|
شذرات من ذاك التاريخ لهذا العصر
زهير مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 2462 - 2008 / 11 / 11 - 06:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1 كنت قد قرأت قبل أيام قليلة مقالاً لكاتب جريح شعر بالاهانة لأن كتاباته لم تلق الصدى المرجو من إحداث اختراق يمكنه من خلاله تغيير الواقع القائم. هو انسان حالم ولاشك يظن / يتوهم بأن الكتابة وحدها قادرة على احداث تغيير جذري. إن الإشكالية ليست في المجتمع بحد ذاته بقدر ما هي حالة من المخيال الذاتي بأن الكلمات النابعة تعبر عن اصابة "كبد الحقيقة"، وهذا الأمر ليس بالضرورة ما يراه الآخرون، فأن تطالب بأن تطاع بصورة جبرية لفكر تراه / تتوهمه ليس بالضرورة هو الدواء لداء هذه الأمة، وإن كان كذلك فلا أظن أن أي أمة منغمسة في ما هي فيه من انحطاط فكري قادرة على هضم دواء خلاصها، والعبر التي تبرهن على ذلك كثيرة. لقد شخص عبد الرحمن الكواكبي داء هذه الأمة ودواءها عندما قدم تشريحا بديعا لها عبر مخطوطته (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد)، منذ أكثر من قرن من الزمن. فقبل هذا التاريخ وبعده. حتى اليوم ما زلنا نرزح تحت الاستبداد، ولم يستطع فكر الكواكبي اختراق جدار هذه الامة المحصنة ضد الحرية. 2 وفي المقابل، هناك العديد من المفكرين والفلاسفة الذين تحدثوا على سبيل المثال عن الديمقراطية على انها حالة وصفية غير موجودة الا عبر عقول أصحاب المصالح الباحثين عن الشرعية، وانها استبداد جماعي باسم الحرية، ورغم ذلك ننادي بالديمقراطية، دون فهم لماهيتها ولتداعياتها، خصوصا اليوم، "ديمقراطية رأسمال"، هذه الأمة تواقة للبحث عن قيود ناعمة باسم الحرية و"الديمقراطية التي لا نعرف من اسمها الا صندوق الاقتراع". لم تستوقف محاذير المفكرين الموسومة، في كثير من الأحيان، بالمستنيرة في احداث تغيير في العقول كما يظن الكثيرون. إذن، ليست كل كلمة أو فكرة هي بالضرورة قابلة للهضم والتطبيق مع انها قد تكون الخلاص. وليس كل سم يستدرك على انه هلاك. لقد ظهر في أوروبا فلاسفة كادوا ان "يسحلوا في الشوارع" لو انهم اماطوا اللثام عن اسماءهم عندما نشروا افكارهم كما الحال بالنسبة لسبينوزا الفيلسوف. علماً أهل الغرب أدركوا أن فكر سبينوزا كان خلاصهم، جاء ذلك بعد مئات السنين من وفاته فقد كانوا يلعنونه، واليوم يقدسون فكره وسموه بالكفر عندما سطر (رسالة في اللاهوت والسياسة)، واليوم يرون كم كان قريبا إلى الله. ما بين سبينوزا والكواكبي حزننا الكربلائي على جدنا المفترى عليه؛ لأنه دفع دمه ثمن فكره، ونحن اليوم نقف عاجزين الا عن اجترار فكره، ربما ارتاح سبينوزا في قبره، لكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد للكواكبي، وربما سيطول الأمر إن بقي التراب "يطمر عقولنا"، إن بقي فكره يسبق هذا العصر الذي ما زلنا كما أظن، غير قادرين على التمييز بين ما يجثم على صدورنا وبين أدوات خلاصنا. في زمن الانحطاط تظهر الحاجة الى الفكر كما سطر لها ابن خلدون وابن رشد، وهم ان فعلوا ذلك فهم لم يمارسوا "المراهقة الفكرية" ولا "الترف الفكري" فابن خلدون في زمن الانحطاط امضى زمنا وجهدا في التأطير لحال الأمة لمدة تزيد عن أربع سنوات حتى خرج بما خرج من رؤية ثاقبة، ما زالت ايضا تجتر بصورة مقيته، من الانحطاط كان نوره الفكري يشع كمهاد لحالة "الخلاص"، وهو ما لم يتم بعد مرور اكثر من ستة قرون على وفاته، بل ان الاشكالية اليوم اكثر "عقما" فهي غير قادرة على احداث اختراق للواقع السائد على كافة الصعد الاجتماعية، العلمية، والسياسية ... . حال اليوم قناع من "التجبل العقلي" "المجمل بقبحه" باسم التطور والحضارة التي نلهث للحاق بها، ولن نكون، ما دامت الأرضية الممهدة لذلك مغيبة. 3 ازلية الكلمة كالصوت في الفضاء، ولكن ربما تحتاج إلى وقت كي تتبلور كفكرة تعبر عن "الخلاص" الذي لن يأتي ما دام الحال قائماً على مجرد حالة التسطيح لكل شيء، نفتي في الوقت الذي يجب ان نصمت فيه، ننتقد بدون معرفة، نقيم ونحن بحاجة الى من يقيمنا، ندعي العلم ونحن الفائزون بجائزة التخلف الاولى. اذن، كلمة السر هي الخلاص من التخلف المقنع الذي حاله اكثر وباء من التخلف ذاته و العسف باسم الخوف بما لنا وما علينا. من الانحطاط في الدرك الاسفل من المكان الذي نظن اننا ننظر فيه عبر أعلى قمة وإذا بالحالة طردية بامتياز، أظن هنا أن قزمية الشاهد هي المعززة لهذا التصور. نحن اليوم بحاجة لتحديد معالم عصر الأنوار عربيا بتعبير كانط، للوصول لمعرفة حقيقة قائمة على اسس علمية تجريبية كما رأها ديفيد هيوم، لفهم لاهوتي بعيد عن البدع التي كادت تقتلنا، ونحن "احياء"، كما ساقها سبينوزا. لا بد للتمهيد لنبوءة ابن رشد التي كما يبدو لم يحن وقتها بعد. فهناك الكثير من الحواجز العقلية التي لابد لنا من تخطيها أهمها اننا بشر قادرون فاعلون، ليس مجرد أرقام بشرية تمشي على الأرض.
#زهير_مبارك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة نقدية لسلطة الاستبداد والمجتمع المقهور (الاستبداد المب
...
-
المثقف العربي و-المستبد العادل-
-
بين الثابت والمتحجر: اتحاد المغرب نموذجاً
-
الخطاب السياسي العربي وثقافة الاستبداد
-
مثقف السلطة ... الولاء المطلق
-
النفط العراقي بين الحقيقة والوهم الأمريكي
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|