سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2453 - 2008 / 11 / 2 - 04:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المواريث الفلسفية والخبرات العملية, يقال ما أيسر الخراب وما أصعب العمار, لكن فقه النوايا وفلسفة الاتزان تقر بان لاشيء مستحيل مهما اسودت السماء, فكما النهار يبزغ من رحم الليل, وكما الأقمار تهل من وسط الظلمات, وكما يولد الحي من الميت بعدما تمخض عن ضلال الأحياء موتا, فان خير القول وانفعه, أن المجتمع السليم العصي على الانهيار والاختراق, هو مجتمع مكون من أجزاء, لكل جزء وذرة منشطرة من الجزيء مهمة خاصة , ولكل مهمته في الصالح العام لذلك المجتمع, الذي يفترض أن يكون معافى من الفئوية البغيضة, جسد صلب في مواجهة ذاك الاختراق والانهيار الاجتماعي, بحيث إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي الأعضاء بالحمى والسهر, وكل جسد عندما يسرف أصحابه على أنفسهم ويلقون بأنفسهم للهلاك, فانه معرض للشرذمة والتفتت والضعف, فان هانت نفس المجتمع على ذاته, تهون ذاته على الآخرين, ويصبح ذاك الذي تضرب به أمثال الصلابة والعزة فإذ به بعد الفئوية والإسراف ركام وذلة وما ربك بظلام للعبيد, إن هو إلا حصاد الإيثار والتضاد النفعي, والتنافر والتطرف الفكري, وفي المحصلة يتدرج الانهيار الجزئي إلى انهيار شامل, حتى يخال للبعض انه مخلد على ذاك العرش السيادي, ولا يتقي الله في نفسه وأهله, فيتغير الحال إلى حال آخر, ويتغير الآخر إلى حال دونه, ودوام الحال من المحال, إنها لعبة الدوران في دوائر مفرغة, إلا من بعض النعم الزائلة والجاه المقام على أنقاض معاناة الشعوب, ونفوذ قهري زائف, يطيب للبعض تسميته بغير مسمياته, مسميات سامة مل انزل الله بها من سلطان , يسومون بها شعوبهم المطحونة سوء القهر والقمع والآلام, وما أوسع صدر الشعوب وفيرة الصبر, لكن فلسفة الحكمة والتاريخ تخبرنا بان نتقي شر الحليم إذا غضب, خاصة وان أغلى مايملك الإنسان كرامته قبل ماله وممتلكاته, وكل ملك بغير حق زائل لامحالة, وأغلى ممتلكاتنا في فلسطين وحدة الدم والمصير, ونداء لفظ الشرذمة والانقسام, في مواجهة عدو متربص, يخال للفرقاء انه صديق حميم.
وهاهي قاهرة المعز, وقيادتها المثابرة, ترعى بكل جد وتسهر على نمو وتنمية شرنقة الحوار, في محاولة لراب الصدع الفلسطيني وإزالة آثار تجاوز خطوط حرمة الدم الفلسطيني, ولا أخال حوار القاهرة إلا يحمل معالم بزوغ الفجر, حيث لامفر ولا خيار إلا التوقيع على وثيقة إرهاصات العودة وتحكيم لغة العقل والمشاركة, وإسقاط أحلام التفرد والعزل والانشطار, وبعد منعطف التاسع من نوفمبر الجاري, حوار غير ذي روح جدلية تسمح بالارتداد إلى الخلف خطوة واحدة, وهذا ليس مجرد إفراط في التفاؤل, إنما هي قراءة في فقه مايشبه للآخرين المنتفعين والمتشككين والمترددين انه مستحيل, أو أن ذلك المحفل القاهري سيكون أرضية خصبة للمماطلة والحفاظ على الوضع الكارثي" ومصائب قوم عند قوم فوائد" لا أخال أن إمكانية الفشل بالمفهوم المطلق حتى لو أراده البعض أن يكون متاح, فالوضع الفلسطيني وصل إلى ذروة الانهيار وان تدخل عربي جاد وصارم أصبح ضرورة إستراتيجية ملحة, وتحديدا مصر من ضمن معطيات قراءة فقه المستحيل, لم تعد مجرد وسيط حتى تخضع لحكم المنحاز والنزيه, إنما الوضع الكارثي الفلسطيني له من التداعيات على مصر مايجعلها طرفا أصيلا في إصلاح ذات البين واستخدام كل أدواتها ونفوذها , كي تخرج ثمار جهودها مصالحة فلسطينية لاخيار ثاني ولا ثالث لها, بحيث تكون هوامش الإفلات من تلك المصالحة شبه مستحيلة, مهما ساق البعض من مسوغات ومبررات, أحيانا تكون قمة المهزلة وأخرى تكون مبررات مقبولة بحيث لاتصل إلى حد تكريس المصيبة التي تدر على أمراء الانقسام منافع مغموسة بمعاناة شعب لم تنهكه عشرات السنين من مقارعة الاحتلال, بقدر ما أنهكته فترة لعنة الانقسام من عام إلى عام.
