عساسي عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 04:39
المحور:
الادب والفن
في تلك الليلة كان كلام يسوع يشدني بقوة عجيبة جعلتني أبدي إقداما وفداء لأعترف به قدام العالم، بيد أنه هو الوحيد الذي كان يعلم حدود قوتي وحماسي، فصخر الكنيسة لن يصير صلبا إلا بعد أن يصيح الديك صيحته الأخيرة بعد عشاء الفصح الأخير ، نعم، كان يسوع يعلم قدرة كل واحد منا على التحمل، فالقطيع قد تفرق في الجثسيماني بعد قبلة يهودا الحارة على خد يسوع.
هي ذي شمس هذا اليوم قد توارت من وراء الشفق لتحملها أجنحة فجر جديد وتغمر بدفئها زيتون أورشليم وسنديان والناصرة، وقمر هذه الليلة يا صاح سيتوارى كرفرفة شبح لطيف من وراء التلال ليلفظه عبير ليل آخر بين ثنايا الأثير وليلامس من جديد بنوره وجه البحيرات الهادئة .... كذلك هو ابن الإنسان في فصح ذلك العشاء الأخير كان كشمس تتجدد وكقمر سرمدي يشد الروح بنوره الفضي، وكان ككرم مثقل في غرة أيلول، وكنبع فياض زلال ينسل من قلب الصخور ...
كان يسوع في عشائه الأخير يشرد من حين لآخر ويحدق كمن يرنو لروح غير مرئية تخفر سقف العلية، وحين يعاود الحديث إلينا كان كلامه يمتزج برنة حزن عميق، في تلك الليلة كسر لنا يسوع الرغيف الغير المختمر وقال هذا جسدي المتروك لكم فكلوه شاكرين، ثم أمال الجرة بلطف متناه وسكب خمرا معتقا وقال وهذا دمي المسكوب من أجلكم فاشربوه تذكارا لي، فمتى عاد ابن الإنسان سيقيم معكم عشاءا آخر وفصحا آخر وسيردد معكم أغاني الغاب وترانيم الأنبياء بإيقاع رفيع وسنتذكر أيضا صوت البرية الصارخ الذي مهد الطريق لملكوت أبيكم السماوي، نعم، سأكون هناك بعد أن تأكلوا من هذا الفصح فكونوا مستعدين لفصحي الآتي ولوليمتي الفاخرة لكي أتوجكم جميعا في مملكة أبي السماوي .
كانت نظرات يسوع في العشاء الأخير تغمرنا كأنوار الفجر للحقول المنسية و كان كلامه يتدفق رقراقا كالجدول المنسل
فلا غرابة إن ظلت ذكراه العبقة تلازمنا ورنين كلامه يتردد على مسامعنا بعد ذلك العشاء الأخير ...
#عساسي_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