أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسر جاسم قاسم - التنوع الفكري لدى العلامة الدكتور علي الوردي















المزيد.....



التنوع الفكري لدى العلامة الدكتور علي الوردي


ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)


الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 06:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن هذه الدراسة التي أقدمها للقارئ الكريم عن الدكتور المرحوم علي ‏الوردي تختلف عن دراساتي السابقة عن هذا العلامة والاختلاف هو أن ‏دراساتي السابقة تكون مختصة بفكر معين حواه هذا الرجل أما بهذه ‏الدراسة سأستقي من بستان معرفته مشارب مختلفة كل واحدة منها في ‏اتجاه معين وبالتالي تبحث في فكر معين أقدم هذه الدراسة بمناسبة ‏مرور الذكرى الرابعة عشرة لرحيله وستنقسم هذه الدراسة إلى عدة ‏محاور:‏
أولا : العلامة علي الوردي وصلته باللغة العربية:‏
قد يتساءل سائل ويقول ما هي صلة عالم الاجتماع باللغة العربية ‏؟وللجواب نقول إن اللغة هي إحدى ظواهر علم الاجتماع إن لم تكن ‏أهمها والوردي كان له باعا طويلا في مسالة اللغة لأنه تناول الشخصية ‏المجتمعية وكأنه كان يناغي عالم الاجتماع الكبير ((سوسير)) الذي ادر ‏كان الوقائع الاجتماعية يمكن إن تكون مادة للعلم وعلم سوسير ذلك فادر ‏كان اللغة هي واقعة اجتماعية أيضا وبالإمكان الاتجاه إليها بالملاحظة ‏والدرس فأعلن ثورته على الدرس اللغوي التقليدي الذي كان شائعا في ‏القرن التاسع عشر في أوربا والذي كان سوسير نفسه احد أقطابه وهكذا ‏كان لعلم الاجتماع دور كبير في مراقبة اللغة وكان الشهاب الذي أنار ‏للغويين المحدثين طريقهم ويقول الدكتور نعمة العزاوي إن اهتمام ‏الوردي باللغة العربية في بداية أعماله العلمية كان أثرا من آثار التآزر ‏الذي كان قائما بين اللغويين وعلماء الاجتماع في أوربا كذلك يقول ‏الدكتور نعمة العزاوي إن آراء الوردي اللغوية لم تجد لها صدى في ‏المحيط الثقافي عامة والمحيط اللغوي خاصة ذلك لان الوردي العالم ‏الاجتماعي قد أخمل الوردي اللغوي أما آرائه اللغوية فيمكن ان نلخصها ‏بعضها بالشكل الأتي :‏
‏1-‏ إن اللغة العربية هي لغة مجتمع يهتم بالشعر فهي بذلك تكون لغة ‏ذات ألفاظ رنانة أكثر مما تهتم بالمعنى الدقيق .‏
‏2-‏ إن اللغة العربية بكثرة مافيها من أنواع للجموع وكثرة المترادفات ‏والمشترك اللفظي وهو يعني دلالة اللفظ الواحد كدلالة العين مثلا ‏العين هي عضو البصر وعين الماء والجاسوس وغيرها من ‏المعان وكثرة مافي اللغة من الأضداد يعتبر الوردي هذه المسالة ‏إن اللغة العربية هي لغة مائعة وانعدام الدقة فيها.‏
وهنا نعتبر الدكتور علي الوردي ليس دقيقا في هذه النقاط التي ‏طرحت من قبله فاللغة العربية ليست لغة عاطفية كما عبر عنها ‏الوردي بذلك لأنها تهتم بالشعر ولكن اللغة في كل العوالم الإنسانية ‏هي الأداة المعبرة عن اهتمامات ناسها وشعبها العقلية والفلسفية ‏والعاطفية ولشعرية وغيرها من الأمور وباعتبار الشعر احد ‏اهتمامات العرب فقد عبرت عنه اللغة وبشكل دقيق انسجم ‏ومتطلباته ولكن قد يكون اعتبار الوردي إن اللغة أصبحت رنانة ‏لاهتمامها بالشعر لاستخدام الوزن والقافية ولكن الشعر في اللغة ‏العربية اليوم اتخذ طابعا آخر بعيد عن الموسيقى والقوافي التي ‏كان يقال بها فاليوم الشعر يعبر عنه عن طريق اللغة العربية بأدق ‏المعاني الفلسفية والواقعية والعاطفية بعيدا عن الموسيقى التي ‏كان يقال بها فاللغة واكبت الشعر عندما كان يقال بالموسيقى من ‏وزن وقافية وواكبته عندما تخلى عن الوزن والقافية وما زالت إلى ‏الآن تعبر عنه بما يريد الناس إن كان وزنا أو قافية أو كان معاني ‏دون موسيقى شعرية.وللدكتور الوردي رأي في الشعر والقصة ‏ففي معرض سؤال وجه للدكتور الوردي عن اهمية دور القصة ‏في الحياة؟ وهنا كانت اجابة الدكتور الوردي بان القصة حلت محل ‏الشعر في الادب الحضاري الحديث والظاهر ان القصة اكثر ‏استجابة لمقتضيات الحضارة الحديثة من الشعر فالقاص لا يندفع ‏مع العاطفة على نحو ما يفعل الشاعر بل هو يحاول ان يتغلغل في ‏اعماق النفس والمجتمع من اجل وصف تلك الاعماق لا من اجل ‏الاندفاع معها ((حوار مع الدكتور الوردي،حسين ‏الحسيني،ص80،الأقلام،العدد8,1983 )) وهكذا فعلي الوردي في ‏اغلب كتاباته يقلل من قيمة الشعر في الحضارة الحديثة ولكنه لا ‏يلغيه ففي نفس اللقاء أعلاه يشدد على إن الحضارة الحديثة لم تلغ ‏الشعر أو العاطفة إلغاء تاما ولكنها حجمت من دوره ولم تسمح له ‏بان يطغى على حياة الناس .‏
