|
حتى الشيوعيين من العربان لا يقرؤون
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 2458 - 2008 / 11 / 7 - 09:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المؤكد أن الأزمة التي نعيشها اليوم هي أزمة الرأسمالية !! من المؤكد أن الأزمة هي أكبر من كل أزماتها السابقة !! من المؤكد أن الأزمة هي أخطر من كل أزماتها السابقة !! من المؤكد أن الأزمة ليست آخر أزمات الرأسمالية !! من المؤكد أن الأزمة لن تفضي إلى انهيار الرأسمالية !!
هذه " الحقائق " الكبرى والخطيرة التي تقرر مصير البشرية قد أكّدها أحد أدعياء الشيوعية من الذين يتنطحون إلى تطوير وتحديث الماركسية دون أن يسبق له أن كان ماركسياً حقيقياً أو ماركسياً مكتملاً وهو الشرط اللازم لتأهيل كل من يتنطح لإضافة أي فكرة مهما كانت صغيرة لفكر ماركس .
كارل ماركس يتبرأ من كل الأشخاص الذين يكتبون ما يختمر في عقولهم من أفكار دون أن يكون لها أية صلة بالواقع . ما جعل من كارل ماركس مرجعية عظمى في مختلف حقول المعرفة الإنسانية وخاصة في الفلسفة والسياسة والإقتصاد والتاريخ هو إنكاره لمثالية هيجل وثورته عليها فكان أن قلب الديالكتيك الهيجلي وأوقفه على قدميه بدلاً من رأسه . من هنا فمن المؤكد أن ماركس سينكر دعيّ الشيوعية هذا، وسيسأله عن التأكيدات الخمسة التي نبتت في رأسه وأطلقها لتقرر مصير العالم !! سيسأله ماركس بنفسه .. " لماذا تكون الأزمة الماثلة هي أزمة الرأسمالية وهي التي كنت عيّنت كيفيّة حدوثها في كتابي رأس المال المجلد الأول صفحة 427 حيث قلت .. إن حياة الصناعة الحديثة تستمر عبر مراحل متعاقبة بدءاً من نشاطها المعتدل، ثم الإزدهار، ثم فيض الإنتاج، ثم الأزمة فالكساد ـ فهل سبق الأزمة الماثلة فيض الإنتاج ؟ أمام مثل هذا المأزق الفضائحي لن يجد دعيّ الشيوعية ما يجيب به وقد غدا فيض الإنتاج غيض الإنتاج خلال السنوات الخمس الأولى من مرحلة الإستهلاكية (consumerism) 1975 ـ 1980 ؛ وليس مستهجناً أن يتطاول على ماركس، خاصة وأنه هو من انتدب نفسه لتطوير الماركسية، فيقول لماركس بوجهه .. إهجع في قبرك يا كارل فقد جرى التقادم على أفكارك !! يقول هذا بكل قحة دون أن يقدم سبباً واحداً يدعو لتأكيداته !
كنت كتبت قبل شهر تحت عنوان " ما الذي ينهار اليوم في أميركا ؟ " لأؤكد أن الأزمة المالية الماثلة ليست هي أزمة الرأسمالية ؛ وأعدت الكتابة ثانية قبل أسبوع تحت عنون " الأزمة المالية الماثلة ليست أزمة الرأسمالية " ودللت على ما ذهبت إليه بحقائق تفلق عيون الذين يذهبون غير مذهب . لكن ما يبعث على أكثر من الاستهجان هو أن العشرات الذين كتبوا بعد ذلك تجاهلوا جميعهم كل ما أوردت من أسباب تؤكد أن الأزمة ليست أزمة الرأسمالية وانطلقوا يدبجّون نصوصاً جوفاء لا تدلل إلا على جهل كتبتها في علوم الماركسية كما في علوم الاقتصاد، فكما لو أن أحداً أرغمهم على أن يكتبوا في موضوع لا علم لهم فيه ! لعلهم يبررون تجاهلهم لما كتبت بأنهم ليسوا مطالبين بأن يأخذوا برأيي خاصة وأنني لست علماً من أعلام الماركسية أو مرجعية مرموقة يحسن الرجوع إليها، فلي رأيي ولهم رأيهم، كما قد يتعللون ! لكن الحقائق الماثلة أمامنا لا تسمح لأي باحث مهما علا شأنه أن يكون له رأيه الخاص فنحن لسنا أمام حالة باطنية تسمح باتخاذ آراء متباينة بل إننا أمام حالة ظاهرية تقطع الشك باليقين ولا تسمح بتباين الآراء فيها .
