|
الخطاب الماركسي للديمقراطية *
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2444 - 2008 / 10 / 24 - 05:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يجسّد الخطاب الديمقراطي مشروعا حضاريا هدفه تنمية الإنسان باعتباره الغاية والوسيلة في سياق تحقيق مسيرة وطيدة ومتصاعدة للتنمية الحضارية المجتمعية الشاملة. إذا كانت الديمقراطية جسما غريبا زُرِعَتْ في رحم الليبرالية البرجوازية في خضم نموها، ومن ثم تعايشت معها واصبحت جزءا منها، فإِن الديمقراطية في المشروع الماركسي- على الاقل نظريا- تشكل النصف الحقيقي الآخر من مكوناته. لأِنه يربط ما بين السياسة والاقتصاد، ويؤمن بالمشاركة الجماهيرية، ويقوم على تصفية مصدر الاستغلال والتناقضات الطبقية التي تجسدها الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. ومع ذلك تخلفت التطبيقات الماركسية عن تحقيق ديمقراطية سياسية متقدمة مقارنة بالديمقراطية الليبرالية، وذلك في ظروف سيطرة الحزب الواحد وغياب التعددية والاصرار على تفسير الماركسية من وجهة نظر اجتماعية على حساب الحقوق السياسية. وازاء هذا الاختلال في المشروع الماركسي للديمقراطية، يحق للمرء التساؤل: اين يكمن التناقض؟ هناك اتفاق في هذا المجال على ما يأتي: ان العدوان على الحريات الفردية في الانظمة الماركسية ليس سمة ملازمة للفكر الاشتراكي وللدول الاشتراكية. ولا يوجد نظريا ما يحتم الربط بين استمرار النظام الاشتراكي ووجود حزب واحد، ولا يوجد ما يتناقض وامكانية تداول السلطة بين أحزاب اشتراكية. كما ان مرحلة التحول الاشتراكي تقوم بتصفية التناقضات الطبقية (العدائية) دون تصفية التناقضات غير العدائية. ومجتمع بلا تناقضات هو مجتمع ميـت. وان التناقض ظاهرة اصيلة في المجتمع والكون حسب منهج ماركس الجدلي، وان التقدم رهن بالقدرة على تجاوز الشيء ونقيضه الى شيء ارقى من الاثنين. وان التجربة اثبتت ان قضايا بناء الاشتراكية اعمق بكثير من قضايا بناء المجتمع الطبقي. من هنا لا بد ان يختلف الناس ولو كانوا جميعا ينتسبون الى ماركس. بل ان ماركس نفسه لم يكن حتى مقصرا في تقديره لحدود الديمقراطية البرجوازية واعتبرها حقيقية وليست مزيفـة رغم نواقصها، ورأى انها تشكل تقدما مهما في تاريخ البشرية. وكان ماركس مقتنعا ان النظام الاشتراكي سوف لن ينكر الحقوق الديمقراطية السياسية بل يحترمها ويطورها ويعطيها مضمونا اعمق. ورغم الانجازات الاقتصادية غير المسبوقة للثورة البلشفية الروسية، إِلا انها عجزت عن تحقيق ديمقراطية سياسية متقدمة مقارنة بالديمقراطية الليبرالية1. وهذه المناقشة التي تعبّـر عموما عن الفجوة بين الماركسية وتطبيقاتها وجدت تعبيرها لدى احد المفكرين الغربيين(شومبيتر) في عبارته التالية "هناك بين المعنى الحقيقي الذي تتضمنه رسالة ماركس وبين الاساليب والايديولوجية البلشفية فجوة هي على الاقل مثل اتساع الفجوة التي كانت موجودة بين الدين الذي بشّر به اهل الجليل المتواضعون وبين اساليب وايديولوجية امراء الكنيسة وسادة الحرب في العصور الوسطى".(2) في نهاية هذه المناقشة من المفيد التذكير بأن الديمقراطية مفهوم حضاري تاريخي تتطلب فترة نضوج مناسبة. وهي مهمة اكثر صعوبة وتتطلب صبرا اعظم ونفسا اطول في حالة المجتمعات الاقل تطورا. واذا كان الامر كذلك، أليس التطلع الى قدرة الثورة الاشتراكية تحقيق ديمقراطية سياسية متقدمة مقارنة بالديمقراطية الليبرالية وفي مجتمع تقليدي خلال فترة قصيرة نسبيا قفزا على الواقع وتجاوزا على منطق التاريخ؟ واخيرا، اذا كان ماركس قد بنى تحليله على قيام الثورة الاشتراكية في مراكز الانظمة الرأسمالية "المتقدمة" (وهذا يتطلب تصفية الاستعمار العالمي سياسيا واقتصاديا)، بينما رأى لينين امكانية قيامها في اطراف هذه الدول "المتخلفة" (مع ملاحظة ان الثورة التي قادها لينين اتسمت بالعنف والاستبداد في مرحلة او اكثر من مراحلها) فكيف يمكن تحقيق ديمقراطية متقدمة في مرحلة التحول الاشتراكي وسط بحر واسع من التخلف الاجتماعي؟ وهل يمكن قيام ثورة اشتراكية وبدء مرحلة التحول الاشتراكي في المجتمعات التقليدية ام انها تظل متجذرة بتحقيق مهمة التحرر الوطني؟ أليس الفكر الماركسي الاصيل نفسه هو نظرية للتحرر من الاستعمار(الاستغلال) اولا باعتبارها الاساس لدك الامبريالية العالمية والطريق لبناء الاشتراكية في مرحلة لاحقة؟ لعل هذه الاسئلة تستحق التفكير جديا في المبادرة بتشجيع الدراسات الاشتراكية عموما، وتأكيد اهمية عقد الندوات والمؤتمرات العلمية بصورة منتظمة، وذلك في محاولة لبحث جوانب ثلاثة- على الاقل- متمثلة في: الخوض في بحث مرحلة التحول الاشتراكي باتجاه استكمال وتطوير التحليل الماركسي.. تحليل العوامل الجوهرية التي قادت الى فشل التجربة السوفيتية .. دراسة وتحليل بنية الخطاب او الخطابات الماركسية للديمقراطية. مممممممممممممممممممممـ * مبحث فرعي منقول من كتاب للباحث بعنوان: العراق المعاصر- أنظمة الحكم والأحزاب السياسية، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق 2002. 1 أنظر: (1) علي الدين هلال، "مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث،" ندوة أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية بيروت 1987، ص36. (2) سمير أمين، "حول منهج تحليل أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، ندوة أزمة الديمقراطية، مرجع سابق، ص317. (3) إسماعيل صبري عبدالله، "الديمقراطية داخل الأحزاب الوطنية وفيما بينها،" ندوة أزمة الديمقراطية، مرجع سابق، ص543. 2 عشرة اقتصاديين عظام، تأليف ج. شومبيتر، ترجمة د. راشد البراوي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968، ص10.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتحار أم قتل النفس في سياق احتجاج عسكري؟
-
السياسة المُدَلّسة والكوليرا المتفجرة في العراق
-
القوات الأثيوبية تُغادر الصومال
-
تشريد، قتل المسيحيين في الموصل وحرق دورهم
-
المخابرات الأمريكية: -النصر- ليس مؤكداً في العراق
-
إخفاء جريمة أمريكا: مقديشو تتحول إلى خرائب خالية من مواطنيها
-
العراق خطر جداً على أصحاب الاختصاص professionals
-
دبلوماسي بريطاني: المهمة محكومة بالفشل في أفغانستان
-
عَرَبٌ.. خَوَنةٌ..
-
حرب العراق فَجّرتْ الأزمة الاقتصادية.. ويمكن أن تُكلّف أمريك
...
-
العجز في الأداء يُصيب أكبر مستشفيات العراق
-
موت أكثر من مليون عراقي.. حصيلة الاحتلال الأمريكي
-
عناصر مخابرات إسرائيلة تُمارس نشاطها بحرية وفعالية في بلدان
...
-
مخاوف من وفاة ألف عرافي بسبب الكوليرا
-
البرنامج الأمريكي الشديد السرية في العراق بالارتباط مع إسرائ
...
-
ما هو السلاح السري القاتل في العراق؟
-
مشكلة القمامة في بغداد
-
أحداث معتقلون في سجون عراقية مكتظة.. يتعرضون للتعذيب والاعتد
...
-
التحضيرات جارية لحرب عالمية ثالثة
-
إلى -مُحريينا-!!؟؟
المزيد.....
-
فيضانات غير مسبوقة تجتاح بريتاني الفرنسية والسلطات تدعو للحذ
...
-
رئيس أركان الجيش الجزائري يبحث مع وفد -الناتو- سبل تعزيز الح
...
-
روسيا تدين أعمال المتمردين في الكونغو الديمقراطية
-
رئيس وزراء سلوفاكيا يهدد زيلينسكي بمنع المساعدات المالية لأو
...
-
وفد حماس يبحث مع المخابرات المصرية تطورات ملف التهدئة بغزة
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|