أما قوله بأنها لغة كثيرة المترادفات والجموع وبالتالي فهي لغة ‏غير دقيقة فنرى كثرة المترادفات في اللغات الأخرى ولكن لم نرى ‏احد أبنائها رماها بما رماها به الوردي كذلك فقد عد الوردي رحمه ‏الله مسالة المرونة في صياغة الجملة العربية سببا من أسباب ‏ميوعتها وعدم دقتها ولكن فات الوردي إن حرية المتكلم في ‏صياغة الجملة دليل على توخيه الدقة ورغبته في أن يطابق ‏التأليف المعنى المقصود فاللغات الأوربية تقدم هذه المرونة وتتبع ‏في تأليف الجملة نظاما صلبا ونسقا جامدا إذ ينزل اللفظ من ‏الجملة منزلا معينا لا سبيل إلى تغييره مهما تبدل المعنى أو تغير ‏المقصود .‏
ثانيا :الوردي وإعجاز القران/ وهنا يرى الوردي إن بلاغة القران ‏كانت موضع خلاف ويرى إن عظمة القران لا تقاس بمقياس اللغة ‏والأسلوب وإنما توزن بما فيه من ثورة اجتماعية كبرى وما عبر ‏عنه بمثل عليا وقيم رفيعة((أسطورة الأدب الرفيع ص152)) ‏ويقول الوردي إن القران لم ينزل ليعلم الناس الفن على حد تعبيره ‏وهنا فالناحية اللفظية أو الفنية لا شان لها في إعجاز القران في ‏نظر الوردي وهنا فان هذا الكلام يشابه ما ذهب إليه الدكتور زكي ‏مبارك بقوله في كتابه النثر الفني من إن المعركة في مكة كانت ‏تدور رحاها حول ما في القران من الدعوة إلى توحيد الله عز شانه ‏وأفراده بالقدرة والجبروت ولكن هناك رد على هذا المفهوم من ‏قبل عبد القاهر الجرجاني حيث يقول ((إن سبيل الكلام سبيل ‏التصوير والصياغة وان سبيل المعنى الذي يعبر عنه هو سبيل ‏الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه كالفضة والذهب يصاغ ‏منهما خاتم أو سوار فكما إن محالا إذا أنت أردت النظر في صوغ ‏الخاتم وفي جودة العمل ورداءته أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك ‏الصورة أو الذهب الذي وقع فيه العمل وتلك الصيغة كذلك محال ‏إذا أردت أن تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في ‏مجرد معناه وكما لو فضلنا خاتم على خاتم بان تكون فضة هذا ‏اجو داو فضته أنقى لم يكن ذلك تفضيلا له من حيث هو شعر ‏وكلام ((دلائل الإعجاز،عبد القاهر الجرجاني،ص195)) ‏

وهنا يوجد تعلق لطيف للأستاذ الدكتور نعمة العزاوي على الدافع ‏الذي دفع الوردي إلى تجريد لغة القران من الإعجاز بالا تكون هذه ‏اللغة التي اشتملت على خصائص العربية ومثلت جميع ظواهرها ‏دليلا على نبل هذه الخصائص وجمال تلك الظواهر وبذا يستطيع ‏الوردي أن يجرد أنصار العربية من السلاح الذي يدافعون به عن ‏جمال اللغة وروعة أسرارها وما سلاحهم هذا إلا أنها لغة القران.‏
ثالثا/ من ايجابيات الفكر الوردي كما يحلو لي تسميته إن الدكتور ‏علي الوردي كان يسعى لتوكيد وتبرير مسالة/إن الحقيقة هرمية ‏الشكل وليست بالمسطحة فتدرك بجميع أبعادها دفعة واحدة ‏منتصرا في ذلك للمفهوم النسبي رافضا الفكر الأرسطي مؤكدا إن ‏الإطلاق في الأحكام والوثوق بالاجتهادات والتوصلات الشخصية ‏لامكان له في عالم اليوم ولقد توفر للعلامة الوردي من خلال هذا ‏المنظور النسبي على دراسة العديد من ظواهر حياتنا الروحية ‏والاجتماعية فجاء بالجديد الذي لا يرضي الكثيرين ولعل تصريحه ‏إبان هزيمة حزيران قوله :إن تعلقنا بالشعر قيمة جمالية –ذهنية ‏مطلقة يعد واحدا من الأسباب التي قادت إلى الهزيمة –مجرد مثال ‏واحد على اجتراءاته الصادحة لبنية عقلنا التي يحتل فيها الشعر ‏موقعا أثيرا من حيث نحن امة اقرب إلى البداوة ونحن في هذا ‏البحث سنتطرق إلى العديد من المحاور التي صدم بها الوردي ‏أبناء جيله –وأنماط أفكارها ورؤيتها إلى الحضارة الحديثة فهل ‏نستطيع استبدال الشعر بالقصة والرواية والمسرحية وهو يشير ‏إلى تعلقنا بالظاهرة الصوتية كثيرا وباللغة أكثر ونعول عليها بدل ‏الوقائع العينية وهنا ينزل نقمته على اللغة ويعتبر إننا أصبحنا ‏مجرد ظاهرة صوتية نعول على الصياغة اللغوية لا الوقائع العينية ‏وندير ظهرنا للوجود المادي احتفاء بالتراكيب الصائته ولكن ‏اختلف معه بعض الشيء في هذا المجال فاللغة اليوم بالإمكان أن ‏تكون عرابة الحقيقة بل إن صيرورة الإنسان وتطوره التاريخي ‏يرتبط بها وهنا يقول بن عربي ((الحروف هي امة من الأمم )) ‏وبالتالي فاللغة تقوم على نتاج المعنى تاريخيا وهنا استطيع سوق ‏مثال لعلي شريعتي حول قضية الإمام الحسين التاريخية التي ‏تجاوز علي شريعتي بها الشريعة والأفق الفلسفي وهو يقول ‏واصفا إياه/ ترك الحسين الناس يطوفون حول بيت الرب وذهب ‏هو ليطوف حول رب البيت وبذلك فلسف قضية الحسين وأخرجها ‏من إشكاليات كثيرة تناولها المؤرخون والمحدثون وغيرها حيث ‏اعتبروا ترك الحسين الحج هو أمر غير صحيح وبعضهم قال انه ‏صحيح وغيرها من الأمور التي تناولها المؤرخون ،ولكن اللغة ‏عند شريعتي حلت المشكلة وفتحت بابا آخر في المسالة مع الحج ‏من جهة في أدبياته الفقهية ومسالة الثواب وتهويلا ته معها ‏،واحتكاره مع المكان الخاص به . ((رحيل عالم الاجتماع ‏الكبير،د.علي الوردي ،صورة جيل في فكر رجل ’محمد مبارك، ‏آفاق عربية, عدد 7-8،تموز،1995م,ص31))‏
وهنا يقول فجنشتن (إن حل اللغز والصلة الرمزية بين الكلمات والأشياء ‏يتم بتحليل اللغة وصورها)‏
‏ رابعا: ‏
‏ منظوره الفلسفي على صعيد دراسة الشخصية العراقية فقد حاول ‏قراءتها في ضوء فرضيتين أساسيتين تقدم بهما عام 1951 وهما ‏صراع البداوة والحضارة وفرضية ازدواج الشخصية ثم أضاف فرضية ‏ثالثة الا وهي التناشز الاجتماعي وهو بنظرياته الثلاث درس المجتمع ‏من خلال دراسة الشخصية وهنا الفت النظر إلى إن الدراسة الحديثة تبدأ ‏بدراسة المجتمع ثم تفصل الشخصية وهي نظرية النقد الابستمولوجي ‏التي تنطلق من المجتمع والتاريخ إلى الشخصية ولكن نستطيع القول إن ‏الوردي بدراسته هذه استطاع أن يكون أكثر دقة في وصف الشخصية ‏العراقية من خلال تأشير الكثير من الأمراض الاجتماعية فيها ومنها: قيم ‏العصبية والغرور والثار والدخالة والتسيار وغسل العار وذلك بسبب ‏زحف البداوة على المجتمع وهو بذلك استطاع إن يشخص السمات ‏الثابتة التي يؤشرها في انقسام الفرد العراقي على نفسه على عالمين/ ‏واحد للمثل والمبادئ والقيم الصحيحة وآخر لما درجتا عليه في البيت ‏والشارع والسوق والبستان والورشة وهكذا من قيم الغلبة والشطارة ‏للتعجل بالربح وهو ما يسميه علامتنا الفرهود.‏


وهو بالتالي يشخص التناشز بين قيم الحضارة الحديثة وما اعتدناه ‏وتشربناه عبر عهود التخلف تعارض هذه القيم بقيم محلية وعشائرية ‏متخلفة من قبيل العشيرة والجيرة والنخوة وغيرها من الأمور وهذا ‏التناشز يعتبره علي الوردي إعاقة لحركة المجتمع ومنع من الانطلاق ‏صوب حضارة العلم والصناعة والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن في ‏الوقت الذي يرفض فيه الوردي قيم النخوة والجيرة والزاد والملح لا ‏يركز في حيثيات كلامه على قيم مهمة إيجادها في المجتمع بالانطلاقة ‏من الجانب الروحي الإنساني وعلى رأسها قيم التسامح والأخلاق ‏المجتمعية وهذا ما ابتدأ به الغرب اليوم أصلا حيث استطاع أن يؤسس ‏فيه عدد من العلماء معهد الأخلاقيات الكوكبية والذي يدعو فيه مجموعة ‏من العلماء إلى أخلاق منطلقها أنساني روحي وليست ذات بعد مادي كما ‏صور الوردي الحالة فقد طالب المجتمع بالبعد عن كثير من الأخلاقيات ‏الشعبية دون أن يضع بديلا على غرار معهد الأخلاقيات الكوكبية الذي ‏يدعو إلى ثقافة التسامح والأخلاق الحميدة والصدق والإيثار وغيرها ‏ويطلق عليه / ‏the institute of the global ethics ‎
ولكن قد يسال شخص فيقول: إن الوردي بمجرد إرادته الصادقة أراد أن ‏يخلص المجتمع من أخلاقيات باتت تعيق تقدمه . ولكن فرضية التناشز ‏يجعلها العلامة الوردي أساس ظاهرة الازدواج وبالتالي فالدكتور الوردي ‏يجعل من الفرق بين ما نقول ونعمل هو التناشز وهو أساس الشخصية ‏المزدوجة والتناشز الاجتماعي على وجه الدقة كمن أهم معالم مرحلة ‏الانتقال التي تمر البلاد العربية بها في الوقت الحاضر وهو يظهر في ‏مختلف نواحي الحياة ولكنه يظهر بقوة في نظر الدكتور الوردي ‏بالنواحي الثلاث التي تتميز بها الحضارة عن البداوة وهي/‏
‏1-‏ المهنة.‏
‏2-‏ السلطة.‏
‏3-‏ المال.((الثقافة العربية،العدد13،تشرين الثاني،1974م،ص10))‏
فالوردي يقارن في قضية إن الأسواق في البلاد الغربية ترفع شعار ‏‏((الزبون على حق دائما)) في حين نحن نستخدم الشطارة في مهنتنا ‏في سبيل غلبة الزبون على الرغم من صحة هذا المثل حول المهنة ‏ولكن بدأت الأسواق في البلاد العربية تختلف كثيرا عما يقوله علامتنا ‏لان ضروف رأس المال اليوم تختلف كثيرا من ناحية تعدد مصادر ‏المبيعات فالزبون اليوم عندما يكتشف سوء بضاعة محل ما يتجه ‏صوب محل آخر لكثرة الخيارات وهذا مما كان غير معمول به سابقا ‏لعدم تنوع مصادر رأس المال فتنوع مصادر رأس المال يسمح وبشكل ‏كبير إلى إنهاء إحدى نواحي ظاهرة التناشز الاجتماعي.‏
أما في مجال السلطة فيقرر الوردي .... إن العلاقة بين الشعب ‏والحكومة في البلاد المتقدمة حضاريا تقوم على أساس من الثقة ‏المتبادلة فالحكومة خادمة الشعب كما إن الشعب خادم الحكومة وبغير ‏هذا لا يمكن أن تنجح الحكومة في أعمالها ويقارن بين هذه الحالات ‏الهامة في السلطة وبين ما يجري في البلاد العربية بشكل عام من ‏انتهاك من قبل الحكومات لإفراد شعبها وهكذا لانرى تعاون مثالي بين ‏الشعب والحكومة لدينا في العراق ثم إن الوردي يتعمق أكثر في ‏المجتمع ليقول إن نسبة كبيرة من سكان الأرياف لا يزالون يجدون ‏من العار عليهم أن يقدموا شكواهم إلى الحكومة عند حصول اعتداء ‏عليهم فهم يعتبرون ذلك دليلا على الضعف وقلة الرجولة فيهم ولكن ‏كان من المفروض على الدكتور الوردي ان يعمم هذه الظاهرة لكي ‏تشمل سكان المدينة كذلك فلا اعرف كيف فات الدكتور الوردي ان ‏هذه الظاهرة ليست مقتصرة على سكان الارياف بل سكان المدن ‏كذلك،أما من ناحية تقدير المال فان الحضارة الحديثة يمكن تشبيهها ‏بالآلة المعقدة ذات الأجزاء الدقيقة فهي تعمل بمبدأ وضع الشخص ‏المناسب في المكان المناسب ، أي إن الحضارة الحديثة تنظر إلى ‏معيار الكفاءة ومدى قدرة الشخص على أداء العمل عندما يناط به ‏بغض النظر عن صلاته الاجتماعية أو أي اعتبار آخر أما القيم البدوية ‏فتقدر الإنسان بمقدار ماله من قرابة أو جيرة أو ولاء أو فضل سابق ‏أو صداقة أو ما شابه وهنا يكون التناقض حسب النظرية الوردية ‏حيث إن مشكلة الكثيرين أنهم لا يدركون طبيعة التناقض الموجود بين ‏هذين المبدأين التناقض الذي يقود إلى التناشز الاجتماعي فترى ‏احدهم يدعو تارة إلى مبدأ المساواة في تطبيق القانون وإعطاء كل ‏ذي حق حقه ويدعو تارة أخرى إلى المحاباة حسبما توحي به القيم ‏البدوية الموروثة وهنا يضرب العلامة الوردي أروع الأمثلة في ذا ‏المجال فيقول إن احدهم إذا كانت لديه حاجة في دوائر الحكومة مثلا ‏أسرع إلى الوسطاء من أولي النفوذ يستنجد بهم وينخوهم على ‏الطريقة البدوية إنما هو لا يكاد يلمح احد غيره قد غلبه في الوساطة ‏وحصل على الشيء المطلوب قبله حتى نجده قد انقلب إلى شخص ‏آخر وصار يدعو إلى مبدأ المساواة ووجوب إعطاء كل ذي حق حقه. ‏وهكذا نرى الملاحظة القيمة على طبيعة ما نعيشه من تناقض يؤدي ‏إلى تناشز واضح ومعروف في مجتمعنا أي تناشز القيم .‏
خامسا/ كي لا ننسى فضل علي الوردي في النظرية النسبية في ‏الدراسات الاجتماعية أي إن الوردي لم يعمم أفكاره بصورة مطلقة إلا ‏ما ندر في دراسته الاجتماعية وعلي الوردي استطاع أن يستخلص ‏النظرية النسبية في الدراسات الاجتماعية من ابن خلدون أولا ‏والجاحظ كذلك وخلاصة نظرية الجاحظ في هذه النظرية إن الله لا ‏يعاقب الكافرين على كفرهم إلا من كان منهم معاندا يعرف الحق ‏وينحرف عنه لغرض من أغراض الدنيا أما الكافرين من العوام ممن ‏يعيشون في المناطق المنعزلة من العالم فهم معذورون ولكن يعذبهم ‏الله على كفرهم لان الله ليس بظلام للعبيد. وهكذا فالوردي يعطي ‏مدلولات النظرية النسبية من حيث احترام العقيدة من قبل المجتمعات ‏المتحضرة وهنا يسوق مثالا عن عائلة أمريكية فقيرة أنها كانت كثيرة ‏الأطفال قد اضطرها الفقر إلى عرض اثنين من أطفالها للتبني فتبنت ‏احدهما عائلة كاثوليكية والثاني عائلة يهودية وعندما كبر الطفلان ‏التقيا وكانت دهشتهما كبيرة حيث اكتشفا انهما يعتنقان دينين ‏مختلفين مع العلم ان ابويهما من البروتستانت فلو انهما بقيا مع ‏أبويهما لكانا من البروتستانت وهذه هي النظرية النسبية في ‏الدراسات الاجتماعية من حيث انه قد لا يكون الأبناء على دين الآباء ‏‏((الأقلام العدد 8 ,1983)) فلو إن الأبناء نشئوا في بيئة أخرى ‏لاعتنقوا ديانة أخرى وهكذا...‏
