في أعمال الفنان كريم فرحان التدوين بقوة الرسم

كريم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 750 - 2004 / 2 / 20 - 06:57
المحور: الادب والفن
    

أنشغل الفنان العراقي منذ القدم بعملية التدوين، سواء ما تركه لنا من أثر شاهد عبر الرقم واللقى والألواح الطينية والحجرية.. أو تلك الاحفورات على الجدران والمسلات التي خطتها لنا أنامل الفنان السومري والآشوري والبابلي، وهي آثار واضحة على طبيعة ووعي وتفكير وحساسية الفنان العراقي باعتباره شاهد عصره ومدون تاريخه وأساطيره وخياله الواسع.
وما اختراع الكتابة التي جاء بها الإنسان العراقي القديم على ألواح الطين إلا دلالة آخرى على مدنية هذا الإنسان وتنظيم شؤون حياته بشكل حضاري تركت أثرها على مسار الحضارة الإنسانية وتطورها.
كما تنبئنا الألواح السومرية والبابلية التي دونت ورسمت عليها الأساطير كملحمة كلكامش ونزول عشتار إلى العالم السفلي وآدابا وملحمة الخليقة وغيرها، كمدونات كتابية متسلسلة، إضافة إلى توثيق الكوارث تلك التي أتت عبر الفيضانات أو الحروب أو الصراع مع قوى غيبية خارقة أحيانا على شكل سلسلة من الرسوم والنحت البارز (ريليف)، تدلل بقوة على سعة الخيال والحرفية العالية التي تميز بها الفنان الرافديني بأعتباره شاهد عصره كـ(موثق) وخالق لصور وكـ (مبدع) رؤى وحكايات وخيال.

عبر هذا المنطلق تستنطق أعمال الفنان كريم فرحان (الذي يستعد لإقامة معرضه الجديد في مدينة لوزان السويسرية) الصورة القديمة التي عرف بها الفنان باعتباره قناص لحظته التاريخية ومدون يوميات عصره الشائك بتجلياته وفوضاه ومآسيه. حيث جاءت أعماله بمجملها كتسجيل بعين نافذة وفرشاة حساسة، بارعة في اختيار صورة المشهد الأثري، ليس باعتباره شكلا متحفياً، إنما هو صورة واقع حي متفاعل ينمو أساسه كل لحظة بفعل التأثر والتراكم والتدوين والمحو اليومي للحياة وإرهاصاتها الثقيلة.

في لوحته تكوينات متداخلة مع بعضها على سطوح خشنة كدلالة أخرى لمعايشة الأثر من منطوق بصري متسق مع الخط واللون وتوزيع الإنشاء. رقعة تمتد على صفحات كتاب مرسوم تستلهم معطياتها المزج بين الذاكرة وجدارها المفتوح الأفق، حيث تزدان بخطا العابرين، لكنه يذهب لوجهة أخرى حين يصب اهتمامه في استعراض ولعه بالتصميم وتوزيعه للكتلة بشكل دقيق وفي غاية الحساسية.

مقابل ذلك نراه مولعاً جدا في بث تفاصيله اللونية الحارة على خلفية أحادية اللون كالـ (أوكر والرصاصي والبرتقالي والأبيض الجصي)   مستفيدا من فن المنمنمات وتفكيك الوحدات الزخرفية، موضفا إياها بشكل ذكي لخدمة عمله وإبراز التفاصل الدقيقة التي يهتم بإظهارها، بتجليات صوفية غائرة في العمق.

في سلسلة أعماله المستوحاة من شكل الكتاب واشتغاله بهدوء روحي على هذه الثيمة، التي أعطته الحرية في تقسيم اللوحة إلى ضفتين متساويتين، لكن بإنشاء ووحدات مختلفة.. نراه يصب عوالمه الكونية الروحية المتمثلة باللون والخط على الذاكرة بتمائم سحرية تعزف موسيقاها المنتشية في الجسد والحكاية والاسطورة ومقامة الضوء والعتمة، صفحة لكتاب لم تكتمل لتجليات نافذة نحو أفق الوجد (فمن لا يعرف الخيال ومرتبته، لا تكون له من المعرفة رائحة.. ابن عربي).
هذه التنويعات في الإنشاء والرموز الظاهرة الموحية، تكثف لنا المشهد بتفصيلات متداخلة حد التطرف يلجأ لها الفنان باعتبارها شروحات بصرية تفرض على المتلقي أمعان التأمل فيها، كواقع مرئي متشابك مع اللون والرمز وتراجيديا الصور المبثوثة تحت تراكم الصبغة وتضاريس المادة الخشنة، التي تضيف البعد الزمني كعامل مؤرخ للحدث ووقعه.
تتشكل في وحدات صوره حروف مبعثرة متناثرة تستلهم (الحروفية) كونها اثر ميثولوجي يتماها مع أشكال التمائم والأدعية والرسوم البدائية على جدار الزمن، فواصل متحركة تدور على المركز تبعا لتداخل اللون وتراكيب المادة، التي يحرص على خلقها بنفسه أحيانا من عدة مواد صبغية وصمغية ومواد مختلفة، لتعطي إيحاء وتناغم مختلف تماما عن طبيعة المادة الجاهزة.

كريم فرحان
مواليد بغداد 1958
خريج معهد الفنون الجميلة 1979- بغداد
يقيم في مدينة لوزان السويسرية منذ عام 1995
أقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في بغداد
ساهم في معارض جمعية الفنانين التشكيلين ومهرجان الواسطي الثالث.
1986 معرض الفن العراقي المعاصر بغداد.
1996 قاعة البرج مدينة فيفه السويسرية.
1999 الملتقى الثقافي العربي السويسري لوزان.
2000 قاعة مركز لونجيريي مورج سويسرا.
2001 أتيلية الفنان لوزان سويسرا.
2002 قاعة ارابا لوزان سويسرا.
2003 أتيلية الفنان لوزان سويسرا.

    

#كريم_النجار (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات