خرج المهاجرالعجوز من بيته، يبحث عمن يكلمه، يتحدث اليه. يقاسمه وقته، ووحدته. خرج يبحث عن اصدقائه القدامى الذين تعود ان يبادلهم نفس الملل. ولكن احمد التركي ليس في البيت ، وحسن الأيراني هو الأخر ليس في شقته. محسن سافر الى قريته في جنوب لبنان. احمد المغربي وسعيد التونسي ليس في مكانهما المعتاد في المقهى الشرقي . ربما سافرا هما ايضا. فألى من يلتجأ؟
أين ذهب الجميع؟ لا احد يعرف . ماعدا الألباني المعاق يجلس في الشرفه غافيا بين ملابسه الرثه . مساعدته المفترضه تتجنبه بقراءة مجله قديمه. المهاجر العجوز يلتقي متسكعا اخر . يبدو انه معتوه فيبتعد عنه. لقد بحث طوال النهار. وهاهو يشعر بالجوع، ولكنه لا يرى غير بائعي الخضروات التعبى، المرتجفي الأوصال، وجوههم متجمده من البرد مثل بضاعتهم . هناك يقف الصومالي سعيد يثرثر معهم، ليقتل وقته هو الأخر.
بدأ الجو يصبح باردآ، والمهاجر العجوز وحيد حزين. تعب من التجوال. جلس على الأرض. افترش ما تبقى من اوراق الخريف الصفراء، والقمامه المتروكه. انه متعب منهك، ويرتجف بردآ... الوفر بدأ يتساقط. هاقد حل الشتاء الرهيب، عدوه اللدود، مبكرآ. النعاس يداعب جفونه، يريد ان ينام، ولكن ليس هنا في العراء تحت الوفر المتساقط.
حاول ان يجد مكانآ يلجـأ اليه ،يحميه، يقيه، يأنس اليه . التجأ الى شجره لم تحمه اغصانها العاريه من الوفر المتساقط... انسحب من جديد. سار على الوفر الذي عبد الطريق حديثآ بغطاء ناعم ناصع البياض يتعب العينين. توقف قليلآ في ساحة الحي. لم يكترث له احد. لم يكن هناك احد. فمضى من جديد متوجها الى غرفته، ليقضي شتاءا اخر بين الظلام، والوحده، والبرد، والثلج . هؤلاء هم اصدقائه الجدد، منذ فارق اهله واصدقائه، في وطنه الدافئ.