عسكرة شمال إفريقيا ونتائجها المحتملة ( ج 2)

شحماط مراد

الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 07:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

* - موقف الدول المغاربية من القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا:
بالرغم من الرفض العلني للحكومات المغاربية للعرض الأمريكي بخصوص إقامة قواعد عسكرية أمريكية بمنطقة المغرب العربي، إلاّ أن القيادة العسكرية الأمريكية تهدف من خلال هذا التقارب إعلان إصرارها على الحلم الأمريكي بالمنطقة( )، بالرغم من تأكيد واشنطن بأن الهدف الرئيسي يتمثل في ضمان الاستقرار على المدى الطويل في منطقتي دول الساحل والمغرب العربي، بما فيها مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة السرية ومراقبة الحدود، وهذا في محاولة من إدارة بوش لضرب طوق حول التنظيمات المسلحة في القارة، وبخاصة في منطقة جنوب الصحراء التي اتخذت منها الجماعات المغاربية المسلحة، مسرحا لحركتها وجسرا لتموين عناصرها بالسلاح، وقد سبق أن عرضت واشنطن على موريتانيا استضافة مقر الأفريكوم، إلاّ أن هذا العرض تسبب بتجاذب قوي بين الحكومة والمعارضة التي حذرت من الموافقة على الطلب، بعد ذلك بدأت أعداد من قوات المارينز تصل إلى شمال البلاد، كما زار السفير الأمريكي في موريتانيا المنطقة ذاتها عدة مرات في ظرف شهرين( )، مما طرح عدة علامات استفهام .
أما الجزائر فقد أعلنت رفضها صراحة وأبلغت الأمريكيين بعدم رغبتها في استضافة مقر القيادة، على لسان وزير الخارجية آنذاك "محمد بجاوي" بقوله :" إن الجزائر لن تدخل في آلية تعاون متقدمة مع الناتو تتجاوز الإطار المحدد فيما يعرف بالمبادرة المتوسطية للحلف الأطلسي، ولن تقبل بوجود قوات وقواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، وإن كانت واشنطن تقول في كل مناسبة أنها لم تقترح أصلا إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة المغرب العربي، وهو ما أكده الرئيس الجزائري بوتفليقة في حديث لصحيفة "أي بي سي" الاسبانية( )، أن بلاده لم تستلم عرضا من الأمريكيين في هذا المعنى، ما يجعلها غير مطالبة بالرد سلبا أو إيجابا، وإن كان العديد من الرسميين وفي عدة مناسبات رفضوا ذلك مطلقا، في رد مسبق على الحملات الإعلامية التي كانت واشنطن تطلقها لجس النبض ومعرفة صدى طلبها في حال تقديمه رسميا. كذلك الأمر بالنسبة لتونس وليبيا واللتين اختارتا عدم التسرع، وإن كانت ليبيا قد رفضت ذلك مطلقا، بل وتعارض حتى على إقامة قواعد عسكرية أمريكية في أيّ من بلدان القارة، وهو ما تتوافق فيه مع الجزائر.
بينما يبقى رأي المغرب غير واضح فهو مرة يصرح بمعارضته لذلك، ولكن بعض التقارير تذهب عكس ذلك، وتدلل على أنه أعطى الموافقة على البدء في بناء قاعدة عسكرية في"طانطان"( )، في موقع يسهل وصول المؤن والعتاد العسكري إليه عن طريق البحر داخل الأراضي الصحراوية ، وهو ما لم تستطع السلطات المغربية نفيه، بل أصبح يتأكد يوما بعد يوم، حيث أصبحت المنطقة والتي كانت سياحية ممنوع الاقتراب منها، وعلّقت السلطات الرسمية المغربية على الظهور المتزايد لأفراد القوات الأمريكية في المنطقة بكونهم يشاركون في تحسين حقول الواحات في المنطقة( )..!. وهنا توجهت الأنظار مباشرة إلى الرفض التام الذي أبدته الجزائر بخصوص إقامة القيادة الجديدة على أراضيها، واصطفاف الدول الإفريقية وراء موقف الجزائر، وهنا استنجد الأمريكيين بالمغرب لإقامة القيادة على الأراضي الصحراوية ـ المحتلة ـ وهذا حتى لا تكون له ردود فعل قوية داخليا في إشارة إلى أن القيادة سوف تكون في الأراضي المتنازع عليها، وبطبيعة الحال فإن المغرب لم يقدم على هذه الخطوة إلا إذا قبل البيت الأبيض طلبهم، وهو افتكاك دعم الإدارة الأمريكية يمكنه من فرض منطقه الخاص لحل القضية الصحراوية( ) .
وهو ما حصل عليه المغرب فعلا بتصريح الرئيس "بوش" في أواخر جوان / يونيو 2008 بأن قيام دولة صحراوية مستقلة، لا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة .
إذا، مرة أخرى تتضح ملامح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة المغاربية، بكونها لا تميل إلى طرف
على حساب طرف آخر إلا بمقدار ما يقدمه من تنازلات لها، و إنشاء قيادة عسكرية في إفريقيا أو في شمالها بالتحديد ،دلالة جديدة على ذلك.
وبالرغم من الرفض العلني للحكومات المغاربية من العرض الأمريكي بخصوص إقامة قاعدة عسكرية أمريكية بمنطقة المغرب العربي، إلاّ أن القيادة العسكرية الأمريكية تهدف من خلال هذا التقارب إعلان إصرارها على الحلم الأمريكي بالمنطقة، بالرغم من تأكيد واشنطن بأن الهدف الرئيس يتمثل في ضمان الاستقرار على المدى الطويل في منطقتي دول الساحل والمغرب العربي، بما فيها مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة السرية والاتجار بالمخدرات ومراقبة الحدود.
إن عسكرة شمال إفريقيا تنطوي على دلالات عميقة بخصوص مضمون السياسة الأمريكية في المنطقة، ولاسيما من حيث ما تعنيه تلك الخطوة من اتجاه إدارة بوش نحو عسكرة سياستها الإفريقية بشكل غير مسبوق، حيث باتت الإدارة العسكرية هي الأكثر بروزا من بين مجمل أدوات سياستها الخارجية، وهو ما يعني أن سياسة الولايات المتحدة إزاء إفريقيا باتت بصورة شبه كاملة محكومة بأهداف عسكرية، يتم تنفيذها بالأساس من جانب المؤسسات العسكرية، فهل تستطيع الدول الأفريقية عامة و المغاربية بالخصوص على تحمل تبعات هذه السياسة الأمريكية؟ وهل الرأي الشعبي- إن كان له رأي وتأثيرـ سوف يقبل هذا التدخل الأمريكي؟


- محمد الأشهب " واشنطن تصر على قاعدة أفريكوم بالمنطقة " ، الحياة ، عدد 22 جويلية 2007 .
- رشيد خشانة ، " بسبب وجود القاعدة أو بذريعتها ... أمريكا تعتمد صيغة مرنة لتوسيع نفوذها العسكري في المغرب العربي".
- المرجع نفسه .
- "قاعدة أم القاعدة" ، الشروق الجزائرية ، عدد: 1856 ، 28 فيفري / فبراير 2007 .
- المرجع نفسه .
- "بوش يحرض على الحرب في المغرب العربي " أسبوعية المحقق ، العدد 120 ، من 28 / 06 إلى 04 / 7 / 2008 ، ص 5 .

#شحماط_مراد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات