( الغرب ينحلّ ويجب السيطرة على السلطة..من خلال الأرهاب والعنف والجريمة )
هذه العبارة المأخوذه من أدبيات التشكيلات السرية التي كانت تهدف لبناء غرب جديد
..أستعيدها كلما اختفى إسم أو أستهدفت ذات عراقية أو عقل من العقول التي صنعها
الشعب..أو كلما تناقلت الأوساط الثقافية خبر توقيتات جديدة لأغتيالات قادمة..
..بل أنا أعدت قراءة العبارة مرة أخرى وأنا أقرا خبر أغتيال عالم الذرة العراقي مجيد حسين علي ألأستاذ في كلية العلوم بجامعة بغداد ..كما أعدتها وأنا أقرأ تصريح الجنرال مارك كيميت الناطق باسم
قوات التحالف قبل أيام أن الأغتيالات حتى الآن شملت ألفا ( 1000) من المثقفين والمراتب
الوسطى..ممن يخرج أغتيالهم عن إطار ألأنتقام الثأري أو تصفية الحسابات فضلا عن كونهم
غير محسوبين على النظام السابق ..
..ويشير الجنرال كيميت الى أن المشمولين هم من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والقضاة
والمحامين والمثقفين والتكنوقراط..وهو ماأطلق عليهم ذوي الياقات البيضاء من الطبقة المتعلمة..
وفي مثل هذه الأجواء يـكتـب المثقفون المقيمون في الخارج .. زوايا وكتابات ومقالات شتى
يطرحون فيها السؤال : أين المثقف العراقي..لماذا هو مغيب في كل الجدل الذي يقوم في البلاد
..أين دوره في مشروع التسامح والمصالحة الوطنية..وأرى أن أسئلتهم تعبر حقا عن ضمير وطني
خلاق ينظر الى قانون الحياة وهي تتجدد وتنطرح آمال كبيرة لقاعدة كبيرة من الوطنيين المتضرريين
من الحكم الدكتاتوري طوال ثلاثة عقود ونصف من القهر والظلام..ولكن الحقائق على الأرض
تختلف كليا ..ففيما تحمل الأحزاب السياسية أجندتها وطموحاتها أمام إطلاق سلف مشاريع الأعمار
وأمــام المحاصصة المعلنة للوظائف والمواقع..وفيما تنطلق تهم التخوين والأنتماء الى النظام السابق
في اللقاءات وعلى صفحات الصحف..تصيب المثقف العراقي أعتى أنماط المواجهه .. فخلال اللقاءات
الـعامـة التي تحّدّث فيها المثقفون العراقيون لمواجهة طروحات فكرية أو دينية ..طائفية أو سلفية
عن المرأة أو العائلة ..عن الأدب أو الأبداع ..عن الغد أو الحلم ..ضد النكوص والتخلف من أجل
مستقبل تعددي علماني فيدرالي متسامح يرفض الولاإت المغلقة ..أنطلقت الأصوات تملأ المكان لتعيد
صفات التخوين والصدّامية..والنفعية وربما أنبرى البعض لأخراجه من القاعة ومنعه من التصويت
أو المساهمة في أي نشاط.. بل أن الأخطر الذي يواجهه المثقف العراقي هو الأبتزاز والتخويف حين
ينبري البعض لأبلاغه بألأبتعاد عن النشاطات العامّه..خشية عليه وحرصا..وربما أقترح البعض تغيير السكن وطريق الخروج والعودة..وألأدهى ..التوصية بعدم الخروج نهائيا ..أقول ذلك وأتذكر شهادات لأساتذة جامعيين ..وأدباء ومعماريين..وآخرين لم يكن تاريخهم يحمل ولاإت للنظام أو
أنخراط في حملات إبادة ..أو طائفية مقيته بل عرفوا بألتفاؤل بأن عراق الغد سيكون أوسع أفقا
وأكثر أمانا وتسامحا وتجاوزا للماضي بكل مافيه من آلام وأسى..وظلم..لكنهم رغم ذلك واجهوا الخطر وهددوا به ..فما بال اولئك الذين عملوا في مؤسسات النظام ممن أضطرّوا للبقاء وعدم مغادرة
البلاد وشملهم التعميم والفرض وألأجبارمن قبل النظام السابق الذي تفنن في إخضاع الملايين وتهديدهم..ولذلك حين قرأت مقالة الشاعر جمعة الحلفي في ( الحوار المتمدّن ) ../ عشائر المثقفين/
العدد/749..أستعدت إشارات الأديب جاسم المطير حول دور المثقفين في المرحلة الجديدة..وأنا
اظن ان الكاتبين لا يقصدان الثقافة بمعنى النوع الأدبي / شعر ..قصة ..رواية..وغير ذلك ..بل
الثقافة بمعنى شمولي يندرج تحت عنوانها كل ما أثمره المجتمع العراقي من رجال ونساء مثلوا منجزات العقل العراقي طوال عقود طويلة من تاريخ العراق الحديث ..كما آستعدت دعوات الشاعر فاضل السلطاني في مقالات سابقة. والكاتب عدنان حسين و اشارات الشاعر موفق محمد في جريدة الصباح البغدادية ورهط من أصحاب الضمير الوطني العراقي الذي يعلمنا الأن أن طرحهم لمشروع إعلاء دور المثقف العراقي..كيف ينتصف للمثقف العراقي الذي عانى ويعاني من التهميش..والعزلة وأحب أن أضيف الى ان الأدارة الأمريكية لا تريد اللقاء مع المثقفين العراقيين ..فقد ألتحقت بألعمل كمدير عام للفنون الموسيقية بناء على دعوة الجنرال غارنر..( وهذه التجربة ..وما قبلها سوف آتي على تفصيلها في كتابات قادمة ) وكان اللقاء يوم 2/5 / 2003 ..في قصر المؤتمرات ..وسط حشد من مدراء عامين ..معظمهم غير حزبيين ..أو من الدرجات الحزبية الصغيره..ومعظمهم من تشكيلات وزارة الثقافة ..وألخارجية..والتعليم العالي..وقد صافح الجنرال بعضنا ثم أحال العاملين فبي وزارة الثقافة الى المنسّق ألأول السفير جون لـمّبرد..وهو سفير أمريكي سبق ان عمل في دول آسيا ..وكان السفير محاطا بعددمن المساعدين العسكريين ..كولونيل كاسل ..المسؤول العسكري عن الثقافة..وساندي هاجكنسن..وكرستوفر سترو للأدارة والمالية ومعين الجابري ..مترجما ، وبعد مداولات حول إمكانية جعل دعوة الجنرال غارنر للألتحاق با لوظائف واقعية ..طلبت الكلام ..وعرضت ..قضيتين ألأولى
ان اللذين رايتموهم في الشارع وأثناء عمليات السلب والنهب هؤلاء لايمثلون جوهر الشعب العراقي
من المتعلمين والجامعيين والمعماريين وألأدباء والمؤرخين وأبناء البيت العراقي ذو التقاليد..وأن هذا العدوان المكبوت لتفريغ شحنة الظلم الكثير الذي عاناه ابناء الشعب..ولذلك من الآن يجب اللقاء بألمثقفين ابناء العراق الذين مايزالون في منازلهم ..وهم أغلبية .. ( وبألمناسبة ماتزال شريحة كبيرة منهم بعيدة ومهمّشة حتى الساعة )..والقضية الثانية هي أننا ننتمي الى مؤسسة النظام السابق وينبغي إخراجنا من الصورة إما بألأحالة على التقاعد أو بوضعنا جانبا كمستشارين..وأعتماد المعاونين والمساعدين..لأن سيكولوجيا الناس ..والمثقفين تريد أن تتعامل مع وجوه جديدة تمثل الوضع الجديد بعد سقوط الدكتاتوريّة..ومؤسساتها..فأجابني السفير لمّبرد : بالنسبة للموضوع الثاني فنحن أخترنا مجموعة منكم ..لدينا أنطباعات إيجابية عنكم لأدارة المؤسسات الثقافية حتى تشكيل الوزارة ..وأما
الموضوع الثاني فجوابه عند السيد كاسل..مع ضحكة عريضة..وقد همس لي كاسل ..إنك متعجّل ..
وظل كاسل يكررذلك علي كلما كررت طرح ألأمر..مع المنسق كردوني ..والذي تلاه في المسؤولية
وغيره..ولعدّة مرات..حتى مباشرة الوزير مفيد الجزائري ..ثم إحالتي على التقاعد في 1/ 10 /2003
والسيّد كاسل يردد..إنك ماتزال متعجلا..وها نحن نقارب العام على سقوط النظام وماتزال كل الجهات تضيّق على مثقفي الداخل ..والخارج ..إما لأن القوى السياسية القادمة غير محتاجة إلاّ الى
مثقفيها المحدودي العدد والثقافة .. وتلك مزية النظام السابق الذي كان يخشى المثقفين ويطاردهم ويجوعهم ويهمّشهم ويحاصرهم إمّا للهجرة أو للبقاء جوقة لترديد الغناء للدكتاتور ..أو لأن الأدارة المدنية غير مكترثة بدور المثقف في المرحلة الجديدة..حتى المثقفين ..الذين تعاقدوا معهم ضمن مجلس ألأعمار والتطوير..( إبراهيم أحمد..أبراهيم الزبيدي..صادق الصائغ..محمد عبد الجبار..) ..وغيرهم
ـ عدا الكاتب إسماعيل زاير صاحب جريدة الصباح اليومية ـ..فأنهم بألكاد يعرفون بدور ما وهم في مساكنهم البعيدة عن الجمهور والحياة..أما قاعدة المثقفين والذين تضرروا من النظام السابق ..فأما ينتظرون ماوعدوا به من وظائف لكسبهم ألآن أو يغرقون في بيئة التهميش والكراهية المتبادلة الآن..
لولاإت ضيقة..أو لتهم مجانية ..أو لضياع المرجعية الثقافية ..لأن الذين يديرون ألأمر بعيدون عن التحولات التي أنتابت بنية الذات العراقية وحاجاتها وبخاصة الذات المثقفة.. أو لأن ألأمكانات المتاحة للعمل الثقافي هي إمكانات شكلية تعتريها صعوبات العمل المعروفة بين سلطة التحالف ومجلس الحكم وللأنصاف نقول أن القيادات الكردية تنبهت الى معاناة المثقفين الكورد..وفتحت إمكانات التسامح والتأهيل والبحث عن فرص لأدماج المثقف الكوردي في بناء البلاد وتأمين الخبز الكريم والمكانة اللائقة..وأقول كلمة أخيرة أن الحزن في بلادنا كثير وكثير جدا وأخشى أن البعض يريد الدم أن يتساوى مع الحزن ويسبقه وتلك هي القضية التي تبعد المنطق وتطلق ثقافة العنف ووهم آنتصار..
*********************