سادسا/ اتهام الدكتور علي الوردي بالتطفل على التاريخ/ حيث انه لم ‏ينكر هذه التهمة ولكنه صرح بأنه يدرس التاريخ من حيث صلته ‏بالمجتمع بل بعبارة أخرى انه لم يدرس التاريخ لذاته كما يفعل ‏المؤرخون بل درسه لكي يفهم المجتمع به وهذا ما أشار إليه في ‏مقدمة كتابه ((لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث )) حيث قال ‏ما نصه((ان هذا الكتاب على اية حال يشبه ان يكون كتاب تاريخ بيد ‏انه يختلف عن كتب التاريخ المعتادة بكونه لا يهتم بالأحداث الماضية ‏لذاتها على منوال ما يفعل المؤرخون بل هو يهتم بالدرجة الأولى بما ‏تنطوي عليه الأحداث من دلالة فكرية واجتماعية أما الاستقراء ‏التاريخي فيأتي بأهميته بالدرجة الثانية)) ((د.علي الوردي ,لمحات ‏اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ))‏
ومنهج الوردي واضح في كتابه انف الذكر حيث يتلخص في إن ‏دراسة المجتمع ودراسة تاريخه أمران متلازمان فالنظر إلى أي ‏ظاهرة اجتماعية في أي مجتمع يصعب على الإنسان التعمق بفهمها ‏مالم تدرس جذورها في التاريخ وهكذا فعل علي الوردي في اللمحات ‏وقد يتساءل سائل ويقول علي الوردي يقرا اللمحات الاجتماعية من ‏خلال دراسة أي تاريخ قريب ام بعيد والجواب هو التاريخ القريب ‏طبعا فهو قد عاب على باحث مصري اخذ شهادة دكتوراه عن ‏اطروحة حاول لان يفسر فيها سلوك الشعب العراقي في عهده ‏الحاضر بما كان عليه في صدر الإسلام ناسيا إن هناك قرونا عديدة ‏مرت بين العهدين.‏
سابعا/ انطلاقات علي الوردي في بحوثه الاجتماعية من خلال مدارس ‏عديدة : حيث ينطلق من مقولة جدا مهمة يعبر فيها عن مدارسه ‏الفكرية التي تتبعها حيث يقول: ((على الباحث الاجتماعي ان يكون ‏مثل / لقلق الكنيسة/ فيأخذ من كل نظرية ما يلاءم مجتمعه بغض ‏النظر عن مصدر تلك النظرية أو اتجاهها المذهبي فرب نظرية تصلح ‏لفهم مجتمع معين بينما قد لا تصلح لفهم مجتمع آخر ))((آراء ‏وتفسيرات حول المجتمع وطبيعة الإنسان ،حوار آفاق عربية،العدد9 ‏،مايس1984م،ص40 ))وهكذا يتكلم الوردي عن حضوره في عام ‏‏1966م المؤتمر الاجتماعي العالمي السادس الذي عقد في ايفيان في ‏فرنسا وشاهد الجدال الذي جرى بين دعاة المدرسة الماركسية ‏والمدرسة الغربية حيث ألقى احد دعاة المدرسة الماركسية خطبة ‏طويلة فند فيها المدرسة الغربية واعتبرها باطلة من أساسها وهكذا ‏قام احد دعاة المدرسة الغربية بالرد عليه وقد نظر علي الوردي إلى ‏كلا المدرستين بعين الحياد حسب كلامه واستفاد من كليهما حيث يجب ‏أن يكون مبدأ الانفتاح هو الأساس الذي يتعامل به مع علم الاجتماع ‏والابتعاد عن التعصب لأي مدرسة من المدارس الفكرية .‏
ولكن علي الوردي تعصب لنظريات معينة بالضد من نظريات أخرى ‏ومنها اعتباره :ان أساس نظرية الباراسايكولوجي هو عبارة عن ‏موجات كهرومغناطيسية مما جعله يضع أساس كتابه أسرار ‏الشخصية الناجحة على أساس الموجات الكهرومغناطيسية كتفسير ‏للظاهرة الباراسيكولوجية وبالنتيجة فقد اثبت العلم الحديث عدم صحة ‏هذه النظرية من حيث أساس انبعاث الموجات كسبب لهذه الظاهرة ‏وهذا ما اثبت من قبل بعض العلماء الروس عندما وضعوا فتاة داخل ‏غرفة لها قابلية بارا سيكولوجية عن طريق التخاطر مع عشيقها ‏وضعوها داخل غرفة تمنع دخول وخروج الموجات الكهرومغناطيسية ‏ومع ذلك استطاعت الفتاة أن تتخاطر مع عشيقها وهذا يدحض اساس ‏الموجات الكهرومغناطيسية كظاهرة تفسيرية للظواهر ‏الباراسيكولوجية .‏

ثامنا/ راي الدكتور الودي بابن خلدون في النظرية الاجتماعية التابعه ‏له/‏
يقول الوردي/ ابن خلدون بشر كسائر البشر وليس معصوما من ‏الخطأ وهو قد جاء بنظريته اعتمادا على مطلعاته وتجاربه الشخصية ‏وهذه المطالعات والتجارب لا بد ان تكون محدودة وناقصة ولهذا كانت ‏نظريته مليئة بالأخطاء ‏
وعلي الوردي يكاد يتفق مع ابن خلدون كثيرا في الكثير من أوجه ‏نظريته ولكنه يختلف مع ابن خلدون بمسالة مهمة عندما اعتبر انه ‏وقع في خطا كبير عندما ظن ان صراع البداوة والحضارة موجود في ‏كل المجتمعات البشرية وأشار الوردي الى ان هذا الخطأ ناتج من ‏كون ابن خلدون في جولاته ومطالعاته لم يخرج من قوقعته الفكرية ‏التي نشا وعاش فيها ولو انه عاش في هذا الزمن –كما يرى ‏الوردي- واطلع على مافي العالم من مجتمعات وثقافات مختلفة يحاول ‏إصلاح خطاه على وجه من الوجوه‏
