|
الشهيد الشيوعي مشروع إعلامي
خالد صبيح
الحوار المتمدن-العدد: 753 - 2004 / 2 / 23 - 05:29
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
فرديا ينطوي سلوك الاستعداد للتضحية بالنفس وبالمستقبل الشخصي، رغم غوامضه النفسية، على قدر كبير من الجرأة وحرية الإرادة، لكن يمكن القول ان الإنسان لا يختار طريقا يمكن ان يعرض به حياته للخطر كمحصلة مباشرة لتأمل عميق في مضامين وجدوى هذا الاختيار، ولا يتخذه أيضا كنتيجة لمناقشة منطقية عميقة، بل هو، في الغالب، يتخذه نتيجة لاندفاع عاطفي، وجداني يستمد مبرراته وأسبابه من الحالة الاجتماعية والنفسية ومن طبيعة المحيط الذي يحيا به الخ. ثم ان المرء حين يتخذ هكذا قرار يكون قد وضع أمام نفسه، بتفاؤل تلقائي، مستقبل مشرق يتوج بالنصر وبتحقيق الحلم مسار القضية التي رهن حياته ومستقبله لها. بالاضافة إلى موقف التحدي الذي يتخذه السياسي حينما يواجه اختيار الموت في مواجهة مباشرة مع العدو سواء كان هذا العدو جلادا في أقبية تعذيب أو قوة عسكرية في ميدان قتال. ومايشجع أكثر على التحدي والاستعداد للتضحية هو القناعة العميقة والجادة بالقيم والمُثل التي يحملها المرء ويستعد للتضحية من اجلها. والقناعة تلك لايصلها الإنسان من خلال التأمل والقراءة والتمعن في أعماق الفكر النظري والمبادئ بقدر ما تأتي بقوة المَثل التي يجسدها له قادته السياسيين في الميدانين السياسي والتنظيمي وفي الحياة اليومية. وأكيد ان المضحين بأنفسهم أو الشهداء في التسمية الأكثر تأثيرا وانتشار هم المثل الحقيقي والكبير للكثير ممن اختاروا طريق النضال، لهذا يصيرون ( الشهداء) الرصيد الكبير والقوي للأحزاب السياسية ذات الطراز الجماهيري، الراديكالي والثوري، فبتضحيتهم وبأسمائهم توسع هذه الأحزاب من قاعدتها، التي ستشكل قوتها المادية، وتجذر مكانتها في المجتمع وفي الميدان السياسي. ومن أرضية وخلفية ثقافية وحضارية، كالثقافة العراقية، تمجد التضحية وتعتبرها بطولة يصير الميل الأكبر للأحزاب السياسية العراقية هو أن تتقدم في المكانة بعدد شهدائها وتسعى لربط اسمها بالشهداء والشهادة.الحزب الشيوعي العراقي، رغم انه خسر الموقع الأول من حيث عدد الشهداء أمام القوى الإسلامية إلا انه بقي يلقب بحزب الشهداء، والحق يقال فان التسمية صحيحة ليس فقط للكم العددي للشهداء وإنما للظروف والمواقف وكذلك الأهداف التي قدم هؤلاء الشهداء حياتهم من اجلها وشكلوا بذلك رصيدا بدا غير ناضب لهذا الحزب. لكن ما يستوقف النظر هو تساؤل عن حقيقة موقف هذا الحزب، حاليا على الأقل، من مسألة الشهداء والتضحية. دأبت بعض الأقلام السمجة، من الشيوعيين وممن يتمسح بهم ،التي تستخدم منطق خطاب( بالروح بالدم) ولكن بمفردات وتعابير أخرى، على التذكير بيوم الشهيد الشيوعي وبالشهداء بالتركيز على القادة من الشهداء كالشهيدين < وسلام عادل>. ورغم الاحترام الكبير جدا لهذين البطلين المضحيين إلا ان ذكرهما بهذا الإلحاح ناشئ، بتقديري، من خلل في الممارسة النضالية للقيادات الحزبية التي أدارت الحزب منذ ما بعد انقلاب شباط الفاشي عام 1963 سجل تراجعا وتقليصا لفعل التضحية لديها، وعكس تحولا مهما في مفهوم النضال وممارسته وفق الموروث النضالي لهذا الحزب، لهذا تحاول هذه الأقلام الركيكة جاهدة رتقه ربما بتوصية مباشرة أو إيحائية من القيادات الحالية للحزب، لتغطي على حقيقة بديهية تقول ان قوة المثال النضالي تكون أكثر تأثيرا وقيمة حينما يضحي أو يستشهد من اجل القضية قائد سياسي، وهذا أمر مربك تماما لهذه القيادات حيث لم يستشهد اي قيادي لهذا الحزب منذ ما بعد الانقلاب الدموي، وهذا