إن الطريق إلى القاهرة معبد بالأشواك, لأنه طريق العمار والبناء, وفي عرف أمراء الحروب والانقسام, لامنافع خاصة تدرها مثالية وحكمة وعبثية الوحدة الوطنية, لكن أهم معطيات وحدة خيار المصالحة والحوار, أن تسويق شعارات وتسويف مصارحة ومصالحة, بات أمرا مكشوفا وأي مبررات لاستمرار الانقسام باتت مفضوحة ولا غطاء وطني لها, فمن أتى الله بقلب سليم واخلص النية وعقد العزم على إنجاح الحوار سيكون ظافرا ويظهره الله, ومن تعمد عرقلة المصالحة والحوار فسيخزه الله ويقوض كل أحلامه أسرع مما يتصور, وللمقهورين من أغلبية الشعب لصبرهم حدود وكوابح ذلك النفاذ أن الجرح مهما كان عميقا فهو جرح في الكف, فكفى استهانة بآلام شعبنا ومعاناة أهلنا المرابطين الصابرين, وكفى لفئة تقيس مدى الرضا عما يحدث وعما ينتفع على نفسها, طريق الذهاب إلى القاهرة ليس كطريق العودة في حال بيتت النوايا على حوار من اجل الحوار, ومناكفات لاتخدم إلا الأعداء وأثرياء الكارثة, فغير مسموح بكل المقاييس فشل ذلك المحفل القاهري, لقهر الانقسام, وغير مسموح الحياد العربي السلبي ليركن كل فريق من الفرقاء إلى ما أنعمت عليه به شياطينه ومن بعدهم الطوفان, فصرخة صامتة تعتمل في صدور شعبنا الصابر المرابط الحزين على ما آل إليه حال سمعتنا الوطنية الناصعة, وتلويثها بدنس أحلام الغربان, وممالك الخراب مابين شطري الوطن الجريح.
أنا لست مفرطا في التفاؤل على مقياس من لايتمنون أن يتمخض عن محفل القاهرة غير تأزيم المأزم, وتخريب المخرب ومن بعدهم الطوفان, فنحن من شعاب مكة ونقرأ في معطيات الحاضر خبرات طالما كانت منارة للأحرار تنطلق من فلسطين, بان الحوار والمصالحة الحقيقية لن تعيقها إلا مافيات الدم الأزرق والمال السود, وهؤلاء على جاهزية لبذل مئات ملايين الدولارات لتخريب وتدمير ذلك الحلم والأمل الوطني, وبإذن الله سيردهم رب المستضعفين على أعقابهم ويشتت شملهم ويدمر أحلامهم, فلنا في ذلك الحوار والمصالحة صمام الأمان, الوحدة والمقاومة في وجه النازي الجبان, تلك الوحدة والمقاومة ليست سلعة رخيصة يتاجر بها, ولن تكون مطية سهلة كي يمتطيها أثرياء الانقسام, فما عادت مبرراتهم تنطلي على اصغر شبل ترنو روحه للوحدة , ولكل من أصيب بالإحباط واليأس جراء الإفراط في التشاؤم, والتسليم بان الانقسام أصبح قدرا هو غضب من عند الله, فكيف لمن يحملون لواء التكليف والمسئولية بالإصرار على ثمار الغضب ويطيب لهم مرارة معاناة أهلهم وربعهم.
ما عادت الطريق إلى القاهرة نزهة أمراء, فذهاب لصناعة وتنمية فسحة الأمل هي القدر المفترض, والحكم بعد الله هو الشعب الذي لن يرتضي في نهاية المطاف حياة الذل والهوان, والتصفيق لهذا الفريق أو ذاك, سواء انتمى لهذا الفصيل أو ذاك, فأسمى أنواع وعناوين الانتماء هي انتماءات الوطن فلسطين ودونها الضياع, فالمفروض أن يفيق القوم ذاتيا قبل أن يفيقهم الغير, المفروض أن الحياد العربي جريمة, فلم يعد شعار الفيتو الأمريكي والإقليمي ذات قيمة وذات نفع, فالتداس كل الشعارات تحت أثقال وصايا ودماء ومعاناة الشهداء والجرحى والأسرى, وشعبنا مهما استخف بصمته البعض في مواجهة الانقسام, ومهما لوح له بالقمع هنا وهناك, فحتما سينهض من سباته وينتزع وحدة مصيره ويلفظ كل أثرياء وأمراء الانقسام , فقد بلغت ذروة المعاناة والقهر في النفوس مبلغها, ولكل حالة سقف ولكل صبر على البلاء والابتلاء حدود.