الأزمة الرأسمالية تتأتّى من فيض الإنتاج فقط كما في وصف ماركس أعلاه . وكافة الدول التي عانت من انهيار مؤسساتها المالية كانت قد عانت منذ زمن طويل، ثلاثين عاماً أو أكثر أو أقل، من غيض الإنتاج . فالولايات المتحدة وهي أول الدول المأزومة تضطر إلى استيراد ما قيمته مليارين من الدولارات يومياً من البضائع الأجنبية كي تسد غيض الإنتاج أو عطش السوق فيها . كيف يمكن الحديث عن أزمة رأسمالية تنجم عن فيض الإنتاج والدولة في الولايات المتحدة مدينة اليوم بما يزيد على أربعة أمثال مجمل إنتاجها القومي، أو زهاء خمسين تريليوناً من الدولارات ؟؟ أي غبي أو أبله يمكن أن يقبل هذا ؟؟
ويؤكد دعيّ الشيوعية الذي أشرنا إليه من أن الأزمة الماثلة لن تفضي إلى انهيار الرأسمالية !! نؤكد هنا للمرة الألف أن الرأسمالية كنظام إنتاج اعتمدته الدول الغربية، أميركا وبريطانيا ودول أوروبا الغربية، لثلاثة قرون سابقة قد انهار قبل اجتماع الدول الرأسمالية الخمس الأغنى في العالم نوفمبر 1975، وقد اجتمعت لتتدارك الإنهيار ولم تفلح . الإنتاج الرأسمالي في الولايات المتحدة هو أقل من 17.5% من مجمل الإنتاج القومي وهو ما يعني بالضرورة أن مجموع الأجور في مختلف قطاعات الإنتاج يساوي أضعاف قيمة البضائع التي تطرحها المؤسسات الرأسمالية في الأسواق . من لا يستطيع التمييز بين النظام القائم حالياً، في الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية المماثلة، من جهة والنظام الرأسمالي من جهة أخرى حريٌ به أن يسكت وألا يتجرأ على القول أن الأزمة الماثلة اليوم لن تفضي إلى انهيار نظام الإنتاج القائم بغض النظر عن طبيعته .
ليس لدي أدنى شك في أن الأزمة المالية الماثلة اليوم إنما هي احتضار نظام الإقتصاد الإستهلاكي (consumerism) الذي عاش دورته الإقتصادية الكاملة وهي 33 عاماً ولن يحيا سنة أخرى أكثر . الإقتصاد الاستهلاكي يحكم بأن يستهلك الشعب أكثر مما ينتج ويستمر ذلك حتى يؤتي على كل المدخرات الوطنية ولم يبق هناك ما يستهلك . منذ اليوم، وقد بدأت تتكشف النهاية الفجائعية للإقتصاد الاستهلاكي الذي مثل المهرب الوحيد من طوق الشيوعية اكتشفه عباقرة الرأسمالية الإمبريالية في مؤتمر ال ( G 5 ) الأول في رامبوييه 1975، يترتب على القوى الخيّرة في البشرية، والماركسيون طليعتها، البحث الحثيث والجاد عن كيفية الخروج من قاع الهاوية الذي انحطت إليه البشرية اليوم .
ما يستلزم قوله أخيراً هو أننا في موضوعنا هذا لا نبدع ولا نبتدع إنما نصف الوقائع كما هي على الأرض دون أدنى إضافات من عندنا . وما نطلبه هَهُنا بإلحاح شديد هو أن يتجند الماركسيون وأشباه الماركسيين الذين ينتصرون للحياة الحرة والإنسانية لينكبّوا على دراسة أجدى الطرق وأقصرها لإنقاذ البشرية من رزيّتها الكونية قبل أن يسبق السيف العذل ـ والسيف هنا هو السلاح النووي في روسيا وأميركا، والأسوأ أنه في يد الطبقة الوسطى في كلتا الدولتين . ولعل المسكونين بهوَس تطوير وتحديث الماركسية يجدون مبتغاهم في هذا السياق دون غيره من السياقات الأخرى .
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة المالية الماثلة ليست أزمة الرأسمالية
-
الدكتور سمير أمين يسارع فينزلق نحو المثالية والليبرالية
-
أعداء الشيوعية يكرهون ستالين
-
الانحطاط الفكري لدى شيوعيي انحطاط الإشتراكية
-
القراءة اللينينية لتاريخ الحركة الشيوعية
-
ماذا عن انهيار الإتحاد السوفياتي، مرة أخرى ؟
-
ماذا عن أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي العظيم ؟!
-
ما الذي ينهار اليوم في أميركا ؟
-
عجائز الشيوعية يخرفون أيضاً !
-
ما بين الإشتراكية ورأسمالية الدولة
-
عودٌ على بدءٍ مع حسقيل قوجمان
-
الدين عقبة كبرى في وجه التقدم الإجتماعي
-
شيوعيو الأطراف ليسوا ماركسيين وليسوا شيوعيين
-
المسكونون بدحض الماركسية
-
العدالة الإجتماعية والمساواة ليستا من مفردات الشيوعية
-
كتابة تفتقد التوازن العقلي
-
- النظام - العالمي الهجين القائم اليوم
-
دعوى البورجوازية الوضيعة بتقادم الماركسية
-
أيتام خروشتشوف ليسوا مؤهلين للمراجعة وللنقد الماركسي
-
َعَلامَ يختلف الشيوعيون البلاشفة اليوم ؟
المزيد.....
-
صور بعض قتلى فاجعة اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية في واش
...
-
شاهد كيف ردّ ترامب على سؤال صحفي بشأن رفض مصر والأردن اسقبال
...
-
سموتريتش: إذا تضمنت المرحلة الثانية من الصفقة إنهاء الحرب دو
...
-
من هو محمد الضيف الذي أعلنت حركة حماس مقتله؟
-
تحليل: عندما توجه الجزائر بوصلتها نحو أمريكا كيف يستجيب ترام
...
-
الكشف عن 3 حوادث تقارب جوي سبقت كارثة اصطدام الطائرتين في وا
...
-
إنقاذ 60 شخصا في حريق شمال غربي موسكو (فيديو)
-
للمرة الخامسة على التوالي.. موسكو تسجل رقما قياسيا لدرجة الح
...
-
رئيس الأركان الروسي يتفقد قوات -الشرق- في دونباس (فيديو)
-
مصر.. حريق ضخم يلتهم السفن في السويس
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|