احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 759 - 2004 / 2 / 29 - 11:55
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تتعاظم جديًا مخاطر مدلولات العلاقة الجدلية الوطيدة بين أطراف ثالوث الأزمة والاحتلال والفاشية العنصرية، أو كما يسميها البعض بالنازية الجديدة على نمط وتحت دفيئة الليبرالية الجديدة (نيوليبراليزم) وفي ظل حكومة الاحتلال الاستيطاني والافقار والتمييز اليمينية الشارونية. ونحن لا نتحدث عن مجرد مخاطر مرتقبة ضد العرب والدمقراطية قد تتمخض عن المعادلة الجدلية هذه، فملامح هذه المعادلة ترافق اسرائيل الرسمية منذ قيامها، وبرزت معالم أنيابها الصفراء المفترسة منذ بداية الاحتلال الاستيطاني للضفة والقطاع الفلسطينيين وهضبة الجولان السورية وللجنوب اللبناني فيما بعد (بلورة وقيام ونشاط أحزاب وحركات فاشية عنصرية - "موليدت" و"زو ارتسينو" و"تسومت" و"غوش ايمونيم" وحركة كهانا، و"نئمني هبايت" وعصابات ارهاب سرية يهودية مسلحة انتعشت في مستنقع الاحتلال وتحت حمايته ...). ولكن الجديد في الأمر، وما نركز عليه اليوم على ساحاتنا الكفاحية ومن على مختلف المنابر النضالية، انه ومنذ عدة سنوات أصبح مدلول العلاقة الجدلية بين الأزمة والاحتلال والفاشية العنصرية المعادية للعرب وللدمقراطية على ارض الواقع اكثر خطرًا وشراسة. وما يفسّر ذلك، حسب رأينا، هو مأسسة و"شرعنة" التوجه الفاشي العنصري على مختلف الصعد السياسية الرسمية، في الحكومة والكنيست وفي السلم التدريجي للقيادات العسكرية. فأكثر القوى والاحزاب والحركات السياسية الصهيونية يمينية ورجعية وعنصرية فاشية اصبحت ومنذ سنوات تتسلم مفاتيح صياغة القرار السياسي والعسكري والاقتصادي الاجتماعي في ظل أعمق أزمة اقتصادية اجتماعية تواجهها اسرائيل منذ قيامها انتجت في السنوات الثلاث الاخيرة اكثر من مليون ومائتي الف اسرائيلي يعيشون تحت خط الفقر ويعاني معظمهم من سوء التغذية والمجاعة، واكثر من ثلاثمائة الف انسان يعانون في سوق البطالة. فزعيم الليكود، جنرال المجازر والاستيطان أصبح رئيسًا للحكومة، وأحزاب الاستيطان والفاشية العنصرية والترانسفير أصبح قادتها وزراء في حكومة الكوارث اليمينية، الوزير ايتام "المفدال" مسؤولا عن الاسكان وتوسيع الاستيطان في المناطق المحتلة، والوزير افيغدور ليبرمان "هئيحود هلئومي" مسؤولا عن المواصلات والوزير بيني أيلون (موليدت) مسؤولا عن السياحة وغيره.
فعلى مثل هذه الخلفية السياسية والاقتصادية الاجتماعية شحذت وبشكل لم يسبق له مثيل أنياب الفاشية العنصرية وتصاعدت شراسة الهجمة المعادية للفلسطينيين ولجماهيرنا العربية في السنوات الاخيرة، وخاصة في سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
لن ننتظر قرار توصية محكمة العدل الدولية بعد شهر او اكثر حول بناء جدار العزل العنصري الذي يقيمه الاحتلال الاسرائيلي. فبناء هذا الجدار، في رأينا، يعكس حقيقة الهوية الايديولوجية السياسية العنصرية لحكومة اليمين الشارونية، وافقها الاستراتيجي لبلورة قواعد الابرتهايد في المناطق الفلسطينية المحتلة من خلال تمزيق اوصال الوحدة الاقليمية الجغرافية للضفة الغربية الى مناطق عازلة وكنتونات وجزر يفصل فيما بينها جدار العزل العنصري وكتل استيطانية وبهدف منع قيام دولة فلسطينية سيادية مستقلة "بنت معيشة" على كامل التراب المحتل منذ الرابع من حزيران 1967 وضم اكثر من نصف المناطق المحتلة تحت السيادة الاقليمية السياسية للمحتل الاسرائيلي.
وما نود تأكيده في هذا السياق ان حكومة الكوارث اليمينية تنتهج سياسة كم الافواه والتحريض الهستيري ضد كل من يعبر عن رأيه وموقفه ويمارس حقه الدمقراطي في مناهضة بناء جدار العزل الابرتهايدي. وينطلق عواء الاتهامات بالخيانة والعداء للدولة والمطالبة باتخاذ الاجراءات والعقوبات ضد كل من يعارض سياسة الحكومة العنصرية ان كانوا من العرب او من اليهود، او من نواب الجبهة والعرب. وقد كتبنا الكثير عن عينات معاقبة المناهضين لسياسة الحكومة وللاحتلال وللجدار من رافضي الخدمة في جيش الاحتلال ومن مناهضي بناء الجدار العنصري الى درجة اطلاق الرصاص على متظاهرين فلسطينيين واسرائيليين واجانب اوروبيين. فالنقاش والصراع حول بناء جدار العزل العنصري ليس فقط بين حكومة الاحتلال والشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية بل كذلك في داخل اسرائيل بين الحكومة ومختلف القوى المؤيدة للجدار وبين مناهضي الجدار من المواطنين والقوى اليهودية والعربية. وقد انطلقت في الآونة الاخيرة ذئاب الفاشية العنصرية من داخل أروقة الحكومة والكنيست ومن خارجها بعواء تحريضي بهيمي دموي ضد كل من شارك من اليهود والعرب في لاهاي في النشاطات التضامنية والاحتجاجية ضد بناء جدار العزل العنصري والى درجة وصف من سافر وشارك بالخيانة وبمعاداة الدولة وبدعم "الارهاب الفلسطيني". وطالب بعض نواب اليمين باقالة النائب الجبهوي محمد بركة من نيابة رئاسة الكنيست وفحص امكانية رفع الحصانة عنه ومحاكمته.