لا يعود بطبيعة الحال إلى ان ظروف العمل الحزبي والسياسي في العراق قد تغيرت بل على العكس فهي قد ازدادت صعوبة وتعقيدا وخطورة ولكن يرجع ذلك، بتصوري، إلى التحول في مفهوم العمل الحزبي والنضالي عموما لهذه القيادات التي صارت القيادة لديها مجالا للامتيازات والنفوذ والتسلط. ومن يشكك بهذا الكلام فليراجع ما يتوافر من معلومات شائعة ومتاحة عن سلوك قيادة الحزب في بيروت في الثمانينات حيث كانت تشكل هناك مركزا حزبيا كبيرا، والجميع يعرف الشخص الذي أدار العمل الحزبي فيها وكيف حول امكانات الحزب واسمه إلى رصيد شخصي استثمره لنزواته الشخصية ولتشييد تاريخ حزبي نضالي خاص به بجمعه من حوله حثالات انتهازية تبحث عن الارتزاق والانتفاع لينتهي به المطاف صاحب استثمار رأسمالي واسع (ومناضلا) ذي تاريخ ترصد ملامحه بعض الأقلام الضحلة في محاولات دراماتيكية لتصويره مع أكاديمي أخر، جل عمله الحزبي <النضالي> هو الدراسة والتدريس، على أنهما بطلين، وهي محاولات ليست فقط مضحكة بل تبعث على الأسى حقا. كذلك الحال في مجموع ممارسات منظمات الحزب في الخارج( لتخ) وتحديدا في البلدان الاشتراكية سابقا وكيفية تحويلها لامتيازات الدراسة، التي هي حق طبيعي لمناضلي الحزب وأبناءه، إلى أداة للضغط والابتزاز وشراء المواقف وللقمع و الخ الخ. وفي واقع هذا التحول الحساس في مفاهيم النضال والقيادة سوف لا نعثر على قيادي من قادة الحزب مضحى لدرجة الاستشهاد لأنهم جنبوا أنفسهم هذا المصير بالهروب إلى الخارج، بحيث صار هناك عدد غير معقول من( مناضلي) الخارج تجاوزت فترات مكوثهم هناك الأربعون عاما يواجهون خلالها (الأهوال) في موسكو وبراغ وليعودوا فقط في وقت حصد الثمار من المناصب وغيرها. والواقع فاضح لهذه الأشياء ولمن يشك أو يشكك فليدقق النظر من حوله فقط. وبعض القادة ممن مروا بمحنة المواجهة مع العدو مباشرة، كالاعتقال، قد انهاروا ( إلا استثناءات نادرة كالشهيدة عايدة ياسين) وقدموا التنازل المطلوب لينقذوا حياتهم ويعودوا قادة إلى موقعهم الأول. ومن عايش تجربة كردستان يعرف كيف كانت تنظم بدقة وتصرف كل الجهود لانسحاب القادة أولا من اي ميدان قتال إذا صادف وان وجدوا فيه أصلا. في الجانب الآخر وبما ان الرصيد الحيوي لهذا الحزب هو الشهداء فإذن سينحصر هذا الإنجاز في القاعدة الحزبية وستتحول تضحياتها إلى مادة إعلامية لاستمرار سمعة الحزب وبقاء اسمه بطلا يقدم الشهداء، والوصول عمليا، وبطريقة مؤلمة، لحدود الاتجار بأسماء الشهداء ومعاملتهم وكأنهم ورقة لعب تحترق بعد الاستشهاد وبعد ان تستثمر إعلاميا. فليس للشهيد، في العقلية القيادية، دور وأهمية حقيقية خارج اطار المادة الإعلامية. ويمكن في هذا السياق ذكر ما نقل من إن القيادي< فاتح رسول >، وهو أسوا مخلوق مر على قيادة الحزب الشيوعي العراقي، انه قال، حين نقل إليه خبر استشهاد احد الأنصار في عام 79، من ان ذلك سيكون مادة جيدة لجريدة( ريبازي بيشمه ركه) هذا في وقت كان استشهاد اي نصير شيوعي يشكل خسارة معنوية كبيرة جدا عدا كونها تبعث على الألم. وفي زحمة التدافع على من يحوز اكبر عدد من الشهداء كمعيار لعمق وقوة النضال السائدة الان صار الحزب يقدم قوائمه الواحدة تلو الأخرى باستحياء ربما لأنها ليست بالمستوى الكمي المطلوب. المأخذ الكبير والمؤلم لا يكمن في تقديم الحزب لشهدائه إعلاميا وإنما لأنه، من الناحية العملية، وكما تشهد بعض الوقائع الحالية، لا يكترث لهؤلاء ولا يتعامل معهم بأكثر من محصولهم الإعلامي فهو لا يكترث مثلا بان يتصل بعوائل الشهداء الأنصار، التي تجهل جل عوائلهم للان ان أبناءها قد استشهدوا، ليشرح