيَتُه ، لرواةٍ سِهّيرينَ ، لا يمِلّـون أنْ يُلقُـوا في موقِدِ السهرَةِ ، مـا استطاعوا من حَطَبِ الحَكي . لذلكَ فأنَّ برلين لا تَصلُحُ لهذا اللون ، لأنها خَلَعَتْ قِفطانَ الحَكيِ ، أودَعَته متونَ التدوينِ ، وانصرَفَتْ إلى ألوانٍ أُخرى من السَهَر ..... * * *
فَتَحَ باباكِ عينيه مرةً أُخرى علَّه يرى وجهَكِ ولَوزَ عينيكِ ، بيدَ اَنّه سَقَطَ في كمينهمْ ، قالوا سنعمَلُ فتحَتَينِ في الرقَبَةِ ، نَلِجُ خلالهما إلـى داخِلِكَ .... ... افعلوا ما شِئتُمْ ، فليـسَ لديَّ ما أخـافُ من كشفِهِ ، فَصَفحتِيْ بيضـاء ، وسريرتي نقيَّةٌ بيضاء ...، اتركوني أنامْ ، لألحَقَ بالحُلُمِ ....
* * *
انتهَتْ "الحفلة" ، وما تَرَسَّبَ منها سوى صريرٍ في الأُذنِ ....نَقَلوه إلى غرفـَةٍ ، ذات إنارَةٍ هادئة مريحةٍ ، تشبه أَكواريومْ سمك الزينة ... قالوا له مرحبــاً بكَ مرةً أُخرى في هذه الدنيا ... فعلنا كلَّ ما نستطيع .. والباقي عليك ... هَمُّوا بالخروج .. صـاحَ باباكِ ، يا نـدى ، قفـوا بالله عليكم ! لا أَفهمُ شـيئاً ! ..... عليكَ أَنْ تَجِدَ حلاًّ للإضراب ... ..... أيَّ إضرابٍ ؟ وما علاقتي بالإضرابات ؟ أُريدُ أنْ أُواصِلَ حُلُمي ، كي أعودَ إلى عائلتي ، فصغيرتي لا تُطيقُ انتظاري ....! ..كِليَتاكَ والمثانة في حالةِ إضرابٍ ،.... تَصَرَّفْ ! ........................... ........................... مثلَ ستارةِ مَسرَحٍ ، أسدَلَ الأجفانَ بِبُطء ، وسافَرَ إلـى موقِعِ " الإضراب ". جَلَس قبالةَ المُضربينَ مُستكيناً ، لا يَلوي على قولٍ ..... .......................... .......................... كَسولاً ، كَسولاً ، يَتَفَصّدُ الزمنُ ، أَطرَشَ لا يَستَجيبُ لاستغاثَةٍ بالتعجيل ... يَطِقُّ كحبّاتِ مسبَحَةٍ ..... على إحدى الكليتينِ ، سـَقَطَتْ دَمعَةٌ ، قبـلَ أَنْ يُمسِكَ بـها .. انتَفَضَتْ ، خَضـَّتْ رأسَـهَا ورَفَسَتْ جارَتَها ، استأنفَتا الرقصَ رويداً ، رويداً إحداهُنَّ غَمَزَته أَنْ " عُدْ إلى مكانِكْ !"slow motion ......................... ......................... أَحَسَّ بكفٍ كبيرةٍ وثقيلةٍ ، حَطَّتْ على جَبهَتِهِ ، أَفاقَ ، أو رأى في المنامِ أَنـه أفاقَ ... رأى كائناً خُرافياً في حجمه ، مُلَفَّعاً بالأخضر ، من الرأس حتى القَدَمِ ، وخِمارٍ أَخضَرَ يَتَهَدَّلُ عندَ الذقن ، يَكشِفُ عن ابتسامةٍ حيادية ، لا تَني بشيء ... إلى جواره ، تقِفُ امرأةٌ بسحنةٍ خُلاسيَّة ، صغيرةُ الحجمِ ، مُجَعّدَةُ الشعر ، تنظرُ حانيةً مِثلَ أُم ...
مَـرَّ باباكِ ، يا نـدى ، بكاميرته ، مُتَمَهِّلاً ، كي يستوعِبَ المشـهَدَ ويفهـمَ لُغزَ حيرَتِهِ ........
ابتسَمَ المخلوقُ " الخرافي " ، حاملاً حُزمـَةَ أوراقٍ ... صَدَرَ صـوتٌ رقيقٌ ، غيرَ معلومِ المصدر :" نرجوكَ أَنْ تُوَقِّعَ هذه الأوراق ...." ..... " مَنْ أنتمْ ؟ أَينَ أَنا ؟ ولماذا أُوَقِّعُ ؟ " ..... " قُمنا بتدخُّلاتٍ على جسمِكَ ، يحظُرُ القانونُ القيامَ بها دونَ موافَقَـةٍ خَطيَّةٍ مُسبقَةٍ من صاحبِ الأمرِ ، أو أَحَدٍ من ذويه ... جاؤوا بِكَ إلى هنــا ، إلاّ أَنَّكَ لم تكـن هنا ...! لذلكَ نرجوكَ توقيـعَ هذه الأوراق ، كي لا نتَعَرَّضَ إلـى مُساءلةٍ قانونية .. خُلاصةُ الأمر ، انتَزَعناكَ من فمِ العفريت ، وجرجرناكَ لـهذه الدنيا..."
حينها ، أَحَسَّ بوَشوَشَةٍ ، تشبه تصفيقاً مكتوماً ، يَصِلُ من بعيــــــد . بعدَ شيءٍ من التردُّدِ ، وَقَّعَ بابا ، كي يعودَ إليكِ خلالَ أسبوعٍ أو اثنينْ ... ............................ ............................
أَشفَقُوا علَيكِ ، فأنقذوني ، لأَنَّكِ ما زِلتِ صغيرةً على اليُتمِ ، يا ندى !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *تقليدٌ شيعيٌّ تُطفأُ فيه أنوارُ المدينة ، في الليلةِ التي تلي إستشهاد الحسين في واقعَةِ الطَفِّ ، تطوفُ فيه مواكِبَ ترتدي السواد وتحمِلُ شموعاً ، في محاولة لأستذكار محنةِ من بقيَ من عائلة الحسينِ وأتباعه ، حـينَ أُخِذوا سَـبَايا إلـى الشام ، في الغُربــة . ويبدو لي ، مما يتبَيَّن من التسمية ، وهي غير عربية ، أَنَّ التقليدَ المذكورَ ابتَدَعَهُ شيعةُ إيران ، فأَطلَقوا عليه هذه التَسمِيَة . ي.ع
برلين 24/ 10/2008
#يحيى_علوان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هو الخريفُ يا صاحبي!
-
أَيتامُ الله !
-
حنين
-
وطن يضيره العتاب، لا الموت!
-
تنويعاتٌ تَشبهُ الهَذَيان
-
وطنٌ يُضيره العِتابُ ، لا الموت !
-
قناديل بشت ئاشان _ نقرٌ على ذاكرة مثقوبة
-
تيتانك والجوقة !
المزيد.....
-
من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
-
فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
-
مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم
...
-
هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير
...
-
ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا
...
-
بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات
...
-
تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض
...
-
“معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر
...
-
ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
-
أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|