ان مظاهر الانفلات العنصري الفاشي السافر المعادي للشعب الفلسطيني وللجماهير العربية من مواطني اسرائيل تتجسّد بالارتفاع الصارخ لموجة التحريض العنصري الدموي التي تعيد الى الاذهان التوجه النازي والفاشي العرقي العنصري ضد اليهود وغيرهم قبل وابان الحرب العالمية الثانية. وسأقدم بعض الأمثلة التي تعكس مدلول تقييمنا. ففي يوم الأحد بتاريخ 22/2/2004 قدّم المسؤول الرئيسي عن التربية في الجيش الاسرائيلي، العقيد اليعيزر شتيرن، محاضرة الى افواج الشبيبة الاسرائيلية التي يجري اعدادها لدخول الجيش. وفي هذه المحاضرة ركز العقيد الفاشي العنصري على ابراز مقاييس الضوء الاخضر لاطلاق النار وقتل الناس الابرياء من المدنيين الفلسطينيين في المناطق المحتلة. ويقر هذا النازي العنصري، حسبما ورد في صحيفة "يديعوت احرونوت 23/2/2004 - ما يلي "ان معايير قيم جنود الجيش الاسرائيلي قد تغيرت خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية، الآن نحن نسمح لأنفسنا القيام بنشاطات وأعمال لم تكن مسموحة سابقًا في بداية الصراع. المعيار الاخلاقي للجنود قد تغير وفقًا للواقع الميداني ولمستوى الخطر الذي يواجه الجنود"!! ويدعم توجهه الفاشي بالمثل التالي: "من يعتقد انه لدينا التزامات لزوجة شحادة (المقصود زوجة القيادي من "حماس" الذي صفّاه جنود هولاكو سوية مع زوجته وابنته البالغة 14 سنة بقصف منزله على من فيه - أ.س) - فهو مخطئ. يوجد لي التزامات لقيمي، التزامات لمن يذهب ليأكل في مطعم "ماتسا" او يحاول الركوب في باص خط 14 (الذي فجر مؤخرًا). انا ملتزم لهؤلاء جميعًا اكثر من كل الفلسطينيين. عندما ارتفع عدد القتلى (من الاسرائيليين الى مئة بسبب شحادة وزوجته الملتصقة به ويوجد طفل في المنطقة وانا اعرف انه اذا لم اطلق النار يقتلون غدا في خط 20 عشرات الناس (من الاسرائيليين أ.س)، عندها لا يوجد لدي مفر، وانا ملزم باطلاق النار". تبرير فاشي صارخ لقتل المدنيين الفلسطينيين.
الأخطر من ذلك طابع الهوية العنصرية العرقية، التي تتقمص بمدلولها الرذيل والخطير الهوية العرقية النازية، والتي أبرزها في الكنيست نائب وزير "الامن"، زئيف بويم الليكودي يوم الثلاثاء 24/2/2004 في اثناء احياء الذكرى السادسة والعشرين لتفجير الباص على شارع الشاطئ. ففي كلمته اتهم العرب والمسلمين عامة والفلسطينيين خاصة بأن الدافع لقيامهم "بأعمال ارهابية" ناتج عن خلل جيني (وراثي) وتخلف ثقافي يجعلان الجنوح الى القتل منزرعًا في دمائهم. وردد وراءه عواء ذئاب الفاشية العنصرية، رئيس لوبي أوباش المستوطنات في الكنيست، عضو الكنيست الليكودي، يحيئيل حزان، الذي قال عن العرب ان قتل اليهود لديهم "مزروع في دمائهم، وهذا خلل وراثي، فقتل اليهود لديهم هو عمل يمارس بصورة طبيعية، وهذا هو مدلول العبارة انه يجب عدم الثقة بالعرب حتى بعد اربعين سنة في القبر"!!
وفي نفس اليوم المذكور ادعى رئيس الشاباك (المخابرات) ان الفلسطينيين يطورون سلاح، صواريخ عابرة للجدار وقذائف مدفعية لمواجهة وتخطي جدار العزل العنصري. ولم يكتف بهذا الادعاء بل عاد الى ترديد مقولة "العمل الوقائي" المزعوم ليبرر مصداقية القيام بعملية اجرامية واسعة النطاق. فقد هدّد بأن تطوير السلاح الفلسطيني المزعوم قد يلزم اسرائيل القيام بعملية في قطاع غزة شبيهة بعملية "السور الواقي" من ابريل (نيسان) (2002) في الضفة الغربية، اي باجتياح قطاع غزة واحتلاله وارتكاب مجازركمجزرة مخيم جنين ونابلس وغيرهما.
ان هذا التدهور الخطير في مستنقع الفاشية العنصرية العدوانية يجعلنا نؤكد واكثر من اي وقت مضى على اهمية الوحدة الكفاحية لجميع القوى الخيرة السلامية والدمقراطية اليهودية والعربية في المعركة المصيرية ضد الاحتلال الاستيطاني لضمان زواله وانجاز الحق الفلسطيني المشروع بالتحرر والاستقلال الوطني ولصيانة عِرض الدمقراطية من انياب الفاشية العنصرية المفترسة والتخلص من حكومة الكوارث اليمينية.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