|
الجزء الثاني من سيرة البسيط والهيئة العليا - 2 -
ناس حدهوم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2445 - 2008 / 10 / 25 - 04:03
المحور:
الادب والفن
الباخرة تشق طريقها نحو أدغال المحيط الأطلنطي متجهة نحو كندا . أحوال الطقس سيئة للغاية . الأفق يبدو ضبابيا ونفسي ترتجف إنها أول مرة في حياتي أركب أهوال البحر لأكون وجها لوجه مع أمواج المحيط العملاقة. تذكرت يوم كنت في - بيلباو - مصطحبا البحارة وننتقل من حان إلى حان لا زلت أذكر عندما إلتقينا بالقبطان في إحدى الحانات وكان ثملا كان يتباهى بكونه سيقطع المحيط خلال فصل الشتاء وبأنه قادر على ذلك رغم خطورة المهمة . لم أفهم آنذاك مغزى كلامه أما الآن وأنا متورط في ركوب هذه الباخرة البئيسة أ شعر بأن الرسالة وصلتني لكنها وصلت متأخرة . وفجأة كما لو أنني استيقظت من غيبوبة ووجدتني أشعر بخوف شديد . لكن رغم رداءة الأحوال الجوية كانت الباخرة تتغلغل رويدا رويدا داخل المحيط الشاسع ولا أدري كيف تذكرت ( مغامرات كريسطوبال كولومبوس ) ربما مر من هنا بالذات أ لم ينطلق من إسبانيا ؟ كان يبدو لي البحر لانهائيا ومرعبا وبدا لي أيضا كما لو أنني سأدفن هنا بين هذه الأمواج ولن أعود أبدا إلى بيتي ووطني.كانت الباخرة تتمايل ذات اليمين وذات الشمال فأحسبها كما لو أن المحيط سوف يبتلعها على الفور.أصبت بالدوار فلم أستطع المكوث على سطح الباخرة لما كنت أ شارك البحارة في بعض الأشغال أو على الأقل كنت أهم بذلك . فأرسلني الرئيس إلى مخدعي مستهزئا بي بينما البحارة كانوا يتضاحكون فيما بينهم . كنت أحس بالغثيان فوضعت إناءا بجانب فراشي والباخرة تميل بشدة نحو الميمنة وأخرى نحو الميسرة . عند حلول ساعة وجبة الغذاء جاءني بحار إسمه ( el pato ) فوجدني في حالة سيئة وأخبرني بأن القبطان علم بحالة الدوار الذي أصبت به فقال للبحارة ساخرا مني ( لقد كنت أعلم أنه بحار لكن في اليابسة ) وضحك الجميع من سخريته . كما أخبرني أيضا بأن صراعا نشب بين القبطان ومهندس غرفة المحركات بخصوص الرجوع أو الإستمرار في الإبحار لكن رأي أحدهما غلب على رأي الآخر فاستمرت الباخرة في اتجاه المحيط. لمدة يومين وأنا طريح الفراش بعدها صار الدوار يتضاءل مفعوله واستطعت بعد ذلك أن التحق بسطح الباخرة وأشارك البحارة في عملهم الذي لم أكن قد إستوعبته بعد. ذات ليلة تحركت العاصفة وهاجمتنا الأمواج العملاقة وأصبح الخطر جاهزا . تكسر سلم الباخرة الذي يصلها بأرصفة الموانيء عند الرسو بها . تكسر أيضا الرادار اللاسلكي الذي يسهل الإتصال بمصالح الإنقاذ. ودوى صوت جرس الإعلان عن حالة الطواريء وهرع الجميع لمواجهة الخطر. شعرت للتو بأن الموت قدر لابد منه كان إحساسي به كما لو أن روحي ستخرج مني قبل غرق الباخرة في ظلام المحيط. ولم أعد أفهم ما يجري حولي لم أعد أسمع سوى الصراخ الممزوج بإصدار الأوامر والهرولة . بعضهم كان يربط خاصرته بالحبال المتينة مع أوتاد العنابر الحديدية وهم يتحركون في كل اتجاه. ويتفقدون أشياءا لم أكن أعرف خصوصياتها وكنت عاجزا عن مشاركتهم نشاطهم المحموم. كنت كالأبله لا أدري كيف اجاريهم فيما يفعلون ولا كيف أساعدهم لأنني لأول مرة أتواجد على باخرة تجارية . اختفيت في المقصف القريب وجلست على المقعد المثبت بأرضية المقصف وتشبثت بالطاولة المثبتة هي الأخرى. كان الموقف رهيبا .