لهم ظروف استشهادهم ودورهم في حياة الحزب وليعبر لهم عن ان أبنائهم يحضون بالمكانة اللائقة في حياة الحزب وليدركوا ان هناك من يحترم تضحيتهم لاسيما ممن لاجل مبادئه استشهدوا، وليسعى كذلك لتقديم التعويض المادي والمعنوي لهم على تلك التضحية. وإذا بدت هذه الممارسة هي خط الحزب العام في تعامله مع شهدائه الذين لا يتجاوز الاهتمام بهم ألان أكثر من وضع صورهم لتطرز جدران المقرات الحزبية في المدن العراقية كديكور ضروري لحزب مناضل لقب بحزب الشهداء، فان انعدام الاهتمام بالشهداء الأنصار، لاسيما شهداء معركة بشتاشان التي لا تذكر في الأدبيات الحزبية ولا يذكر شهدائها إلا على استحياء، لم تأت فقط من خلفية الآلية البيروقراطية لإدارة العمل الحزبي حيث توزع المهام على طريقة الدواوين العثمانية، وإنما هناك ما يوحي بنوع من القلق والخوف من الحديث علنا عن هؤلاء الشهداء لذويهم لئلا يترتب عن هذا سلوك قد يحرج قيادة الحزب المرتبكة خجلا وخوفا أمام قيادة (البدين) جلال الطالباني مجرم معركة بشتاشان والذي يتحمل المسؤولية الأولى والأساسية عن قتل هؤلاء الشيوعيين في جريمة تبتعد كثيرا عن اسم الدلع الخجول( اقتتال الأخوة) الذي أطلق عليها لتدخل في الحيز الحقيقي والصريح بكونها جريمة قتل مع سبق الإصرار وبدوافع عنصرية بحتة حيث قتل هؤلاء الشيوعيون ليس لصفتهم الشيوعية فقط وفي إطار معركة عسكرية وإنما وبالضبط لصفة انتماءهم القومي كعرب( فقد اعدم جلهم بعد الأسر). وهذا، برأيي، يتطلب تحرك يتخذ من القانون وسيلته ومن القضاء ميدانه، وهو أمر يبدو إن الحزب الشيوعي غير مؤهل للقيام به لأنه يربك تحالفا ته وسياساته أولا ولانشغاله باكساء هيكله الاجرد بلحم من كانوا قد تخلوا عنه في أزماته السابقة بعد انسلاخ اغلب قاعدته الحزبية عنه ثانيا. لهذا مطلوب ان يقوم أهل هؤلاء الشهداء وأصدقائهم وكل من يهمه إعلاء كلمة الحق، لإنصاف هؤلاء الشهداء أولا ولسد الطريق على ممارسات مشابهة ثانيا، بتوجيه اتهام جريمة القتل إلى قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني< كجلال الطالباني>< البدين>< ونو شيروان> < وفؤاد معصوم> والمطالبة بمحاكمتهم وخصوصا من هم ألان في موقع المسؤولية في مجلس الحكم لان وجود مجرمي حرب عنصريون داخل مؤسسة حكم أمر فيه دلالات خطيرة. الصورة في الختام مؤلمة ومخزية، لان كل مناضل شيوعي هو مشروع شهادة وكل شهيد هو مشروع إعلامي يعزز الحزب به رصيده النضالي ليتقدم المستثمرون المعتادون على الكسب في كل الظروف لقطف الثمار والفوز بلقب المناضل المضحي معا. السويد2004-02-21
#خالد_صبيح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إرهاب جيفارا ألزرقاوي
-
الجرح النرجسي للكرد
-
ألترهيب الإسلامي
-
ثقافة الصنم
-
الموقع المهذب
-
وحدة الراي واقعها ودورها
-
البعث يضع النقاط على الحروف
-
نبوءة الخراب وتجلياته
-
النقد نقاش وحوار وليس عنفصة إفهام لفريد بن ايار
-
مسيحيو العراق الحجاب الاسلامي والمشروع الوطني
-
قرارالغاء عقوبة الاعدام وسؤال المشروعية والجدوى
-
الاجتثاث بالحوار
-
المسالة الكردية الفدرالية والديمقراطية وحق تقرير المصير
-
جريمة قتل في شارع عام - قصة مقتل اولوف بالمة
-
عالم صدام حسين بين حضور التاريخ وغياب المؤلف مدى شاسع من الذ
...
-
غياب المنهج وسطحية المعايير رد على الدكتور احمد البغدادي
-
علاقات العراق بمحيطه ضرورية ومشروطة
-
في تشريح المقاومة العراقية
-
المثقفون لعراقيون تشوش الرؤية في تقييم التجربة الذاتية
-
راي في فتوى هدر دماء البعثيين
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|