وبهذا يتضح من كلام الوردي إن صراع البداوة والحضارة موجود ‏فقط في العالم العربي من الخليج حتى المحيط كما يرى وغير موجود ‏في العوالم الأخرى طبعا إن وجوده في العالم العربي هو بسبب ‏الامتداد الصحراوي الكبير وبالتالي يكمن هذا الصراع ولكن أنا ‏اختلف مع علي الوردي وأضم صوتي إلى ابن خلدون واقو لان ‏البداوة والحضارة كصراع وتعصب وعصبية موجود في اغلب ‏مجتمعات العالم الم نر ظاهرة التمييز العرقي في أمريكا وظاهرة قتال ‏القبائل في إفريقيا وظواهر الحروب بسبب إقصاء الآخر وبسبب ‏العرق وبسبب الدين في أوربا في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو ‏وغيرها من بلاد العالم وبالتالي فان تركيز البداوة والحضارة كصراع ‏في العالم العربي هذا قول ليس دقيقا بل ان قول ابن خلدون في ‏وجود هكذا صراع في اغلب مجتمعات العالم هو القول الأقرب للصحة ‏بل اذا أردنا الدقة نرى إن هذه الصراعات موجودة حتى على مستوى ‏سياسيي وبرلمانيي العالم وهذا يتضح جليا في المعارك التي تحدث ‏داخل برلمانات العالم في كوريا واليابان وتصل إلى درجة العراك ‏بالأيدي من قبل البرلمانيين نتيجة اختلافاتهم ألا تعبر هذه الظواهر ‏على درجة البداوة والعصبية عند هؤلاء القادة والمثقفين.‏
من هنا الحلقة ‏الرابعه


ونود أن نركز طبعا على إن ابن خلدون لم يكن هو مؤسس علم ‏الاجتماع الحديث وهذا ما ذهب إليه الوردي أيضا على الرغم من انه ‏وضع أسسا للعلم أهملت فيما بعد بسبب حالات الانحطاط التي صاحبت ‏الحضارة العربية وعزى الوردي حالة الانحطاط هذه بسبب انشغال ‏المفكرين في ذاك الوقت في مواضيع منسجمة مع الانحطاط الحضاري ‏من طراز ألفية ابن مالك وكتابة الشروح عليها وبذا نسوا العلم العظيم ‏الذي وضع أساسه ابن خلدون ((آفاق عربية –ص44, آراء ‏وتفسيرات حول المجتمع وطبيعة الإنسان –مايس 1984م))‏
وهنا نختلف كثيرا مع علي الوردي رحمه الله فليس من الممكن عد ‏ألفية ابن مالك أو ما شاكلها كصورة من صور الانحطاط الحضاري ‏وذلك لان المفكرين الذين أقاموا عليها شروحا تهم وكتبهم هم من ‏المختصين باللغة العربية وليس لنا إن نجبرهم على دراسة علم ‏الاجتماع كما إننا لا نستطيع إجبار أهل علم الاجتماع بدراسة اللغة ‏العربية فلعلم الاجتماع عالمه الخاص وعلماؤه المختصون والذين كان ‏بإمكانهم القيام بدراسة العلوم الجديدة الخاصة به ولكن تقاعسهم ‏وعدم دراستهم للعلم بشكل صحيح هو الذي ساهم في هذه المسالة ‏وليس انشغالهم بألفية ابن مالك كما ذهب الدكتور الوردي وبالتالي ‏فانه يدعو وبشكل جميل الى وضع علم اجتماع عربي يقوم على نفس ‏الأساس الذي وضعه ابن خلدون ويعزيه إن بعض الباحثين ‏الاجتماعيين يسيرون في بحوثهم على طريقة التقليد لإحدى ‏المدرستين الرئيسيتين في علم الاجتماع الحديث أي الماركسية او ‏الغربية وبالتالي فان نتائج بحوثهم لا تنسجم وطبيعة مجتمعاتنا ‏العربية وبالنتيجة فان علي الوردي يساهم اسهامة مهمة في جعل ‏المفكر يعيش واقعه ويحاول معالجته من الأزمات التي يعيشها المفكر ‏نفسه لا أن يعيش في اليوتوبيا التي لا تجدي نفعا في عالم متأزم ‏وبالنتيجة فهو يصيب على أصحاب المدرستين الماركسية والغربية ‏فيما يقوموا به من طرق للمعالجة بطريقة الاستبيان والإحصاء من ‏المدرسة الغربية والتي لا تنسجم مع مجتمعاتنا لعدم دقتها في نظر ‏الوردي بسبب ان مجتمعنا غير متعود على شخصيات تسأله في امر ‏ما ويهرب الناس من السائل ويسخروا منه في حين ان المدرسة ‏الماركسية يحاول أصحابها إدخال المجتمعات التي يدرجون ظواهرها ‏الاجتماعية بخمسة مراحل هي/‏
‏1-‏ المشاعية البدائية.‏
‏2-‏ الرق
‏3-‏ الإقطاع
‏4-‏ الرأسمالية
‏5-‏ الشيوعية
وبالتالي يحاولوا اكتشاف المجتمع حسب هذه الظواهر ولم ‏يشخص د. علي الوردي أي من النظامين كان جيدا للبشرية النظام ‏الرأسمالي أم الشيوعي بل يعتبر ان كلا النظامين فيه مساوئ ‏ومحاسن عديدة لأنه عايشهما فترة كبيرة من الزمن ويلفت النظر ‏إلى أن على العرب أن يختاروا لحياتهم ما يلاءم مجتمعهم ‏وشخصيتهم ولا يكونوا تجاه هذه الأنظمة كالعاشق الولهان وهذا ‏هو مبدأ الاقتباس المشروط الذي عمل به جمال الدين الأفغاني من ‏قبل حين نادى بان نأخذ من الغرب ما يناسب تطلعاتنا .‏
وبالتالي فعلي الوردي يعتبر أن طبيعة البشر ناقصة لذلك هم غير ‏قادرين على إنشاء نظام اجتماعي مثالي لهم ويعزيه علي الوردي ‏إلى طبيعة الإنسان فالإنسان إما خيرا أو شريرا وهذا يفعله من ‏عمل خير أو شرير حسب ما يوحي به شعوره بالأنا وهو شعور ‏يبدأ منذ الطفولة كمرحلة ويغرز بها وبالتالي فان علم الشخصية ‏كأحد فروع علم الاجتماع يقوم على أساس الشعور بالذات كمحور ‏تدور حوله الشخصية وبالتالي هذا هو السبب في ان تكون طبيعة ‏الإنسان ناقصة وغير قادرة على إيجاد نظام متكامل يحكمهما ولكن ‏الدكتور الوردي يفرق هنا بين مصطلحين فيما يخص الذات أي ‏الأنا وهو الأنانية والانوية حيث يعتبر الإنسانية حالة مرضية ‏يصاب بها بعض الأشخاص أما الانوية وهي تعني بأكثر الناس ‏فالفرد فيها كثيرا ما يساعد غيره لأنه يريد ارتفاع الأنا في نظر ‏المجتمع أي انه كالطفل يقوم بالعمل الذي نمدحه عليه ويضرب ‏مثالا على الفرد العشائري حيث يقاتل من اجل عشيرته وقد يبذل ‏حياته أو ماله كي يمتدح بأشد المدح من قبل أفراد عشيرته وهكذا ‏الفرد في البلاد المتقدمة عندما يكون مخترع أو مكتشف فانه ‏يسعى وراء التقدير الاجتماعي ويصل الوردي إلى خلاصة في هذا ‏المجال مفادها إن الإنسان انوي ومعنى ذلك انه حين يفعل الخير لا ‏يفعله حبا بالخير لذاته بل لكي يرفع من شأن الأنا في نظر الغير ‏ويشير إلى أن ما ورد في القران الكريم من آيات متعددة في وصف ‏طبيعة الإنسان قريبة جدا مما جاء به علم الاجتماع.‏
تاسعا/‏
علي الوردي وتحيز العقل البشري .‏
يعتبر الدكتور الوردي إن العقل البشري متحيز بطبيعته وان هناك ‏عوامل لاشعورية تؤثر في تفكير الإنسان ويذكر ثلاثة من هذه ‏العوامل اللاشعورية/‏
‏1-‏ الإيحاء الاجتماعي.‏
‏2-‏ المصلحة الخاصة.‏
‏3-‏ العاطفة.‏
ومن حيث العامل الأول وهنا ينفرد الوردي بمصطلح يكاد ان ‏يكون الأول من نوعه في العلوم الاجتماعية يصنف من خلاله ‏كيف إن الإنسان يخضع في حياته الاجتماعية لتنويم يشبه من ‏بعض الوجوه التنويم المغناطيسي يسميه التنويم الاجتماعي ‏وهو ان المجتمع يسلط على الإنسان منذ طفولته الباكرة عقائد ‏وقيم واعتبارات اجتماعية ويضع تفكير الإنسان في قوالب لا ‏شعورية ويجعل الإنسان الذي نشأ في بيئة معينة ينطبع تفكيره ‏غالبا بما في تلك البيئة من عقائد دينية وميول وعادات وقيم ‏اجتماعية ولكن يضع الوردي استثناءات ويقول ان بعض الناس ‏يتمردون على بيئتهم وهناك آخرون ينتقدون عقائد بيئتهم ‏ويحاولون إصلاحها.‏
أما العامل اللاشعوري الثاني /فهو المصلحة الخاصة وهنا ‏يفلسف الوردي من خلال هذا العامل كيف إن مصلحة الإنسان ‏تتحكم به لتحقيق أهداف معينة ولكنه يتظاهر بأنه يسعى نحو ‏الحق والحقيقة ويضرب الدكتور الوردي مثالا على الحسد فهو ‏يضيف انم نشا الحسد طبيعي فما دام الإنسان يبحث عن ‏مصلحته الخاصة فهو لا يحب ان يرى أحدا من أقرانه سبقه ‏إلى هدف ما . ‏
أما العامل اللاشعوري الثالث /أي العاطفة فتجعل من الإنسان يركز ‏على محاسن المحبوب ويغض النظر عن مساوئه وهو يفعل عكس ‏ذلك تجاه المكروه وهو بذلك يتحيز حسب هذا العامل وهنا يسال ‏الوردي إذا كان العقل البشري متحيزا فكيف استطاع أن يكون ‏مبدعا ؟ فيجيب إن وصف العقل بأنه متحيز لا اعني انه ليس مبدع ‏فالواقع إن العقل البشري متحيز ومبدع في آن واحد .‏
وهنا قد يتساءل سائل ويقول :مادام إن العقل البشري متحيز دائما ‏في نظر الدكتور الوردي فكيف يمكن التوصل إلى الموضوعية.‏
في البحوث الاجتماعية والتاريخية ولكن الدكتور الوردي يجيب ‏ويقول إننا حين نطلب من المؤرخ أو الباحث الاجتماعي ان يكون ‏موضوعيا أي غير متحيز لا نقصد بذلك أن يكون مجردا من التحيز ‏تجردا تاما فهذا مستحيل فعلا ولكن أن يكون تحيزه قليلا هذا فيما ‏يخص الدراسات التاريخية وهنا أحيل القارئ إلى بحثي المنشور ‏في صحيفة الزمان حول أسس التاريخ عند الدكتور نوري جعفر ‏والذي اذكر فيه الموضوعية التي يجب أن تكون متوفرة لدى ‏المؤرخ أو الباحث في الشؤون التاريخية لغرض أن يكون بحثه ‏موضوعيا مهما وما فائدة المؤرخ إذا كان متحيزا سواء كان ‏تحيزه قليل أو كثير .‏

عاشرا/ الدكتور الوردي وعلاقته بالمؤرخين العرب/‏