أقول للمتشائمين من رحلة الذهاب إلى القاهرة, كفى تشاؤما فلا خيار أمام الفرقاء إلا تدارك المصيبة الكبرى, والاحتكام لوصايا الشهداء, رحم الله الياسر والياسين والشقاقي والمصطفى وكل الأبرار الشهداء, ماكان ممكنا هذا العبث المدمر في معيتهم ومحياهم أنهم عظماء طالتهم يد الغدر الآثمة من اجل حالنا هذا, لأنهم كانوا ويفترض أن يبقى ويستمر نهجهم وذكراهم معيار للتوازن والحكمة والاتزان وقرع الأجراس كلما اشتد الخلاف الفصائلي, بان لاتناقض رئيسي ولا تصويب إلا صوب الصهيوني النازي السجان, ولو كانوا أحياء لتمنوا أن تبتلعهم الأرض على أن يشهدوا هذه المهزلة الوطنية التي لاتصب إلا في مصلحة الصهاينة وذيولهم ومافيا أثرياء المعاناة , لاحول ولا قوة إلا بالله.
الطريق إلى القاهرة رحلة ذهاب إلى الخيار الأوحد, خيار المصالحة والحوار, ونتوقع من منطلق القابضين على جمر الوحدة ووصايا الشهداء, أن يقدم أعداء الوحدة على نسج المؤامرات وافتعال جريمة هنا وأخرى هناك لإفشال ما لا يحتمل الفشل بكل ما اوتو من قوة تنكر وتخمة أرصدة مشوهة ومشبوهة المصادر, كي ينالوا من صفاء النوايا ويلوثوا الأجواء, لكني على يقين بعدالة السماء, وان الظلم مهما استشرى فانه زائل, وان هناك في محفل القاهرة سنشهد توقيع وحوار جاد وتدخل عربي مؤثر لايترك مجالا لأي عابث مع توقع, أن هناك من يستبق الانطلاق إلى طريق القاهرة ليخرب الطريق الممهدة ويحيلها إلى وارض وعرة ليصعب معها إكمال الطريق, لكن لاخيار إلا ركوب الصعب والتحلي بالصبر في مواجهة الأنواء, لأنه لاخيار أمام أبناء الوطن الواحد إلا البحث عن نبتة الوحدة في ارض وصحاري جرداء, ومن لديه خارطة الطريق الوطنية يهتدي ببوصلته وإرادته, مهما اعترت طريقه من دهاليز وأنفاق وعصي, وإنني على يقين بان القاهرة ومن خلفها العرب جميعا وان لم يبدوا ذلك فقد اتخذوا قرار بلا رجعة بضرورة إنهاء الانقسام شاء من شاء وأبى من أبى, ولا غرابة في ذلك الموعد أو مع اقترابه سوف نشهد تغيرات يطلق عليها مسميات وطنية كثيرة لكن في جوفها الخبث والمكر والنوايا السيئة, فيمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين, ومن هنا استبشر خيرا كمن يتلمس الأمل الحتمي من رحم اليأس الذي استشرى كوباء لعين, لن يسلم بذلك الوباء الانشطاري إلا المهترئين الضعفاء, فالوطن وطن الجميع, والسلطة ليست لغير الشعب مهما وصفه البعض بالصم والبكم, ومصر قيادة وشعب ومن خلفها الأمة العربية والإسلامية ستنجح حتما إن لم يكن بالاستجداء الحميد والحث الجدي على المصالحة والحوار فبفرضه دون ضرر أو ضرار, والانحياز فقط يكون بالمطلق من مصر وكل العرب والمسلمين الأشقاء والأصدقاء, لإرادة ورغبة الجماهير الفلسطينية العريضة على امتداد الوطن والشتات, ولا أخال اثنين من الشرفاء يحتملون أن يستمر الانقسام لساعة واحدة , يبني عليها الأشرار أوهام ممالكهم, هذا وبالله التوفيق, متمنين أن تتفتح الأدمغة والقلوب لتوحيد الكلمة والراية في مواجهة المتربصين والأعداء.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