أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - لا للمعاناة /2/














المزيد.....

لا للمعاناة /2/


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 750 - 2004 / 2 / 20 - 06:51
المحور: الادب والفن
    


  عندما كنت منذ أعوام ، خلي البال ، أكاد لا أعرف عن ضروب المعاناة أكثر مما أسمع به أو أقرؤه في بطون الكتب التي تقع بين يدي ، والكتب كانت سر المتعة وأس أي سعادة إنسانية بحسب ما كان يخيل إلي آنئذ وخير ذخيرة على الإطلاق .

    كثيراً ما كنت أسأل في نفسي : كم هي حياة بخسة ، رخيصة ، مقرفة تلك التي يعيشها هؤلاء الذين لا تشغل القراءة جل أوقاتهم ، وشغفهم فتنصرف نواظرهم وقلوبهم عن الأسطر الغافية ، الحبيسة في أعماق هاتيك الكتب في انتظار من يوقظها من سباتها ، وينقذها من أسرها

    على هذا النحو كنت أقرض أوقاتي التي كانت تضيق على الدوام بالبرامج التي تمليها  الروح عادة ، إذ أنه لا غرو إذاً ، ولا غرابة أن يشطح بي التفكير في مثل هذا الطقس تارة لتحقيق رغبة بالتقاء صديق ، أو سماع أغنية ، أو رؤية لوحة ، ومشاهدة فيلم سينمائي ، أو عرض مسرحي .

    بل ومؤكد ، أن الأنثى التي تملأ عادة بحضورها الريحاني فضاءات الروح ، وترويها بعد ظمأ ، وتفرد لتوأمها الأجنحة ، كي يلوذ بها ، فيحلقا معاً في الأعالي قرب مسارات النيازك وغيوم الشعر ، إن مثل هذه الأنثى تفضح رائحتها أي حبر ، وتفصح عن موجها كأي بحر يغسل صدأ البرهات بأجمل الأناشيد .

    وبدهي  أن من يعيش على هذا النحو ، سيسهو عن شؤون الحياة " وكتابة الرزق " كما يسميها شاعر كبير … ما دامت أنه لا مشاغل يشعر بحضورها الوافر .

هكذا كنت ، أجل أستهجن حقاً غياب كثير من المبدعين عن ساحة الثقافة أو التواصل الفكري ، تحت وطأة الحاجة ، واللهاث وراء اللقمة ولا أريد أن يفهم من مثل هذا الكلام ، أنني ولدت وفي فمي ملعقة من ذهب ، بل على العكس تماماً كانت هناك في الحلق شوكة واخزة أحولها بفضل نعمى القناعة إلى نشيد ، لا أريد أن استرسل هنا ، بل يكفي أن أشير إلى دعابة صديق قال ذات مرة عن بيتنا : إنه آخر بيت دخله الرائي في البلد … !!

    إنه لحري بالمرء أن يكتشف أن ما في حلقه شوكة حقاً … !!! ؛ حين يتحول من طفل إلى أب عبر رحلة جد مختصرة ، يجد في كل مرة أفواهاً جائعة في انتظاره .

    وإنه لحري بي أن أدرك متأخراً ، بأنني لم أكن منصفاً البتة عندما كنت أعيب على ذوي الأسماء اللامعة وهم ينصرفون عن الكتابة ، لتدبير شؤون اللقمة ، ومماحكة زئبق الأرزاق العصي أبداً .

    فالكتابة – قبل أن تكون فعلاً يتأتى نتيجة – عمق موهبة – وطوال اجتهاد ، وتجربة ، إنها تستعصي على من لا يكون دائم المراس والدوران في فلكها ، مسكوناً بهاجسها السحري ، غير متشظ في مسارات قصية تنأى به عن تخومها الرائعة .

    صحيح أن المعاناة ، إحدى الضرائب التي تدفعها روح المبدع ، وأنه دون هذه المعاناة ، لن يكون أي إبداع قط ، حيث أن إبداع المترف ، يفقد الكثير من رونقه ، بل وصدقه وتأثيره ، إلا أن للمعاناة وكما قلت ( في زاوية سابقة ) ثمة حدوداً ؛ يجب ، ألا تتجاوزها ، حرصاً على موهبة هذا المبدع الذي قد تتحطم هذه الملكة التي يتمتع بها ، أنى تشرنق الواقع حول أحلامه ، ونفسه وحد من جموح قدراته ، وموهبته ، إلى الدرجة التي لا يستطيع مثل هذا الإنسان على الحراك تحت وطأة الأثقال الحياتية .

    وحكاية المبدعين ومثل هذه المعاناة طويلة جداً ، تحتاج حقاً إلى بحوث مستقلة ، تضيق بها مثل هذه الوقفة أو لم يقل الإمام الشافعي ذات مرة : " لو احتجت بصلة ، ما تعلمت مسألة ‍‍‍‍‍‍‍"

    أجل ، لقد وضع الإمام الشافعي إصبعه على الجرح النازف حقاً ، عندما انتبه إلى مكانة المثقف في مجتمعه – بعامة – والمبدع بخاصة ، مؤكداً على أن لإنتاج المعرفة شروطاً ومناخات خاصة ، من الضروري أن تتوفر لصانعها . يقول :

لا يدرك الحكمة من عمره               يكدح في مصلحة الأهـل

ولا ينال العــلم  إلا فتى              خـال من الأفكار والشغل

لو أن لقمان الحكـيم الذي              سارت به الركبان بالفضل

أبلى بفقــر  وعيال لما               فــرق  بين التبن والبقل

    وإذا كان أبو حيان التوحيدي ، واحداً ممن تجرعوا مرارة مثل هذه المعاناة ، مضطراً لبيع أردأ أنواع التمر في زمنه ، فإننا نجد أن أبا هلال العسكري يشير إلى ضرورة توفير سبل الحياة للمبدع خدمة للإبداع نفسه . يقول :

جلوسي في سوق أبيع وأشتري دليل  على  أن  الأنام  قرود

ويهجوهم  عني  رثاثة كسوتي هجاء قبيحاً ما عليه ..  مزيد



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا للمعاناة - 1
- مهدي خوشناو - سهرة أخيرة لهبُ سرمدي..!..
- بكائيات شباط ومفهوم المقاومة بين التزوير والتشويه ...
- الأكراد ضيوف الله على الأرض
- الباب
- الكرد والآخر: دعوة لإعادة قراءة العلاقة بغرض التفاعل الإيجاب ...
- ماهية الإبداع
- فلسفة الخطأ
- نوستالجيا إسلامية بسبب الموقف من القضية الكردية
- نصوص - قصص طويلة جداً
- المثقف والسلطة ثنائية الوئام والتناحر - الاستعلاء علي المثقف ...
- أزمة العقل العربي -دلالة الموقف من الدكتاتور أنموذجا
- خاطرة بين المسافات - دليل العاثر إلي برج الناشر
- مدائح البياض
- غيوم ابو للينير بين نهر السين ونهر الحب - شاعر فرنسي..المرأة ...
- أضواء - استرخاص الألقاب
- ثقافة الفرد لا تتناسخ مع الثقافة العامة - المثقف والسلطة.. ث ...
- بلند الحيدري رائد الحداثة المنسي - غواية المدن في اصطياد شاع ...
- ثقافة الفرد لا تتناسخ مع الثقافة العامة - المثقف والسلطة.. ث ...
- مئوية الشاعر الكردي جكرخوين - تجول في الفيافي مع الرعاة ليكت ...


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - لا للمعاناة /2/