يعترف الدكتور الوردي بأنه معجب بالطبري والبلاذري ‏والمسعودي وابن الأثير وبأنهم تجنبوا الكثير من المهاترات ‏والمجادلات التعصبية المقيتة وهنا ينقل الدكتور الوردي كلام ‏للدكتور صالح احمد العلي في وصف المؤرخين العرب بما نصه/ ‏من حق العرب أن يفخروا بكثرة ما ألفوه من كتب مكتوبة باللغة ‏العربية فأنهم في ذلك يفوقون كافة الأمم التي سبقتهم وعاصرتهم.‏
ويعقب الدكتور الوردي على ذلك بأنه يتوافق مع الدكتور صالح ‏على قوله هذا كل الموافقة وان المؤرخين العرب كانوا مفتوحي ‏الذهن وهم يجعلون من يقرأهم مفتوح الذهن.‏
وهنا اختلف مع الدكتور الوردي اختلافا كبيرا على رأيه هذا ‏وللأسباب التالية.‏
‏1-‏ إن هذه نظرة قومية بحتة للدكتور الوردي بنظرته للمؤرخين ‏العرب وإعجابه بهم وموافقته لكلام الدكتور صالح العلي ‏ومافيه من قومية كبيرة وواضحة .‏
‏2-‏ صحيح إن العرب قد يكونوا قد فاقوا الأمم كثيرا في التأليف ‏ولكن أي تاريخ ورثه وكتبه هؤلاء كمؤرخين والمهاترات ‏الكبيرة والكثيرة بين مؤرخي السنة والشيعة وما جرى على ‏إثرها من مشاكل كثيرة جرت لسنين عديدة وسببت الأذى ‏الكبير الذي طال المجتمعات العربية والإسلامية وهنا لو أردنا ‏أن نستعرض ما جاء به هؤلاء المؤرخين لرأينا العجب في هذه ‏المسالة ولرأينا التاريخ المشوه الذي ورثناه من هؤلاء وهذه ‏النظرة لعلي الوردي تناقض مجاله النهضوي.‏
‏3-‏ استخدام الوردي لمفردة الأمة العربية يثير أسئلة كثيرة ومنها ‏هل امن الوردي بالأمة العربية ولو كان قد امن بها فلماذا لم ‏يدرس الشخصية العربية وإنما تخصص بالشخصية العراقية ‏وهذا يدلك على انه يفرق تفرقة واضحة بين الأمة العربية ‏والأمة العراقية ويعتبر إن لكل منهما شخصيتهما الحضارية.‏
ونتساءل مع الدكتور الوردي أيضا أما كان ابن الأثير متحيزا أو ‏الطبري للتراث السني أو المسعودي وتحيزه للتراث الشيعي قليلا ‏أو كثيرا ونقول أيضا إن هؤلاء المؤرخين الذين أعجب بهم ‏الدكتور الوردي هم متحيزون وكلا إلى تراثه شيعيا كان أم سنيا ‏وهناك من الموضوعية الشيء القليل لا الكثير .‏

الحادي عشر/‏
‏ يقول الدكتور الوردي إن الحضارة قائمة على أساس من المساواة ‏والتعاون بين جميع المواطنين وهذا هو ما نتوقعه من مسيرتنا ‏الحاضرة وهكذا فهو يعطي صورة الحضارة المشرقة التي يود أن ‏يراها في المجتمعات وبالتالي تتطور مسيرة الإنسانية إلى مراتب ‏التقدم الكبيرة.‏
الاعتمادات/‏
‏1-‏ مجلة آفاق عربية ،العدد 9،مايس 1984،السنة التاسعة.‏
‏2-‏ مجلة الثقافة العربية، العدد13،تشرين الثاني 1974م.‏
‏3-‏ مجلة الأقلام العراقية ،العدد5،1999م.،السنة 34‏
‏4-‏ الأقلام ،العدد8،1983م.‏
‏5-‏ آفاق عربية ،العددان7-8،تموز-آب 1995،السنة العشرون.‏
‏6-‏ أسطورة الأدب الرفيع،الدكتور علي الوردي،طبعة لندن.‏
‏7-‏ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث /د.علي ‏الوردي،مطبعة الإرشاد،بغداد/1971/الأجزاء الكاملة.‏
‏8-‏ منطق ابن خلدون /د.علي الوردي ،ط1، 2005، منشورات ‏ابن جبير ‏
‏9-‏ دراسة في طبية المجتمع العراقي،د.علي الوردي،بغداد،دار ‏الحوراء،2005‏
‏10-‏ خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة ،د.علي ‏الوردي، ط2 ،دار الوراق، لندن،1996م.‏
‏11-‏ وعاظ السلاطين،د.علي الوردي، دار كوفان،لندن،ط2، ‏‏1995.‏



#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)       Yaser_Jasem_Qasem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظرة الى الموروث والقدرة على التقدم
- هل قامت الاديان باختزال مفاهيم الانسانية
- لقاء مع الدكتورة نوال السعداوي
- اس وتراب ..... دلالات فنية ومسيرة شعرية قراءة في مجموعة احمد ...
- المجتمع بين الواقعية والرمزية دلالات اليوتوبيا في تجسيد الوا ...
- الفلسفة التربوية لمعاني الثورة وأسس التربية التاريخية في نظر ...
- العولمة ... الاتجاهات والمناهج الفكرية ج2 : سياسات العولمة و ...
- العولمة ..الاتجاهات والمناهج الفكرية
- اشكالية الشرق والغرب في الاتجاهات الفكرية
- العقل الايماني وارتباطه بمظاهر العنف
- هشام شرابي قراءة في نظرية البعث الاسلامي والاصولية
- الفكر النقدي الادبي
- الارهاب وتقاطعات الانسنة في المشاريع الحيوية
- ثقافة العصر وتحديات الحداثة
- الطغيان السياسي وجذور الاستبداد


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسر جاسم قاسم - التنوع الفكري لدى العلامة الدكتور علي الوردي