وفجأة دخل الرايس وأ شار علي غاضبا أن أخرج لسطح الباخرة لمساعدة زملائي. واختارني لكي يتم ربطي بالحبال لأقوم بمهمة إعادة السلم لوضعه الطبيعي وربطه بحبل متين ريثما يتم تلحيمه عند هدوء العاصفة. رباه .. كيف يمكن لي أن أقوم بذلك وأنا بلا تجربة في مثل هذه الأحوال ؟ هم أيضا يدركون بأنني لا أستطيع إنجاز هذه المهمة ..إذن ربما هذه مؤامرة للخلاص مني ولن تكون سوى حادثة شغل لا أقل ولا أكثر . فكثيرا ما سمعت مثل هذه الحوادث المتعمدة وقعت لبعض البحارة العرب والإفريقيين . فامتنعت عن الرضوخ للأمر. فسبني وشتمني الرايس فأرجعت له الشتيمة بأقبح منها . تطوع أحدهم وكان هنديا من الأندوراس وأنجز المهمة بحنكة ودراية فائقة وبشجاعة نادرة. ثم سحبوه إلى الأعلى على سطح الباخرة . فخاطبني الهندي ( أنظر إلى الرجال أيها المخنث ) قلت له طز عليكم كلكم. لا أتذكر كيف حدث ثم تحسنت أحوال الطقس بشكل جذري وصار المحيط أمامي صفحة هادئة ومنبسطة كأنه سهل مترامي الأطراف أضاءته خيوط الفجر الأولى فبدا لي كلوحة لأفق ساحر مكللا بسماء صافية وزرقة بثت في أعماقي إحساسا بالأمان والطمأنينة والسلام. لا أدري لماذا ساد الباخرة وجوم غريب وغير عادي وكانت نظرات البحارة مصوبة لبعضهم البعض كأنهم يتحدثون بلغة العيون . ثم تسلل كل واحد نحو مخدعه في هدوء تام أبهرني . ولم يبق إلا من يشتغل في غرفة القيادة وغرفة المحركات. حتى المطبخ الذي من عادته أن يفتح بابه في هذه الآونة ظل مغلقا إلى غاية الواحدة بعد الزوال عندما دبت الحركة وبدأت عملية إفراغ المياه التي غمرت ممرات الباخرة وأرضية المخادع وكذا العنابر .كل تلك المياه تم إفراغها بواسطة محرك يمتص الماء ويلفظه خارج الباخرة .أما الحمولة التي كانت من أ سلاك دائرية أصيبت بالبلل وسمعت بأنها أصبحت فاسدة .
#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ا لله
-
غرام الذباب
-
أنا الأرض أنا التراب
-
أوراق من الواقع
-
حمائم الحنين
-
ثرثرة داخل كلوب المغرب التطواني
-
الرائحة
-
مأساة العراق
-
الجزء الثاني من سيرة البسيط والهيئة العليا
-
العراء
-
هرا ء
-
إعتقال للمدينة
-
بكاء الروح
-
الآن
-
رغبة الغموض
-
مرارتنا
-
البسيط والهيئة العليا - 30 - سيرة
-
يباب في الذاكرة
-
البسيط والهيئة العليا - 29 - سيرة
-
البسيط والهيئة العليا - 28 - سيرة
المزيد.....
-
وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
-
سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون
...
-
العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه
...
-
إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025
...
-
بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
-
ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم
...
-
سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو
...
-
معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
-
الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي
...
-
-نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|